كلمة الرفيق حمه الهمامي في ندوة بروكسيل حول -الشراكة الأورومتوسطية- – تونس نموذجا


حزب العمال التونسي
2005 / 7 / 22 - 11:48     

في الحصة المسائية لليوم الأول من ندوة بروكسيل التي أعطيت فيها الكلمة للأحزاب السياسية التونسية، ألقى الرفيق حمه الهمامي، الناطق الرسمي باسم حزب العمال الشيوعي التونسي كلمة عبّر فيها عن وجهة نظر الحزب من "اتفاقية الشراكة بين تونس وأوروبا". وفي ما يلي نص هذه الكلمة المترجم عن الفرنسية.
أيتها السيدات،
أيها السادة،


لا يمكن للمرء أن يقول أشياء كثيرة في عشر دقائق. لكنني سأحاول الالتزام بهذا الوقت وتقديم وجهة نظرنا من "اتفاقية الشراكة بين تونس وأوروبا" بأكثر ما يمكن من التركيز، لذلك سأدخل مباشرة في صلب الموضوع لأقول إن ما سمعته هذا الصباح وفي بداية هذه الحصة المسائية من تدخلات يقودني إلى الاستنتاج بوجود اتفاق نسبي على أن حصيلة عشر سنوات من الشراكة بين تونس وأوروبا هي حصيلة سلبية، سلبية بالنسبة إلى الجانب التونسي بالطبع. وهذا الأمر أكده بعض المتدخلين بالأرقام والوقائع التي تهم مختلف جوانب هذه "الشراكة". ومن المهم جدا بالنسبة إلينا فهم أسباب هذا الفشل حتى يتسنى لنا اتخاذ الموقف المناسب من الاتفاقية المذكورة ورسم الأسس السليمة لما ينبغي أن تكون عليه علاقة بلادنا بجارتها الأوروبية.

إن حزب العمال يعتبر أن أسباب فشل "الشراكة" نابع من طبيعة هذه الاتفاقية. فهي اتفاقية نيوليبرالية، استعمارية جديدة تمت وفقا لشروط الطرف القوي، أي أوروبا الرأسمالية، وقبلها نظام بن علي الكمبرادوري التابع صاغرا وفرضها على الشعب التونسي الذي لم تعط له، كما هو معلوم اية فرصة لإبداء الرأي فيها رغم خطورتها متعددة الأبعاد على حاضره ومستقبله. وليست هذه أول مرة ولا هي آخر مرة بطبيعة الحال يتعامل فيها نظام بن علي بمثل هذا الأسلوب مع الشعب التونسي المحروم من ابسط حقوقه بما فيها حقه في حرية التعبير وفي رسم ملامح حاضر بلاده ومستقبلها.

لقد جاءت "اتفاقية الشراكة بين تونس وأوروبـا" عشر سنوات بعد انطلاق "برنامج الإصلاح الهيكلي" ذي الطابع الرأسمالي الوحشي الذي فرضه البنك العالمي وصندوق النقد الدولي على تونس. كما جاء في نفس السنة التي تأسست فيها منظمة التجارة العالمية (1995) وفقا لمصالح الكبار من الدول والشركات الاحتكارية، وفي إطار سيادة النهج الاقتصادي النيولبرالي على مستوى كوني بعد انحلال الكتلة السوفياتية نهائيا واستبداد الكتلة الامبريالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة بمصائر العالم وانطلاقها في مسعى محموم لإخضاع كل الدول والشعوب لمصالحها وتعميق نهب ثرواتها والهجوم على ما تحقق لها وللشغيلة من مكاسب طوال عقود من النضال والتضحيات.

