-فرنكنشتاين- هم .. و .. ((فرنكنشتاين)) نا ما بين -تحدي الله- و -تحدي السلطة-


حميد الحريزي
2014 / 5 / 20 - 22:59     

"فرنكنشتاين" هم .. و .. ((فرنكنشتاين)) نا
ما بين
"تحدي الله" و "تحدي السلطة"

دراسة نقدية تحليلية مقارنـــــــــــــــــــة
حميد الحريزي
مقدمة :-
اهدى الروائي العراقي احمد السعداوي , العالم , والعالم العربي , والعراق خصوصا منتجا ادبيا ووليدا جميلا استطاع ان يرفع قامته بفخر وسط قامات الابداع الادبي والثقافي العربي والعالمي , عبر روايته الاشهر (( فرنكنشتاين في بغداد )) .
لقد كُتِبَ الكثير عن هذه الرواية ومن زوايا مختلفة ، سنحاول ان نكتب عنها من زاوية المضمون والمغزى مقارنة ب ((فرنكنشتاين )) الاصل ل((ماري شيللي))
هذه الرواية التي شهدت تقطيع اوصال وطن ومواطن ومن ثم تجميع وخياطة اشلاءه بشكل عشوائي لينتج (( انسانا )) مسخا مولع بالقتل والثأر والانتقام .
في ظل كتلة بشرية لا يمكننا ان نسميها او نطلق عليها صفة مجتمع بعد ان تخادمت قوى عالمية كبرى وإقليميه طامعة ومحلية فاقدة للوطنيه والانسانيه على تجريف الكتفورميا الاجتماعية الايجابية المتراكمة لديه عبر قرون من زمن نشأته ووجوده
ان ارتباط عنوان رواية سعداوي العراقي المستتر ( الشسمه ) واختياره ( فرنكنشتاين في بغداد ) يحيل الى رواية فرنكنشتاين لماري شيللي, هذا الارتباط الذي جعل من ( فرنكنشتاين ) كمعادل للخالق مصنع السوبرمان القبيح المنتقم , على الرغم من اختلاف دوافع الانتقام بين مخلوق فرنكنشتاين شيللي عن دوافع مخلوق فرنكنشتاين السعداوي ( الشسمه ) .
فرنكنشتاين صانع سوبرمان ألغرب
في البيئة الغربية التي ولدت فيها رواية ميلر عام 1818 والذي ميز هذه الحقبة الزمنيه بالصعود للبرجوازية الاوربيه وتوقها حد الهوس في المزيد من الاختراعات والابتكارات العلميه في مختلف المجالات العلمية والمعرفية , بعد ان اسقطت كافة العوائق والموانع والمحرمات التي تقف بوجه التقدم العلمي والمعرفي بما فيه البحث في سر الحياة ووجود الانسان وخلقه وتخليقه . ومن اهم هذه الاكتشافات والاختراعات اخترع المجهر وتطور علم الخليه وعلم الانسجة وعلم الجراثيم ...
وبالتأكيد ان لهذا التطور العلمي انعكاساته على المجتمع بمختلف تكويناته , ومنه على الكتاب والأدباء , بين متطير خائف من عواقب هذه التطورات الهائلة للعلوم , وأخر مبتشر متفائل ..
المؤلفه ( ماري شيللي ) الانكليزية من عائلة ثريه ومثقفه برجوازية تواقة للعلم والمعرفة فكان تخليقها (( فرنكنشتاين او بروميتوس الحديث )) , وهو الساعي من اجل خلق الانسان السوبرمان القادر القوي العصي على الكوارث والأمراض وهو حلم البشرية الذي جسدته البرجوازية الاوربية الناهضة , ولكنه يفشل في عملية الخلق المسيطر عليها فكانت حصيلة تجربته مسخا جبارا قبيح الخلقه لا يستطيع ان يعيش وسط المجتمع الانساني القائم والمرفوض بشدة من قبله وغير قادر على فهمه ....
