الرابع عشر من تموز و الديمقراطية


منير العبيدي
2014 / 7 / 4 - 10:42     



قام عبد الكريم قاسم و عسكريون آخرون صبيحة الرابع عشر من تموز عام 1958 باسقط الملكية و استلام السلطة، و منذ اليوم الأول قام العسكر باقتحام قصر الرحاب فخرج الملك فيصل الثاني و عائلته غير مسلحين رافعين ايديهم استسلاما و لكن العسكر قاموا باطلاق النار عليهم و اردوهم قتلى بما في ذلك النساء.
بعدها بايام تمت ملاحقة نوري السعيد و قتله و سحله في الشوارع، اما الوصي على العرش عبد الاله فقد سحب من سيارة الاسعاف و هو جريح و تم قتله و التمثيل بجثته و علقت الجثة بدون اطراف على احد الجدران.
يحاول البعض للاسف الدفاع عن هذه المجرزة المشينة بدعوى ان عبد الكريم قاسم لم يرتكبها و ان من ارتكبها ضابط طائش!
لم يقم عبد الكريم قاسم و لا الاحزاب النافذة الداعمة له باستنكار الجريمة و التنصل منها و لا برد الاعتبار للعائلة المالكة و لم يصدر أي توضيح يشير الى ان المكان المناسب للاقتصاص من المجرمين، إن كانوا مجرمين حقا، هو المحاكم. لو أن ذلك حصل لكان له دور تربوي على الجماهير و لكان خلق وسطا يميز نفسه عن سلوك الرعاع. و هكذا كانت البداية لحمام الدم الذي بدأ صغيرا و بات اليوم بحجم الوطن.
التيار الديمقراطي و الرابع عشر من تموز
و قبيل حلول الذكرى السادسة و الخمسين لها الحدث تلقيت دعوة لحضور احتفال بالرابع عشر من تموز اقامها التيار الديمقراطي في المانيا و تسائلت: ما علاقة 14 تموز او عبد الكريم قاسم بالديمقراطية لكي يتم الاحتفال به؟
لا يمكن ان يصنف قاسم، في ضمن ألطف، التعابير الا كمستبد مستنير كما صنف ملوك و قادة في التاريخ العالمي، فقد قام بإطلاق مجموعة قوانين قادت لتحولات اجتماعية مهمة منها قانون الاحوال الشخصية و قوانين الاصلاح الزراعي و لكنه قدمها كإجراء فوقي غير مدعوم بآلية تمثيلية أو شرعية مما سهل الانقضاض عليها بسرعة و وسط بحر من الدماء في الثامن من شباط عام 1963.
و هكذا عمل قاسم ضمن خطين متناقضين مهلكين : تحولات اجتماعية من جهة و عداء سافر للديمقراطية و لكل اشكال المشاركة في اتخاذ القرار.
نكل قاسم برفاق السلاح و مهد لانقلاب الثامن من شباط 63 حتى ان سلام عادل نفسه اعتبر ان الانقلاب ضد المنجزات التي تحققت قد ابتدأ منذ عام 60 و ما الثامن من شباط الا تتويج لذلك.
و حين حلت اعوام الستينات و ما بعدها كان السيناريو في العراق يتميز بما يلي ...
قام عبد الكريم قاسم بمنح اجازة الحزب الشيوعي لحزب ملفق هو حزب داوود الصائغ الذي كان تعداد اعضاء حزبه و مريديه لا يتجاوز المائة و الكثير منهم من اجهزة قاسم الامنية في حين لم يوافق قاسم على منح الحزب الشيوعي الذي تجاوز تعداد اعضاءه و مؤازرية و منظماته المهنية و الجماهيرية مئات الالوف اجازة العمل العلني، الأكثر من ذلك قام متصرفو الالوية (المحافظون) بغلق نوادي الشبيبة و اتحادات الطلاب في كل المدن و القرى التي فتحت فيها و التي وفرت ملتقى للشباب لممارسة الرياضة و ألعاب الشطرنج بما مثلته في حينها من تطور نوعي مميز.
قد لانكون شيوعيين و قد نختلف مع الشيوعيين فكريا و لكننا كديمقراطيين لا اظن ان علينا ان نصمت أو نبرر القيام بالغاء حزب بهذه الجماهيرية و تلفيق حزب هزيل بدلا منه..
أعطى عبد الكريم قاسم امتيازا لاصدار صحيفة المبدأ لداوود الصائع كناطقة باسم الحزب الشيوعي بدلا عن الناطق الحقيقي باسمه اتحاد الشعب، فيما قام المتصرفون بمنع دخول اتحاد الشعب الى جميع المتصرفيات (المحافظات) و خصوصا في محافظات الجنوب باوامر من المتصرفين (المحافظين)؟
ثم زاد عبد الكريم قاسم و سلطة الرابع عشر من تموز على ذلك أن أطلق العنان للقوى الرجعية و الدينية الظلامية لملاحقة الشيوعيين و الديمقراطين تحت سمع قاسم و بصرة في كل مكان و اشبعوهم ضربا و اهانة و اغتيالا ، و كانت انتخابات نقابة المعلمين و غيرها من النقابات على وجه الخصوص مسرحا للاعتداءات عليهم ؟
و هكذا بقي قاسم الزعيم الاوحد الذي لا ينافس رغم انه لم ينتخب و لم يكن لديه في الافق اية نية لتنظيم انتخابات...
رسخ عبد الكريم مبدأ الاستيلاء على السلطة بالقوة دون التحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية كما فعلت كل الثورات مثل الثورة الفرنسية عام 1789 و البلشفية عام 1917 حيث قامت الاولى ببناء الجمعية التأسيسية و الثانية مجلس السوفييت ، فيما لم يقم عبد الكريم قاسم بإنشاء اية مؤسسة تمثيلة و فتح الباب امام انقلابيين آخرين.
ان من يصل بالقوة الى السلطة لا يستطيع ان يلوم الآخرين على استخدام القوة للوصول اليها ، فما هي القوة الاخلاقية و الدستورية التي يتوفر عليها قاسم لمحاكمة الشواف مثلا؟
هل يقول لهم انكم تحاولون قبل نظام الحكم؟
لا اعتقد ان هناك اي مبرر لكي يحتفل تيار يهتم بالديمقراطية بالرابع عشر من تموز.