حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي :البناء البرنامجي بين المسار الصعب والطريق المبهم4


محمد الخباشي
2005 / 7 / 20 - 12:41     

في فترة سابقة، حاولت ان أغوص في ثنايا ادبيات حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، بحثا عن النزعات الاشتراكية العلمية فيها. ومحاولة لتبيان البطء الذي تميزت به عملية تبلور النظرية الاشتراكية العلمية داخل المجتمع المغربي من خلال الممارسة السياسية للحركة الوطنية المغربية وحركة التحرير الشعبية التي يشكل استمرارا لها الى حدود معينة. وأعددت مسودة لكتاب في الموضوع املا في تصحيح بعض المعطيات التي لقنت للمناضلين، وأخدت دون تمحيص كافي. ولاسباب فيها الذاتي/الشخصي، وفيها ما ارتبط بانتمائي الحزبي، اقبرت هذه المسودة. وفي انتظار اعادة ترتيب بعض الفصول، ارتأيت أن انشر هنا محاور اساسية املا في طرح رؤية فيها من الاختلاف ما هو اسمى من الداتية والعاطفة. وفيها من الحجة ما اعتقد أنه كاف ليشكل مقاربة جديدة لنقد ممارسة سياسية تتبلور بشكل غير موازي لتبلور مشروع التغيير المجتمعي في تصور نظري متكامل. وسوف اتطرق الى الولادة العسيرة للاختيار الاشتراكي داخل الحزب منذ تاسيسه عام 1959، مرورا بأهم المنعطفات التي مر بها (المؤتمر التأسيس- الاستثنائي- الثالث – الرابع و الخامس)، ومحاولات التعبير عن نزعات اشتراكية علمية اعتملت في اوساط الحزب وأن لم تكن رسمية ( الاختيار الثوري- المذكرة التنظيمية- بيان 8 اكتوبر72- مذكرة العمال الاتحاديين باالمهجر- مذكرة اقليم الرباط 82.......)


في الجزء الرابع : المؤتمر الثالث استمرار لمسار المؤتمر الاستثنائي و الرابع قفزة نوعية في مسار الحزب


بالنظر إلى ما أفرزه المؤتمر الوطني الثالث، يمكن استخلاص بعض النتائج، أبرزها، أنه كان مؤتمرا توافقيا، لكي لا أقول مؤتمرا متوازن القوى، لم ينه الصراع القائم بين التوجهين. ويمكن الاستدلال كما يلي:
- توجد بعض الأدبيات، وخاصة المقرر التنظيمي (اطلعت على المشروع الذي أعدته اللجنة التحضيرية وليس الصيغة النهائية). وهذه الأدبيات إلى حد ما، عميقة النظرة، وتجسد تحليلا علميا، يتناقض مع ما دأب إليه المؤتمر الاستثنائي. إذن لماذا تمت المصادقة عليه، بالرغم مما يحتوي عليه من أفكار تجسد خلاصات لتحليل علمي، انتفت مطابقته للممارسة فيما بعد؟. لكن المقرر نفسه يدل على الخلط الذي سقط فيه وفيه تناقض بين معالجة نظرية للإشكال التنظيمي وبين خلاصات الجانب التجريبي والمقترحات المقدمة، والتي لم تكن سوى سيرا نحو الابتعاد عن الصرامة التنظيمية، وسقوط واضح في الميوعة (العضو الزائر وبدع أخرى...).
- بيان عام، سأعود إلى تحليله فيما بعد، يجسد نظرة غير واضحة لطبيعة المرحلة السياسية، أو لأقول انه لا يمت بصلة إلى التحليل العلمي ولا يسير على الإطلاق في اتجاه وضع الأسس لبناء المجتمع الاشتراكي باعتباره الهدف الاستراتيجي للحزب، وطرحت فيه بعض القضايا التي ربما تتناقض مع شعار "تحويل أجهزة الدولة" إلى "دولة وطنية ديمقراطية".
- على مستوى انتخاب القيادة: نجد أن الجناح اليميني ربما، فرض عليه الانزياح بنسبة ما فالتف حول ذلك "بتوريط" بعض الرؤوس من اليسار الاتحادي في قيادة مقبلة على دخول مرحلة جديدة فيما بعد، وتم توسيع عدد أعضاء اللجنة الإدارية الوطنية لتضم 62 عضوا...
إن الجانب المرتبط بالموضوع الذي أسعى إلى صياغته، من موضوعات المؤتمر الوطني الثالث، هو ما يخص الخط السياسي للحزب، وقد تبلور بيان سياسي عام، سأعكف على تسجيل ما لاحظته بهذا الخصوص. أسهب البيان منذ مطلعه في الإشادة بدور الحزب وقيادته في استرجاع بعض الأراضي المغتصبة. ولقد كانت كافية هذه الأسطر للقول أن التحرير باعتباره إحدى الاستراتيجيات المرحلية للحزب، غير مستوعبة بالقدر الكافي، وان التصور المجسد في البيان، لا يبعد كثيرا عن "استراتيجية" الطبقة الحاكمة للتحرير الوطني. إنها بكل بساطة استراتيجية فارغة، وسأعود لاحقا لهذا الموضوع.
أما بخصوص الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وسياسة الدولة في ذلك نقرأ: "ففي المجال الاقتصادي والمالي، لم تستطع البيانات الرسمية نفسها إخفاء الحقيقة التي طالما كشفت عنها، حقيقة عجز السياسة المتبعة عن تحقيق أي تقدم ملموس يستجيب لمتطلبات بناء اقتصاد وطني متحرر نام ومتوازن تتحقق فيه وبواسطته شروط التنمية الحقيقية لصالح الجماهير الشعبية الكادحة".
تختزل هذه الفقرة سطحية تحليل الاتحاد الاشتراكي إبان المؤتمر الوطني الثالث، حيث توحي هذه الفقرة، بأن هناك رهان معقود على أن السياسة الرسمية ستؤدي إلى بناء اقتصاد وطني مستقل، ولقد عجزت فقط في تحقيق أي تقدم ملموس في هذا الاتجاه. إنها انتظارية أو عدم استيعاب وفهم لطبيعة الطبقة الحاكمة وخضوع سياساتها لمصالحها الطبقية، ومن ثمة ينتظر أن تقتنع هذه الطبقات أنه لا مناص من إتباع سياسة شعبية في إطار "الدولة الوطنية الديمقراطية".
