تحية ليوم الأول من أيار ، يوم التضامن العالمي


صادق البلادي
2014 / 4 / 30 - 19:28     

تحية ليوم الأول من أيار ، يوم التضامن العالمي
صادق البلادي

اليوم الأول من أيار هذا العام ، هو اليوم الأول بعد إغلاق صنادق الإقتراع في العراق لإنتخاب الدورة البرلمانية الجديدة ، والكل يتلهف إنتظارا للنتائج التي ستعلنها المفوضية العليا "المستقلة" للإنتخابات، متمنين في نفس الوقت أن تُثبت النتائج مصداقية المفوضية ، إن أسفرت عن بعض التغيير ، الذي دعت اليه ليس فقط قائمة التحالف المدني الديمقراطي، بل وحتى المرجعية الدينية دعت الى المشاركة في الإنتخاب والى أن يكون التصويت من أجل التغيير نحو الأفضل. ولكنه أيضا هو يوم العمال العالمي الذي سترتفع فيه الرايات الحمراء في بغداد، والبصرة ومحافظات العراق، بضمنها محافظات إقليم كردستان أيضا ، وكم جميل أن يشترك في رفع الأعلام شيوعيون وديمقراطيون من أطياف مختلفة.
الشَيَبة أمثالي ما زال يتذكرون المظاهرات الخاطفة ، التي كان ينظمها الحزب الشيوعي أيام العهد الملكي المباد ،احتفالا بذاك اليوم النضالي، التضامني مع عمال العالم ، وتعبيرا عن الإستجابة الى نداء البيان الشيوعي : يا عمال العالم إتحدوا !!، كما نتذكر- نحن الشَيَبَة - المظاهرة الضخمة في أيار عام 1959، أول مظاهرة في العهد الجمهوري الأول، العهد الذي حققته ثورة الرابع عشر من تموز58 بقيادة الوطني ،النزيه، العفيف عبد الكريم قاسم، تلك الثورة التي كان يمكن لها أن تسهم في تحقيق ما حلمت به البشرية، وخاصة شبيبة العالم بعد الحرب العالمية الثانية ، إثر القضاء على الفاشية، وسعت من أجل تحقيقه، عالم الحرية والعدالة الإجتماعية ، التي تحقق للإنسان كرامته. لكن تلك الفرصة أضاعها الفصل بين الوطنية والديمقراطية ، وأجهضها إنقلاب الثامن من شباط الإنقلاب البعثي الفاشي، بتدبير "سائق القطار " ، " الحليف الستراتيجي" الأن.، كما حددته معاهدة 1930 الثانية ، المعقودة مع الأمريكان، على طراز الأولى التي عقدت مع البريطانيين.
ومعروف أن يوم الأول من أيار هو يوم عالمي تضامني ، نضالي للعمال الكادحين، المظلومين ، دعا الى تنظيمه مؤتمر الأممية ألاولى ، المنعقد في جنيف عام 1866، والذي جدد المطالبة بتنظيمه مؤتمر عمالي عالمي عُقد في باريس ، يوم 14 من تموز 1889، وحضره 400 ممثل لوفود عمالية من أحزاب اشتراكية ، و نقابات عدد كبير من البلدان ، وكانت مناسبة انعقاد المؤتمر ، الإحتفاء بالذكرى المئوية لاقتحام على الباستيل، الذكرى المئوية للثورة الفرنسية ، التي رفعت شعارات : حرية ، إخاء ، مساواة ، غير أن البرجوازية لم تطبقها، بل داستها وتناستها ، رغم انها ظلت تلوكها، وترفعها شعارات، فارغة المضمون. لكن الطبقة العاملة صارت هي الوريث لكل ما دعت اليه البشرية من أفكار تقدمية ، وأدركت أن تحرير الطبقة العاملة لا يمكن أن يكون إلا من صنع أيديها، كما حدث في ثورة اكتوبر الإشتراكية عام 1917، التي بقيت حتى نهايتها اشتراكية بالأسم والشعارات، لكنها آلت فعليا الى ايدي البيروقراطية الحزبية ، التي استطاعت أن تُجهض محاولة التخلص من الستالينية، ومحاولة البيروسترويكا ، كذلك . مؤتمر باريس ذاك دعا الى" تحديد وقت يجري فيه تنظيم تظاهرات أممية كبيرة ،في نفس الوقت في جميع المدن يوجه فيه العمال الى السلطات العامة المطالبة بتحديد يوم العمل بثمان ساعات. و بالنظر الى حقيقة أن عصبة العمال الأمريكية قد قررت تنظيم مثل هذه الفعالية في يوم 1 أيار 1890، تقرر إعتبار هذا اليوم يوما للتظاهر العالمي."
