في الأحوال والأهوال. المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف ... للباحث فالح عبد الجبار


نبيل عبد الأمير الربيعي
2014 / 4 / 13 - 22:40     

صدر عن دار ميزوبوتاميا للطباعة والنشر كتاب (في الأحوال والأهول..المنابع الاجتماعية والثقافية للعنف) للباحث د. فالح عبد الجبار , الكتاب يحتوي على 165 صفحة من القطع المتوسط , تضمن الكتاب ثلاث مباحث وملحق يتضمن ثلاث نصوص فلسفة في التسامح الديني والسلام ونبذ العنف السلبي.
تناول الكاتب أزمة الهوية العربية وحلول المؤسسة المنتجة للخطاب الثقافي بدل الفرد المثقف المتشظي والمتجزئ , أي حلول استبداد المؤسسة قبل بروز الفرد والمنتج , إضافة إلى تعدد مضمون مفهوم الثقافة أو تبعية المثقف , مع العلم إن الثقافة تعتبر البناء المنطقي أو السلوك العارف , وبوجه عام ثمة إمكانية لتعيين مفهومين للثقافة الأول تعرف الثقافة كنظاماً معرفياً يشتمل على انتاج المعاني أو منتجات العقل والثاني فهو نظام معرفي يتوخى تحديد موقع الجماعة أو المجتمع في الزمان والمكان .
يؤكد الكاتب عبد الجبار ص27" إن هناك عدة محاولات لتقسيم الثقافة إلى عصور أو أنماط , ويرى كثرة من الباحثين أن هذا التقسيم المجرد , التقريبي , يعد لدراسة تباين أشكال أدراك العالم وتوليد المعاني" ثم يعقب لما طرحه دريدا من فرضية وجود تباينات جذرية بين"الثقافات الأسطورية والثقافات الأبجدية والحضار الألكترونية ما بعد الأبجدية " ينطوي على نمط من أنماط الثقافة المذكورة أعلاه , عالم معرفي وبنيّة خاصة . فالثقافة الميثولوجية التي سبقت عصر التدوين احتفظت بالكثير من معالمها في بوادي وأرياف العالم , فالبداوة في رحلة أفول , والأرياف تفقد عذرية الأنغلاقات السرمدية السابقة . لكن نجد أن العصور الكلاسيكية قد أنتجت لنا حقولاً أكثر غنى في مجال الأدب والفن والفلسفة حتى وجد هيغل صداه , الذي قسّم تطور الروح المطلق لعل ما آل سقراط إليه في أثينا أو معركة الغزالي وأبن رشد , إضافة إلى ظهور الفقيه والفيلسوف والمتصوف في الثقافة العربية الإسلامية الكلاسيكية على التعامل مع هذه الأنماط المعرفية.
لكن الأنهيار العقلي والفلسفي مما عزز إلى حروب الحضارات وما واكبها من دمار وزعزعة الأستقرار بفعل التعاقب المدمر للسلالات , لذلك أن أهم معلَّم ص31" يميز التحول الثقافي في هذا العهد هو انقسام الحقل الديني إلى ثقافة عليا , ثقافة الفقيه والمتكلم , أي ثقافة النص والاستنباط وثقافة دنيا , وثقافة الطقس الصوفي " لكن الواقع الثقافي في العراق وبعد سقوط الدولة العثمانية ومجيء فيصل الأول إلى العراق قد طالب إلى محاولة إبعاد التمايز الديني والأثني مما أثر ذلك ص46" احتجاجات البعض من أنهم لم يعودوا يتبينون اليهودي عن المسيحي والشيعي من السني والجنوبي والريفي عموماً من أبن المدينة".
