اختطاف المستوطنين الثلاثة والتداعيات


نعيم الأشهب
2014 / 6 / 28 - 08:43     

الإجراءات الاسرائيلية الإرهابية المتصاعدة تستهدف، في المقام الأول، تخريب عملية المصالحة الفلسطينية. وما يدعو إلى أعمق الأسف وأشد المرارة هو موقف السلطة الفلسطينية في هذه المواجهة الدامية والبالغة القسوة مع وحشية سلطات الاحتلال الإسرائيلية؛ خلافا لما كان يفعله عرفات


ترافق الإعلان الإسرائيلي عن اختفاء الشبان المستوطنين الثلاثة، مع اتهام حماس باختطافهم، قبل أي تحقيق مهما كان، ودون إعلان حماس مسؤوليتها عن الحادث كما درجت العادة.
وإذا كان هدف "الخاطفين" ليس القتل، حيث لو كان القتل هو الهدف لجرى تنفيذه على المحل، ولما تطلب الخطف والإخفاء ومتطلباته البالغة التعقيد، بخاصة في الضفة الغربية الواقعة بكاملها في متناول يد قوات الاحتلال؛ وإذا كانت أية جهة لم تعلن، حتى الآن، مسؤوليتها عن عملية الاختطاف ومطالبها من وراء ذلك، سواء مطالب سياسية، كإطلاق سراح المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام منذ قرابة الشهرين، أو إطلاق الدفعة الأخيرة من سجناء ما قبل اتفاقات أوسلو التي نقضت السلطات الإسرائيلية تعهدها أمام الجانب الأميركي بتنفذيها، أو مطالب مالية إن كان الاختطاف ليس لأهداف سياسية.. فكيف لسلطات الاحتلال أن تقرر أن حماس مسؤولة عن اختطاف هؤلاء المستوطنين؟
لكن الاتهام لحماس، كان الضوء الأخضر لبدء حملة اجتياح عسكرية شاملة للضفة الغربية بكاملها، لمّحت بعض المصادر الإسرائيلية إلى أنها كانت معدة سلفا، وتعيد إلى الأذهان حملة شارون عام 2002، من اعتقال وتقتيل وتهديم وحصار متواصل، كما هو جار في الخليل وغيرها، وحواجز ومداهمات بلا حدود ولا حساب، بدعوى التفتيش عن المخطوفين؛ مع غارات جوية متصاعدة على قطاع غزة.وفي هذا الصدد يشير وزير العلوم ورئيس الشاباك السابق، يعقوب بيري، أنه لا يستبعد أن يستمر البحث عن المخطوفين أشهرًا وحتى سنوات!
وحين أعلن السيد محمود عباس عن الاستعداد للمشاركة في عملية التفتيش عن المخطوفين، كان رد نتنياهو، أن هذا ليس بكاف، وإنما المطلوب التخلي عن عملية المصالحة مع حماس!، إذًا هذا هو الهدف الأساسي، ولو أنه ليس الوحيد الذي يطمح نتنياهو تحقيقه من وراء هذه المسرحية. وفي هذا الإطار، لم يكن من باب الصدف التركيز على اعتقال مسؤولي حماس في الضفة الغربية - رغم أن حملة الاعتقالات لم تقتصر عليهم - وإعادة اعتقال أكثر من خمسين ممن أفرج عنهم في صفقة الجندي الإسرائيلي شليط، لتعقيد وعرقلة عملية المصالحة الوطنية.
وإذا غدا واضحا أن هذه الإجراءات الإرهابية المتصاعدة تستهدف، في المقام الأول، تخريب عملية المصالحة الفلسطينية التي ما تزال في مراحلها الأولية، فهذا يلقي الشكوك على عملية "الاختطاف "ذاتها. فالمتحدث باسم السكرتير العام للأمم المتحدة، أعلن في تطرقه لحادث الاختطاف قائلا ".. ولكن لا يمكننا الإقرار بصورة مؤكدة أن الشبان الثلاثة مختطفون"، ولم يخرج الموقف الرسمي الألماني عن هذا الاستنتاج. ولكن عدا محاولة تخريب عملية الوحدة الوطنية الفلسطينية، فقد