وعدم استيعاب هذه الطبيعة، جعل النظرة الحزبية، من خلال البيان، لقضية التحرر الوطني تفرغ من أية استراتيجية. ولتأكيد ذلك نقرأ ما يلي: "...لقد تبنت جماهير شعبنا الكادح قضية استكمال تحرير ترابنا الوطني بصدق وإخلاص وقدمتها على غيرها من القضايا بما فيها قضية قوتها اليومي ففرضت على نفسها سلما اجتماعيا في ظروف صعبة عرفت تضخما ماليا خطيرا وارتفاعا مذهلا في أثمان المعيشة. وبدلا من أن تدرك الطبقات المحضوضة هذه الحقيقة وتبادر هي الأخرى إلى التخفيف ولو نسبيا من استغلالها الفاحش، راحت تمعن في مسلسل التفقير (...) فشنت حربا اجتماعية استغلالية...".
في الشق الأول، من حق أي طرف أن يختار لنفسه المكان الذي يريد، لكن ليس من حقه أن يفرض المكان ذاته على غيره. نفس الشيء يجب قوله لقيادة الاتحاد الاشتراكي، التي تبنت سلما اجتماعيا، فعملت على تجميد الحركة الجماهيرية لقاء بعض المقاعد في البرلمان والمجالس الجماعية، أو بعض الامتيازات على حساب القوت اليومي للجماهير الشعبية الكادحة. والسلم الاجتماعي لم يكن اختيار الشعب على الإطلاق، بل فرض عليه بتكالب المعارضة البرلمانية والطبقة الحاكمة. ومهما كان الأمر، فإن التناقض الاجتماعي بقطبيه، يظل قائما، مهما كانت قوة هذا الطرف أو ذاك، فالطبقة الحاكمة استنجدت بالمعارضة البرلمانية، فوجدت فيها المستجيب الطيع، لعزل الطبقات الشعبية، فاستقوت على حسابها، في حين ظلت جماهير الشعب. إذن، لم يكن هناك سلما اجتماعيا، فالاتحاد الاشتراكي هو الذي أعلن، بمعية أحزاب أخرى، عن تخلي صريح عن معركة الجماهير تحت مبرر، مفروغ من محتواه: "قضية الصحراء" .
من جانب آخر فقد فضل الاتحاد، من خلال ممارسته العملية وتصوره، وبصفة غير مباشرة، التضحية بالقوت اليومي للجماهير والقبول "باستراتيجية" الطبقة الحاكمة لتحرير الصحراء المغربية حيث قبل أن تمرر جميع السياسات الفاشلة، وتضحي بالقوت اليومي للجماهير باسم قضية الصحراء. وسوء الفهم يتجلى في عدم الفصل بين مسألة تحرير الأراضي المغتصبة وبين القبول بالمبادرات الرسمية ومباركتها، وقد وصل الحد إلى درجة التحرك في الإطار الرسمي نفسه، وعدم ربطها بقضية الديمقراطية وبالمسألة الاجتماعية. وقد عاد البيان نفسه ليؤكد أن "الطبقات المحظوظة" شنت حربا اجتماعية استغلالية.
أما الشق الثاني، فهو ينم عن رؤية طوباوية صريحة حين ساد الاعتقاد أن "الطبقات المحظوظة" يمكن أن تتخلى عن طبيعتها و "تبادر إلى التخفيف من استغلالها الفاحش". وتزداد هذه الطوباوية وضوحا فيما يلي:"... هكذا برهنت الطبقات المحظوظة عن افتقادها إلى الحس الوطني وعدم قدرتها على الاتصاف بأخلاق البرجوازيات الوطنية الحقيقية التي تتحمل في العادة، وبكيفية تلقائية، نصيبها من المجهود الوطني عندما يتعلق الأمر بقضية وطنية أساسية..." هنا لا بد أن نطرح السؤال التالي: لماذا استعمل البيان في أكثر من مكان، عبارة "الطبقات المحظوظة"؟ ولماذا مقارنتها في الأخير بالبرجوازيات الوطنية الحقيقية؟ إن هذا الاستعمال المحتشم ربما رغبة في عدم الكشف عن طبيعة هذه "الطبقات المحظوظة". وهذا هو الواقع ربما، فلو تم ذلك بعقل ناقد وبمنهج علمي لتجاوز البيان نفسه في الحال. ولما لم يكن الأمر كذلك، فقد تم القفز عن حقيقة، وهي أن الكتلة الطبقية السائدة، وضمنها الطبقة الحاكمة، ليست برجوازية وطنية، ولن تتحول على الإطلاق لتصبح كذلك، وحتى لو افترضنا أنه بالامكان أن يحدث هذا فقد أكد تاريخ العديد من البلدان التابعة أن "برجوازياتها الوطنية"، عندما يتعلق الأمر بقضايا مصيرية، تكون مصالحها معرضة للخطر، فإنها اختارت دوما الصف المعادي للجماهير في لحظات مرحة، رغم مناصرتها لقضايا الجماهير، وقد ساعدتها في أكثر من تجربة إلى حدود الاستيلاء على السلطة، لكنها اختارت الإمبريالية حليفا لها فيما بعد.
ولقد أورد البيان فقرة واضحة تؤكد ذلك: "لقد أكدت الطبقات المحظوظة في المغرب وطوال عشرين سنة الماضية بالأدلة الملموسة، عدم قدرتها على التحول إلى برجوازية وطنية حقيقية فكشفت عن زيف لبراليتها وعن هجانة أصلها ورعونة مزاجها وانحراف سلوكها...". هل نقول أنه اكتشاف متأخر أو وعي متخلف بوعي؟ . إن هذا اليقين وهذه الأدلة الملموسة، التي برهنت بها "الطبقات المحظوظة"، إذا كانت كافية للكشف عن طبيعتها تلك، فإنه سيكون من العبث أن ينتظر المرء هذا التحول المرتجى، وسيكون ضربا من ضروب الوهم أن تبنى أية استراتيجيا تعزي إلى هذه الطبقات أي دور ليست مستعدة هي نفسها، بسبب طبيعتها، لأن تقوم به، وهذا هو حال البيان الذي يضيف ما يلي: "... يطرح البديل الوطني التقدمي تحت شعار "الدولة الوطنية الديمقراطية" (...) إن هذا الشعار يستجيب لمتطلبات الإنقاذ، يجب أن يستمد أفقه الاستراتيجي من اختيارنا المبدئي الذي يربط ربطا جدليا بين التحرير والديمقراطية والاشتراكية، والذي يحمل في المرحلة الراهنة من نضال شعبنا، المفاهيم التالية:
- التحرير الذي يعني تصفية رواسب الاستعمار وبقاياه التي مازالت حدودنا واقتصادنا وثقافتنا تعاني منها وتئن تحت وطئتها.