((انني املك القدرة على ان اهب الحياة.... فعزمت على صنع مخلوق هائل الحجم كبير التكوين يبلغ طوله حوالي الثمانية اقدم)..حتى اذا حل اليوم العظيم رأيت امامي جسدا بشريا كاملا لا ينقصه إلا العقل والروح)(1) ص38
هذا الوحش الرأسمالي عظيم القدرة تكنولوجيا وجسديا ، ولكنه قبيح السلوك همه الربح ثم الربح والمتعة الشخصية بغض النظر عن وسائلها وطرقها ومدى اثرها المدمر للإنسان العادي التواق للسلم والحرية والرفاه ، وها نحن نشهد وحشية وقبح وعدوانية وأنانية هذا السوبرمان المتجسد في (العولمة الرأسمالية المتوحشة ) بقيادة الرأسمال الامريكي ..واستشراف مصير البشرية المؤلم في ظل همجية وانفلات ((سوبرمان)) الرأسمال الغير مسيطر عليه والمجرد من الطباع الانسانية بسبب بنيته الاستغلالية القبيحة والمقرفة ، اردنا ان نوضح هنا مدى خوف الانسان من الطموح الغير محدود للعلم وتجاوز نواميس الطبيعة حد التطاول على قدرات الرب الخالق المفارق ...((هكذا يجازي العبد خالقه ... ينعم عليه نعمة الحياة فيشهر في وجهه سلاح الجريمة والعدوان ويفجعه في اعز الناس عليه )) 52
((هل هناك من يعتقد غيري ... بأنني نازعت الله عز وجل في قدرته واستطعت ان اصنع مخلوقا؟؟))(2) ص54
وهناك اشارة واضحة في الرواية الى عجز النظام الرأسمالي الموسوس بالعلم عن توفير السعادة والسلام والوئام لمخلوقاته العلميه الخارقة للطبيعة وعدم قدرته على التحكم في همجيتها وعدوانيتها على بني الانسان , مما يعني في نهاية المطاف تدمير ذاته وحضارته وكيانه جراء تهوره ونجاوزه ....قال المسخ يخاطب خالقه (0فرتكنشتاين)):-
((لقد توقعت منك ان تلقاني بهذا .. الناس جميعا يكرهونني ويحقدون علي... حتى انت ياخالقي ... حتى انت يامن نفخت في من روحك تتمنى الان قتلي والقضاء علي.... أهذا واجب الخالق نحو مخلوقه..... سوف املي عليك شروطي فان قبلتها سأدع العالم يحيا بأمن وسلام . وإذا رفضتها فسأتنكر للإنسانية فأهدم وأضمر وأضرب واسحق ، ولن اترك احدا يمت اليك بصلة إلا اوردته موارد ألهلاك)).(3)ص62 .
وهنا ( فرنكنشتاين ) هو العالم الباحث المتجاوز , الخالق , المعاقب , النادم حد التضحيه بحياته لإصلاح اخطاءه ... هذا هو فرنكنشتاين الغرب او فرنكنشتاين العالم الاول ........والذي يصفه البحار بالوصف التالي
:-(كنت اجد فيه شخصا حاد ألذكاء سليم ألمنطق ملما بفنون ألحديث شدي التأثير على سامعه... ياله من مخلوق رائع... انه حتى وهو على تلك الحال المحطمة لا يكاد الانسان يتأمله حتى يهفو اليه. فكيف كانت حاله اذن ايام الرخاء الاولى ؟؟!)(4) ص138،
انه وصف واقعي للبرجوازية خالقة التقدم والجمال والرفاه للبشرية خصوصا في بداية وأوج نهضتها (( ايام الرخاء الاولى ))، ولازالت جذابةً رغم تهورها وتدهورها وتحديها لنواميس الطبيعة وتمرد مخلوقاتها عليها، نتيجة للانانيتها وجشعها ونزعتها الاستغلالية وتسليع الانسان واستلابه .......
((هادي العتاك)) فرنكنشتاين بغداد:-
اما ( هادي العتاكـ )" فرنكنشتاين بغداد" و خالق (( الشسمه )) سوبرمان المجتمع العراقي في عهد الاحتلال فهو شخصية رثة , كذابة ، تعتاش على كل ما هو قديم ومستهلك , لا تملك من العلم والمعرفة ما يؤهلها لتخليق سوبرمان العلم الخارق وهي دلالة على رثاثة وتخلف مجتمعاتنا وهشاشة وبدائية وتشوه طبقاته الاجتماعية ،حيث موت وتبعية الطبقة الوسطى مشعة الفكر الحر والمستنير صوب الطبقة البرجوازية العليا ونقيضها الطبقة العاملة ، كل هذا بسبب وأد الطبقة البرجوازية الوطنية المنتجة وتحولها الى طبقة برجوازية طفيلية مسخ ، بسبب ريعية الدولة واعتمادها على البترول كمصدر اول ورئيس للثروة ، وهذا ما انعكس بنفس النسبة من الرثاية على نقيضها الطبقة العاملة فتكونت من حثالة البرولتاريا الرثة التي تعتاش على الهامش المستهلك وبذلك هيمنت عللى الكتلة البشرية ((المجتمع)) برمتها ثقافة الاستهلاك ، والاستيراد والاستبداد واجترار المعلومة وتقليد الاخر دون تفكر او تدبر والنبش في الغيب والخرافة كما النبش في اكداس النفايات لتحصل على لقمة العيش وإدامة وجودها البيولوجي الصرف .
