المطلوب بديل عربي ثوري


جورج حزبون
2014 / 5 / 4 - 22:02     

المطلوب بديل ثوري عربي
اذا كان الصراع قانون في الحياة ، فانه على حب التملك ، ونهب الاخرين واستعبادهم ، ولقد توقفت عمليات النهب المباشر ، بفعل توازنات القوى التقليدية ، وتضامن الشعوب بتشكيل منظمات دولية انسانية او اخلاقية ، لكن الاداء الغير مباشر مستمر ، عبر شركات فوق قومية او استقواء ونفوذ واستغلال من الدول الكبرى لدول التخوم وشعوبها .
وبغض النظر عن التقسيمات الراهنة للكتل العالمية وابتداع اساليب ملتوية ، فان المضمون واحد وهو النهب والاستغلال ، بداية من مجموعة السبعة ، التي هي واقعيا مجموعة البلدان الراسمالية الاكبر ، الى الاحلاف الاقتصادية والعسكرية ، وهكذا ترى العالم محاط باحزمة متعددة من الانظمة والتحالفات ، تشكلت على ارضية تنظيم النهب وسرقة الشعوب ، ولم يعد من الصواب نعت تقسيمات العالم ( الشرق والغرب ) فان اكبر ثالوث امبريالي اليوم هو اميركا والاتحاد الاوروبي واليابان ،وان كان بلدان الشرق تتعرض للاضطهاد والنهب ففي اميركا واوروبا بلدان تتعرض لنهب ابشع ، سواء بلدان اميركا اللاتينية ، او بلدان شرق اوروبا وحتى وسطها ، فالجغرافيا هنا لا معنى لها ، المضمون هو النهب والاستغلال ، وجعل الشعوب الفقيرة اكثر فقرا ، وذات نزعات استهلاكية ، يتم تنظيم بلدانها اقتصاديا على هذا النهج من خلال البنك الدولي وصندوق النقد ، وهي ادوات تم ابتداعها بعد الحروب العالمية ، ولصعوبة العودة لاسلوب الحروب المباشرة .
لقد تعرضت منطقتنا العربية ، لكافة اشكال النهب ، الاستعماري العسكري المباشر ، او الغير مباشر ، بعد تنظيم احتفالات للاستقلال وجلاء الجيوش ، والتي اصبحت اعيادا تجري خلالها احتفالات بالنصر والتحرر ؟!وفي الواقع هي اساليب النهج الاستعماري الجديد ، فقد تم تسليم السلطة لاوساط حليفة اما عسكرية او برجوازية صغيرة طفيلية ، وقبل هذا تم وضع حدود لكل دولة تاكيدا لتقسيم الوطن العربي واضعاف امكانية اعادة توحيده ،واحترمت الانظمة المعينة الاتفاقات ، وعززت اجهزت الامن لديها ، للانتباه لخطورة شعارات الوحدة !! ولفت انتباه الجمهور الى الدين وتعزيز مكانته وتوظيف اعداد من وعاظ السلاطين ! وتكريس التقسيم بالولاء للدويلة وللحاكم ، باعتباره ولي الامر ، وخلق نزاعات بين تلك البلدان احيانا حدودية ، وكانت فلسطين تضيع ، فهي لم تعد جزء من الدولة العربية المتحدة ، وقدرات البلدان العربية ضعيفة امام استردادها ؟! رغم محاولات هضمها اسرئيليا وعربيا !!وقد استخدم شعار التوازن الاستراتيجي ؟ بمعنى العسكري مع العدو ، دون الانتباه على الاغلب عن قصد ومصلحة ، ان تحرير فلسطين هي قضية الوحدة العربية !!فكما تم تقسيم البلدان التي كانت تحت الحكم العثماني الى دول ، لم يتم هذا مع فلسطين ، مما كان يشير بوضوح ان لها شان اخر !بغض النظر عن وعد بلفور او غيره ، فبريطانيا كانت دائمة الاهتمام بعدم وحدة الامة العربية ، والحركة الصيونية نبهت الى ذلك منذ دخلت قوات محمد علي بلاد الشام ، وان موقع فلسطين الجيوسياسي هو فقط الموقع الذي يمكن من تاكيد عدم قدرة الالتقاء العربي او الاسيوي والافريقي.
لم تقم البلدان العربية بتعزيز جيش الانقاذ ، وحسب تقرير قيادته ، بانه كان اقل عددا من القوات الاسرائيلية واقل تجهيزا ، ومن هناك ظهرت اطماع عروبية لضم اقسام من فلسطين وليس تحريرها ، فان قيام اسرائيل بالنسبة لهم امرا مقضيا مصلحيا واستعماريا ، وهذا ما يفسر الاتصالات التي استمرت سرية مع الحركة الصيونية واسرئيل فيما بعد حتى توفرت ظروف للبعض لتوقيع معاهدات صلح واعتراف !!.
