العراق يفوزمجددا في عهد المالكي بذهبية اللجوءياد الدولي


صادق البلادي
2014 / 6 / 28 - 10:21     


يشاء القدر أن يكون يوم الذكرى الخامسة والأربعين لإلقاء قنبلة هيروشيما، يوم 6 آب 1990 ، وربما في نفس الساعة(8.15) التي بدأت فيها النواقيس تقرع في هيروشيما مُذكرة الناس في كل مكان بالجحيم الذي يتهددهم بوجود القنبلة الذرية، سلاح الدمار الشامل ، أن يكون يوم الذكرى الخامسة والأربعين لجريمة هيروشيما هو يوم وساعة ارتفاع الأيدي في مجلس الأمن لتوافق على القرار 661 بفرض الحصار على العراق،وإدخال شعب العراق تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذي استمر رغم تحرير الكويت ، و بقي حتى بعد سنوات على أحتلال العراق و انهيار نظام صدام البعث الفاشي، حتى رفع جزئيا. قرار الحصار هذا صار يعني أن الشرعية الدولية قد أجازت استخدام سلاح إبادة شاملة، بطئ وصامت ، اسمه الحصار، لا يكلف الدول التي تستخدمه فلسا واحدا، بل انتفع منه أيضا موظفو الأمم المتحدة ولجانها، بقبض رواتبهم من أموال العراق، مثلما استفادت منه مافيات التهريب، العالمية منها، والمنطقية والعراقية- عربا وأكراد ومن كل فسيفساء المجتمع العراقي ، كما استفاد الذين قبلوا رشاوى كوبونات النفط.
أما بعض نتائج سلاح الدمار الشامل الجانبية_ الحصار_ هذا فكان موت أكثر من 5000 آلاف طفل عراقي دون الخامسة من العمر شهرا بعد شهر. موت أكثر من مليون عراقي نتيجة آثار سوء التغذية ونقص الأدوية.التسول والبغاء،الانتحار العائلي، انهيار التعليم، واضطرار العلماء والمثقفين لبيع أعز ما يملكون، مكتباتهم، انهيار النظام الصحي ، ونزوح الملايين من أرض العراق ، سعيا وراء البقاء وبعض ظل أمان ، وموت مئات منهم غرقا في البحار والمحيطات.
وعندما سأل طلبة جامعيون أمريكيون الشمطاء، وزيرة خارجيتهم يومذاك أولبرايت ، عما يسببه الحصار من موت أطفال العراق، زهور الحياة، تجيب بكل وقاحة وصفاقة وامتهان لقيمة الإنسان، خليفة الله على أرضه بتعبيرالقرآن، تجيب " نعم نحن مستعدون لدفع الثمن" ، وكان الثمن هو فقدان نساء العراق لفلذات أكبادهن.
وكان تزايد الهجرة من العراق واحدة من نتائج الحصار، وقد كتبت مقالة عام 1997 بعنوان فوز العراق في اللجوءياد الدولي، لم ارسلها للنشر في حينه، وبمناسبة اشتداد
الهجرة بعد غزوة داعش للموصل ارسلها للنشر كما هي.


فوز العراق في اللجوءياد الدولي
تحدث مسؤول في دولة تدعو لمواصلة فرض الحصارعلى العراق معلنا أن تطبيق القرارات الدولية تضمن لـ " دولة العراق " أن تعود مؤهلة للعب دور في الخليج، مؤكدا أن الإلتزام الجدي بتطبيق القرارات الدولية يمثل خطوة متقدمة تفتح أوسع السبل لرفع الحصار المفروض عليه. أي أن التطبيق الجاد لا يرفع الحصار فعلا وفورا، بل أنه مجرد افتح يا سمسم، يفتح السبيل لرفع الحصار. وقد يكون الدافع مبررا ذلك أن العراق كدولة، وخاصة ببقاء صدام ، سيبقى يشكل خطرا على جيرانه، خاصة الصغار منهم و لذلك يجب أن تمتد فترة أخرى قد تطول ولا تقصربين فتح السبيل لرفع الحصار وبين رفع الحصار فعلا.