الهيئة الحكوميه المسئوله عن متابعة الجريمة في العراق المنبثقة عن الطبقة السياسية ((الاقطاوازية)) المهيمنة على السلطة السياسية ، الممسوخة والمولودة من رحم بقايا الاقطاع والبرجوازية الصغيرة الطفيلية التجارية والعقارية والربوية الغير منتجة , واعتمدت على كادر من المنجمين وفاتحي الفال والأساليب البدائية المتخلفة التي تلائم بنيتها الفكرية الماقبل حداثية ،بدلا من التقنية الحديثة والعلم في متابعة الجريمة وكشف المجرمين ، ففي الوقت الذي شاهدنا الحضور المميز للقاضي في ((فرنكشتاين ماري شيللي)) وجديته في اظهار الحقيقة عند محاكمة ((فرنكنشتاين)) ، لم نشهد اي دور للقضاء في متابعة ((الشسمه)) لأحمد السعداوي , مما يشير الى طبيعة الطبقة السياسية الحاكمة في من حيث جهلها ورثاثتها وتخلف اساليبها في الحكم والتحكم وانقيادها لأسيادها (( العقل الاكبر)) الامريكي مصنع العنف ومديم الازمات سعيا لديمومة السيطرة ونهب الثروات والتحكم في مصائر الشعوب .
أمريكا الاستغلال والاحتلال تصطحب مقاوميها معها :_
فالاحتلال الامريكي تميز دون غيره من المستعمرين , بجلب معارضته معه بعد ان يصنعها في مصانع شتى وبألوان تناسب الفترة الزمنيه المحددة مثل المنظمات اليسارية المتطرفة , والفوضوية , والأحزاب القويسارويه في زمن الحرب الباردة الى منظمات وأحزاب التطرف الاسلامي مختلفة التسميات موحده الاهداف والمنشأ كالقاعدة وداعش والنصرة وباكو حرام والإخوان المسلمين وو .. الخ في عصر القطب الواحد وسيادة امريكا راس المال التي دخلت مرحلتها الارهابية وهي اعلى مرحلة للامبريالية العالمية المأزومة والمتوحشة ن وبذلك تسلب الشعوب خيار المقاومة الوطنية الحقيقة ، حين تمكنت من تشويه وجه المقاومة وتماهيها مع الارهاب.
وقد اعطت لعملائها سر هذه المهنة القذرة والسلوك اللاانساني الارهابي لتصنيع ( طناطلهم ) و ( سعاليهم ) في بلدانهم لإرهاب شعوبهم تحت ذريعة مقاومة عدو مجهول خارق القدره لإخلاص منه الى التمسك بالقائد الضرورة والحاكم المخلص كما مر على العراقيين في مهازل عدنان القيسي قاهر الابطال ومجندل الشجعان من مختلف القوميات والبلدان , ممهدا لظهور القائد السوبرمان ( صدام حسين ) , وكذلك مهزلة عصابة ابو طبر الاجرامية السلطوية ...
ومن ثم الزرقاوي , وعزة الدوري , والظواهري , وداعش وأخواتها ..
عدالة الشارع بدل عدالة القانون :-
(( الشسمه ))المخلق من اشلاء ألضحايا والمحكومة ديمومته وبقاءه بدوام بقاء هذه الاشلاء ، هو حامل لواء عدالة الشارع الذي بالنتيجة يتحول لقاتل يقتل من اجل تجديد وجوده وديمومة حياته , .. وهنا نقرأ اشارة واضحة للكاتب كون عدالة الشارع مهما كانت نواياها انسانيه فهي بالتالي ستنحرف صوب الارهاب والثأر الاعمى ... وهذا ناتج عدم كفاءة ونزاهة السلطة الحاكمة في حماية حرية وممتلكات وأرواح مواطنينيها وعدم وجود دولة المؤسسات الدستورية وليس دولة المليشيات المتحاربة ....
