هل سُرقت الثورة المصرية من أهلها؟


بهاءالدين نوري
2014 / 4 / 4 - 12:41     

تقول تجارب التأريخ أن توطيد دعائم النظام الجديد الديمقراطي، إثر الانتصار على القوى الرجعية الحاكمة، أصعب بكثير من إسقاط الدكتاتورية الحاكمة. فخلال السنوات العشر المنصرمة عقب سقوط صدام، وبسبب أخطاء الأمريكيين، تمكنت قوى الإسلام السياسي، التي كانت مدعومة من الأنظمة الحاكمة المجاورة، من الاستحواذ على الحكم عبر صناديق الاقتراع، ومن الحيلولة دون قيام نظام ديمقراطي بديلا عن النظام المنهار. لكن الصراع لا يزال مستمرا محتدما بين القوى والتيارات المختلفة، والحسم بعيد المنال للآن.
وفي مصر ما بعد سقوط حسني مبارك، جرت الأمور على نحو مشابه، مع الفارق في التفاصيل ومع تباين للدور الأمريكي. ورغم أن حركة الإخوان المسلمين في مصر لم تكن سوى الوجه الآخر للعملة المباركية، إلا أن معارضتهم للنظام جعل منهم لاعبا من اللاعبين الرئيسيين في ساحة مصر السياسية، ومكنهم من التأثير على جمهرة غفيرة من بسطاء المصريين المتخلفين فكريا وسياسيا. وعندما جرت الانتخابات الرئاسية في مصر ما بعد الثورة لم يكن من المستغرب أن يفوز مرشح الإخوان رئيسا، وأن يفوز الإسلاميون عامة بأغلبية مقاعد البرلمان. وتوجب على الجميع احترام نتائج الانتخابات، وإن لم يرضوا عنها. لكن استعجال الرئيس الإخواني محمد مرسي في السعي لأخونة المؤسسات ودوائر الدولة أثار سخط المعارضين له من العلمانيين؛ الليبراليين واليساريين، ممن لم يتقبلوا نهج الأخونة. وخاف مرسي وقادة الإخوان من أن يتحيز وزير الدفاع حسين طنطاوي ورئيس أركان الجيش سامي عنان إلى جانب معارضي الإخوان، فوجدوا الحل في عقد صفقة سرية مع عبد الفتاح السيسي ليُعين الأخير وزيرا للدفاع ويُحال طنطاوي على التقاعد.
هكذا جرت الأمور، لكن السيسي كان يضمر مشروعا خاصا به، أن يتربص بالوضع ويستغل اللحظة المناسبة لكي يقفز إلى كرسي الحكم ويحل محل حسني مبارك، مستعيدا تسلط العساكر على نظام الحكم في مصر. وقد حلت اللحظة المنتظرة بعد مظاهرات 30 حزيران (يونيو) في مصر حيث رفض مرسي مطالب المتظاهرين، واستغل السيسي ذلك الرفض ليقوم بالانقلاب العسكري وكأنه منحاز إلى الشعب. ولئن كان من الواضح أن عمرو موسى من أقطاب نظام مبارك وأن السيسي كان من كبار الضباط في جيشه، فلماذا لا نفترض بأنهما كانا، بالتعاون مع أمثالهما، من مهندسي خطة الانقلاب العسكري الهادف إلى انتزاع كرسي الرئاسة للسيسي وإعادة العسكر إلى الحكم؟ بديهي أن لكل نظام أنصاره، الذين يحاولون، بعد إسقاطه، القيام بثورة ردة، دفاعا عن مصالحهم ولاسترجاع الامتيازات المفقودة. وقد أوضحت الوقائع أن الجنرال السيسي لم يأت ليطور الثورة ويحقق الديمقراطية في مصر، بل جاء في ثورة ردة. فلم يكن من قبيل الصدف أن اقترن الانقلاب منذ إيامه الأولى بملاحقة محمد البرادعي، وسجن رئيس حركة السادس من أبريل، وبعض زملائه، فيما عُيِّن عمرو موسى رئيسا للجنة صياغة الدستور. وهل من نظام غير دكتاتوري أرعن، في العالم يصدر حكم الإعدام بجرة قلم قاض مهووس على 529 شخصا من مواطني بلده؟ أليس ذلك وحده كافيا للاستدلال على أن السيسي قاد ثورة الردة؟
صحيح أن في مصر فئة أيدت الانقلاب العسكري إما بسبب عدم فهمها لملابسات الوضع السياسي أو حقدها الشديد على حركة الإخوان، لكن ما لا يقبل الشك هو أن جميع المتعاطفين مع نظام حسني مبارك فرحون بالانقلاب العسكري ومستعدون لدعم زعيم الانقلاب. ومن المؤكد أن الطيبين الذين أيدوا الانقلاب سيندمون، وخير لهم أن يندموا الآن. والمؤسسة العسكرية نفسها، التي كسبت عطف الجماهير الشعبية إبان ثورة يناير، ستجد موقفا مغايرا من غالبية أبناء الشعب تجاهها، بعد أن أخزاها هذا الجنرال، الذي شق صفوف القوى الوطنية، وقد يشق صفوف القوات المسلحة أيضا.