ولم يشهد ماركس هذا اليوم، فقد كان الموت قد إختطفه قبل سنوات سبع، إلا أن رفيقه انجلس شهد يوم الأول من أيار عام 1890 ، وكتب عنه :
" يـا عمـا ل ا لـعـــا لم أ تـحـــدوا " حينما ألقينا هذه الكلمات في العالم لم تجاوبنا سوى بضعة أصوات . وكان ذلك منذ أثنتين و أربعـيـن سنة وكنا إذ ذاك على أعتاب الثورة الباريسية ، أول ثورة خاضتها البروليتاريا بمطالبها الخاصة . ولكن لم يحن يوم 28 أيلول عام 1864 حتى كان العمال من أكثر أقطار أوربا الغربية يتحدون ويؤلفون جمعية الشغيلة العالمية ( عرفت فيما بعد باسم الآممية الأولى) ذات الذكرى المجيدة . ان الأممية نفسها لم تعش سوى تسع سنوات ، أما التحالف الأبدي الذي أنشأته بين عمال جميع البلدان ، فليس أدل من يومنا هذا نفسه على أنه لا يزال موجودا ، وانه الآن أقوى منه في أي وقت مضى. ففي اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور ، تستعرض البروليتاريا الأوربية والأمريكية قواها الكفاحية التي تنتظم لأول مرة في جيش واحد ، وتحت علم واحد ، وفي سبيل هدف مباشر واحد – هو تحديد يوم العمل العادي بثماني ساعات تحديدا قانونيا ، هذا اليوم الذي طالب به مؤتمر الأممية المنعقد في جنيف عام 1866 ، وطالب به من جديد مؤتمر العمال المنعقد في باريس عام 1889 . إن مرأى هذا اليوم سوف يبين للرأسماليين وكبار أصحاب الأراضي في كل الأقطار ، أن عمال العالم متحدون الآن اتحادا حقيقيا.
ألا ليت ماركس الى جانبي ليرى بعينيه كل هذا).
بهذه الكلمات اختتم فريدرش انجلس مقدمة الطبعة الألمانية الثانية عام 1890، وكان انجلس يعيش يوم ذاك في لندن، بعيدا عن وطنه.
ما شأني وأنا إبن التاجر المتدين ، أنا الطبيب و المثقف وهذا اليوم ، الذي تحقق الآن للعمال مطلبهم في ثمان ساعات يوم عمل؟ ذلك لأني موقن تمام البقين، وبانهيار معسكر الإشتراكية القائمة بالفعل، إزددت إيمانا ، وقناعة بأفكار الشيوعية، بأن لا خلاص للبشرية من الفناء إلا بالقضاء على الرأسمالية، وآنذاك فقط " يحل تجمع جديد تكون حرية التطور لكل عضو فيه شرطا للتطور الحر للجميع." ولأني موقن بصحة قول فهد أنه بالإشتراكية يبدأ " الإنتقال من أدوار عاشت فيها البشرية عيشة لا إنسانية ، عيشة بربرية شبه وحشية الى مجتمع إنساني حقيقي، مجتمع يعمل فيه الإنسان بمحض إرادته وفيه يبتدئ تاريخ الإنسان. " ولأن الشعور والإحساس بانضمامي الى جبهة الطبقة العاملة التي هي ثورية أو لاشئ، الى الطبقة ، التي تبقى باعتمادها على العمل المأجور في تضاد مع الرأسمالية ، يملأني بالفرح والسعادة ، ويمنحني الهمة ويُبقيني رغم الشيخوخة فتى مع الفتيان.
إن عدم تحقيق أهداف فورية، راسخة بعد كل حراك، كما نشهد هذا في الربيع العربي ، ليس دليلا ، يستدل به الذين تخلوا عن الماركسية، على خطأ الفهم المادي للتاريخ. تحية الى الطبقة العاملة التي تحمل المستقبل في قلبها، ويبقى الأول من أيار ، كما قال انجلس، " الدليل على أن العمال يوطدون العزم اكثر فأكثر على الظفربالنظام االإجتماعي الجديد عن طريق النضال".