كما ان الكاتب يوضح عبر شخصية الصحفي – المثقف – المتعلم – في الطبقة الوسطى الهارب من ارهاب الاقطاع"الكوربان" وعصائبه قد اصبح اداة طيعة بيد – السعيدي – صاحب المجلة ((الاعلام)) المتعاون مع الاجهزة المخابراتية وصاحب العلاقة المصيرية بالطبقة الحاكمة الحافلة بالمؤامرات والاتهامات والتصفيات المتبادلة ... محاولا تقليده وتمثل متعته وسيرته متخيلا – نوال الوزير – في جسد المومس (( زينه )) بعد تركه العمل في مجلة (( الهدف )) , تخلي برجوازيتنا الصغيرة عن الهدف الوطني والقومي والطبقي النبيل والجري وراء المكاسب والمناصب وفتات السلطة وخدامها ...
يشتري قصة الصراع الدامي مسجلا على كاسيت من شخصية هامشيه مجهولة المصير ، لأنه بعيد عن الحدث بعيد عن حراك الشارع لا دور له في الحراك الاجتماعي الدائر على خلفية الجوع والقهر والاستلاب والاحتلال والاستغلال .......واخيرا تحرره ((عدالة الشارع)) من عزلته وانكفائه على ذاته ، بقتل ((الكوربان))!!
هشاشة البناء الطبقي / خراب المدينة - سيادة الفكر الديني:-
تدور كل هذه الاحداث الفواجع والقوا مع وسط بيئة رثة , دلالين , باعة خرده , عاهرات , اصحاب فنادق مغلقة , خليط من قوميات واديان مختلفة فقدت تجانسها وانسجامها وأصبحت مرتعا للسماسرة والقتلة والمنسوخ على خلفية حقبه من ديكتاتورية قاهره قامعه مدمره ... هكذا اصبح حال (( البتاوين )) هذه المنطقه السكنية التي قطنها البتله الفلاحون من المناطق المجاورة لبغداد , وقد سكنها اغلبيه مسيحية ويهود ، وأسماء بارزة من ساسة وتجار وإعلام العراق من مختلف الطبقات والأديان والطوائف والأقليات القومية ، ومن مختلف مناطق ومحافظات العراق ، زمن ازدهارها وتطورها ممثلة قلب بغداد النابض المتسامح , كما اشار الى ذلك الكاتب ولكنها دفنت وقمعت ، بالتعاقب حتى سيادة الاسلاميين مجسدا ذلك بوضع ((ناهم عبدكه)) اية الكرسي ولصقها بالعجين ؟؟ فوق الايقونه المسيحية الموضوعه فوق الايقونة اليهودية المطمورة في بطن الجدار المتهرئ
(( فوضع قطعة كارتون مربعة كبيرة تحوي آية الكرسي على احد جدران الغرفة التي سكنا فيها سوية . لصقها بالعجين !! ليضمن صعوبة انتزاعها من مكانها مالم تتمزق نهائيا))(5) ص32
والتي ستتمزق وتتهاوى في ما بعد حيث الانفجارات والخراب الشامل الغير مسبوق ل((البتاوين))ن وهي دالة الى انهيار كل القيم والروحية والاجتماعية بمختلف مسمىاتها ما قبل الحداثة وفي زمن (( كان هذا هو اسوا ما حصل للمنطقة على الاطلاق. منذ تأسيسها في مطلع القرن الماضي كأفضل الاحياء السكنية وسط بغداد، حتى مع تدهورها في الثمانينيات ومطلع التسعينيات وتحولها الى بؤرة لبيوت الدعارة وصناعة المشروبات الكحولية المنزلية ،واكتشاف عصابات للخطف والتجارة بالنساء والأطفال والأعضاء البشرية في بعض بيوت المنطقة فان هذا لم يكن الاسوا....رج الانفجار المنطقة كلها ، يستحدث الصحفيين فيما بعد.... عن الصدوع التي حصلت في نصب الحرية بسبب الانفجار وإطلاقهم التحذيرات المنذرة من سقوطه الوشيك))(6) ص304
... اشارة الى التبدلات والتحولات التي مرت بها (( البتاوين ) كما هي (( بغداد )) كما هو العراق في الحقبات المتتالية بعد ولادة الدولة العراقية........ هذه المحلة النموذج للتعايش وتجانس الافكار والديانات والقوميات والمستويات المعاشية والتي كانت جاذبة مستقطبة الناس للعيش بأمن وسلام ، اصبحت وكرا للجريمة وطاردة لسكانها ((ابو انمار )) يعود الى موطنه في الجنوب ((قلعة سكر))، وأم ((دانيال)) تضطر للهجرة الى عين كاوه ومن ثم الى بلاد المهجر بعد تم اقناعها ان املها ومنتظرها هو ليس المسخ ((الشسمه)) رغم ارتداءه لملابس "دانيال".
