ثقب فهمى هويدى


نصارعبدالله
2014 / 5 / 8 - 16:41     

ثمة رذيلة فادحة تفشت مؤخرا بين كتابنا ـ خاصة كتاب الأعمدة الصحفية ـ تتمثل فى ادعاء المعرفة، والتظاهر بالثقافة، حيث يذكرون أسماء كتب سرعان ما نكتشف أنهم ـ لم يقرؤوها ـ ويذكرون مذاهب وأسماء لا يعرفون عنها شيئا، أو يعرفون عنها أقل القليل فينسبون إليها ما لم يصدر عنها يصح نسبته بحال من الأحوال . حتى إذا افترضنا حسن النية بالنسبة إليهم وبراءتهم من محاولة ادعاء الثقافة فسوف يظل ثابتا بالنسبة إليهم أنهم على الأقل يفتقرون إلى الأمانة ويفتقرون إلى تدقيق المعلومة التى يذكرونها والتى قد يبدون من خلالها فى أعين بعض القراء ، يبدون كأنهم من بين الكتاب واسعى الثقافة ...ولقد سبق لى مناسبات سابقة أن ذكرت أمثلة لهؤلاء الكتاب، ومن بينهم الأستاذ هويدى الذى يؤسفنى أن أعاود الكتابة عنه باعتبار أنه واحد من الذين نجحوا بالفعل فى إيهام الكثيرين بأنهم كتاب يتسمون بالثقافة والأمانة والدقة والموضوعية بينما هو ـ أوضحت فى مقال سابق ـ على النقيض من ذلك كله . أما مناسبة معاودة الكتابة فهى المقال الذى نشره هويدى فى الشروق بتاريخ 8/5 بعنوان : " أن ترى العالم من ثقب صغير"، حيث يقول ما نصه " مشكلة أن ترى العالم من حولك من ثقب صغير. والمشكلة الأكبر أن تحاكمه بناء على ذلك. هذه الرؤية عبر عنها الكاتب الوجودى الفرنسى هنرى باريوس فى رواية أصدرها عام 1918 باسم «الجحيم»، ظل بطلها كولن ولسون يراقب ما حوله من غرفة مغلقة فى فندق، مرة من ثقب الباب ومرة أخرى من ثقب فى الجدار" ...يا سيد هويدى ..هذه العبارة التى اقتبسناها منك بالنص تقطع عن يقين أنك لم تقرأ رواية باربوس من ناحية!، ولا تعرف شيئا عن كولن ولسون من ناحية أخرى!! ، وأن هذه أسماء ترددها إما من منطلق التظاهر بالثقافة أو من منطلق الخلط بين الأسماء وغياب فضيلة الأمانة وتدقيق المعلومة التى تذكرها ( كما هو شانك فى حالات كثيرة ) ، وفى جميع الحالات فأنت تكشف عن طبيعة الثقب الذى تطل منه أنت شخصيا على العالم!! . ياسيد هويدى : "كولن ولسون" ليس هو بطل رواية: "الجحيم" لهنرى باربوس (وهى بالمناسبة رواية شديدة الأهمية سواء بالنسبة للمشتغلين الأدب أو للمشتغلين بالفلسفة) .. بطل الرواية يا سيد هويدى هو الراوى ..شأنها فى ذلك شأن أعمال روائية كثيرة ترد أحداثها على لسان راو معين لا نعرف له اسما ومن ثم فإننا نفترض أن البطل هو الراوى، أى فى هذه الحالة هو هنرى باربوس نفسه !! أما كولن ولسون فهو كاتب بريطانى حظى بشهرة كبيرة فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى خاصة بعد أن نشر كتابه : " اللامنتمى " الذى ترجم إلى العديد من اللغات العالمية ومن بينها العربية ( ترجمة أنيس زكى حسن )، وقد روجت له مجلة "الآداب" البيروتية التى كان يرأس تحريرها إذ ذاك الدكتور سهيل إدريس رحمه الله والتى كانت تهتم اهتماما خاصا بالفلسفة الوجودية، كما قامت دار الآداب بنشر الترجمة العربية لعدد من أعماله ...ولو أن هويدى قد قرأ شيئا لكولن ولسون أو قرأ شيئا عنه لما جال بخاطره أنه مجرد بطل رواية الجحيم لباربوس، خاصة أن شهرة ولسون تفوق بكثير شهرة باربوس نفسه! .. السؤال الآن هو لماذا أورد هويدى هذه المعلومة المغلوطة مثلما أورد من قبل معلومات مغلوطة عديدة فى مناسبات مختلفة؟ ...الجواب فيما أتصور يكمن فى طبيعة الثقب الذى يطل منه هويدى على العالم، فالثقب الذى يطل منه ( فضلا عن أنه ثقب ضيق لا يكشف مجال الرؤية بالكامل)، فضلا عن ذلك فهو ثقب لا تعترض مساره عدسة شفافة بل تعترض مساره عدسة ملونة بلونين ممتزجين أولهما هو لون زهوه بذاته ومحاولته إظهار تلك الذات بمظهر العارف واسع الثقافة، وثانيهما هو لون الإيديولوجيا التى يعتنقها ومحاولته إظهار أن تلك الإيديولوجيا هى البديل الأفضل لهذا الوطن.
[email protected]