- الديمقراطية التي تعني إلغاء جميع أساليب المخزنة على دولتنا وتحويلها إلى دولة وطنية ديمقراطية تعتبر الشعب مصدر للسلطات وتبني مجتمعها بمساهمة الجماهير الشعبية في التقرير والتنفيذ ومراقبتها مراقبة فعالة لكافة مستويات المسؤولية.
- الاشتراكية التي تعني، في المرحلة الراهنة، تصفية الهياكل الإقطاعية والبنيات الرأسمالية التي غرسها المستعمر في بلادنا وعملت سنوات الاستقلال على مغربيتها وتنميتها على حساب القوت اليومي لجماهير شعبنا وعلى حساب تقدمه وازدهاره والشروع في تشييد صرح اقتصاد وطني متوازن ومتحرر يخضع فيه القطاع الخاص لتوجيه ومراقبة القطاع العام الذي يجب أن يستهدف خلق قاعدة صناعية وزراعية وتكنولوجية متينة صلبة، والعمل على توزيع الدخل القومي وفائض للإنتاج الوطني توزيعا عادلا ويضع حدا لمسلسل التفقير ويفسح الطريق للقضاء على الفوارق الطبقية...".
عندما يكون تيار سياسي ما ذا إستراتجية فارغة، فلا يمكن أن ينتظر سوى أن يتيه ويخلط الأمور، وهذا ما جسده البيان العام للمؤتمر الوطني الثالث للاتحاد الاشتراكي. ولنمضي خطوة خطوة.
يطرح الاتحاد هنا هدفا استراتيجيا مرحليا أسماه "الدولة الوطنية الديمقراطية" يصب في هدف استراتيجي نهائي هو المجتمع الاشتراكي. وبينها علاقة جدلية، يتحدد المرحلي انطلاقا من النهائي، ولا يمكن تحقيق النهائي دون تحقيق المرحلي.
وهذا المرحلي نفسه يقتضي برنامجا مرحليا-سأعالجه فيما بعد- وهذا الأخير يحتاج نفسه إلى خطط للعمل ... بهذا المعنى، وبهذا المنطق، يقتضي الأمر حسب البيان، تحويل الدولة المغربية إلى "دولة وطنية ديمقراطية" لتحقيق المجتمع الاشتراكي. هنا يطرح سؤال: ما هو مضمون هذه الدولة الوطنية الديمقراطية؟ قبل الإجابة، قد أوافق شخصيا على استعمال هذا المفهوم، على اعتبار أن البناء الاشتراكي (من منظور آخر يخالف التعريف أعلاه) يقتضي ويتطلب "دولة قوية" لمرحلة انتقالية قادرة على تحقيق شروط ضرورية لتحقيق ذلك، الهدف، دولة تكون قوية بالقدر الذي يتقوى فيه دور الجماهير من خلال جهاز الدولة وتنظيماتها الذاتية... وهذه الدولة هي بالضرورة دولة وطنية ديمقراطية: وطنية في طبيعتها، لسعيها إلى تحقيق التحرر بمعناه الصحيح الذي ترتبط فيه الأبعاد الوطنية بالأبعاد الاجتماعية، أي تحرير الأرض والإنسان من الظلم والاستغلال، ديمقراطية لأنها تنطلق من إرادة الجماهير، وهي جهاز للتنفيذ خاضع لمراقبة شعبية تلتحم فيها سلطة التقرير والتنفيذ في يد الجماهير( لا بد من الاشارة الى ان البرلمانية لا تمثل النمودج في الرقابة الشعبية على جهاز الدولة، و جهاز الدولة المرتجى يختلف عن الشكل الهرمي البرجوازي وهذا موضوع آخر). ورغم ذلك، فإن استعمال المفهوم أمر وجب تفاديه، بكونه موضوع لاستراتيجية مخالفة لما ذكرت، ومفادها أن التحرير والديمقراطية يقتضي توحيد جهود كافة القوى الوطنية والطبقات الاجتماعية وجميع شرائح المجتمع. ويعزي هذا الطرح دورا هاما "للبرجوازيات الوطنية" باعتبارها مفيدة برساميلها لبناء اقتصاد وطني مستقل... وتجد هذه الطروحات تبريراتها النظرية في كون المجتمعات التابعة لا توجد فيها طبقة عاملة، كالتي في الغرب، قادرة على بناء الاشتراكية. ومن تمة لا بد من مرحلة لبناء الديمقراطية وتقوية الاقتصاد، تقودها "البرجوازية الوطنية"... وهنا يكمن العيب في هذه الرؤية. ثمة عيب آخر، يكمن في الاعتقاد بأن هذه الطبقات يمكن أن تتخلى من مصالحها وتتحول تدريجيا إلى برجوازية وطنية... وتصبح قادرة على ممارسة الصراع بطريقة ديمقراطية. وهذا الاعتقاد فيه جهل مطلق بطبيعتها وظروف نشأتها وتكونها وتطوراتها وارتباطها بالإمبريالية كشرط لاستمرار سيطرتها. وقد نفى البيان في فقرة أوردتها سابقا، إمكانية ذلك، فلماذا ينتظر منها إذن، أن تتخلى عن جوهرها وطبيعتها المخزنية، وينتظر منها دورا ما في إطار "الدولة الوطنية الديمقراطية"؟.
بخصوص الهدف النهائي، الذي هو بناء الاشتراكية، فالبيان قد جانب الصواب في تعريفها، وبالتالي فإن هذه الإجراءات التي سماها اشتراكية، ليست سوى إصلاحات، ربما برجوازية، رغم ثوريتها، فهي ليست سوى الشروط الواجب إنجازها للمرور نحو الاشتراكية، وليست تدابير اشتراكية، سوى ما ارتبط منها بالتقسيم العادل للثروة... هل هي برجوازية دولة أو أي شيء آخر؟ سموها ما شئتم سوى أن تكون اشتراكية.