، بل هو في ((دانيال)) الشاب المتجدد الذي امنة له الحياة والأمان في بلاد الغرب ، بعد ان تأكد ان جدته لازالت محافظة على ثقافتها ولغتها ودينها ولازال هناك امكانية للتفاهم معها عبر لغتهم المشتركة ...
" وهنا يثار تساؤل ايضا لماذا ملابس دانيال المسيحي ضحية حروب الديكتاتور العبثية ؟؟" هل هي اشارة مقنعة للقارئ الناقد حول المشاركة المظهرية في عملية الثأر والانتقام من القتلة والإرهابيين الممثلة بشخصية ((الشسمه)) رغم انهم احد ضحايا هذا الارهاب . ؟؟
مظلومية الاقليات الدينية وغياب البطل الإيجابي
وهنا لابد لنا ان نشير الى قصدية الكاتب في (( الشسمه )) – المقاوم المسخ الذي لا اسم ولا هوية ولا عنوان ولا كينونة له روح تائهة هائمة وجسد مكون من اشلاء لا يعرف بعضها بعضا لا يجمعها جامع سوى الثأر المتجدد دوما ..... عبر تجدد القتل والتفجيرات الارهابية في العراق عموما وفي بغداد خصوصا .
فهل هذا حقا ما يراه الكاتب كواقع حال للرد على ظلم وفساد وقهر السلطة ورموزها , وقهر اصحاب المال والجاه المتخادمين مع قوى المحتل الامريكي الراعي الاكبر للإرهاب ، مما يجعل يوم الخلاص الحقيقي للشعب العراقي على يد طبقة واعية اصيلة مدركه لما تريد وتهدف تتنقل من عدالة الشارع صوب عدالة المؤسسات الدستوريه الديمقراطيه المتحضرة امرا شبه مستحيل ؟؟
ان من يستعرض الواقع الراهن في ظل هيمنة القوى والأحزاب الطائفية والعرقية والعشائرية ينحاز الى رؤية الكاتب في استحالة الخلاص من دوامة عنف الشارع الدامي وابتعاد حلم المواطن بقيام دولة المواطنة ألحديثة
الكاتب كان ذكيا في زج رمزية غربية لتغلف المحلية وتضللها بضلالها كما هو حال الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي لبلدان العالم الثالث التابع ومنها العراق المبرقع ببرقع الحداثة والمدنية والديمقراطية الزائفة , والانتصار الضمني لمظلومية الاخوة المسيحين وقبلهم اليهود لتلقى الرواية الرواج والقبول والأفضلية على ما سواها ضمن المناخ العام في العالم العربي والعالمي عموما المتعاطف مع هذه الاقليات المهددة بالإفناء وما يؤكد ما ذهبنا اليه كون الرواية الثانية (( طشاري )) لأنعام كججي المرشحة ايضا للجائزة ، كانت مكرسة لمثل هذا الغرض ولكنها لم تلبس الرداء الغربي وهي محقة طبعا ،بل لبست رداء محلي عامي شائع ، فشطرت اختيارها من قبل لجنة التحكيم ...!!!!!
احداث الرواية مغرقة بالنظرة السلبية لطبيعة الحراك الاجتماعي الدائر في المجتمع العراقي , فالكاتب لم يستطيع ان يلمح حتى نور شمعه ذاويه في نهاية النفق المغلق الغارق في السادية والإيغال في القتل والحرق والخراب , وهذا امرا غير ممكن في كل تاريخ الشعوب ومنها الشعب العراقي رغم ما يطفو على السطح من مظاهر التخلف والخنوع والجهل واللامبالاة , وهذا مما لا يحسب في صالح الرواية عراقيا وان كان يمثل بعض مما يسعد ويفرح العقل الاكبر ومدبريه ... لم يؤشر لا من قريب ولا من بعيد الى ارهاصات تكون وبدايات تبلور وعي شعبي ومجتمعي حداثي مدني جديد ، يحاول ان يكون البديل الاصلح لتحول ديمقراطي مدني ناضج ، وقد تجسدت فعالياته في نشاطات جماهيرية ومنظمات مجتمع مدني ضد الطائفية والعرقية وضد الفساد وهدر المال العام والدفاع عن حقوق الانسان مما كان جديرا بالكاتب ان يشير الى هذه الحركات الواعدة بالتغيير وهي حقيقة وليس افتعال لا نريد للكاتب ان يفتعل ويصنع ابطالا ايجابيين ،ولكن مهمة الادب في مثل هذه الظروف مبعث للأمل ودال لطرق ووسائل الخلاص والإشارة لمنارة المستقبل وان لفها الظلم وغيبها الظلام ...
