حوار مع عقيل صالح حول مقال اضافات ستالين الى الماركسية1


حسقيل قوجمان
2014 / 5 / 15 - 12:08     

حوار مع عقيل صالح حول مقال اضافات ستالين الى الماركسية1
منذ فترة طويلة كنت قد اقتبست هذا المقال الذي نشره الاستاذ عقيل صالح في الحوار المتمدن لكي اناقش بعض ما جاء فيه ولكني نسيت ذلك لانشغالي بمناقشة مواضيع اخرى وعثرت عليه صدفة فرايت ان من المفيد مناقشته رغم مرور الزمن لان المقال يحاول الاشارة الى ما اضافه ستالين الى الماركسية بنية طيبة ولكن هناك بعض الارتباك في فهم الاستاذ عقيل صالح للعلم والماركسية ولاضافات ستالين الحقيقية الى الماركسية.
في مقدمة المقال جاءت العبارة التالية: "العلوم كانت دائماً متواجده, مع الإنسان أو دونه, عمل الإنسان الوحيد هو ان يكتشف تلك العلوم ويفهمها فهماً صحيحا".
في هذه العبارة خلط واضح بين العلم والظواهر الطبيعية. ليس في الطبيعة شيء اسمه علم. ما يحدث في الطبيعة هو عمليات وظواهر تسري وفقا للظروف الطبيعية لا علاقة لها بالانسان. ظواهر كانت تجري طالما كان ثمة وجود للطبيعة وستجري طالما بقي للطبيعة وجود بصرف النظر عن وجود الانسان او عدم وجوده. فدوران الارض حول الشمس مثلا ليس علما بل هو حركة طبيعية تجري وفقا للقوانين الطبيعية ولا علاقة لها بالانسان. وهذا يصدق على كل الحركات التي كانت تجري في الطيبعة بالاستقلال عن الانسان وما زالت تجري وستبقى تجري بدون ان يستطيع الانسان ان يغيرها او يعدلها او يلغي بعضها او يصوغ بعضا اخر منها.
ما يجري في الطبيعة هو الحركة. فلا وجود للمادة بدون الحركة ولا وجود للحركة بدون المادة. الحركة والمادة شيئان متلازمان لا ينفصلان.
ثمة من يرى ان المادة جامدة لانها ليس لها دماغ تفكر به. وهذا راي يتجاهل كل الحركة في الطبيعة، سواء الحركة المكانية او الحركة التركيبية. انكار لحركة الكرة الارضية مثلا حول الشمس او دوران القمر حول الارض او حركة الرياح التي تدفع الماء المتبخر الى حيث يهطل الماء فيروي الارض او يغرقها. وانكار التحولات في المادة من شكل من اشكال الطاقة الى اشكال اخرى. انكار جميع التحولات التي طرأت على الطبيعة خلال مليارات السنين.
كل ما يحدث في الطبيعة ليس علما وانما هو حركة المادة الناشئة في ظروف طبيعية لا تحتاج الى دماغ. ان كلمة علم مرتبطة بالمعرفة حيث يكتشف الانسان حركة من حركات الطبيعة او ظاهرة طبيعية يتعلمها ويختزنها ويتعلم تكرارها وتطويرها وهذا لم يمكن تحقيقه قبل تطور دماغ الانسان. فالعلم له بداية هي انفصال الانسان عن المجتمع الحيواني حين اعتدلت قامته وتخصصت يداه للعمل ونضج دماغه. تطور الدماغ الانساني فاصبح صالحا لاكتشاف الحركات الطبيعية وتعلمها واختزانها وتكرارها وتطويرها والعمل على اكتشاف حركات وظواهر طبيعية اخرى. ان العلوم بمجموعها هي مجموع ما اكتشفه واختزنه وطوره الانسان اي تعلمه، عن الطبيعة. فالعلوم هي ما يتعلمه الانسان عن الطبيعة ولا وجود للعلم بدون وجود الانسان وعمله ودماغه.
وجاءت في المقال العبارة التالية: "العلوم الماركسية لا تقل دقة عن العلوم الطبيعية والإنسانية الأخرى," في الواقع ليس هناك علوم ماركسية بل هناك علم واحد تعممت تسميته ماركسية تخليدا لماركس وهو علم سماه ماركس الاشتراكية العلمية. في ايام ماركس نشأت في المانيا العديد من الفلسفات التي سميت فلسفات اشتراكية ولكن ماركس اسمى فلسفته الاشتراكية العلمية اشارة الى ان العلم هو الاساس الذي تبنى عليه هذه الفلسفة الاشتراكية.