ومن المعلوم أن الاتفاقية حددت كهدف للشراكة، وفي نطاق النهج النيولبرالي السائد، خلق منطقة تبادل حر أورومتوسطية ومن ثمة "تأهيل" تونس وغيرها من بلدان الضفة الجنوبية لـ"تحمّل" تبعات هذا الاختيار الذي لا يعني غير فتح أسواق البلدان المعنية للرسّاميل والسلع الأوروبية بتسريع نسق الخوصصة التي تحولت إلى عملية تبديد للملك العام وتحطيم الحواجز الجمركية ومراجعة التشريعات لتسهيل انتصاب الشركات الأجنبية، وقد أدى ذلك إلى تعميق المشاكل الناجمة عن تطبيق "برنامج الإصلاح الهيكلي" من سيطرة للرأسمال الأجنبي على مصائر البلاد ناهيك أن 75% من عائدات تلك الخوصصة رجعت إلى الرأسمال الأجنبي، ومن تعميق هشاشة الاقتصاد التونسي إذ تراجعت مساهمة القطاعين الإنتاجيين الصناعي والفلاحي في الناتج الداخلي الخام لفائدة قطاع الخدمات (060,5%)، ومن تفاقم حجم المديونية الخارجية التي ظلت تمثل أكثر من 50% من الناتج الداخلي الخام. أما على الصعيد التجاري فإن هيكل المبادلات لم يتغير عما كان عليه في السابق، كما أن عجز الميزان التجاري ظل كما هو عليه، بل إن فتح الأبواب على مصراعيها للسلع الأجنبية زاد في حدة أزمة القطاعات الموجهة إلى التصدير وفي مقدمتها قطاع النسيج الذي يشهد انجرافا غير مسبوق. لقد تم الإعلان منذ انطلاق اتفاقية الشراكة أن ثمنها لن يقل عن غلق ثلث المؤسسات الصناعية. وعلى الرغم من الوعود فإن معدلات الاستثمار الخارجي ظلت ضعيفة. وبشكل عام فإن نسب النمو بقيت دون ما تطالب به المؤسسات المالية لاستيعاب الضغوط الناجمة عن "الانفتاح الاقتصادي" (7%).

ولا أعتقد أنه يمكن لعاقل أن يجادل في كون "اتفاقية الشراكة" هذه ساهمت في تعميق المشاكل الاجتماعية في بلادنا من فوارق بين الأغنياء والفقراء، وبطالة (16% رسميا وبين 20 و25% حسب مصادر مستقلة) وتهميش وتفقير وتدهور للمقدرة الشرائية وظروف العمل وضغط جبائي على الأجراء وتراجع للخدمات الاجتماعية والثقافية (تعليم، صحة، تغطية اجتماعية، نقل، اتصال…) بسبب الخوصصة وتراجع نفقات الدولة، كما تفاقمت الجريمة وتجارة المخدرات في صفوف الشباب خاصة الذي أصبحت الهجرة السرية (الحرقان) بما تعنيه من مخاطرة بالحياة الحلم الذي يراود قطاعات واسعة منه بسبب البطالة والتهميش. وفي كلمة فإن اتفاقية الشراكة هذه عززت تلك الحقيقة التي طالما رددناها وهي أن المنتفع الأساسي من مثل هذه التوجهات الاقتصادية/الاجتماعية النيولبرالية هو الرأسمال الأجنبي وتوابعه المحليون الذين لا يفكرون إلا في مصالحهم الأنانية. كما أننا لا نعتقد أنه يمكن أن يجادل عاقل في الطابع الديماغوجي للبعد السياسي لاتفاقية الشراكة. فالفصل الثاني من هذه الاتفاقية الذي ينص على ضرورة احترام المبادئ الديمقراطية والالتزام بجعلها أساسا للحكم وإدارة الشؤون العامة في ضفتي المتوسط، ظل حبرا على ورق. فنظام بن علي الدكتاتوري والبوليسي يقمع الحريات الفردية والعامة، ويمارس التعذيب، ويزور الانتخابات ويدوس الإرادة الشعبية ويشرع الرئاسة مدى الحياة ويملأ السجون بأصحاب الرأي المخالف والمعارضين، ومع ذلك فهو يلقى كافة الدعم والتأييد من الحكومات الأوروبية ومنها خاصة حكومات فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبلجيكا وألمانيا التي لها جميعا مصالح في تونس. إن هذه الحكومات لا يهمها أن يتمتع الشعب التونسي بحريته أولا يتمتع وحقوقه بل إن ما يهمها هو صيانة مصالحها. وما دام نظام بن علي الدكتاتوري يحقق لها ذلك فهي لا تتوانى عن دعمه مؤكدة نفاق خطابها عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