فترة تكون كافية لأستكمال الترتيبات اللازمة لرد الخطر المحتمل الماثل في مجرد وجود عراق غير مقطع الأوصال. وآخرون يؤكدون أن مسؤولية استمرار الحصار يتحملها العراق، كما نطقت – لا فُض فوها – القوميسارة ، أو المفوضة بالعربي، المفوضة الأوربية للشؤون الإنسانية السيدة بونينو بعد عودتها سالمة مع وفد أوربي من رحلة لإكتشاف " مجاهل " العراق، المكشوف حتى قصوره الرئاسية للجان التحقيق، بل المكشوف منذ السبعينات للأقمارالصناعية الأمريكية. كما وبشرت القوميسارة العراقيين
بأنه بعد أن تتحسن الأوضاع الغذائية و الصحية، امثيرة الآن للقلق، وبعد أن ينقلب الوضع المأساوي في الوسط والجنوب الى عكسه، أي ينقلب من مأساة الى ملهاة ،بشرتهم ان المساعدات الإنسانية المالية ستتحول حينئذ لتمويل نزع الألغام في الإقليم و الجنوب
، ولم تكن طبعا بحاجة للتأكيد على أن المساعدات لن تكون من تبرعات الشركات المسكينة
التي حققت ربحا زهيدا في بيع الألغام ، فقط بضعة دولارات للغم الواحد، بل وعدت الشركات ضمنيا التعويض عن ذاك الربح التافه بالربح السخي والوفير في عمليات إزالتها،
فلإزالة لغم واحد يكلف ألف دولار لا غير. قد يكون القادمون من دول اسهمت في عسكرة العراق ، لا حبا في بناء قوة تُعلي مكانة العراقيين والعرب ،بل من أجل الإنتفاع أرباحا وعمولاتمن بيع الحديد للسلاح مع التأكد من أنه لن يشكل خطرا على مصالحهم الستراتيجية
، وبالأساس استمرار تدفق النفط الخام بأسعار ملائمة ، وحماية أمن اسرائيل وتعنتها في مواصلة الإحتلال و بناء المستوطنات، وتأمين القناعة بنجاحهم عبر تلبية الشهية النهمة للتسلح في إفقار دول النفط الغنية ، مثلما نجحت سياستهم في القضاء على المعسكر الإشتراكي تسلحا، بإفقاره حد الإملاق تحت عبئ مواصلة التسلح ، ولكن بتنعم الطغمة الحزبية والعسكرية.
وقد يكون البعض ممن ما يزال يدافع عن عراق صدام من منطلق أنه ضحية مؤامرة امبريالية ، ومن بعض من توهموا في طبيعة نظام العراق عندما شن الحرب على إيران
فصدقوا ان تحرير القدس يمر عبر عبادان، قد يكون هذا البعض بحاجة الى برهان على ان
العراق هوالمسؤول عن استمرار الحصار، لكن المسألة بالنسبة للعراقيين لم تعد نقديم الأدلة
و البراهين عن المسؤولية في الحصار، وفنما المسألة الرئيسية هي ضمان حق الإنسان في الحياة ، حقه في الحصول على أكل العيش وستر العورة : " إن لك ألا تجوع فيها و لا تعرى".