من ولماذا وكيف خلق ((الشسمه))؟؟؟
وهنا يثار سؤال اذا كان دافع (( فرنكنشتاين )) هو الدافع العلمي لتخليق مسخه السوبرمان فما هو دافع تخليق (( الشسمه )) من قبل العتاكـ ؟؟؟
فما ذكر في متن الرواية كون الهدف استكمال جثة الضحية الاولى لغرض تسليمها الى الطب العدلي , وهذا عذر واهي وغير مقبول , فالمعروف ان الشرع الاسلامي يطالب بتغسيل وتكفين ودفن اي عضو من اعضاء الانسان وأشلاءه حتى ((الاظفار المقصوصة )) ولا يجيز تركها في النفايات والازبال ...
كما لا يشترط ان يكون مكتمل الاعضاء مما يتوجب ان يعثر له على انف لتكتمل جثته ليستلم من قبل الطب العدلي ؟؟
فإذا كان (( فرنكشتاين )) عالم في علم الخلية والأنسجة وعلم الكيمياء , فلم يكن ( هادي العتاك ) مختصا بالتقاط ودفن اشلاء الضحايا ؟؟
وهنا تبدو قسرية وقهرية وظيفة هادي العتاكـ للقيام بمهمة تهيأة (( مسخ السعداوي ))لاستكمال حبكة السرد الروائي بما يشبه ((مسخ فرنكنشتاين)) !!! وان كان يفتقد للمعادل الموضوعي لهذه الوظيفة ، الهدف منها الاستفادة من فكرة مسخ ((فرنكنشتاين)) بما يشبه الاستنساخ لبناء جسد الرواية وسهولة السرد......
الكاتب كان ذكيا في اختيار الانف كأخر اعضاء (( الشسمه )) لتعود اليه الحياة , وليمتلك القدرة على تتبع الاشخاص المراد التخلص والثأر منهم , فالأنف هو عضو التنفس وديمومة الحياة , وهو عضو الشم لتتبع الرائحة والاستدلال على المراد (( انفي لا يخطأ )). لكن في الوقت الذي اهترأت فيه اغلب الاعضاء اما بسبب الثار من قاتليها , او لمضي الفترة القصوى لعدم الاخذ يثأرها , الا الانف لم يبلى ولم يستبدل , رغم انه حافظ سر حياة المسخ وأداته في تعقب ضحاياه مما يترك خللا في حبكة السرد ويثير سؤال ...
مسخ السعداوي لم يشعر بالعزلة والغربة والرفض المطلق ، بل كانت المواقف منه متناقضة تماما ، ففي الوقت الذي اثار فزع واشمئزاز وكراهية الاغلبية ومنهم المتسولين الذين ماتوا خنقا في البتاوين ، نرى ان احدهم يتوسله ان يقتطع اعضاءه من اجل ديمومة حياته واستمراره في عمليات الثأر !!!!!
فعندما يشعر ((الشسمه)) بقرب نهايته بسبب اهتراء اغلب اعضاء جسمه ((التقى بالصدفة ايضا بأحد الاتباع المؤمنين بأنه المخلص ، قاده الى بيته في حي الفضل ؟ ونجح في تجنب الجيران والأعين الفضولية، وحين صارا داخل فناء البيت دخل هذا المؤمن الى المطبخ وجاء بسكين كبيرة وأعطاها للشسمه ، قال له انه فداءً له، فليقتله ويأخذ منه الاجزاء التي يحتاجها كقطع غيار )) (7)ص 236
نشهد مدى التعاطف الشعبي مع المنتقم المخلص ، نتيجة معاناته من الارهاب وعصابات النهب والسلب والقتل المجاني ، وعدم ثقة الناس بالأجهزة الحكومية لتحقيق الامن والأمان .