الاشتراكية العلمية كما تعلمناها من ماركس وانجلز ولينين وستالين تتكون من ثلاثة اركان علمية هي المادية الديالكتيكية، الاقتصاد السياسي، المادية التاريخية، والاشتراكية. هذه الاركان العلمية الثلاثة مجتمعة تشكل الاشتراكية العلمية او الماركسية.
الركن الاول، المادية الديالكتيكية، هو علم الحركة في الطبيعة. الانسان منذ نشوئه كان يرقب الحركات الطبيعية ولا يعلم كيفية حدوثها وحاول طوال حياة الانسان على الارض ان يفهم كيفية حدوث هذه الحركات وتحولاتها وكان يتوصل الى فهم بعض هذه الحركات الطبيعية ولكنه لم يتوصل الى معرفة الاسس التي تجري بموجبها هذه الحركات الطبيعية خلال ملايين السنين.
نجح ارخيميدس مثلا في معرفة تغير وزن المواد عند انغمارها في الماء ونجح في قياسها واستفاد الانسان من معرفته لقانون ارخيميدس ولكن ارخيميدس والانسان لم يعلم اسس هذا التحول. نجح نيوتن في اكتشاف قانون الجاذبية وكان لقانون الجاذبية تاثير كبير على تطور الانسان ولكن نيوتن لم يعرف الاساس الذي تحدث ظاهرة الجاذبية عليه.
وفي القرن التاسع عشر توصل هيغل الفيلسوف المثالي الالماني الى وجود قواعد ثابتة للحركات. ولانه مثالي في فلسفته ظن ان هذه القواعد تسري في الفكر الانساني ويجري انعكاسها على الطبيعة.
واقتبس ماركس هذه القواعد التي اكتشفها هيغل وراى بتفكيره المادي ان الواقع هو ان هذه القواعد تصف الاسلوب الذي تجري بموجبه كل حركة تجري في الطبيعة سواء اكانت حركة انتقالية ام حركة تحول المادة من شكل الى اخر. وشكل اكتشاف الاسلوب الذي تجري فيه جميع الحركات في الطبيعة علم الحركة، المادية الديالكتيكية. وفي هذا الاكتشاف للاسلوب الدقيق لقواعد الحركة في الطيبعة تحول علم الحركة في الطبيعة الى علم دقيق.
والركن الثاني، الاقتصاد السياسي، هو تاريخ تطور المجتمع البشري منذ انفصاله عن المجتمع الحيواني حتى اليوم وكيفية تطوره في المستقبل. والتطور البشري هذا هو حركة من حركات الطبيعة التي يشكل الانسان جزءا منها. وحركة تطور المجتمع البشري هي الاخرى لكونها حركة طبيعية تجري بنفس اسلوب تطور جميع الحركات الاخرى في الطبيعة، فهي تجري بموجب القوانين الديالكتيكية، وهي بمجموعها تشكل المادية التاريخية، الحركة الديالكتيكية التي سرى بموجبها تطور المجتمع البشري.
وباكتشاف اسلوب تطور حياة المجتمع الانساني بصورته الحقيقية الدقيقة تحولت معرفة الانسان للتطور الحقيقي الذي طرأ على المجتمع خلال مليارات السنين من حياة الانسان على الطبيعة، الاقتصاد السياسي، المادية التاريخية، الى علم دقيق.
والركن الثالث، الاشتراكية، هو التوصل الى مستقبل حركة المجتمع الانساني بناء على تحليل اسلوب الحركة في الطبيعة، المادية الديالكتيكية. التوصل الى ان حركة المجتمع الانساني لابد ان تؤدي الى التحول الى الاشتراكية والشيوعية. وهذا الركن بتوقعاته المبنية على على علم المادية الديالكتيكية اصبح علما دقيقا، علم الاشتراكية والشيوعية. بهذا المعنى تكون الماركسية علما لا يقل دقة عن سائر العلوم الطبيعية الاخرى.
فيما يسمى العلوم الدقيقة مثل الفيزياء والكيمياء وغيرها من العلوم لا تصبح معرفة كل حركة طبيعية معينة الى معرفة صحيحة، الى علم دقيق، فورا وانما تسنغرق معرفة اية حركة وقتا طويلا من اجراء التجارب في المختبرات وفي عمليات الانتاج الاجتماعي ومن قبل سلسلة من العلماء بدون ان تصبح هذه الحركة الطيبعية علما دقيقا وانما تبقى تجارب وابحاثا علمية ولا تتحول هذه الحركة المعينة الى علم دقيق الا عند توصل الانسان الى معرفتها معرفة صحيحة ويستطيع ان يكررها وينتجها ويختزنها في الدماغ. ويعرف تاريخ التقدم العلمي اسماء كثيرة تخليدا الى التوصل الى معرفة حركة طبيعية كعلم دقيق مثل ابن سيناء وارخيميدس وفيثاغورس ونيوتن وباستور واديسن واينشتاين والاف غيرهم. هذه كلها اسماء تدل على العالم الذي بلغ في دراسة حركة طبيعية ما الى التوصل الى جعل معرفة هذه الحركة الطبيعية علما دقيقا.
