مغزى انتخابات الرئاسة السورية


نعيم الأشهب
2014 / 6 / 14 - 08:24     

يؤمل أن يكون النظام السوري قد استوعب المغزى الحقيقي لموقف الشعب السوري الأصيل في هذا التصويت الجارف، وأنه لا عودة لإعادة انتاج هذا النظام لنفسه؛ وأن هذا الشعب بعد مئات الآلاف من الضحايا وملايين المهجرين والدمار المريع لثرواته وممتلكاته، لن يتخلى عن طموحه المشروع في إصلاح وتغيير جذري، ينقل سورية الى نظام ديموقراطية وعدالة إجتماعية حقيقيين


حسمت هذه الإنتخابات عددا من القضايا، منها قضية الإستحقاق الدستوري للنظام السوري. ولو لم تتم هذه الإنتخابات لكانت القوى المتآمرة على سورية، من عربية ودولية، اتخذت من قضية هذا الإستحقاق مادة جديدة في حملتها لتبرير تآمرها المجنون على سورية شعبا وأرضا. أي أن إجراءها أو عدم إجرائها لن يغيّر شيئا في موقف هذه القوى المتآمرة. ومن المفارقات أن بين الضالعين في التآمر على سورية أنظمة لا تعرف معنى الدستور ولا استحقاقاته. ومثل هذا المنطق المفلوج الذي يتخذ من الشيء وضده غطاءا لجرائمه شائع وليس قصرا على هؤلاء المتآمرين. فنتنياهو الصهيوني، كان لا يكل من الزعم بأن القيادة الفلسطينية ليست شريكا في عملية السلام، لأنها لا تمثل إلاّ جزءا من الشعب الفلسطيني، وحين تمّ الإتفاق على وضع حد للإنقسام، جن جنونه هو ومعسكره، الذين كانوا يراهنون على إستمرار الإنقسام الفلسطيني وتعميقه.
لكن القضية المفصلية والأهم بما لا يقاس التي حسمتها هذه الإنتخابات، هي قضية موقف الغالبية العظمى من الشعب السوري من المؤامرة على سورية شعبا ووطنا وتراثا، بعد مرحلة مصيرية، لعب فيها التضليل الإعلامي وغير الإعلامي دورا فعالا في بلبلة أقسام من السوريين الشرفاء، التواقين بحق للتغيير والإصلاح الحقيقي الذي يستحقونه. وما دمر بالضربة القاضية كامل بنيان إعلام المتآمرين على سورية وأربكهم، ليس كثافة التصويت في الداخل السوري، والذي يمكن التشكيك باعتباره حصيلة ضغوطات النظام المختلفة، ولكن كثافة التصويت في الخارج ولا سيما في لبنان حيث يوجد العدد الأكبر من السوريين الذين اضطروا لمغادرة وطنهم؛ فهؤلاء في لبنان عرضة لضغوط المتآمرين أكثر بما لا يقاس من ضغوط النظام السوري. بمعنى آخر، كانت هذه الإنتخابات استفتاء لا يحتمل التأويل على موقف الشعب السوري الحي من المؤامرة والمتآمرين عليه وعلى أرضه ومستقبله، كما كانت تعبيرا عن طموحه الإنساني المشروع الى الإستقرار بعد طول معاناة وإراقة للدماء والخراب المريع.
وإذا كانت المنافسة في هذه الإنتخابات شكلية، الى حد كبير هذه المرة، إلاّ أنه حتى هذا الشكل الجديد، أي أكثر من مرشح، يمكن له أن يكون نقطة بداية وانطلاق نحو انتخابات تعددية حقيقية وفعالة، وهو ما بستجيب لأحد طموحات الشعب السوري الفعلية.
لكن نتائج هذه الانتخابات تكتسب معنى ومدلولا خاصين، إذا جرى أخذها في إطار التطورات الجارية فوق الأرض السورية. فمن الجانب الواحد يواصل الجيش السوري تطهير المزيد من الأرض السورية من عصابات القتلة المرتزقة؛ ومن جانب ثان، تتفاقم الصراعات الدموية والإقتتال بين هذه العصابات المأجورة، وكذلك بين مستأجريها وبخاصة السعودية وقطر؛ ومن جانب ثالث، تتقدم عملية المصالحة الوطنية التي تحقق الهدوء النسبي وقدرا من الإستقرار لمزيد من القرى والبلدات السورية وتفتح إمكانات عودة أهلها اليها، بعد معاناة الرحيل واللجوء.
أما الجديد على مستوى الدول الإمبريالية الضالعة في التآمر على سورية، فلعل تصريحات وزير الخارجية الأميركية – جون كيري - في بيروت أخيرا تجسد هذا الجديد، حين دعا حزب الله الذي يصنفونه منظمة إرهابية، لبذل جهوده مع الآخرين لتحقيق تسوية سلمية للأزمة السورية!؛ ولا ينال من مغزى هذا التصريح لكيري في بيروت ما أعلنته إدارته في واشنطن، في الوقت ذاته عن تزويدها للقتلة في سورية من سلاح نوعي. وفي الوقت ذاته، يلاحظ في هذا المضمار أن تنبؤات الدوائر الغربية والإسرائيلية والرجعية العربية بتحديد الأيام حتى سقوط النظام في سورية، قد أختفت وتلاشت. بكلمة أخرى: لقد لخصت هذه الإنتخابات حصيلة مجموعة هذه التطورات.
لكن يؤمل، بالمقابل، أن يكون النظام السوري قد استوعب، من جانبه، المغزى الحقيقي لموقف الشعب السوري الأصيل في هذا التصويت الجارف، وأنه لا عودة لإعادة انتاج هذا النظام لنفسه كما كان على مدى أكثر من أربعة عقود؛ وأن هذا الشعب بعد مئات الآلاف من الضحايا وملايين المهجرين والدمار المريع لثرواته وممتلكاته، لن يتخلى عن طموحه المشروع في إصلاح وتغيير جذري، ينقل سورية الى نظام ديموقراطية وعدالة إجتماعية حقيقيين؛ وأنه بدون مثل هذا الإصلاح والتغيير ستتعقد إمكانات إعادة بناء سورية من جديد وترميم جراحاتها العميقة، بعد تصفية وجود المرتزقة فوق الأرض السورية.
أكثر من ذلك، فمثل هذا التحوّل في الوضع السوري نحو الإصلاح والتغيير الديموقراطي الحقيقي، سياسيا واجتماعيا، هو أقوى سلاح للرد على المتآمرين وبخاصة في الخليج، بل وتحويل معركة الشعب السوري معهم من الدفاع الى الهجوم. فأخشى ما يخشاه النظام العربي الحالي، وفي المقدمة حكام الخليج الذين ما زالوا يحكمون شعوبهم بأعراف القرون الوسطى ويبددون ثرواتها الطائلة على التآمر على الشعوب العربية لصالح الإمبريالية والصهيونية، هو قيام سورية الديموقراطية والمتحررة من نفوذ الدول الإمبريالية بحيث تغدو منارة ملهمة، لشعوبهم كما لبقية شعوب المنطقة العربية، التي تعيش منذ أكثر من ثلاث سنوات حالة تمرد وغليان سياسي واجتماعي.