استئصال اللغو وترك الحنقبازيات مهمة اساسية


سلام ابراهيم عطوف كبة
2014 / 5 / 30 - 12:45     

العهدان المالكيان الاول والثاني – عهدا الحكومة العراقية التي ترأسها نوري المالكي - اخفقا في تحقيق الحد الادنى من الامنيات ومجمل الاهداف التي كان ينشدها الشعب العراقي والقوى الوطنية والديمقراطية العراقية التي شاركت من قريب او بعيد في اسقاط النظام الشمولي السابق الممثل بدكتاتورية صدام حسين لتحقيق اهداف سامية يقف في مقدمتها الموقف من الديمقراطية ومن نظام الحكم والادارة في بلادنا،وتطويع الموارد البشرية والقدرات المادية لرفع الحيف والمظالم التي جرت على الشعب العراقي بطبقاته وفئاته الاجتماعية،وخاصة الكادحة والفقيرة!
والتجربة الديمقراطية العراقية والعملية السياسية الوليدة لم تتلكأ في الاداء الحكومي فقط،كما يحلو لبعض من هذه القوى ابرازه للعيان كانتقادات خجولة،بل منيت بالفشل بعد ان عولت عليها الادارة الاميركية والقوى الاقليمية ان تكون تجربة ريادية على المستويات الاقتصادية والسياسية والامنية وما يتعلق بالنزاهة.وحملت هذه التجربة تناقضاتها الصارخة منذ ولادتها عام 2003،لأن سياسات الاحتلال والشركات الغربية اعتمدت،وتعتمد موضوعيا في كل زمان ومكان،على الولاءات دون الوطنية والوشائج الاصطفائية،والتخاريف الاجتماعية من مشايخ اقطاعية ومدينية واصوليات دينية وطائفية،والبيوتات الكبيرة والتجار الكومبرادور والشرائح الطفيلية وكبار رجال الاعمال والمقاولين،والبورجوازيات البيروقراطية في المؤسسات الحكومية،على اساس ايجاد وحدة في المصالح بين هذه الطبقات والمحتل والمصالح الرأسمالية الغربية،وتسخير الحثالات الاجتماعية والطبقية الرثة لخدمتها وفرض ديمقراطيتها الكاذبة بقوة التضليل والنفوذ والسلطة والسلاح والارهاب والقمع!
الارهاب ينمو ويزدهر في ظل الفقر ومجتمعات التهميش،وضحايا الفقر هم ضحايا الارهاب!لقد كان الفقر عنوانا كبيرا من عناوين الازمة في العراق،رغم سعة الحديث عن الاعمار ونصرة الجائعين ورفع الحيف عن المعوزين وذوي الشهداء والسجناء السياسيين وتخصيصات شبكة الحماية الاجتماعية وتوزيع سندات أراضي سكنية مشكوك في تنفيذها(على حساب الرقعة الزراعية)،وارتفاع الصادرات النفطية.فالسياسة التي مارستها الحكومة العراقية كانت ضيقة الأفق وقصيرة النظر بكل معنى الكلمة،وضد مصالح الغالبية العظمى من ابناء الشعب العراقي وكانت عواقبها وخيمة للغاية،سواء ادركت ذلك ام لم تدركه!
منذ مطلع عام 2014 وبداية العمليات العسكرية في الانبار قتل وجرح داخل الفلوجة وحدها 2000 مدني معظمهم من النساء والاطفال!وهي عمليات تجري بأمر من القائد العام للقوات المسلحة بحجة مطاردة فلول الارهابيين من تنظيمات القاعدة والبعثيين،الا انها لم تحسم نتيجتها حتى الآن رغم مشاركة 50000 منتسب من الحرس الوطني والشرطة وقوات سوات والميليشيات الحكومية واستخدام القصف العشوائي المدفعي التقليدي والبراميل المتفجرة وسياسة الارض المحروقة وتهديم البيوت والاعتقالات!وقد استغل رئيس الحكومة المالكي هذه العمليات الارتجالية غير المخطط لها لأغراض انتخابية فاضحة!ان العوائل النازحة من الفلوجة وصلت الى الآلاف ناهيك عن اعداد المفقودين جراء العمليات العسكرية العنيفة الذين يقدورن بآلاف ايضاً!وتستمر الاعمال العسكرية في الانبار بينما تشهد العاصمة العراقية وبقية المحافظات تصاعدا واضحا في الارهاب واستخدام السيارات المفخخة والعبوات الناسفة واللاصقة اذ تعلن القاعدة مسؤوليتها عن التفجيرات التي تطال الابرياء العزل!التناسق والتناغم بين ما يجري في الانبار وبغداد كارثي الابعاد وفعل جريمة كبرى ضد الانسانية تتطلب المحاسبة وتدخل الامم المتحدة والمنظمات الدولية!
يمتد مؤشر خط الفقر افقيا بشكل خطير بفضل سياسة بول بريمر والحكومات العراقية التي تعاقبت على السلطة،وتوصيات صندوق النقد والبنك الدوليان!وتتوسع الفجوة في بنية الاقتصاد العراقي ليزداد الفقراء فقرا،ويزداد ثراء ورفاهية الطبقة المرتبطة بانشطة اقتصاد التساقط (TRICKLE–DOWN ECONOMY) ومجتمع الرشاوي والارتزاق،وهي تقبع على قمة توزيع الدخول والثروات في بلادنا.هكذا تستجد ظاهرة الاستقطاب الحاد بين الاغنياء والفقراء لان الفقر المدقع هو الوجه الآخر للعملة،اي الثراء الفاحش.ويلعب الفساد والرشوة وسلطان وجبروت المال الدور الكبير في تكريس الانتماء الضيق في بلادنا،وفي توسيع شبكة العلاقات المتداخلة التي يتحكم فيها اللص الكبير بالسارق الصغير!
