الإختطاف


يعقوب ابراهامي
2014 / 6 / 28 - 14:02     

يدور في الصحافة الإسرائيلية هذه الأيام نقاشٌ حول الموقف الصحيح الذي يجب أن يقفه اليسار الإسرائيلي الصهيوني من محنة عائلات الفتية الثلاثة المختطفين.
فمن ناحية واحدة نحن أمام مأساة لأمهاتٍ واباء فقدوا أولادهم ولا يعرفون شيئاً عن مصيرهم. ومن الناحية الثانية هذه العائلات تنتمي إلى جمهورٍ يحمل بأغلبيته الساحقة إديولوجيا عنصرية ودينية قومية متطرفة.
هناك من الناحية الواحدة عملية اختطاف لا أخلاقية ولا إنسانية لثلاثة فتية أبرياء. ولكن هذه العملية، من الناحية الثانية، جرت على خلفية احتلالٍ وسيطرة غاشمة على شعبٍ آخر دامت أكثر من اربعين عاماً وجلبت الخراب والدمار على الشعب العربي الفلسطيتي والفساد والإنحطاط الأخلاقي على شعب اسرائيل.
هناك على إحدى كفتي الميزان مأساة إنسانية وعلى الكفة الإخرى سطوة المحتل وعنجهية ومكر نتانياهو.
ماذا يجب أن يكون موقف اليسار الإسرائيلي الصهيوني؟
في ما يلي ترجمة (مع بعض التصرف) لرسالة بعثها القارئ موني شاحر من تل أبيب إلى جريدة "هآريتس" ونُشِرت بتاريخ 27/6/2014. الرسالة تعبر طبعاً عن موقفي أنا أيضاً.

"إذا كان اليسار (الإسرائيلي الصهيوني) يعاني من مرضٍ فإنه يعاني من مرض الغموض وعدم الوضوح في مواقفه لا من إبراز مواقفه وشحذها. وإذا كان الجمهور الإسرائيلي اليوم يصعب عليه التمييز بين اليسار وغير اليسار فإن ذلك يعود في الدرجة الأولى إلى تلعثم اليسار وتردده. لذلك فإن علينا أن نعلن بوضوح ما يلي: نحن، كبشر وكآباءٍ وأمهاتٍ لأبناء، لا يمكننا إلاّ أن نشعر بالشفقة والحزن على اختطاف الفتية الثلاثة. ليس هناك شكٌ أيضاً في أن اختطاف فتيةٍ أبرياء هو عملٌ لا أخلاقي، مُشين ومرفوضٌ من أساسه. واليسار الصهيوني الذي يقف بثباتٍ إلى جانب نضال الشعب العربي الفلسطيني لا يمكنه إلاّ أن يشجب استخدام هذه الطرق اللا أخلاقية.
لكننا، في الوقت نفسه وفي هذه الآيام العصيبة بالذات، يجب أن نعلن، بصوتٍ عالٍ واضحٍ وصريح، وبصورةٍ لا تقبل التأويل، إن المستوطنين بأغلبيتهم الساحقة يثيرون الاشمئزاز. هم يدينون بإديولوجيا حقيرة هي مزيجٌ من العنصرية والتعصب القومي وعبادة القوة الغاشمة. هم لا يستحقون التضامن معهم – وبالتأكيد لا من قبل من يرفعون علم السلوك الأخلاقي والمبادئ الإنسانية.
هؤلاء ليسوا صهاينة بل قوميون متعصبون.
نبذهم وفضحهم وشجبهم بلا تحفظ من قبل اليسار (اليسار كما أفهمه أنا) – هو الموقف الذي يجب اتخاذه. يجب أن نقاطع إنتاجهم الزراعي والصناعي ويجب أن نمتنع عن زيارتهم. نعانق من يقع منهم في محنة لكننا نرفض التعاطف مع معسكره المتطرف.
شجب المستوطنين وفضح إديولوجيتهم يجب أن يكون صريحاً وبصوتٍ عالٍ، بلا وجلٍ أو تردد، حتى في أيام المحن. إن المصير الذي ينتظرنا في أعقاب الإحتلال والسيطرة على شعبٍ آخر واضحٌ للجميع: إنحطاط المجتمع الإسرائيلي أخلاقياً وانهيار المشروع الصهيوني برمته. تردد الوسط واليسار المعتدل ساهم كثيراً في تقوية اليمين الديني والقومي المتعصب. مظاهر التعاطف والتسامح مع المستوطنين شجعتهم على الاستمرار في غيهم. أكثر من مرة وُصٍفوا بأنهم رواد طلائعيون، روّاد متحمسون ربما أكثر من اللازم لكنهم ذوو نوايا طيبة. وكل ذلك لآن قلائل فقط من بيننا تجرؤوا على أن يخلعوا الستار عن وجوه المستوطنين ويكشفوا عن طبيعتهم الحقيقية القذرة."

* * *
من أخبار مزبلة التاريخ:
جاء في الموقع الرسمي للمزبلة، بتاريخ 27/6/2014 ما يلي:
"عاد الى ارض الوطن، صباح يوم أمس الخميس، النائب محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (الحزب الشيوعي العربي في اسرائيل – ي. أ.)، بعد مشاركته في مؤتمر حزب "المسار الديمقراطي الاجتماعي"، إذ أجرى سلسلة من اللقاءات السياسية، مع قيادات سياسية تونسية وعربية بارزة، مستعرضا أوضاع جماهيرنا العربية، والتطورات على القضية الفلسطينية، خاصة العدوان الاسرائيلي على الضفة والقطاع في الايام الأخيرة (اختطاف يوك – ي.أ.)، وأكد بركة وجود توافق تام (!!!) حول مكانة القضية الفلسطينية، كونها قضية العرب الأولى (!!! – لم أفهم أبداً لماذا في وقتٍ يقتل فيه السني أخاه الشيعي، تُقطع فيه رؤوس الكفرة، يُحكم بالإعدام على "المارقات"، يُجلد فيه من لا يقيم الصلاة، تُحطَّم فيه تماثيل الشعراء وعلى أنقاضها تُقام دولة "الخلافة الإسلامية"، فإن قضية العرب الأولى هي "بالدم والروح نفديك يا أقصى" وليس الإلتحاق بركب الحضارة البشرية. - ي. أ.).
"كما استعرض بركة بواطن السياسة الاسرائيلية من قضية الصراع واستعجال الحكومة الاسرائيلية ومعها الأذرع الأمنية والعسكرية كافة، لفرض وقائع على الارض في محاولة للقضاء على آفاق الحل وتحقيقه، وهذا برز أيضا في الايام الأخيرة، بعد اختفاء (!!! – ي. أ.) المستوطنين الثلاثة، إذ أن نهج اسرائيل على الأرض لم يكن بدافع العثور على المستوطنين، أكثر من ضرب بنى تحتية واعتقال مقاومين، كما استعرض قضية الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال (لماذا ابتسمت أحلام التميمي؟ - ي.أ.)".
محمد ("نقبل التراب من تحت أقدام شيخ الأقصى رائد صلاح" و"نطرد الأمريكان بالقنادر") بركة، من نزلاء مزبلة التاريخ القدامى، لم تكن له شجاعة الزعيم الفلسطيني محمود عباس الذي شجب، أمام العالم العربي كله، عملية الاختطاف (الإختفاء؟) اللا أخلاقية واللا إنسانية.