وخلاصة القول في هذا الشق المرتبط بالأهداف الاستراتيجية والاستراتيجية المرحلية، فإن البيان لم يفلح في تدقيقها وتحديدها بدقة. ولم يجسد سوى استمرارا، ملتف حوله، للخط الذي رسمه المؤتمر الاستثنائي لسنة 1975، من حيث ضبابيته ومستنداته الإيديولوجية.
وسعيا وراء تحقيق مضامين وأهداف هذا الأفق الاستراتيجي، يطرح البيان مهام مستعجلة، يرى منها خطوات ضرورية على طريق بناء الدولة الوطنية الديمقراطية:
"1- مراجعة الدستور الحالي مراجعة شاملة يستهدف تحويل نظام الحكم في بلادنا من ملكية مخزنية تستظل بظلها الطبقات المستغلة والفئات الانتفاعية الانتهازية للكسب والإثراء والتهرب من المراقبة الصارمة والمحاسبة الدقيقة من طرف السلطات المختصة التشريعية منها والقضائية والتنفيذية، وتحويلها إلى ملكية برلمانية دستورية ديمقراطية تتحمل فيها الحكومة وكافة أجهزة التسيير والتنفيذ مسؤوليتها كاملة أمام ممثلي الشعب الحقيقيين ويتولى فيها الملك رئاسة الدولة كحكم فوق الأحزاب والطبقات.
2- تأسيس حكومة قوية ومسؤولة تعكس بصدق القوى الحقيقية في البلاد وتتجسم في رجالها إرادة الإنقاذ والتغيير، وتكلف خلال فترة محدودة من الزمن بالمهام الرئيسية التالية:
أ- اتخاذ التدابير الهادفة إلى إيقاف مسلسل التدهور والتفقير، ووضع اللبنات الأولى للمجتمع المغربي الجديد، مجتمع الدولة الديمقراطية، على أساس اختيارات واضحة ودقيقة ترمي إلى إنشاء قاعدة صناعية متينة وتطبيق إصلاح زراعي حقيقي وتحقيق عدالة اجتماعية حقة وبناء تعليم وطني محافظ على هويتنا الدينية والقومية، ويستجيب لمتطلبات التنمية القائمة على توظيف العلم والتكنولوجيا في سائر الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
ب- إجراء انتخابات حرة ونزيهة يضمن فيها التعبير الديمقراطي الحر لكافة المواطنين البالغين 18 سنة، مع اتخاذ كافة التدابير والإجراءات الفعلية لتطهير الإدارة من العناصر الفاسدة وضمان حياد الجهاز الإداري ككل وكأجزاء، حيادا حقيقيا، انتخابات حرة ونزيهة تمكن البلاد ولأول مرة من التوفر على مؤسسات تمثيلية تعكس بالفعل حقيقة القوى الوطنية والاتجاهات السياسية.
ج- سلوك سياسة خارجية مبنية على استراتيجية وطنية تقدمية متفتحة وثابتة تعيد للمغرب مكانته الطبيعية بين الدول القائدة لحركة التحرر العالمية وعدم الانحياز عربيا وإفريقيا ودوليا.
3- تمتين علاقات التضامن والأخوة مع الشعب الموريتاني الشقيق في كافة المجالات الاقتصادية والسياسية والدفاعية والثقافية رسميا وشعبيا، على طريق تحقيق التكامل والترابط الاندماجي بين البلدين في إطار بناء وحدة المغرب العربي الديمقراطي المتحرر.
4- جعل حد حاسم لحرب الاستنزاف التي تشن على بلادنا جنوبا، بإصدار الأوامر الى قواتنا المسلحة الملكية لتعقب كل معتد إلى قواعده ومراكز انطلاقه وفي ذات الوقت الدخول مع القطر الجزائري الشقيق في حوار جدي ومسؤول على المستوى الرسمي والشعبي قصد حل المشاكل المعلقة بين البلدين في أفق بناء مغرب عربي موحد...".
ف البداية لابد من طرح هذا السؤال على من صاغ هذا البيان : هل هذا بيان سياسي بمتابة برنامج سياي ام ملف مطلبي ؟؟؟؟ لنقل انه برنامج!! إن هذا البرنامج أقرب إلى القول انه كلام الذي يتكلم لكي لا يقول شيئا، ولنرى ذلك: يطرح في البدء إجراءا وهو المراجعة الشاملة للدستور، كخطوة إجرائية. وضمن هذه الخطوة يطرح تحويل نظام الحكم، ليصبح الملك رئيسا للدولة وحكما فوق الأحزاب والطبقات وهذا المدلول هو الذي يرجو من خلاله "دولة وطنية ديمقراطية" التي اعتبرها هدفا استراتيجيا مرحليا. إنها حلقة مفرغة، ولا يهمني هنا تأكيد استحالة هذا التحول. ثمة فراغ في البرنامج السياسي، يرتبط بالسلطة التأسيسية. لقد طرح البيان ضرورة المراجعة الشاملة للدستور، وهو مطلب نضالي صادق، لكن كيف؟ لمن سيعود الاختصاص في هذه المراجعة؟ إذا كان يقصد المجلس التأسيسي، وهو أمر لم تتم الإشارة إليه، فإن الأمر وإلى حد ما يتناقض مع مضمون "الدولة الوطنية الديمقراطية" المرتجى.
أما الأهداف المشار إليها في النقطة الثانية، ضمن النقط الاستعجالية التي تجب أن يعهد إلى الحكومة بإنجازها في وقت محدد، هي أهداف تتطلب برنامجا مرحليا، باعتبارها أهدافا ذات المدى المتوسط (استراتيجية مرحلية) ضمن برنامج ديمقراطي يقتضي التحرير والديمقراطية (ثورة وطنية ديمقراطية). فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، أولا لا معنى لعدم الانحياز إطلاقا، في الوقت الذي لا يعني قولي هذا، تبعية لأية جهة كيفما كانت، ومن الضروري التحيز لصف قوى التحرر، والتخندق في الصف المعادي للإمبريالية... كما أن البيان مزج بين تكتيكين متناقضين: التضامن والتآخي والتعاون مع موريتانيا، رسميا وشعبيا، والدعوة إلى الخيار العسكري واللحاق بالمعتدين إلى مراكز انطلاقهم. انه كلام في كلام، لأن في ذلك دعوة صريحة إلى استمرار الحرب، وإسقاط لدور الجزائر في ذلك، والتي تتم الدعوة إلى خوض حوار جاد ومسؤول معها. إنها ارادوية مفرطة.