ويتحمل قادة الإخوان مسؤولية كبيرة في تدهور الوضع السياسي بهذه الصورة المأساوية لأنهم وضعوا المصالح الحزبية الضيقة فوق المصلحة الوطنية، ولأنهم كانوا متجهين نحو نظام الحزب الواحد بدلا من الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة، كما فعل زميلهم التونسي الأعقل الغنوشي. كان على مرشد الإخوان، الموجه لمرسي في نشاطه اليومي، أن يقبل بفكرة «الانتخابات الرئاسية المبكرة» كأهون الشرين. لقد كانت حركة الإخوان مغترة زاعمة بأن ما تتلقاه من دعم مالي وفير من لدن أمير قطر يضمن لها البقاء حتى النهاية. لكنها أخطأت في حساباتها، وها هو الشعب المصري كله، وليست منظمة الإخوان وحدها، يدفع الضريبة عن تلك الأخطاء. فهل يتعلم قادة الإخوان دروسا من هذه الأخطاء، وهل يعيدون النظر فيما فعلوا بالأمس وما يجب أن يفعلوه اليوم وغدا؟ إن مصلحة مصر العامة، اليوم، تتجسد في أن يعيدوا، هم، النظر فيما يجب عمله، وكذلك العلمانيون وجميع الشرفاء المخلصين لثورة يناير. ليوحد الجميع موقفهم، كما كان موحدا ضد مبارك، وليصوت الجميع من علمانيين وإسلاميين في صالح مرشح من قبيل حمدين صباحي، ضد السيسي الذي سيصوت له مؤيدو نظام مبارك وإسلاميون حاقدون على حركة الإخوان، وتأكيدا لما سبق، لم يكن من الغرابة في شيء أن يحظى السيسي بدعم من الرئيس المخلوع حسني مبارك قائلا «لا يوجد غيره»، فيما ذكر أن حمدين صباحي لا يصلح لرئاسة البلاد «ولا فائدة تُرجى منه». وكما ذكر حمدين نفسه، فإن ذلك وسام شرف على صدره.
إن جميع المصريين الحريصين على انتصار ثورة يناير، علمانيين وإسلاميين وبين بين، أمثال حزب مصر القوي، مدعوون إلى التعاون والتصويت، للمرشح المنافس للسيسي، ذلكم من مصلحة الثورة حتى في حالة فوز السيسي. لقد فات أوان المصالحة بين السيسي وبين معارضيه من الإسلاميين والعلمانيين، ويزعم الجنرال بأن انتصاره محسوم، لكنه مخطئ في ذلك، وآن الأوان للمصالحة بين جميع الأحزاب والجماعات المؤيدة لثورة 25 يناير. ومن المهم جدا أن يبدأ التعاون منذ الآن، وفي مجرى هذه الانتخابات الرئاسية والنيابية.
إن حركة الشعب المصري الوطنية الديمقراطية في مصر اليوم تختلف عما كانت قبل 25 يناير، فالشبيبة المصرية، التي قامت بثورة 25 يناير، قادرة على تذليل جميع الصعوبات التي تعترض طريق التطور الديمقراطي التقدمي، وستحقق الديمقراطية التي قامت الثورة من أجلها، وسيلحق السيسي بمبارك، ويُلقى به إلى مزبلة التاريخ. والمسألة هي مسألة الوقت وحسب، فالشباب المصري أقوى من السيسي وأقوى من كل حاكم يريد إعادة مصر إلى الوراء، والربيع العربي مستمر في مسيرته شطر الانتصار، رغم كل العراقيل والانتكاسات المؤقتة.