يعقوب سفيردلوف.. المنظم البلشفي المهيب

ضي رحمي
2014 / 6 / 23 - 08:01     

ترجمة ضي رحمي
لناشر الناشر وحدة الترجمة – مركز الدراسات الاشتراكية


رغم أن وجوده مثّل أهمية شديدة، إلا أنّ قليلين هم من يعرفون يعقوب ميخائيلوفيتش سيفردلوف، المنظّم البلشفي البارع. ويمكننا القول أنّه ربما لم تكن الثورة الروسية لتنتصر دون سفيردلوف. ودون إسهامات من هم على شاكلته، بالقطع لن تنتصر أي ثورة. كان سفيردلوف ثوريًا عمليًا – أخذ على محمل الجد مقولة ماركس بأن: “ما فعله الفلاسفة هو تفسير العالم بطرق مختلفة، لكن المهم هو تغييره”.

عندما بلغ السادسة عشر من عمره، أصبح سفيردلوف ماركسيًا ، وعمل كمنظّم سرّي في مدينة نيجني نوفجورود، وهي مدينة صناعية حديثة آنذاك وكانت تتميز بازدحامها. وبعد مرور عامين على هذا التاريخ، وعندما انقسم البلاشفة والمناشفة، انضم سفيردلوف للفصيل البلشفي الجديد.

ولم تكن تلك خطوة جيدة في عمله السياسي. حيث قُبض على سفيردلوف مرارًا بعد ذلك وظلت الشرطة السرية تطارده طيلة حياته. لقد عانى من ويلات الاعتقال والسجن والمنفى – ثم يتمكن من الهرب، ليواصل عمله التنظيمي، ثم الاعتقال والسجن والهرب مجددًا. ومثل العديد من الثوار، فقد تخلى طواعيةً عن فكرة الحياة المستقرة المريحة. لقد نظّم الخلايا واللجان البلشفية السريّة في كل مكان وطأته قدماه، كما عمل على بناء صلات وروابط مع النشطاء، إلى جانب تجنيده للعناصر الجذريّة وضمها لصفوف الحزب.

وعند اندلاع ثورة 1905، كان سفيردلوف في قلب المظاهرات العمالية الحاشدة في مدينة إيكاترينبرج. والحقيقة أنه لعب دورًا حاسمًا في تنظيم أول مجلس عمالي في المدينة، كما انتُخب رئيساً له وهو بالكاد قد تجاوز العشرين من عمره. وعلى طول الطريق، ساهم سفيردلوف في تنظيم ميليشيا العمال التي سافرت في أنحاء البلاد لتدريب العمال على كيفية الدفاع عن النفس.

وحين سُحقت ثورة 1905، وتعاقبت بعدها سنوات من رد الفعل العنيف. واصل سفيردلوف عمله التنظيمي بلا هوادة. حيث سافر، وقام بتعيين الكثيرين، وترأس اللجان، ونظّم المظاهرات، إلى جانب أنه لفترة كان المسئول عن صحيفة البرافدا البلشفية اليومية. لم يكن سفيردلوف منظرًا ولا كاتبًا، وقال عن نفسه أنه لم يكن بارعًا في شرح التعقيدات السياسية في المقالات أو الخطب، وأنه كان منشغلاً وموليًا اهتمامه الكامل للمهام التنظيمية الداخلية. مع ذلك فإن هذا العمل الذي يبدو معتادًا ومملًا يتطلب قيادة سياسية دقيقة وذات صفات خاصة. وفي هذا الصدد تحديدًا، يتذكر تروتسكي سفيردلوف قائلاً:

“كان على سفيردلوف أن يتصدر المشهد في الكثير من الأحيان. فتولى رئاسة العديد من الهيئات، كما أدار الكثير من الاجتماعات. كان رئيسًا مهيبًا متجبراً، ليس بمعنى أنه يصادر المناقشات، أو يقمع المتحدثين، وما إلى ذلك من مثل هذه الممارسات. على العكس تمامًا، لم يكن يومًا متلاعبًا أو مراوغًا، ولم يصر مطلقًا على الشكليات. ولكن تجبره تمثل في أنه كان يدرك بوضوح شديد الأمور العمليّة الملحة التي على الهيئة اتخاذ قرارًا بشأنها؛ كان يعرف دائمًا من سيتحدث، وما الذي سيُقال، والسبب وراء قوله. كان بارعًا في إعطاء الكلمة للمتحدثين عند الحاجة لذلك؛ يعرف الوقت المناسب لطرح اقتراحًا ما للتصويت؛ كان يعرف ما الذي يمكن تنفيذه وكان قادرًا على تنفيذ ما يريد.”

