لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ... مشروع بلاتفورم سياسي


غسان الرفاعي
2014 / 5 / 11 - 20:59     

كتب هذا النص بتكليف من المكتب التنفيذي لحركة الانقاذ في الحزب
الشيوعي اللبناني ، وبعد مناقشته وادخال التعديلات عليه اعتمد اساسا
للنشاط والعمل ، وصدر بيان يحوي التوجهات العامة ، وزع على
وسائل الاعلام .

مشروع بلاتفورم سياسي


لبنان الوطن في ازمة مزمنة ، شاملة ومتفاقمة ...
يعاني المواطنون جميعا ، على اختلافهم في المواقف والاراء والانتماءات الاجتماعية والمناطقية من ضغوط الازمة المتصاعدة .
فحالة الامن في تدهور مريع ، متماد ، في سائر المناطق ...اجواء القلق والخوف باتت مسيطرة : يخيم الكثير من الغموض والريبة على الاتي من الايام ...
الوضع الاقتصادي في ركود وترد قاس لا سابق له . تزيد من وطأته مؤشرات عن تعاظم مخاطر افلاس الدولة ماليا ...
تترافق مع هذه الظاهرات ، وتتولد منها، مضاعفات اجتماعية ومعيشية تطال اكثرية اللبنانيين ، وتدفع فئات متزايدة منهم الى ما دون خط الفقر ... او الى الهجرة !
بيد ان اخطر مظاهر هذه الازمة الشاملة واكثرها استعصاءا هو تفاقم وتفجر
تناقضات بنية نظام الدولة ، بتركيبته السياسية – الطائفية ، واختلال آليات عمل اجهزته ومؤسساته .
انعكس هذا الخلل البنيوي الشامل على تركيبة المجتمع : فتفاقم التفكك الطائفي ... واتسعت الانقسامات المذهبية ... وتعاظم خطر المواجهات !
فقدت الدولة ، جراء ذلك ، هيبتها وسيادتها الحصرية: اذ اخذت تواجه بظاهرة " الدولة الرديفة " ، والمربعات الامنية المغلقة ...وترتيبات الامن الذاتي .,الخ
مثل هذه الدولة لايمكنها مواجهة التدخلات والاملاءات من اطراف خارجية تسعى ، بل وتستخدم لبنان ( من حيث هو كيان سياسي ، ومن حيث هو ساحة ) من اجل تحقيق او تسهيل استهدافاتها التكتيكية والاستراتيجية في الصراع الا قليمي والدولي المحتدم على صعيد المنطقة .
هذه البنية الضعيفة المفككة ، المتناقضة، لنظام الدولة ، هي اعجز من ان توكل
اليها مهمة صيانة السيادة الوطنية والدفاع عنها .
نتيجة لهذه المعاناة المادية والمعنوية ( النفسية ) ، تنضج الحاجة ، ويتعاظم الوعي العام بانه لا يجوز، ولا يمكن ، القبول باستمرار مثل هذه الدوامة التي تولد الكوارث المتتالية .


2

بدأ التعبير عن هذه الحاجة ، عن هذه الضرورة ، بالتحركات الجماهيرية التي قام بها الشباب من مختلف الفئات ، رافعين شعارات اصلاح الدولة والنظام . كما عبرت عنها تحركات المعلمين والاساتذة واحتجاجات ومطالب الحركات النسائية ، وفئات شعبية اخرى ...
الظاهرة الجديدة التي تضفي على التحركات الممطلبية الاخيرة ميزة خاصة ، وتبرز درجة خطورتها ، هي في انخراط ارباب العمل والفعاليات الاقتصادية مطالبين بتدابير اقتصادية وسياسية ملائمة لاخراج البلاد من مسارها الانحداري نحو الكارثة في مجالي الاقتصاد والسياسة .
جميع مؤشرات التطور العام في المجتمع تؤكد على ان لبنان بحاجة الى مشروع
انقاذ وطني شامل ، ذي طبيعة ديموقراطية حكما ! يتركز محوره الرئيسي على عملية اصلاحية هيكلية لاستعلدة الدولة : باعادة بنائها كدولة وطنية ، مدنية ، للشعب اللبناني ، وكخطوة اولى ارجاع المرجعية اليها ! ان بقاء " الدولة " على قاعدة تقاسم الحصص على اساس فئوي : طائفي ... مناطقي ... عائلي .. يقوض مفهوم الدولة ويلغي وحدة الشعب !
الدولة الوطنية ، المدنية ، العصرية المرتجاة هي الدولة التي تقوم على اسس ومبادىء ديموقراطية حقيقية ، متعارف عليها ، فقها وتطبيقا ، في جميع البلدان المتقدمة ، هي دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والعدالة والديموقراطية وتداول السلطة ... فلا يجوز ، بعد اليوم ، نكرانها واستبعادها، باسم " فرادة " مزعومة للوضع اللبناني ، لتبرير بقاء تركيبات سياسية لا تنتج ، عبر التجربة ، الا ازمات متتالية .
دولة " المواطن " العتيدة هذه ، بطبيعتها المدنية وطرائق تشكلها الديمرقراطية ،هي دولة " الجميع" بالمعنى الواقعي التاريخي . وهي ، بهذه الصفة ، تكون اكثر اهلية ، واكثر انسجاما مع بيئتها الاجتماعية ... وبالتالي اكثر قدرة واهلية للاستجابة ولتحقيق المطالب والمشروعات الاجتماعية والتنموية والسياسية لمختلف المواطنين ولمختلف المناطق .
هذه العملية الاصلاحية الهيكلية للدولة ، رغم ضرورتها الملحة واولويتها ، لا يمكن تحقيقها في اطار الظروف السياسية الحالية ، وفي ظل موازين القوى السياسية الراهنة .
فالخلل الاول الذي يعوق ذلك يكمن في طبيعة الاستقطاب السياسي في البلاد ، القائم على اساس طائفي ومذهبي ، حيث بلغ الانشطار اقصى درجات حدته ،
فشمل المجتمع برمته بصورة عامودية ، مما سمح للمحاور الاقليمية ، ومن ورائها اطراف دولية ، بالتدخل وتعقيد الازمة الوطنية . وهذا الامر قد اعاق ويعوق بلورة