المؤتمر الرابع :

ساحاول ان اتطرق الى مدى انطباق الشعارات التي رفعها الحزب وخطه السياسي مع المرحلة السياسية الراهنة ( اشير هنا الى انني كتبت هذه المسودة ابان التهييء لتشكيل ما سمس بحكومة التناوب). واذا تجاوزت فترة تبلغ زهاء 15 عاما ، فانني لم اجد من وثائق رسمية يمكن الارتكاز عليها في هذه الفترة، سوى تقرير اللجنة الادارية لسنه 1989 المعروف ب "الاتحاد الاشتراكي –ل.ا.و: مبادئ-اهداف-ومواقف" ولكونه ينسجم مع حمولة البيان العام للمؤتمر الرابع وبيانات الهيئات القيادية الحزبية الصادرة ما بين 1989 و1993، فانني اكتفي بنتائج المؤتمر.
وقد وصلت الى مرحلة من البحث سوف تختلف عن سابقاتها، بحيث اصبح الممارس اليومي فرض نفسه في سياق تحليل مضامين الخط السياسي واستراتيجية الحزب. اقصد ان الخط السياسي انبنى اساسا على التحولات الجارية وعلى خطط وتكتيكات ارتكزت على الممارس اليومي. بمعنى ان النقاش سوف يشمل ايضا الخطط الحزبية في مجالات محددة او على الاقل كيفية تعاطيه معها. وهذا يفرض استيعابا كاملا ومتابعة مستمرة للاحداث المتسارعة في الساحة السياسية ولمراميها السياسية ، والنتائج القريبة والبعيدة المدى المرتبطة بها. ويتطلب احاطة شاملة بالبرنامج الحزبي في ابعاده الاستراتيجية والفلسفية، بعناصره التوجيهة والسياسية واهدافه ومرامي خططه المرحلية. وفوق هذا وذاك ، فنقاش من هذا القبيل يجب ان يكون من منطلق الارادة الواعية لتطويره والكشف عن نقاط تحتاج الى الكشف والخلخلة والمراجعة والتطوير. وهذا في حد ذاته يقتضي قدرا كافيا من الجرأة على مواجهة الذات بعيدا عن كل ارتباط عاطفي او ذاتي. وبهذه الرؤية وهذا المنطلق، سأحاول ملامسة بعض القضايا التي يكتنزها الموضوع واعيا بانني اقفز على المميزات الاساسية للوضع السياسي الذي يفرز هذا الخط السياسي، وكذلك المخاض الذي عاشه الحزب داخليا والاستقطابات التي اعتملت في جسمه لما يزيذ عن 15 عاما.

مضامين البيان العام
يعتبر البيان العام للمؤتمر الوطني الرابع، ثمرة لمجهود اتمر زهاء 20عاما. انتهى بتحقيق الاهذاف الاولى من عملية التوضيح الايديولوجي للحزب وخطه السياسي ووضع استراتيجية ذات ابعاد متناغمة ، انطلاقا من تحليل علمي ودقيق لطبيعة المجتمع المغربي. ويعتبر تجاوزا موضوعيا للعناصر الرئيسية المميزة للممارسة الحزبية للصراع. كما انه يعتبر نظرة متقدمة عن المنعطفات والمحطات السابقة التي عرفها مسار الخط السياسي للحزب على مدى 25 سنة. وهذا لا ينفي وجود قضايا توجيهية وسياسية تستوجب التدقيق والاغناء ومزيدا من التوضح.
ومن خلال قراء للبيان العام، واخدا بعين الاعتبار العناصر التوجيهية والسياسية، يمكن استنتاج ما يلي:
1- تمفصل البعدين الوطني والاجتماعي في معركة التحرر من خلال الربط الجدلي بين السيادة الوطنية والسيادة الشعبية : يتجلى البعد الوطني في الخط السياسي للحزب في سعيه الى تحرر كامل اجزاء التراب الوطني والاقتصاد من التبعية للاستعمار والسيطرة الامبريالة، وذلك في اطار نظرة شاملة لمعركة التحرر، يرتبط فيها الجانب الوطني بالجانب الاجتماعي، حيث رفض الحزب ماسمي بالاجماع الوطني ورفض تجميد الحركة الجماهيرية ونضال الجماهير تحت أي مبرر كان. وادان استغلال قضية الصحراء لتمرير السياسات اللاشعبية واللاديمقراطية للطبقة الحاكمة.اما الاجتماعي، فانه يتجلى في سعيه الى القضاء على الاستغلال بكل انواعه، وسن سياسة تحررية لاخراج البلاد من الازمة... وذلك في اطار استراتيجية يتناغم المرحلي الاجرائي لتحسين الوضع المعشي ورفع القدرة الشرائية، مع النهائي البعيد المدى لتحقيق الاشتراكية. ويتمفصل البعدين في ربط جدلي بين السيادة الوطنية، أي تحرير الوطن والاقتصاد من اغلال السيطرة الامبريالية، وبين السيادة الشعبية ، من خلال التأكيد على اهمية المجلس التأسيسي للدستور، أي تحقيق الديمقراطية التي يكون فيها الشعب مصدر السلطات. كل هذا ضمن استراتيجية الحزب التي اختزلت في الشعار الثلاثي، تحرير-ديمقراطية-اشتراكية. وفي ذلك ادراك علمي لطبيعة حركة التحرر كحركة انتقال الى الاشتراكية.
2- تمرحل الشعارات الحزبية في اطار استراتيجة شاملة: وعيا من الحزب بأن تحويل المجتمع من وضعه اللاديمقراطي والتابع الى الديمقراطية كممارس يومي، مسلسل طويل المدى، وليس خطوة اجرائية، فانه ميز المهمات التي تطرحها العملية الثورية في تمرحل، تتسلسل حلقاتها. ذلك ان الديمقراطية الشاملة لن تتحقق دفعة واحدة، لذلك، وسعيا الى بناء مجتمع اشتراكي، يقتضي الامر مرحلة انتقال الى الديمقراطية من خلال ثورة وطنية ديمقراطية بقيادة الطبقة العاملة وكثلة المستغلين، كاهداف استراتجية مرحلية. وهي بدورها تقتضي حدا ادنى من الديمقراطية السياسية او ديمقراطية التعبئة وهي التي جسدها البيان العام كالتالي :
 انتخاب مجلس تاسيسي للدستور (وقد حدد البيان شروط انتخابه وصلاحياته)
 فرض وتوسيع الحريات الديمقراطية....
