«الجزيرة» والبغاء السياسى


فريدة النقاش
2014 / 4 / 17 - 10:42     

دعتني قناة الجزيرة بإلحاح أكثر من مرة لأتحدث في بعض الموضوعات السياسية ورفضت بسبب موقفها الزائف وغير الموضوعي مما يحدث في مصر بعد الثلاثين من يونيو والثالث من يوليو 2013، إذ لعبت القناة علي الوصف بالانقلاب العسكري الذي اطلقته جماعات اليمين الديني علي الموجة الثانية من ثورة 25 يناير التي انحازت لها القوات المسلحة، وعادت وانحازت للملايين الثلاثين الذين خرجوا من الثلاثين من يونيو رافعين شعار يسقط حكم المرشد، مصر دولة مدنية مش ولاية إخوانية، واستطاعت الجزيرة متعاونة مع هذا اليمين الديني والدعم التركي والأمريكي له أن تعمم وصف الثورة بالانقلاب. عادت قناة الجزيرة وطلبت مني أن اذهب إلي الدوحة وابقي فيها لأي وقت وبأي شروط أفرضها وأقول ما أشاء مع وعد بعدم التدخل فيما أقول.ورفضت مجددا وقلت لمحدثي لن أكون محللا لكل الجرائم السياسية والأخلاقية التي ترتكبها قناة الجزيرة ضد الشعب المصري والمرحلة الانتقالية الصعبة التي يمر بها ومناصرتها لعمليات التزييف الواسعة التي تقوم بها قطر لصالح التحالف الإقليمي والعالمي المتواطئ مع اليمين الديني في مصر، وفي القلب منه جماعة الإخوان الإرهابية وتمجيد الجرائم التي ترتكبها في حق الشعب المصري. أخذت أتابع – قليلا- أحاديث وحوارات بعض الصحفيين المصريين الذين ذهبوا إلي «الدوحة» وأقاموا هناك وتحولوا إلي أبواق عالية الصوت لصالح حكام قطر ضد الشعب المصري وخريطة المستقبل التي واصل هذا الشعب العبقري انجاز مراحلها في قلب النيران بدءا بإتمام الدستور والاستفتاء عليه مع الموافقة بأغلبية كاسحة ومشاركة كبيرة، ثم الاستعداد للانتخابات الرئاسية.لم أتذكر اسم الزميل الذي وضع كتابا ممتعا ومؤلما في الوقت نفسه عن البغاء الصحفي. تتبع الكاتب مواقف عدد من الصحفيين والكتاب «الكبار» وكشف لنا كيف أنهم بايعوا كل مستبد، وأيدوا كل نظام بدءا من العهد الملكي مرورا بجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، واستطيع أنا أن اضيف إليه اسماء هؤلاء المثقفين والساسة والكتاب الذين ذهبوا إلي الرئيس محمد مرسي، وقدموا له فروض الولاء في فندق فيرمونت، وكان بينهم كتاب وساسة يعرفون جيدا أن جماعة الإخوان كانت قد اغتصبت حكم مصر، وأنا استخدم تعبير الاغتصاب عامدة متعمدة لأن ما تكشف عن اساليب الاخوان بدءا من استخدام المطابع الأميرية لتزوير بطاقات تصويت لصالح «مرسي» إلي محاصرة عدد من القري المسيحية لمنعها من التصويت، وصولا لإنفاق ملايين الجنيهات لشراء أصوات الفقراء ليست إلا غيضا من فيض كما يقال، ولهذا كله فإن ما فعلوه كان اغتصابا للسلطة وهو ما يعرفه جيدا هؤلاء الساسة والكتاب الذين اسهموا بفعلتهم هذه في تزييف وعي قطاعات من المصريين طالما كانوا قد حظوا بالمصداقية في نظرها، ولا نستطيع أن نلتمس لهم الاعذار بحجة أنهم ربما لم يكونوا يعرفون تاريخ الإخوان، لأن هذه حجة عليهم لأنهم مثقفون. وعلي كل الأحوال فقد اثبت الإخوان في عام واحد من حكمهم أنهم فاشلون وفاشيون بكل معايير الفشل والفاشية. وكان تقدم الشعب المصري بالتعاون مع جيشه للخلاص منهم عملا عبقريا وجبارا. يتصور أمثال هؤلاء المثقفين الذين يمارسون البغاء المقنع أن ذاكرة التاريخ مثقوبة، وأن المصريين ينسون بسرعة، ولديهم خصال التسامح والغفران.. ولكن لا يدرك مثل هؤلاء أي ضرر وأذي تلحقه ممارساتهم الانتهازية من أجل المصالح الشخصية الصغيرة بحركة الشعب المصري نحو المستقبل، لأن مثل هذه الممارسات تعمل علي تعطيل هذه الحركة وإنتاج مبررات سياسية وفكرية لهذا التعطيل الناتج عن تزييف وعي القطاعات التي تمنحهم الثقة وتصدقهم وهم أي هؤلاء البسطاء لا يملكون من الأدوات المعرفية ما يمكنهم من كشف الحيل والتلاعب وفرز الشخصي من العام، ومع ذلك تأتي اللحظات الحاسمة التي تنفجر فيها الثورات حيث يكون بوسع الجماهير التي يتحول وعيها العفوي إلي وعي فاعل أن تحاسب هؤلاء الذين خانوا أحلامها من أجل اهدافهم الصغيرة وحساباتهم الخاصة وتسببوا في إطالة عمر نظم الفساد والاستبداد، وعملوا علي تجميل الوجوه القبيحة، وما فعله البعض مع «جمال مبارك» ومشروع أمه وابيه لتوريثه حكم مصر سوف يبقي سبة في وجه هؤلاء المثقفين والساسة الذين يلتف بعضهم الآن حول «السيسي»، وهم يحاولون أن يغسلوا «عار» ممارساتهم القديمة.

للبغاء السياسي شأنه شأن البغاء الصحفي وجوه كثيرة ومنها ما يمارسه هؤلاء الذين أدمنوا أضواء وأموال قناة الجزيرة، وما يمارسه آخرون تنقلوا من بلاط سلطان إلي بلاط سلطان آخر حتي لو تنقاضت سياسات واختيارات السلاطين. وفي النهاية لن يصح إلا الصحيح إذ يبقي البغاء بغاء حتي لو غلفوه بتحليل سياسي «رصين» إذ أنهم يعتبرون معارفهم وخبراتهم سلعة يمنحونها لمن يدفع أكثر.