و يظهر مدى تشظي بنية القيم لدى المجتمع العراقي والتقاطع الحاد في مواقفه وآراءه بين كره حد القتل وبين ايثار حد التضحية بالنفس من اجل تحقيق العدالة المفقودة ..... بالضد من موقف المجتمع الغربي من مسخ ((فرنكنشتاين)) الموحد برفض وكراهية القبح مهما كانت مبرراته غير مسموح له بالحياة حتى من قبل خالقه ، في حين نلمس ان هناك تواطيء كبير بين الثقافة المجتمعية الحاضنة للقبح والجريمة وبين توجهات ((العقل)) الاكبر المحتل في ادامة العنف وروح الثأر وبين السلطة المخترقة والمتخادمة مع الاجنبي ومع عصابات الارهاب لديمومة هيمنتها وسيطرتها على سدة الحكم ......... ((يتغير وجهه كل حين ....لاشيء يدوم معه سوى هذه الرغبة في الاستمرار، هذا هو مبرره الاخلاقي الوحيد )) كبير المنجمين (8)ص 334
(( بالنسبة للعميد سرور فان مشروعهم هو خلق هذا الكائن بالتحديد ، خلق هذا الفرانكنشتاين واطلاقه في بغداد ، الامريكيون هم من وراء هذا الوحش))(9) ص335
وهنا يبدو لي ان الكاتب يخلط بين (( فرنكشتاين)) الخالق وهو العالم الذي خلق ((المسخ)) وبين المسخ نفسه ، بين ((هادي العتاك))= فرنكنشتاين ، بينما مسخه = الشسمه مرتدي ملابس دانيال ابن ليشوا ، فلأمريكان ارادوا ((الشسمه)) القاتل المتجدد الذي لا يموت وليس ((هادي العتاك )) الذي هو وسيلتهم لتخليق هذا المسخ ، ((هادي العتاك )) الذي سيشوه هو ايضا ويلقى القبض عليه باعتباره هو ((المسخ الشسمه)) بغداد ، اثارت الرعب والهلع في نفوس الناس ، الذي هدد العملية السياسية كلها بالانهيار ، عرضوا صورة كبيرة له من خلال عارضة الشرائح على شاشة كبيرة ، ونطقوا اسمه ، انه المجرم هادي حساني عيدروس، من سكنة حي البتاوين في بغداد((هذا المجرم كان مسؤولا عن عمليات قتل مروعة جرت على مدى العام الماضي داخل داد ، والملقب ب(( هادي العتاك)).)(10) ص347.
السلطة المأزومة تخلق ((طناطلها)):-
وهكذا دائما تجد السلطات المأزومة ضحاياها ولتدعي انتصارها على الارهاب والإرهابيين ، ولكن سرعان ما تذهب هذه الادعاءات ادراج الرياح ، اعدم ابو طبر ولم ينتهي الاجرام ، قتل الزرقاوي ولم ينتهي الارهاب ، وها نحن نقرء ونسمع كل مقتل مسئول ارهابي خطير ، وقد بلغ اعدادهم بالمئات من القادة الخطرين والرؤوس المدبرة والمفجرة ولكنهم سرعان ما يظهرون ثانية وهكذا تبقى طواحين الارهاب والخوف تدور وتسحق عظام الابرياء .....
((وعلى الرغم من كل التاكيدات التي تطلقها الحكومة فان الناس صاروا ، مع كل يوم جديد ، على يقين اكثر بان هذا المجرم لن يموت ابدا))(11) ص335
لذلك فهو وليد طبيعي مشروع للعناك يحترم ابوته ويقر به خالقا لا يطالبه بأي شي كما هي مطالب مسخ ((افرنكنشتاين)) الذي طالب خالقه بان يخلق له انيسا وشريكا وزوجا يقر اليه ويحمله كل تبعات عذابه وبشاعته ورفضه من المجتمع, وهنا نعود لنؤكد رؤية الكتاب بان ((الشسمه)) هو موجود في كل منا في السلطة والمجتمع هو نزعة الثأر التي لا تنتهي , وثقافة العنف والقتل المستترة في كهوف لا وعينا ما ان تجد ظرفا مناسبا حتى تخرج من عمقها ماردا مدمرا مبررا لنفسه كل افعاله وأعماله مما بلغت درجة اجرامه وعدوانيته وأكثرها فاشية وخطورة عندما ترتدي رداء وقناع الدفاع عن الدين والمذهب ونواميس السماء فتعمل على اقالة ((الله)) وتحقيق عدالته وحسابه في السماء ،لتحل محله في العقاب والثواب على الارض ...