“وكانت صفاته كرئيس لا تنفصل عن كل سماته وقدراته الأخرى كزعيم وقائد عمليّ، مع قدرته على تقييم الناس بشكل واقعي، إلى جانب إبداعه الذي لا ينضب في مجال التركيبات الشخصية والتنظيمية”.

وأثناء ثورة عام 1917 كان سفيردلوف في كل مكان، وأصبح الشخص الذي يلجأ إليه الجميع عند الأزمات. لقد أمّن إرسال البلاشفة ذوي الخبرة لتنظيم اللجان العمالية في المصانع، وأشرف على العمل السياسي بين صفوف الجنود، كما ألقى الخطب في المظاهرات الضخمة الحاشدة. وسرعان ما أطلق عليه الخصوم السياسيين لقب “الشيطان البلشفي الأسود”، وترجع تسميته بهذا الإسم لأنه كان دائمًا يرتدي سترة جلدية سوداء. وعندما تعرض البلاشفة لحملات اعتقال واسعة خلال موجة القمع في يوليو، أصبح سفيردلوف القائد الفعليّ للحزب، وأخذ يتعامل مع أزمة تلو الأخرى برباطة جأش جليدية.

وعندما استولت السوفييتات على السلطة، أصبح سفيردلوف رئيس الدولة العمالية الروسية الجديدة، وعُرف كرئيس اللجنة التنفيذية للسوفييتات في عموم روسيا. وواجه مسئوليات جسيمة وهائلة في تنظيم شئون كل من الحكومة والحزب، بخلاف حل المشكلات الاقتصادية، وإيجاد أشخاص متخصصين وموثوق بهم للقيام بمهام لا حصر لها. وإلى جانب كل هذا، قام بإعداد وتنظيم المؤتمر الأول للأممية الشيوعية.

لقد جسّد سفيردلوف بشكل عملي القيادة السياسية الماهرة – التي تواجه وتحل المعضلات السياسية مع تحليها في ذات الوقت بالفطنّة العمليّة. وفي أجواء الحرب الأهلية البائسة، ونظرًا لإنهاكه وإرهاقه المزمنين، أصيب سفيردلوف عام 1919 بالإنفلونزا، وتوفي وهو بالكاد يناهز الرابعة والثلاثون من عمره (*).

هوامش:
(*) كلمة لينين في مراسم وداع يعقوب سفيردلوف، 18 مارس 1919: “لقد أودعنا في القبر رفات الزعيم البروليتاري الذي قدم الكثير، وفعل ربما أكثر من أي شخصٍ آخر كل ما يستطيع من أجل تنظيم الطبقىة العاملة وضمان النصر. الآن القوة السوفيتية تنتشر في جميع أرجاء العالم وتتناقل المعلومات حول كيفية نضال البروليتاريا، المنظمة في المجالس العمالية، من أجل تنفيذ أفكارها، واليوم نحن ندفن ممثل البروليتاريا الذي كان مثالاً حيّاً على كيفية النضال من أجل هذه الأفكار.
سيكرر الملايين من البروليتاريا كلماتنا: “تحيا ذكرى الرفيق سفيردلوف. وفوق قبره نتعهد رسميًا بمواصلة النضال، ربما أكثر من ذي قبل، من أجل الإطاحة برأس المال ومن أجل التحرير الكامل لجماهير العمال” (المترجمة).

* المقال منشور لأول مرة في 12 يونيو 2013 بجريدة “الراية الحمراء”، تصدرها منظمة البديل الاشتراكي الأسترالية