وتجدر الملاحظة أن مجاملة أوروبا الرأسمالية-النيوليبرالية لنظام بن علي قد قويت خلال السنوات الأخيرة لسببين، أولهما أمني ناجم عن أحداث 11 سبتمبر 2001 أو متعلق بتنامي "ظاهرة الإرهاب" بالمفهوم الأمريكي الغربي ثم عن تفاقم ظاهرة الهجرة السرية. فطالما أن بن علي أبدى استعدادا لـ"التعاون" في هذين المجالين فإن الحكومات الأوروبية لم تبخل عليه بالدعم والتأييد غاضة الطرف عن الجرائم التي يرتكبها في حق الشعب التونسي. وثانيهما مرتبط بالصراع على مناطق النفوذ، فمنذ أن بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بمنطقة المغرب العربي الكبير وتعمل بدورها على إقامة منطقة تبادل حر تضم كافة دول المنطقة، خصوصا بعد عودة نظام القذافي إلى "الصف" واستعداد النظام الجزائري إلى "القفز" بعلاقته بواشنطن إلى درجة غير مسبوقة من "التعاون"، أصبحت الدول الأوروبية صاحبة المصالح في بلدان المغرب الكبير، وفي مقدمتها فرنسا، تبدي مزيد الاستعداد للتواطؤ مع الدكتاتوريات الحاكمة في المنطقة ومنها الدكتاتورية النوفمبرية في تونس والسكوت على دوسها لمبادئ الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية.

وخلاصة القول أيتها السيدات والسادة أن أوروبا الليبرالية هي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أكبر سند للدكتاتورية في بلادنا. إنها تعطي الأولوية للمصالح الاقتصادية ولأمنها (مقاومة "الإرهاب" والهجرة السرية). أما مصالح الشعب التونسي فهي أبعد من أن تفكر فيها. وإذا كان نظام بن علي يحقق لأوروبا ما تريده من مصالح، فإنه لا يتوانى أيضا عن ترضية الولايات المتحدة الأمريكية. فالجميع يعلم أنه أيد عدوانها على العراق، وهو يؤيد مشاريعها لتصفية القضية الفلسطينية، وما دعوته الأخيرة مجرم الحرب أرييل شارون لزيارة تونس إلا خطوة جديدة لشراء الدعم الأمريكي. وقد ذكرت هذا الصباح السيدة صوفية بسيس في مداخلتها أن نظام بن علي، وافق، مثله مثل النظـام المغربي، على إقامة قواعد عسكرية في تونس. كما أن علاقات نظام بن علي بالحلف الأطلسي ما انفكت تتطور. وهذا هو الذي يهم حكام أوروبا والولايات المتحدة. وهو مـا يقدمه إليهم نظام بن علي من خدمات ويوفره لهم من ضمانات لتأمين مصالحهم.

وبعبارة أخرى فإن اتفاقية الشراكة قد عززت تبعية تونس، على الصعيد الديبلوماسي والعسكري.

هذه لمحة عامة عن اتفاقية الشراكة، وتقييمنا لنتائجها وهو كما ترون تقييم سلبي.

وكما قلت في البداية، فهي بالنسبة إلينا اتفاقية استعمارية جديدة تهدف إلى إبقاء تونس ومنطقة المغرب الكبير عامة منطقة نفوذ تابعة لأوروبا خاصة وللعالم الغربي عامة. فهي إذن اتفاقية غير عادلة. ومن هذا المنطلق نحن في حزب العمال الشيوعي لم نقبلها وقاومناها ولا نزال نقاومها مطالبين بإلغائها في إطار إلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات المضرة بمصالح بلادنا وشعبنا والتي تفقدهما استقلالهما وحقهما في تقرير مصيرهما. ولكن هذا لا يعني أننا من أنصار سياسة الانغلاق على الذات وضد كل تعامل مع الخارج. كلا! نحن نفرق بين التبعية، وهو حال علاقة تونس، تحت حكم بن علي، بالاتحاد الأوروبي (وكذلك الولايات المتحدة)، وبين إقامة علاقات مع الدول الأخرى على قاعدة احترام مبادئ المصالح المشتركة والاستقلال والسيادة. ومثل هذه "الشراكة" لا يمكن أن تتحقق في ظل نظام حكم بن علي الدكتاتوري والتابع من الجهة التونسية، ولا في ظل أنظمة الحكم الليبيرالية الاستعمارية من الجهة الأوروبية، بل إن المدعو إلى وضع لبناتها من الآن هو القوى الأوروبية التقدمية، الرافضة لأوروبا النيوليبرالية (كما حصل في الاستفتاء الأخير لفرنسا) والمحبة للسلام والمناصرة لتحرر الشعوب في أوروبا من ناحية ثانية. مما يعني أن العملية ستتطلب جهدا ووقتا.

هذا ما أردت قوله. وشكرا.