تغير الولاءات ونمو الطفيليات:-
يجري كل هذا العنف ويشاع العنف والخوف في البلاد متوازيا مع ماجرت من تبدلات وتغيرات في النى الفوقية المتناغمة مع البنية التحتية المنهارة ، فتتغير اسماء الاماكن ، واسماء المواليد ، والشوارع ، المطاعم والساحات والفنادق والمدارس والمستشفيات ، كما هي المظاهر والملابس....... فلتغيير اسم الفندق من (( فندق العروبة الحديث الى 00فندق الرسول الاعظم )) حيث(( رفع فرج الدلال رقعة (( فندق العروبة )) بعد مغادرة ابي انمار بعشر دقائق . رمى الرقعة على الارض وداس عليها ، ثم صاح على احد صبيته لكي يأخذها الى الخطاط فيمحو العروبة ، ويكتب رقعة جديدة باسم (0 فندق الرسول الاعظم"))(12) ص280 .
يشير الكاتب بصورة واضحة الى تبدل الاوضاع والفكر السائد من الفكر العروبي القوماني الذي داسه الدلال بقدمه ، ليؤمن مصالحه ويظهر ولائه الى الوضع الاسلامي الجديد ليستبدل اسم العروبة باسم الرسول الاعظم !!!!!!
وهنا يلاحظ القاريء انفلات خيط الحبكة السردية من يد الكاتب ، فيكرر هذا الفعل نفسه في زمنين مختلفين ، فقطعة الفندق كانت مزالة عند حدوث التفجير في ص 208 بينما نراه يأمر عماله بإزالتها وقت التفجير كما في ص 303.
الكاتب ابدع وتميز في قدرته على صياغة المفردة وامتلائها بمعناها ، واستطاع ان يجعل القاريء يأتلف ويعايش العديد من الاماكن التي جرت فيها احداث الرواية وأبرزها ومركزها ((البتاوين)) وساحة الطيران وارخيته وأسماء فنادق ومقاهي لها حضورها الفعلي ودلالاتها الثقافية والتاريخية في العاصمة بغداد عبر تحولاتها التاريخية والاجتماعية عبر العصور ، وقد تناول العديد من النقاد هي الاماكن والأزمان بالتفصيل في معنى وأهمية ذلك في متن الرواية ودلالاتها .......
في الختام يمكن ان نجمل ملاحظاتنا حول الرواية بالتالي:-
• تماثل فكرة مسخ ((فرنكشتاين)) ماري شيليلي مع مسخ ((الشسمه ))تعتبر مثلبة على الكاتب والرواية وكأنها عملية نسخ تفتقر للأصالة .
• الرواية لم توفر المعادل الموضوعي لفعل ((هادي العتاك)) بتخليقه (0الشسمه)).
• الرواية كرست الجانب السلبي في السلوك الاجتماعي للعراقيين .
• هناك قصدية في عرض مظلومية الاخوة المسيح في العراق ، رغم ان العراقيين جميعا تعرضوا للتهجير والقتل والترهيب في ظل الشد العرقي والطائفي .
• الكاتب بذل جهدا مميزا في القاء الضوء الكاشف على العديد من السلوكيات والممارسات سواء للطبقة السياسية الحاكمة الجاهلة او للمواطن العادي المهمش المستهلك المستلب .
• اعتمد الكاتب اكثر من اسلوب في كتابته للرواية وهذا ما يحسب له ، ولكنه لم يكن مهتما كثيرا في كشف الدوافع الكامنة وراء سلوك الفرد والجماعة ضمن الحراك الاجتماعي العراقي مما ترك للقارئ حرية التأويل ودراسة البعد النفسي للشخصية في الرواية .
• نجح الكاتب لأسباب متعددة لفت الانتباه بشكل واسع لروايته ، وإثارتها للجدل والنقاش والنقد مما يعطي للرواية والراوي اهمية خاصة .

تحياتنا للكاتب الروائي القدير الاستاذ احمد السعدواي وألف مبارك لحصوله على جائزة البوكر العربي ، وإضافته ثمرة رائعة لرياض الادب العراقي والعربي وإطلاق اجنحة طائره الجميل ل ليبني له عشا في رياض الادب العالمي الرفيع......مع اعتذارنا المسبق ربما لسوء الفهم او خطل في التأويل والتحليل/ مع تقديرنا العالي للكاتب وللقاريء وأساتذتنا من النقاد والأدباء ....

المراجع:-
1،2،3،4 نصوص مستقطعة من رواية ((فرنكنشتاين )) لماري شيللي ط1-212. ترجمة نورا عبد الله.
5،6،7،8،9،10،11،12 نصوص مقتبسة من رواية ((فرنكنشتاين في بغداد)) للروائي احمد سعداوي ، منشورات دار الجمل، الطبعة الثانية2012.