استهدف نتنياهو أيضا تحويل الانتباه عن قضية المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام منذ قرابة الشهرين، وراحت قضيتهم العادلة تستقطب اهتمام الرأي العام والمجتمع الدوليين؛ ومن جانب آخر استهدف إسدال الستار على مسؤوليته هو وحكومته في إفشال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وعلى نحو لم يستطع معه مندوب واشنطن في هذه المفاوضات، الأميركي - الصهيوني العريق "مارتن إيندك" التستر على هذه المسؤولية.
أما الموقف الأميركي من هذه القضية ومن موجة الإرهاب الدموي والاجتياح والتدمير والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني كله في الأرض المحتلة، فهو الالتزام بالمعايير المزدوجة الأميركية المعهودة. فمن الجانب الواحد، بادر كيري، وزير الخارجية الأميركية، إلى تبني الموقف الإسرائيلي بحذافيره بتحميل مسؤولية الحادث لحماس دون أية براهين مهما كانت، ومن الجانب الآخر، رفض اعتبار ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي، اليوم، في الأراضي الفلسطينية المحتلة من إرهاب دموي شامل لم يسلم من أذاه أي مواطن فلسطيني.. عقابا جماعيا!. وإذا كان اختطاف ثلاثة شبان مستوطنين - على فرض صدق رواية الاختطاف - سرقوا الأرض الفلسطينية ويتمتعون بها على مرأى من أهلها، يستوجب هذا الموقف من واشنطن، فإنها - بالمقابل - لم يحدث أن استنكرت، ولو مرة واحدة، أعمال الاختطاف والقرصنة التي مارستها وتمارسها إسرائيل بمنهجية ودون رادع أو توقف، ليس ضد الفلسطينيين وحسب، كما حدث لدى تدمير قوات الاحتلال الإسرائيلية لعمارة الشرطة والسجن الفلسطينيين في أريحا لاختطاف كل من سعدات والشوبكي، بل ضد آخرين وعلى أراضي دول مستقلة وفي مياه دولية.
لكن ما يدعو إلى أعمق الأسف وأشد المرارة هو موقف السلطة الفلسطينية في هذه المواجهة الدامية والبالغة القسوة مع وحشية سلطات الاحتلال الإسرائيلية؛ فبدل أن تقف على رأس شعبها في هذه المعركة الشرسة، كما كان يفعل عرفات، وتجند كل ما لديها من إمكانيات لصد هذا العدوان الآثم على شعبها، بما في ذلك التوجه الفوري للانتساب إلى محكمة الجنايات الدولية، لجلب حكام إسرائيل أمام المحاكم الدولية على جرائمهم البربرية ضد شعبنا، فإنها لا تكتفي بتكرار عزمها على منع انتفاضة شعبية جديدة، وإنما تؤكد وعلى رؤوس الأشهاد تمسكها بالتنسيق الأمني إلى حد اعتباره مقدسا! وهذا "المقدس" لا يعني في المواجهات مع الاحتلال اليوم إلّا الأمرين التاليين: أ - المساهمة الفعلية في حراسة الاحتلال حتى وهو يمارس جرائمه ضد شعبنا؛ ب - أن هذه السلطة تعتبر وجودها وسلامتها هو الهدف، لا الوطن ولا الشعب ولا التحرر من نير الاحتلال.
بكلمة: ما لم يجرِ التمرد على هذا النهج المتجاوب مع ضغوط الاحتلال وحلفائه، فإن القضية الفلسطينية مرشحة لنكبة جديدة تتجاوز في أبعادها ومصائبها نكبة الـ 1948. وإذا لم تدرك ذلك التنظيمات السياسية الفلسطينية بما فيها فتح، وبخاصة اليسارية، وتهب لتغيير هذا المسار الخطير فالشعب والتاريخ سيعتبرها شريكا في صنع المأساة التي تتشكل ملامحها في الأفق.