لذلك أنتجت الحقول الثقافية المتمايزة ثلاثة أنماط من التخيل الثقافي للهوية القومية ص54 :
"يقيم التخيل الأول هوية الأنتماء الحضاري على الدين الإسلامي أساساً للحدود الثقافية ..أما التخيل الثاني فيبنىي هوية الأنتماء على الأثنية جاعلاً إياها حاملاً والدين محمولاً بالضرورة " وتضطر التخيلات القومية إلى البحث عن عنصر تمييز بأي ثمن , حتى لو كان خارجياً على ثقافتها.
لقد نمّت سبل عدة للنظر إلى الثقافة , النظرة الارتقائية التاريخية التي ترى أن الثقافة البشرية أو التاريخ البشري واحد سوى أنه يمر بمراحل متدرجة , وأن تباين ثقافات شعوب المعمورة , إن هو إلا درجات في سلم التطور الأرتقائي , فكل نظام معرفي كما نعلم ينمو ويتطور في إطار نظام لغوي خاص , وثقافة محلية خاصة , وتنتج هذه الثقافة مقولاتها كتنظيم العالم انطلاقاً من أشكال التنظيم الاجتماعي نفسه.
يرى الكاتب فالح عبد الجبار من خلال طرح موضوع العولمة ومسارها البنيوي الجديد وأحد خصائصها , الخاصية الثانية (المواطنة والقومية) ص82" إن الدولة القومية تشهد أنفصال المواطنة عن الانتماء القومي , فالعولمة بحكم منطقها , أفضت على مدى القرن العشرين كله إلى حركة هائلة للسكان غيّرت وجه المجتمعات المتقدمة" مما أدى هذا الحال إلى أنفصال المواطنة كحق مكتسب عن الانتماء الثقافي الأثني كحق موروث, وهو ينطوي على نزاع من شأنه أن يعمّ العالم , بين البنية الثقافية المتجانسة الوجوه والبنية المتعددة الثقافات.
أما المجال السياسي القومي فقد أدت التحولات إلى خفوت الفوارق بين الاشتراكية الديمقراطية والليبرالية , وتضاؤل الهامش النقدي لليسار الماركسي لا ريب ص83" إن سقوط الاشتراكية القائمة ونهاية الحرب الباردة , من جانب وضمور قوى النقابات من جانب آخر , أنشأ تحولاً في نمط الحركات الاجتماعية " أما الخاصية الأخرى في ظل انطلاقة العولمة فهو أحتدام التوتر الثقافي على نطاق كوني , فثورة الاتصالات والمعلومات تفتح صندوق باندورا , كما يقال , الضاج بكل أنواع الثقافات.
يقسم الباحث فالح عبد الجبار المذاهب إلى ثلاث توجهات ص88" التوجه الأول هو الليبرالية المسلحة التي ترجح كفة الصراع , أما التوجه الثاني فهو ليبرالية السوق , أما التوجه الثالث فهو الأتجاه الديمقراطي الاجتماعي الساعي إلى لجّم الاقتصاد الكوني الطليق بإنشاء حكومة عالمية , تنجّي العالم من أنفلات قوى السوق" , لكن اقتصاد السوق بدأ زحفه البطيء منذ الثمانينات ليتحول إلى تيار قوي يخترق الاقتصادات الأوامرية , إختراقه لعالم اقتصاد الكفاف البالي.
إن اللائمة الأولى على هذا الغرب باعتباره المسؤول عن استمرار هذا التخلف في المقابل ص90" نشهر كل أسمالنا الفكرية إذا ما عزّ لأحد من الغرب أن يضغط باتجاه الإصلاح..دون أن نقر بفشلنا" . يخّتم الباحث كتابه بمقالات للاسكتلندي جون لوك وعمانوئيل كانط ومقال اللاعنف أو العنف السلبي للمهاتماغاندي وقصيدة للشاعر السويسري آلان روشا (نواح المدن القتيلة) هذه النصوص هي خلاصة تجربة أوروبا في الخروج من محنة الحروب الدينية والتعصب المذهبي وتقلب الحكام بين مذهب وآخر تبعاً للأهواء والمصالح .