لنتمسك بتعهد “السيسي”


فريدة النقاش
2014 / 5 / 22 - 09:24     

لعل لقاء المرشح الرئاسي “ المشير عبد الفتاح السيسي” مع الكتاب والأدباء قبل أسبوع أن يكون واحدا من أهم اللقاءات التي عقدها فى سياق حملته الانتخابية.

ولا تعود أهمية هذا اللقاء فقط لأنه ضم نخبة مميزة من الكتاب والادباء الذين وصفهم السيسي بأنهم يسهمون فى تشكيل الوعي والضمير الوطني، وإنما هو مهم أيضا لأنه كشف بعمق عن طريقة تفكير المرشح الأوفر حظا فى الوصول إلي الرئاسة فى قضايا الثقافة ودورها وأدوار المثقفين فى صناعة الصرح الحضاري للبلاد فى الماضي والحاضر والمستقبل. وقد انشغل الكتاب والأدباء خلال اللقاء بقضايا الحريات العامة انشغالا كبيرا من حرية الرأي والتعبير والفكر وحرية الاعتقاد والتنظيم وهم ينظرون خلفهم بغضب إلي تجربة عامة مظلمة من حكم جماعة الإخوان الإرهابية اضافة إلي ثمانين عاما من وجودها فى حياة المصريين كقوة فاشية مسلحة ماديا بأدوات القتل ومعنويا بأفكار القرون الوسطي وعمليا بالأموال الطائلة التي عاونتهم فى نصف القرن الأخير علي استثمار فقر ملايين المصريين الذين عصفت بهم سياسات الليبرالية الجديدة، وتشويه وعيهم والتلاعب بتدينهم الفطري وبث روح التعصب والكراهية فى محاولة منهم لعزل المواطنين المسيحيين كرعايا من الدرجة الثانية. وطالت روع الكراهية والتمييز ملايين النساء باعتبار المرأة عورة لابد من اخفائها وفرض الوصاية عليها، بل وفرض الوصاية علي الشعوب كافة باسم الخلافة.

أدرك غالبية الكتاب والأدباء هذه الحقائق كلها وسعوا عبر المنابر التي توفرت لهم إلي هزيمة الوعي الزائف الذي بثته قوي اليمين الديني علي نطاق واسع، وكانت الحريات التي انتزعوها بثمن باهظ هي اداتهم الرئيسية، والجماهير الشعبية التي اشعلت الاحتجاجات وصولا إلي الموجات الثلاثة من الثورة فى 25 يناير 2011 والثلاثين من يونيه 2013 والسادس والعشرين من يوليه 2013- كانت هذه الجماهير التي قادها الشباب هي القاعدة الصلبة التي استند إليها الكتاب والادباء وهم يقومون بأدوارهم.

وكما قال الكاتب محمد سلماوي فى اللقاء مع “السيسي” كان اتحاد الكتاب هو أول نقابة فى مصر تعقد جمعية عمومية حاشدة فى مايو 2013 وتقرر هذه الجمعية سحب الثقة من “محمد مرسي” ولا تعتبره رئيسا شرعيا للبلاد. كذلك كان الكتاب والأدباء قوة فاعلة منظمة ضد وزير الثقافة الإخواني الذي وضعوه علي كرسي “ثروت عكاشة” لكي يدمر المؤسسات الثقافية الكبري فى البلاد، وكان مشروع أخونة الدولة يجري علي قدم وساق، فنظم كتاب وأدباء وفنانون اعتصامهم المشهور فى مقر وزارة الثقافة، كما نظموا مسيرات متواصلة احتجاجا علي إقالة الفنانة “إيناس عبد الدايم” من موقعها كرئيس للأوبرا، وفعل المثقفون كل ذلك مستلهمين الروح الشابة التي سرت فى البلاد فى ظل موجات الثورة والرفض الشعبي المتصاعد لحكم الإخوان.

وحين قال الشاعر “أحمد عبد المعطي حجازي” للمشير السيسي نعاهدك أن نناضل دائما من أجل حرية التعبير وحرية الفكر والاعتقاد والديمقراطية وتداول السلطة، وأن نظل دائما أمناء علي الفكر والثقافة رد المشير السيسي قائلا: “ضموني معكم إلي هذا التعهد” وكعادته كان “المشير صادقا ومدركا لحقيقة التناقض الذي يمكن أن ينشأ بين مقتضيات تأمين الاستقرار والأمن وبين الحفاظ علي الحريات وحقوق الإنسان ورفض الانتهاكات لهذه الحقوق، و”الصدق معدي” لذلك صفق الكتاب الحاضرون ولا تكتمل الحريات العامة فى الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة دون عدالة فى توزيع الثروة القومية ولا تتناقض عدالة التوزيع مع تعظيم هذه الثروة عبر التنمية المستدامة المعتمدة بصورة أساسية علي الذات، وهزيمة مشروع الرأسمالية المتوحشة التي افقرت البلاد ونهبتها. ولمس الكتاب والأدباء حساسية عالية لدي “المشير” لقضية العدالة الاجتماعية التي كانت ولاتزال هدفا من أهداف الثورة المصرية بكل موجاتها. وقال الروائي “يوسف القعيد” إنه جاء إلي اللقاء نصف مطمئن ونصف قلق لكنه خرج منه مطمئنا تماما.

ولأن الكتاب والأدباء يتمسكون بوعد “السيسي” وتعهده بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان وحمايتها مع التأكيد علي أنه لا مجال هناك بعد الثورة لقيام دولة عسكرية أو دولة دينية فإنهم اعتبروا أنفسهم جنودا للثورة ومدافعين أشداء عن أهدافها، وكشفوا بكل صدق عن احتياجات الثقافة عامة فى المرحلة القادمة كرافعة أساسية لإنجاز الأهداف وبناء مصر الجديدة علي أسس راسخة من الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، مدركين أن الطريق الصعب المتعرج الذي تسير فيه الثورة سوف يمكن دائما اجتياز عقباته فى ظل الطرف الرئيسي الآن فى معادلة تغيير الواقع إلي الافضل وهو الشعب المصري العبقري الذي دأب علي تحويل الهزائم إلي انتصارات، وعلمه صبره الطويل علي المشاق والآلام أنه ما ضاع حق وراءه مطالب.