كان انبعاث الطائفية والعشائرية،والتنظيمات السياسية التي مثلتها(ومنها ائتلاف رئيس الوزراء المالكي)،تراجعا حضاريا وارتداد رجعيا خطيرا تجاوبت معه الحركات السياسية المختلفة والحكومات المتعاقبة بدرجات متباينة.واستمدت مراتب هذه الولاءات قوتها مما يكون لها من وضع اقتصادي تستطيع به الغلبة على المنافسين والسيطرة على افراد الطائفة والعشيرة بتقديم المنافع المادية والخدمات المتعلقة باوضاعهم المعيشية،لتغتصب وتكدس الثروات وتنمي ملكياتها الخاصة لوسائل الانتاج تارة وباللصوصية تارة اخرى وعبر المبادلات التجارية وجباية الضرائب على العامة!وقد عملت الحكومات السابقة على تحويل الدولة الى مزرعة خصوصية لأصحاب السلطة والنفوذ من زعماء هذه الولاءات،دولة اللغو الفارغ والخطابات الانشائية ونهوض الحنقبازيات السلفية والغيبية في مواجهة العلمانية والعقلانية،دولة الاتيكيتات الدبلوماسية والدعوة والمجاهرة الشكلية بالوحدة والشراكة الوطنية والمشاركة الفعالة بقتلها فعليا ويوميا،دولة الحديث عن حل المليشيات المسلحة والعمل الدؤوب لاحتكارها وتقوية عودها،دولة قتل الناس والنواح عليهم والسير وراء نعوشهم واتهام الآخرين بقتلهم.
وبات جليا للقاصي والداني مهازل العهود الطائفية،الجعفري والمالكي،في الانتهاكات الفظة لحقوق الانسان والانتهاكات الصارخة بحق اصحاب الكلمة والقلم وتهميش الثقافة والفن والابداع،والتدخلات السافرة في شؤون المؤسساتية المدنية والنقابات والمنظمات المهنية!والسعي الاخرق الاحمق الارعن لشطب التاريخ الوطني النضالي المشرف للعراق والعراقيين،واعادة سجن الاقتصاد العراقي في زنزانة وتكبيل سيادة العراق،لأن عقود الخدمة النفطية ادلة دامغة على الاهداف غير المعلنة لنزع ملكية الشعب العراقي لثرواته النفطية والغازية على مراحل!ويعد تصدير النفط العراقي"سرقة" في وضح النهار،لأن سياسة بيعه مركزية منذ عشر سنوات والشعب العراقي لم يحصل على اية منفعة او فائدة من عائداته التي يستخدمها المالكي لتقوية رصيده الانتخابي المزيف"اخبطها واشرب صافيها".الحكومة الاتحادية تتصرف بالعائدات الهائلة لثروة النفط لا على نحو يحقق للشعب الأمن والحرية والكرامة والتنمية والازدهار!ولا أثر لها يُذكر في حياة العراقيين!
كل ذلك ليس بمعزل عن تنامي دور الليبرالية الاقتصادية الجديدة بالاعتماد المفرط على آليات السوق والتحرير الاقتصادي،وجعل التنمية مرهونة لدور القطاع الخاص الضعيف اصلا،ورفض الدور الراعي للدولة ومعارضة التدخل الاجتماعي والتنظيمي والرقابي.ان النمو البطئ والمتوقف للقطاعات الانتاجـية العامة والخاصـة منذ عام 2003 هدد ويهدد الانسجام الاجتماعي!
ومع تصاعد فترات قطع الكهرباء العشوائي وتنامي الخلافات التاريخية بين وزارتي النفط والكهرباء،استعادت الحكومة العراقية سياستها في القطع المبرمج(والتي تخلت عنها فترة شهرين فقط ،كانون الثاني وشباط 2014) بواقع 50%!ففتي ففتي بين الحكومي والتجاري اوائل ايار 2014.الا ان الكارثة المسخرة انه حال الاعلان عن النتائج النيابية لانتخابات 30 نيسان وجه رئيس الوزراء المالكي بقطع التيار الكهربائي وفرض الغرامات على ابناء الشعب لاستحصال اجور استهلاك الطاقة الكهربائية الكسيحة اصلا[الجباية]المتراكمة.
السياسات الفعلية للحكومة العراقية اضرت بقطاع الكهرباء الوطني والمصالح الوطنية العليا للبلاد ليتعمق الشرخ بين السياسات المعلنة للدولة وبين الخراب الفعلي والتشوه وفوضى السوق!وتحولت سياسة الليبرالية الاقتصادية الجديدة المرتبطة بنظام المحاصصة الطائفية في قطاع الكهرباء الى ملف اشبه بنظام الخطوط العريضة لأنه مبني على اطر مرسومة بشكل دقيق اشرفت عليها الادارة الاميركية!وتتحمل الحكومة العراقية مسؤولية الازمات الحاصلة لهشاشة الموقف تجاه من يتلاعب بمصائر العراقيين ويشارك في زعزعة الامن والاستقرار في العراق الجديد وبسبب الفساد الاداري والمالي!
العقلية المؤسساتية العصرية عقلانية الطابع تحكم العقل في التفكير والسلوك وتنبذ الفردية في اتخاذ القرارات ورسم السياسات وتقوم على صرحها العلمانية،اي التفكير الاجتماعي القائم على فصل الدين عن الدولة،والحماية الحقة لحرية الدين والعقيدة والفكر والابداع،وبالتالي المجتمع المدني!

بغداد
30/5/2014