ويصدق نفس الشيء على اركان الماركسية ولكن مختبر علم الاقتصاد السياسي هو المجتمع الانساني كله ولذلك استغرق التوصل الى تحويل علم المجتمع، علم الاقتصاد السياسي، الى علم دقيق اكثر من جميع العلوم الاخرى. الماركسية هي العلم الدقيق للحركة في الطبيعة، المادية الديالكتيكية، والحركة في المجتمع، الاقتصاد السياسي، المادية التاريخية، ومستقبل الحركة في المجتمع، الاشتراكية والشيوعية.
ينتقل الاستاذ عقيل صالح بعد المقدمة الى موضوع مقاله الرئيسي حول ستالين. وسؤاله الاساسي "هل ستالين اضاف شيئا للماركسيية؟" ويحاول ان يعدد الاضافات التي اضافها ستالين الى الماركسية.
الاضافة الاولى التي يعتبرها الاستاذ اضافة الى الماركسية هي النضال ضد التروتسكية الذي يخصص له الاستاذ عقيل صالح الجزء الاكبرمن مقاله. وفي الواقع كان الصراع بين تروتسكي والبلاشفة متواصلا منذ المؤتمر الثاني حين انشق المؤتمر الى بلاشفة ومنشفيك. وكل النضالات ضد تروتسكي وجميع من عملوا ضد الحركة العمالية والدولة الاشتراكية هو جزء من الصراع الطبقي السائد في كل مجتمع طبقي وليس في ذلك اية اضافة الى الماركسية. وكذلك كون ستالين ثقف بان الصراع الطبقي يشتد كلما تقدم البناء الاشتراكي ليس فيه اية اضافة الى الماركسية.
الاضافة الثانية التي ينسبها الى ستالين هي ما يسميه "صياغة القوانين العامة للإشتراكية". في الواقع كان ماركس قد وصف الاقتصاد الاشتراكي بصورة نظرية في كراسه "انتقاد برنامج غوتا" وما تحقق في البناء الاشتراكي كان شبيها الى حد كبير بالشكل الذي وصفه كارل ماركس. ولكن القول بان ستالين صاغ القوانين العامة لللاشتراكية خطا لان القوانين الطبيعية لا يمكن صياغتها لا نها ليست من صنع الانسان. فالقوانين الخاصة بمجتمع معين تنشأ بصورة طبيعية مع نشوء المجتمع. وعلى الانسان ان يكتشفها. ولو كان بامكان الانسان صياغة قوانين طبيعية لاصبح بامكانه الغاءها وتعديلها واستبدالها.
والاضافة الثالثة التي عزاها لستالين هي ما سماه "صياغة الاسس النظرية لللينينية". اللينينية هي اكتشافات لينين لقوانين النظام الراسمالي لدى تحوله الى المرحلة الامبريالية وليست اللينينية من صياغة لينين بل اكتشافها. وبعد وفاة لينين وجد ستالين حاجة الى شرح اللينينية بشكل مبسط يستطيع العمال فهمه في محاضرات القاها ستالين في جامعة في نفس السنة التي توفي لينين فيها. وكل كتابات ستالين عن اللينينية كان يعتبر نفسه فيها تلميذ لينين وقد ظهر ذلك واضحا في اخر كلمة له في الحزب قبل قتله او وفاته. ستالين لم يوافق على تسميته اكثر من تلميذ لينين.
وينتقل الاستاذ بعد هذا الى ما يسميه "تعديل قوانين الديالكتيك" ويكتب طويلا عما اضافه ستالين الى قوانين الديالكتيك وما حذفه منها وحتى بين الاسباب التي دعته الى تلك الاضافات او الحذوف. وطبيعي ان هذا كله كلام لا علاقة له بالديالكتيك ولا بالنظرية الماركسية ولا باي علم ولا بستالين. وكل هدف الاستاذ عقيل من ذلك هو رغبته في اثبات ان ستالين يستحق تسميته المعلم الرابع للبروليتاريا بعد كارل ماركس وانجلز ولينين.
كل ما جاء في المقال عن اضافات ستالين الى الماركسية مجرد كلام لا معنى له يدل على جهل كاتبه للماركسية ولاضافات ستالين اليها. ولكن الحقيقة هي ان ستالين اضاف فعلا الى علم الماركسية احاول الكتابة عن هذه الاضافات في حلقة تالية.