 تصفية الجو السياسي واطلاق جميع المعتقلين السياسيين والكشف عن مصير المختطفين ورجوع المنفيين لاسباب سياسية والقضاء على كل هذه الظواهرالغاء القوانين الموروثة عن الاستعمار والمكبلة للحريات...
تصب هذه النقط في بوثقة الاهداف الاستراتيجية وبناء الديمقراطية وفيها ادراك لمفاتيح التغيير الديمقراطي، وضمنها التغيير الجدري للدستور.
3 – السعي الى توحيد القوى الديمقراطية: وعيا من الحزب بأن تحقيق هذه الاهداف المجسدة في ما اسماه بالبديل التحرري والديمقراطي لن تتحقق بنضاله لوحده، او لنقل ليس للحزب وحده المصلحة في النضال من اجلها، فانه دعا الى بناء جبهة وطنية ديمقراطية تضم كافة القوى التقدمية المتحدة للنضال من اجل قلب ميزان القوى لصالح الكتلة الشعبية.
3- البعد القومي والاممي : ظل الحزب منسجما مع ذاته كحركة تحررية ، بخصوص القضايا القومية والاممية، فاعتبر نفسه جزءا من حركة التحرر العالمية، ويناصر قضايا الشعوب المضطهدة وانحياز واضح الى صفها. وادان كل المبادرات الرامية الى تصفية القضايا القومية ومسلسل التطبيع مع الكيان الصهيوني، غير متأثر ب"الرياح الديمقراطية الغربية" التي هبت عبر العالم وعصفت باعتى الاحزاب الشيوعية التقليدية، ورافضا لكل اشكال الاستسلام و الواقعية الانهزامية.
ورغم ما جسده البيان العام من تجاوز ايجابي لباقي الادبيات الحزبية المكثفة للبرنامج المرحلي ولخطه السياسي منذ تغيير اسم الحزب الى الاتحاد الاشتراكي ،فانه لازال يشكل ارضية للنقاش نحو افاق لم تحض بالتوضيح الكافي في مسيرة الحزب الى حدود الآن. لقد كان البيان العام اجابة لمتطلبات المرحلة الراهنة ورؤية سياسية متقدمة ومتزنة، لكن لازالت اسئلة تطرح حول آفاق هذا البرنامج الذي جسده البيان العام. وبعبارة اوضح لقد دبج البيان العام بشعار "ثورة اجتماعية" كمخرج من الوضع المتأزم، دون توضيح كافي (او دون توضيح فحسب) لطبيعة هذه الثورة الاجتماعية ولا برنامجها ومهماتها. بمعنى ان القضايا ذات البعذ الاستراتيجي-المرحلي لازالت في حاجة ماسة الى الكشف والخلخلة نحو تبديد أي غموض او لبس وتوضيح البرنامج الديمقراطي للحزب، وهذا ما اسميته باستكمال البناء البرنامجي للحزب (واحيل القارئ مرة اخرى الى الارضية المنشورة بالحوار المتمدن ، جوانب من مهمات البناء الاشتراكي)

قبل الختام
سعيت منذ البداية ان اتطرق الى المنعطفات التي شهدها الخط السياسي للحزب منذ التأسيس، لابين نظرته وتصوراته للصراع السياسي والقضايا التي يولدها في اطار ممارسة سياسية يومية. وقد اضطررت في احيان كثيرة الى تحويل الموضوع الى اشبه بالبحث التاريخي التوثيقي الذ الزمت نفسي بتجاوزه. وقد اخفقت في ذلك. لكنن نجحت في طرح بعض القضايا كما اتصورها، وكما قرأتها، لا كما كانت تردد في كل المناسبات بنوع من التمجيد واللامنطق. واقصد هنا بالتحديد المؤتمر الوطني الثالث ومقدمة التقرر الايديولوجي للمؤتمر الاستثنائي. واذا ورد من الاختلاف ما لم كم مألوفا، فان الموضوع يفرض ذلك لانه سياسي، ولأنه لم يحض بالقدر الكاف من النقاش، حزبيا وجماهيريا. وقد كنت مضطرا لاعيد مقتطفات مطولة من الوثائق التي ارتكزت عليها. واشير الى ان هدفي الاساسي كان هو طرح بعض القضايا للنقاش قبل انعقاد المؤتمر الوطني الخامس، ولا بد من الاشارة الى ان بعض النقط التي رغبت في طرحها تكون قد تجووزت لانني بنيتها على الاحداث التي تسارعت انذاك في الحياة السياسية اليومية. وحاولت صياغة بعض الافكار للنقاش اوردها في النقط التالية:
1- في البرنامج المرحلي والممارسة العملية:
مهما كانت مضامين البرنامج سياسي صحيحة وتجيب عن متطلبات المرحلة، فانها غير كافية ما لم تتحول الى خطط مظبوطة في مختلف مجالات العمل والحقول الجماهيرية والتنظمية الداخلية. انعدام هذا الشرط سيجعل أي تيار سياسي غير قادر على تحقيق هذا التحول، محكوما عليه بالدوران في حلقة مفرغة والتراجع وفقدان مواقع النضال المتحققة، وفي احسن الاحوال الركود والجمود والعجز على تنفيذ هذا البرنامج. هل ينطبق هذا على حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ؟ لندع الاجابة الآن، وسوف اجيب اثناء الحديث عن المؤتمر الخامس. ان المتتبع لمسار الحزب، سيجد أنه يعيش نوعا من العزلة فرضت عليه، حسب البعض، بسبب مواقفه ورؤاه السياسية. وفرضت عليه بسبب الولاءات والارتباطات داخل التحالف الثلاثي سابقا والكتلة الديمقراطية لاحقا. وكرس الحزب جهوده من اجل تكسير هذا الطوق والحصار والتعتيم الاعلامي ، وتكلل نجاحه بنجاح نسبي. الا انه لازال يتعرض للاقصاء والتجاهل من قبل تيارات المعارض البرلمانة السابقة وتيارات ما سمي باليسار الجديد، خاصة في النقابات القطاعية والكنفدرالة الديمقراطية للشغل.... ولا جب ان ننفي الجانب التنظيمي الذي يعتبر ايضا سببا في ذلك. هل نفهم من هذا ان الحزب يوجد في هامش الاحداث؟ وهل لنا ان نقول ان البرنامج المرحلي للحزب اوصلنا الى العزلة؟ وللاسف هذا ما يراه البعض. ولنقل بصيغة اخرى، اذا كانت هذه هي النتجة المنطقية للاختيار السياسي للحزب، فهل يعتبر هذا الاختيار صائبا؟ اذا كان الجواب بالايجاب، فان الامر يفرض على الحزب، البحث عن صيغ لتفعيل دوره السياسي وسبل تجاوز هذا الوضع. اما الجواب نفيا، فانه يفرض اعادة النظر في هذا البرنامج. لنرى ، وسأبدأ بالافتراض الثاني. اذا اعتبرنا ان الحصار والتراجع نتيجة للخط السياسي فان الامر خاطئ مائة بالمائة. والدليل على ذلك المد الذي عرفه العمل الحزبي منذ 1989 الى حين انعقاد المؤتمر الرابع في اواخر ايام 1993. وفي تلك الفترة كلها لم تكن اية علاقة ودية بين الحزب وبين القوى السياسية الاخرى على الاطلاق. وحتى ما سمي باليسار الجديد لازال اغلب مناضليه في السجون باعتباره اقرب حليف ممكن ومحتمل للحزب. اعتبار العزلة والحصار نتيجة للخط السياسي للحزب، خطأ سياسي فادح يمكن ان ينتج عنه انزواء الى تغيير الخط السياسي وتحويل الحزب الى حزب من احزاب المعارضة البرلمانية في اسوإ حالة. وهذا الرأي ايضا فيه جهل مطلق بعنصر مهم في الصراع السياسي ومدى القدرة على تحقيق بعض الاهداف في زمن محدد، هذا العنصر بالتحديد هو ميزان القوى.
ليس بالصحيح مطلقا ان يصوغ المرء هذه المعادلة : بما ان الحزب عجز عن تحقيق هذا البرنامج، فان الامر يوجب اعادة النظر فيه وتجاوزه. هذا منتهى السطحية وجهل مطلق وامية سياسية حتى. من قال ان البرنامج المرحلي قابل للتحقيق من طرف حزب الطليعة وحده؟ من قال انه قابل للتحقق في امد قصير؟ من كان ينتظر ان يؤسس المجلس التاسيسي للدستور حتى يشارك الحزب في الانتخابات؟ هناك فهم قاصر بني على استقطابات ذاتية وسطحية، لم تنبني على اساس نظري وسياسي قادر على خلق فهم صحيح لدى القاعدة الحزبية. وخلق ذلك وضعا تنظيميا يعتبر هو السبب في الانتظارية والانعزالية والتراجع والنكوص. وليظل السؤال مطروحا هل البرنامج المرحلي مجرد نقط طالب بها الحزب ؟( وممن طلبها؟) ام هو تصوره للديمقراطية والكيفية التي يجب ان يسلكه التغيير الديمقراطي؟ غموض هذا السؤال وعدم فهمه (مضافا الى قضايا اخرى ساصوم عن الكلان عنها الآن) هو الذي قاد الى التساؤلات المشككة في البرنامج المرحلي للحزب. واذا كان الامر كذلك فلا سبيل الا فتح نقاش واسع ومتأني داخل الحزب وفي تنظيماته، وليس في الكواليس وخارج المؤسات الحزبية، وهذا موضوع آخر. وايضا اذا كان الامر كذلك فلا بد من نقد ذاتي كضابط اساسي من الضوابط التنظيمية الثورية.

* بخصوص المسألة الدستورية : ماذا يمكن ان يطرح الحزب غير ما ورد في البيان العام؟ لست ادري . ان المسألة الدستورية هي جوهر التغيير الديمقراطي. ما لم تتحقق هذه الاهداف بانتخاب مجلس تاسيسي للدستور فان القبول باية صيغة كفما كانت انزلاق خطير نحو النزعة الاصلاحية التي تكسر التصور الحزبي للتغيير. وهنا لابد من التاكيد على الفرق بين التكتيكي والاستراتيجي. بناء الدمقراطية كما تم تصوره في البيان العام، كبعد استراتيجي مرحلي، لا أنفي امكانية القبول بنصف حل، اذا كان سيقود الى الهدف. فالامر المرفوض ادن، هو التخلي عن الهدف وتعويضه بصيغة توافقية لا تصب في تثبيت السيادة الشعبية.فالبديل ادن، بديل مرحلي وليس تخليا على المجلس التاسيسي للدستور.
*بخوص مقاطعة الانتخابات : عادة ما طرح هذا السؤال : ماذا ربح الحزب من مقاطعة الانتخابات؟ ويطرح هذا السؤال عادة بنوع من التشفي. والاصح ان يطرح السؤال حول ماذا سيربح الحزب من المشاركة في الانتخابات. لنعد الى السؤال الاول. كانت حملات التعبئة لمقاطعة الانتخابات مناسبة للتواصل مع المواطنين بنوع من التمايز لا كباقي الالوان. وخلقت اجواء من التعاطف داخليا وخارجيا. الا انه كما العادة دائما تم تبديد هذا التعاطف ولم يستثمر بالقدر الكافي والاصح انه لم يستثمر على الاطلاق. والسبب ايضا ذاتي وتنظيمي مائة بالمائة. اما السؤال الآخر فعلى من دافع عن المشاركة في الانتخابات اولا ان يمتلك الجرأة لطرح القضية داخل الحزب لا خارجه، ثانيا ان يبين الايجابيات من المشاركة. اما انا فانني ارى العملية الانتخابية من خلال مشاركة اطراف اخرى بتجاربهم السابقة، وما حل بالحركة من اجل الديمقراطية والتنظيمات الناتجة عن تفكك احزاب اخرى. وايضا من منظور ان العملية الانتخابية كانت اداة الطبقة الحاكمة، في احداث تغييرات هيكلية في الهرم التنظيمي لاحزاب المعارضة البرلمانية. ووسيلة غيرت بها التركيبة التنظيمية والطبقية لتلك الاحزاب. نتج عن ذلك ان الذي تغير هي الاحزاب نفسها وليس البرلمان من الداخل.