هؤلاء و بعض تجار المعارضة الذين تحركهم اقدامهم الى حيث ترنوا عيونهم، الى كرسي السلطة ولو قعودا على واحدة فقط من قوائمه ، يتحدثون عن الدولة ، وعن الوطن، وعن تراب الوطن المقدس. عن العراق يتحدثون ولكنهم ينسون ناس العراق، وأهل العراق ، غير آبهين بالواقع الذي يعيشه الناس، بل يقتاتون فيه. لقد صار العراقي اكثر تواضعا في
مطالبه من أبي حيان التوحيدي، فهو يقبل حتى بخمسين في المائة فقط مما كان يطلبه ابو حيان، الذي كان لا يكتفي ولا يقبل إلا بسد مؤونة الغذاء و العشاء معا ، فيتغذى بوعد كالعسل، ويتعشى بيأس كالحنظل. صار العراقي يقنع اليوم بواحد منهما : إما الغداء واما
العشا. نعم لا حاجة لذكر ارقام الأطفال الذين يموتون جوعا وسوء تغذية و فقدان حبة الدواء كل شهر، ويتاجر صدام بموتهم،ولا الإشارة الى اضطرار البعض من بنات ونساء العراق من أجل كسرة خبز لأنفسهن ولذويهن الى بيع العرض ليس فقط في مدن العراق
وفي عمان بل في كل مكان... لم يعرف العراقيون الهجرة في سابق الأيام ، بل عرفوا
المهاجرين الى عراقهم من ارض الجزيرة و الخليج، ومن كنانة مصر، والمغرب العربي،
ومن افريقيا، ومن ترك ومن عجم وهنود وأفغان وبلوش وأرمن وشيشان وداغستان ومسقوف ومن بلاد الروم، وعذرا لمن نسيت ذكر أصوله. هؤلاء هم الذين تأقلموا في هذه
البقعة من عهد آدم ونوح وابراهيم، وتعاقبوا في صنع الحضارات، فصار التبغدد يعني التفنن في الحياة الرخية، يوم كانت الدنيا تطول في بغداد وتقصر، و كانت الحضارة
من كوفان وبصرة الى الدنيا تُصدر، بتعبير الجواهري الخالد، وهو يعاتب مصر لأن اهلها في الخمسينات لم يكونوا يعرفون العراقيين مهاجرين اليها، ولم يعرفوا العراق بعد بلد عمالة ، بل كانوا يسألون هل في العراق أعاجم أم بربر.
هؤلاء العرقيون الذين لم يعرفوا الهجرة فيما مضى من الزمان ، حازوا الشهر الماضي
بالأولوية في إحصاء اللجوئياد الدولي في ألمانيا لإذ نالوا المرتبة الأولى في عدد طالبي
اللجوء بينما تراجعت تركيا الى المرتبة الثانية، بعد أن كانت الأولى لسنوات بفضل القادمين
من أكراد تركيا، وشغل اليوغسلاف المرتبة الثالثة. وتدل التقديران و التحليلات التي أعدها خبراء المعاهد والأكاديميات المختصة في أبحاث اللجوءياد على ان العراق سيحتفظ بقصب السبق في " اللجوءياد " القادمة أيضا. فطوبى لدولة العراق وللعرب و المسلمين، ولترفع الرايات و تعزف الأناشيد الوطنية والقومية ، ولتعلو الهوسات.
و لابد ، بالطبع، من تقديم آيات الشكر و التقدير و الثناء الى كل من أسهم في الإعداد والتحضير لهذا الفوز العظيم والساحق، وخاصة سلطة صدام البعثية الفاشية ، التي جعلت
اهل العراق يهزجون في صبحهم و المساء : " ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها
واجعل لنا من لدنك وليا ونصيرا." و كذلك الى كل من سلطتي البرزاني و الطالباني في كردستان العراق ، اذ غدا الملاذ الآمن خربة اقتتال دائم بين الأشقاء، وانفقد الأمان بفضل
سباق الأخوين على اليد العليا في التصرف بالأموال، وكذلك ليس من الإنصاف نسيان
دور "المحسنين " واهل الخيرمن المهربين الذين لم يبخلوا بجهد او مخاطرة في سبيل نقل العراقيين في زوارق تغرق، او في صنادي تخنق، فلهم اجرهم في الدنيا ، قبضوه، و في الآخرة سيقبضون.
16.08.1997