3
برنامج للانقاذ الوطني جامع ، بمضمون ديموقراطي واضح. فقد بات هذا الاستقطاب ذو الطبيعة الطائفية والمذهبية عائقا فعليا ، رغم طروحات وشعارات وطنية واصلاحية ذات طبيعة عامة ترفعها وتتبناها قوى سياسية عديدة ذات شأن في البلاد ، يمكن ان تشكل عناصر لبرامج جدية للعمل المشترك ، ولتعاون سياسي عريض ، في اطار تحالفي واسع ، وطويل المدى حول قضايا كبيرة مثل الدفاع عن السيادة الوطنية وبناء الدولة المدنية الديموقراطية والدفاع عن الحريات الديموقراطية ومعالجة الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية ...
والخلل الثاني الكبير في الحياة السياسية الذي يعوق التطور هو ذاك الفراغ الذي يمثله غياب دور وصوت القوى الديموقراطية واليسارية . ان ازمة الحزب الشيوعي السياسية والتنظيمية المزمنة صارت احدى عوامل الضعف في جبهة النضال الوطني اللبناني العريضة !
ان عودة هذا الصوت ، وهذا الدور لقوى الديموقراطية واليسار بات شرطا لابد منه لاعادة ارساء الحياة السياسية على قواعد وطنية واجتماعية واضحة وسليمة ، بدلا من ابقائها اسيرة الدوافع والمنطلقات الطائفية والمذهبية التي تشكل عامل لجم وتدمير ذاتي للمجتمع باسره .
في هذا الضوء، وفي ظل الظروف الواقعية الداخلية والخارجية القائمة ، لايمكن ان يكون الحل الا تدريجا ، ووفق خطوات متوازنة ، تتناسب مع تطور وتغير موازين القوىلصالح التحالف الاوسع للقوى الوطنية والديموقراطية واليسارية في البلاد ، على اختلاف توزعاتها في الاطر التنظيمية وعلى المواقع الاجتماعية والسياسية .
ان تغيير موازين القوى في هذا الاتجاه يحتاج الى جهد منظم ومثابر جماعي يسهم
فيه كل طرف سياسي التزم ويلتزم بالشعارات الوطنية الاساسية : السيادة وتأكيد مرجعية الدولة وبنائها على اسس عصرية ديموقراطية مدنية وحماية الحريات العامة والخاصة ، انطلاقا من التمسك بالتنفيذ الحازم بدستور الطائف كاساس لاعادة بناء مؤسسات الدولة بدءا من قانون جديد للانتخابات يؤمن التمثيل الصحيح للشعب على ان يستكمل لاحقا بالاصلاحات الضرورية الضامنة لتطور الاسس المدنية الديموقراطية لهياكل الدولة . وشرط تحقيق ذلك هو توسيع المشاركة الجماهيرية في الحياة العامة والنشاط السياسي ، باستخدام الشعارات واشكال النضال التي تتلاءم مع طبيعة الجماهير من حيث توزعها على مواقع وانتماءات سياسية ودينية وطائفية
وفكرية مختلفة ...



4


في هذا السياق من العمل تزداد اهمية ودور منظمات المجتمع الاهلي المختلفة : النقابات على اختلافها ، الروابط المهنية والفئوية على تنوعها : النوادي الثقافية والرياضية ، والجمعيات الخيرية والعائلية ، واللجان الشعبية الاهلية للقرى والاحياء ، والبلديات ... الخ . حتى لجان الحملات الانتخابية يمكن ان تلعب دورا رئيسيا في زيادة فعالية الزخم الشعبي في الحياة العامة وفي تغيير موازين القوى لصالح اجراء الاصلاحات الوطنية العامة .
ان حركة الانقاذ في الحزب الشيوعي اللبناني تطرح هذه المبادىء العامة امام جميع الشيوعيين بصورة خاصة ، اينما كانت مواقعهم : داخل التنظيم الرسمي او خارجه ، الحريصين على حزبهم وعلى تجديد دوره الوطني ، ومهما كانت آراؤهم في هذا الحدث السياسي او ذاك ... كما تطرحها على جميع الاحزاب والتكتلات السياسية والاطر النقابية على اختلافها، وعلى الجمعيات والشخصيات التي يهمها مصير لبنان وتحرص على ضمان سبل تطوره الديموقراطي السلمي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... لانضاج فكرة عقد لقاء سياسي لتنسيق الجهود ولبلورة برنامج وطني عام يحقق الطموحات الوطنية ويرسم سبل العمل المشترك فيما بين هذه القوى لتحقيق هذه الطموحات .

غسان الرفاعي _ لبنان