حمة الهمامي رئيسا لتونس


فوزي بن يونس بن حديد
2014 / 4 / 4 - 14:20     

كان المعارضون في تونس في عهد حكومتي الجبالي والعريض من أشد المنتقدين لهاتين الحكومتين اللتين بذلتا جهدا غير عادي للحفاظ على مؤسسات الدولة وبسط الأمن والأمان، ولأن الإسلاميين يمسكون بزمام الحكم في تونس لأول مرة في تاريخ تونس الحديث بعد الاستقلال بات العلمانيون يعضون أصابعهم مما حدث وجنّ جنونهم وكثفوا تحركاتهم واتحدوا بعد أن كانوا أشتاتا في ما يعرف بنداء تونس الذي لن يستمر طويلا لأنه بني على جرف هار سينهار يوما لا محالة لا سيما وأن الانشقاقات قد بدأت في صفوفه وأن الصراع على الكراسي بدأ يلوح في الأفق، هؤلاء لم يهدأ لهم بال ولم يغمض لهم جفن، خططوا وسطروا لإسقاط الحكومتين بأي شكل من الأشكال، انتقدوهما، سخروا من إنجازاتهما، طالبوهما بالمستحيل، حتى وصل الأمر إلى التجني على رئيسي الحكومتين بل إلى التعرض لشخصيهما، وكان الأمر أشبه بحرب ضروس تدور في كواليس المجلس التأسيسي ومقار الحكومة وربما طال قصر الرئاسة، ورغم أن رئيس الجمهورية لم يكن من حزب النهضة إلا أن هؤلاء لم يهدؤوا، حاربوا الرئيس في قصره ووصفوه بأخبث الصفات، ونالوا من هيبته وهيبة رئيس الجمهورية.
نعق العلمانيون حدّ التخمة، وأرادوا بالآخرين كيدا، وافتعلوا الأزمات، وصارت الاغتيالات في البلاد وكانت حدثا بشعا لم يتعود عليه التونسيون جميعا، ولا ندري من كان وراءها وأكاد أجزم أن النهضة بريئة كل البرء من هذه الأفعال التي لا يقبلها الشرع ولا المنطق وهم أولئك الذين يعطون الناس حقوقهم ويخافون الله في أموالهم فضلا عن أموال الدولة وحريصون كل الحرص على نشر العدل والمساواة، وفي وقت شعر فيه العلمانيون - وهم يعلمون جيدا ذلك – أن النهضة ستنجح مثل ما نجح أردوغان في تركيا كيف لا والشيخ راشد الغنوشي معلمه وملهمه الأول، لجأوا إلى لعبة قذرة لإرباكها وإفشال ما تسعى إليه الحركة من ضبط للأمور في البلاد، وبعد الانتخابات الحرة النزيهة التي حدثت في البلاد وفازت فيها النهضة فوزا ساحقا أذهل العالم وجعل العلمانيين في البداية يمتدحون هذه العملية، يحسبون كل صيحة عليهم، ارتدوا على أدبارهم وراحوا يوجهون سمومهم نحوها لإسقاطها بكل السبل والطرق غير الشرعية، مرددين قولتهم المشهور: الحكومة فاشلة من أول يوم مسكت الحكم، ولم يعطوا الفرصة لا للأولى ولا للثانية لتثبت جدارتها ولو سكتوا لكان الشعب التونسي قد سار على الطريق الصحيح، ولكن الإعلام في تونس مع الأسف الشديد لم يكن مهنيا ولا ذا مصداقية ولا محايدا بل بقي على شؤمه وعلى منهجه الرديء الذي يصور الأحداث وفق أجندة معروفة سلفا ولعل الحوارات العقيمة التي تدور في فلك الوطنية وحنبعل والتونسية هي أقرب الى السفسطائية منها إلى الحوار المنطقي المعقول، فبعض المحاورين يأتون مشحونين بأفكار عدائية سلفا ثم يصبون جام غضبهم على الحكومتين وعلى حزب النهضة الذي جاء مرفوع الرأس بانتخابات لا بانقلاب كما يفعلون.
وبعد هذه الأحداث المثيرة في تونس، بحلوها ومرها، ونفعها أكبر من ضرّها، يأتي من كان معاندا وصارخا في وجه الحق في تونس والمنتقد الأول لرئيس الدولة في تونس ليرشح نفسه للرئاسة، أو يرشحه حزبه ليكون رئيس دولة تونس المقبل، إنها من سخرية القدر أن يتولى حمة الهمامي منصب رئيس الجمهورية، إذ كيف يحكم شعبا أغلب من فيه مسلمون وهو يتصدر العلمانيين في البلاد ومصبوغ بالفكر العلماني الماركسي الشيوعي الذي لا يؤمن بالإسلام دينا؟ وهل لديه العصا السحرية ليحول البلاد إلى جنّة، ويوجد الحلول لكل المشكلات؟ وما هي برامجه التنموية الفائقة السرعة التي ستضرب البلاد شرقا وغربا، شمالا وجنوبا؟ وما تاريخه النضالي ضد الاستبداد والظلم؟ وما تاريخه الفكري والسياسي؟ وهل يتمتع بالكاريزما اللازمة التي تجعله مقبولا عند شريحة من الناس؟ فالأفضل له أن يختبر شعبيته قبل أن يقدم على خطوة ترشيح نفسه للرئاسة لئلا يصاب بإحباط شديد وتأتيه الرياح بصفعة قوية تدمر تاريخه السياسي، من حقه أن يترشح مثل أي مواطن تونسي توفرت فيه شروط الترشح ولكن لا بد كذلك قبل أن يقدم الإنسان على شيء أن يحكم عقله ومنطقه خوفا من الانزلاقات والمتاعب التي قد تجره إلى الويلات.
حمة الهمامي أسطورة الحزب الشيوعي في تونس، قد ينتهي مفعولها بمجرد انخراطه في الاستحقاق الرئاسي، وستظهر عوراتها الواحدة تلو الأخرى، وتنغمس في وحل يصعب عليها الخروج منه، وستضطر حينها الى الاستنجاد بالمنظمات العالمية والمحلية لتجد لها مخرجا مناسبا تحفظ ماء وجهها، إنها مسؤولية لا يقدر حمّة على حملها وسيثبت التاريخ ذلك لأنه كما يبدو لم يتعلم أسرار اللعبة السياسية واتجه نحو المكشوف.