ان طرح مسالة اعادة النظر في البرنامج المرحلي للحزب وفي موقف مقاطعة الانتخابات تحت الدرائع التي ذكرتها امر خاطئ للغاية . وكما اسلفت، يجب ان يملك كل من يرى ذلك نزرا من الجرأة والشجاعة ولكل حادث حديث. انه يطرح عن سوء فهم لبرنامج الحزب واستراتيجيته، وربما بدافع غير معلن. اعادة النظر في الخط السياسي تطرح نفسها حن يكون فعلا لا يجيب عن متطلبات المرحلة السياسية او كونه متجاوزا او في حالة سوء تقدير لمرحلة سياسية محددة. لم يحصل أي شيء من هذا في الظرف الحالي. فهل من المستساغ ان يطرح هذا النقاش؟ واذا كان لابد من طرحه، فليس له مكان آخر غير التنظيم الحزبي. ولان طرح هذا النقاش اريد به للبرنامج الحزبي وللحزب ان يبقى حبيس ثنائية المشاركة او المقاطعة.
ليس العيب ادن في البرنامج المرحلي بل يكمن ويتجسد في كون الحزب لا يمكن ان يحقق وحده تلك النقط البرنامجية لانه لا يمثل كل الشعب، ولانها اهداف ذات بعد استراتيجي مرحلي، تحتاج الى خطط عملية. وعدم القدرة على بلورة هذه الخطط هو المعيق للوصول في فترة ليست بالضرورة محددة زمنيا، الى تحقيقه. ادن السؤال الذي وجب طرحه هو ماذا انجز الحزب في سبيل تحقيق برنامجه المرحلي؟ ولماذا لم يستطع ان يفرض نفسه كقطب محوري يلتف حوله تيار وطني ديمقراطي؟

2- في مسالة التحالفات: هل بقي لدعوة الحزب من اجل بناء جبهة وطنية ديمقراطة من مصداقية وملحاحية في الظرف الراهن؟ سؤال اصبح متجاوزا بقوة الواقع. وكان يبدو سؤالا غير دي موضوع. الا انه شعار صحيح اذ انه لا يرتبط بفترة زمنية خاصة. شعار لا يزال يجيب عن متطلبات المرحلة، الا انه يفرض شروطا محددة. اية دعوة لتحالف ما مهما كان من موقع الضعف التنظيمي، لا يمكن ان يكون الا صرخات في وادي سحيق. التحالف دون نواة محورية قوية لن تكون سوى اطنانا من الكلام الفارغ والتمنيات... وفوق ذلك أي تحالف يبنى خارج العمل الجماهيري المباشر، لن يكون الا استنساخا دراماتيكيا لتجربة الكتلة الديمقراطية. الجبهة الوطنية الديمقراطية ليست متجاوزة بتحول القوى السياسية "التوافقية" الى مواقع اكثر وضوحا، لأن الدعوة الى هذا الشكل من التحالف لم يكن مرتبطا بمرحلة محددة ولا باطراف محددة. بل متجاوزة الى حين آخر يتبلور فيه القطب القادر على لف اكبر عدد من القوى والتنظيمات وفق برنامج محدد وفي ظرف محدد. هناك نقص ادن في مسالة ادارة التحالفات السياسية وبقي الحزب حبيس الدعوة للجبهة، دون التفكير والعمل على بناء ذلك القطب الذي سمي لاحقا بالقطب اليساري. وسقط الحزب ايضا في خطإ آخر بالانجرار وراء تعويم التنسيق الذي كان بالامكان ان يبلور نواة صلبة لتحالف قوي، بينه وبين النهج الديمقراطي. وانجر وراء ما سمي بتجمع اليسار الديمقراطي. اقول هذا لأن هناك اسئلة مشروعة حول الطريقة التي بها تم تأسيس هذا التجمع، باعتباره بناءا فوقيا بين القيادات ومع اطراف تحولت بقدرة قادر الى حليف وصديق في الوقت الذي كانت المعول الذي يدق رأس الحزب لمدة طويلة. التحالفات لا تبنى بشكل فوقي، بل تتبلور في صلب الحركة الجماهيرية، وليست تفاهمات في الاوراق، وعلى ارضية محددة.


المؤتمر الوطني الخامس:
هذا المؤتمر لا يستحق اكثر من هذه الجملة. مؤتمر يجب نسيانه ونسيان نتائجه التوجيهية والسياسية والتنظيمية، والاعداد لمؤتمر وطني سادس، والذي يجب ان يكون منطلقا لحسم السؤال الذي طرحه الحزب ابان بداية مرحلة التوضيح الايديولوجي والسياسي. هذا السؤال عاد ليطرح نفسه من جديد : من نحن وماذا نريد؟ وجدول اعمالالمؤتمر الالسادس هو هذا السؤال بالتحديد لا غيره، اما ان يصلح ما اعوج في مسيرة الحزب اذا كان يرى في ذاته مشروعا ثوريا يتبلور في المجتمع المغربي، واما ان يقتنع الجميع بأن التاريخ يعيد نفسه ضدا على القوانين العلمية. والخيار الاول يفرض نوعا من النقد الذاتي على المستوى التوجيهي والسياسي والتنظيمي ويتطلب شجاعة اكبر لمواجهة الفلسفة المتجددة باتواب مختلف كنهاية التاريخ وديناميكية التاريخ.... هذه الشجاعة يجب ان تفوق حرارتها حرارة القيظ التي بررت ديناميكية التاريخ .
في انتظار ذلك وفي انتظار النقاش الذي يجب ان يأتي، تبقى المهمة ايديولوجية وفكرية بالاساس، ان نعمل على نشر الفكر الاشتراكي لانه لا يمكن لمن لا يستوعبه ان يناضل من اجله حيث يجب ان يكون هو الاساس المثين للاستقطاب. فالاستقطاب حين انبنى على اليومي المباشر والذاتي، ما استطاع ان ينتج من يرى ابعد من اليومي والمباشر حتى انسدت آفاقه التي عجز ان يراها بعيدة فيبحث عنها في المدى المنظور. هذا هو الخيار الاصح وعلى الحزب ان يقنع المناضلين قبل الناس بانه لا ينزوي تدريجا وبشكل ممنهج الى حزب للمعارضة البرلمانية ليس الا.