وحيث ان المصالح تتغير واساليب العمل تتغير ، سواء على الصعيد الشخصي او الدول ، فان معطيات العصر الراهن ، اخذت تشير الى صعوبة استمرار امكانية صيغة القرن العشرين للمنطقة ، فقد اصبحت اسرائيل دولة استراتيجية نووية ومركزية ، ومشيخات الخليج قامت بها دول ثرية بفعل النفط ، ولها طموحات سياسية ، وهذا ما يسهل عملية توظيفها في المخطط الجديد ،والبلدان العربية المركزية تتصارع داخليا ، بالحوار المسلح ، بحيث تتقسم ذاتيا على القاعدة الاثنية ، والطائفية ، والقبائلية ، لتعود دول ما قبل التصنيع وتهيمن فيها ذهنيات العشائرية بدل الطبقية ، ويكون الدين هو الايديلوجيا الجديدة ، خاصة بما يسمح به من تفسيرات وتاؤيلات ، فهو حسب علي بن ابي طالب ( حمال اوجه ) ، وتغيب شعارات الوحدة العربية نهائيا ، وتصبح الفرصة مناسبة لتحقيق حلم راود اصحابه قرونا ، وتسهل عملية انهاء القضية الفلسطينية ، لتكون دويلة عربية كغيرها او حتى دولتين ، فالامر موجود في منطقة الخليج ،حيث تقسمت عشائر واصبحت دول بغض النظر عن المساحة ،فمثلا لكسمبرج اصغر من قطاع غزة وهي عضو في حلف الاطلسي !!؟ ،والموقف العربي ليس على استعداد اكثر من المساعدة الدبلوماسية احيانا والمالية في بعض الاحيان .
حين وافق العرب في عام 1964 على قيام منظمة التحرير الفلسطينية في مؤتمر قمة الاسكندرية ،كان تحميل الفلسطينين مسؤولية وطنهم تعبيرا انقساميا ، فهم فقط يساندون ! ولم يكن في ذهنهم العمل العسكري مطلقا ، بما فيها عبد الناصر او حزب البعث او غيره ، فقد تشكل العمل العسكري لاحقا من منظمات خارج منظمة التحرير ، وعام 1969 قادت تلك المنظمة ، فقد كانت السياسة هي الاسلوب الذي استقر عليه العرب حتى قبل هزيمة 67 ، وان العمل العسكري الفلسطيني اتخذ اسلوب توريط الدول العربية في الحرب مع اسرائيل ، وحين هاجمت اسرائيل ثلاث دول عربية وجدتها مجرد بلدان امنية بذلت جهدها للامن الداخلي وللشعارات القابلة للتسويق ، فكان ان استولت اسرائيل على كامل فلسطين التاريخية بمنتهى السهولة، !!،
مرة اخرى ستعود فلسطين لقائمة الانتظار الدولي ، بعد تفجر الازمة الاوكرانية ،وتعود قضية تمزيق العالم العربي الى الصدارة ، لانها تؤكد اهمية الموقع ، بعد عودة روسيا لاخذ مكانتها الدولية ، وصعود ايران بمشاريعها الطموحة قوميا ودينيا وعسكريا ،وتطلعات تركيا الى مستعمراتها السابقة بعد فشلها دخول نادي اوروبا ، وتنامي طموحها السياسي الطوراني بعد نموها الاقتصادي ،مما يحفز الى الاسراع في الهيمنة على المنطقة وهذه المرة عبر موظفين جدد ، منهم التعاون الخليجي وما يمكن ان يسفر عنه الصراع العربي الداخلي من بروز قوى يمكن التحالف معها ،.
لم تستطع القوى الشبه اقطاعية العربية بعد الاستقلال ان تحقق نهوضا فكريا او ثقافيا ، بل تحولت عبر التحالف مع الانظمة الى قوى كمبرادور ،ولم تتبلور صناعة واسعة حتى تقوم طبقة عاملة مبلترة ، وفشلت قوى حركة التحرر العربي ، واليسار بمختلف مشاربه عن طرح مشروع سياسي واقعي ، بقدر ما بقيت اطارات نخبوية ، ومع كل هذا فان حالة التصارع الداخلي كحربة اخيل تلائم الجروح التي تحدثها ، فقد انتجت مبكرا فشل المشروع الاسلاموي بكل تفرعاته وتحالفاته المشبوهه والموضوعة ، وبداء يظهر تبلور فكر ثوري جديد ، قد يحتاج الى وقت لكنه استفاد من التجربة ، وسيحقق بالضرورة حالة نهضوية محلية تمتد الى مشروعها العربي الذي اريد طمسه ، وتعود حركة الصراع الى واقعها ،بعد ان يكون قد استطاعت قوى النهب الدولي اعاقتها الى ما يقرب من قرن زمنيا ، وتبددت فيه ثروات الامة على منافع حكام في حقيقتهم موظفين مهما اختلفت المسميات ، وكفى تضليلا للشعوب تحت مسميات عدائيات الغرب وعدوانية اسرائيل ، فالغرب مشروع استعماري له اليوم كتلة بعضها شرقي ، واسرائيل مشروع له حلفاء بعضهم انظمة عربية ، فالطريق الى الوحدة العربية والاستقلال الناجز يحتاج الى لغة خطاب وطني جديد موضوعي ، والى جبهة عربية ثورية ممكن ان تبداء توجيهية ، والى ايديولوجيا تطرح رؤية قومية وقادرة على مواجهة المشروع الاسلاموي الرجعي ، ودون هذا ستظل المنطقة تراوح مكانه متراجعت عن اجازات البشرية عشرات السنين .