تداعيات الازمة الاوكرانية على العلاقات الامريكية- الروسية الحلقة 2


عودت ناجي الحمداني
2014 / 3 / 29 - 07:48     



خطل العقوبات الغربية
ان العقوبات التي صدرت من الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة الامريكية بحق روسيا الاتحادية هي عقوبات هزيله ولا تعدو كونها ضجيج وزعيق فارغ يعبر عن الاحراج الدولي الذي وقعت فيه الولايات المتحدةالامريكية بسبب الموقف الحدي الذي اتخذته الحكومة الروسية باحترام ارادة شعوب جزيرة القرم وتقديم المساعدة الحاسمه لها في تحقيق استقلالها وانضمامها كدولة مستقله الى روسيا . فالعقوبات التي اتخذت بحق عددا من المواطنين الروس بمنعهم من الدخول الى دول الاتحاد الاوربي وتجميد حركة اموالهم هو انتهاك فض لحقوق الانسان لان هؤلاء المواطنين لم يقررو السياسة الروسية وهم غير مسؤولين عن الازمة الاوكرانيه التي خلقتها المخابرات الامريكية . كما ان طرد روسيا من مجموعة الدول الثماني تثير السخرية . فالدول الثماني لا تقرر مصير الاقتصاد العالمي ودورها لا يتعدى البروتوكولات الدولية.
ان روسيا دولة عظمى ودولة نووية ولها حق الفيتو في مجلس الامن الدولي وتستطيع ان تستوعب كافة العقوبات التي يقدم الغرب عليها وبدورها تستطيع ان ترد على العقوبات بعقوبات اقتصادية وسياسية اكثر ايلاما وضررا. فالدولة الروسية تتمتع بالاستقرار السياسي و بوضع اقتصادي متين وبقيادة سياسية قوية وموحدة وتحتل نسبة 3 بالمئة من الانتاج العالمي, وتشترك بعلاقات اقتصادية واسعة مع الهند والصين والبرازيل ذات الاقتصاديات الفاعلة في الاقتصاد العالمي. ولها علاقات اقتصادية وسياسية وثيقة مع اكثرية البلدان العربية وخصوصا الدول الغنية بالبترول . وروسيا تصدر يوميا اكثر من 12 مليون برميل من النفط ولديها فائض من العملات الصعبة ما يقارب الترليون دولار. كما ان دول الاتحاد الاوربي تعتمد على روسيا في تامين احتياجاتها من الغاز بنسبة 30 بالمائة. ولهذا فان العقوبات الغربية بحق روسيا ستبقى شكلية وهزيلة . فالدول الغربيه لا تستطيع توجيه عقوبات نوعية للاقتصاد الروسي. لان نتائج العقوبات ستلحق خسائر كبيرة بالبنوك و الشركات المالية والصناعية الغربية المستثمرة في روسيا . فلالمانيا وحدها 130 شركة صناعية في روسيا وان التبادل التجاري بين روسيا و الاتحاد الاوربي يزيد على 400 مليار دولار. ولهذا فان العقوبات الامريكية ستكون محدودة لان المزيد منها سوف يكبد الشركات و البنوك الغربية خسائر بمليارات الدولارات. واضافة الى مصالح الدول الغربية في روسيا فان الولايات المتحدة الامرريكية والاتحاد الاوربي لايمكن ان يستغني عن دور روسيا في حل العديد من القضايا الدولية اللاهبة كالازمة السورية والملف النووي الايراني و ملف كوريا الشمالية و القضية الفلسطنية وغير ذلك من القضايا الدولية .
ونستنتج من ذلك من الصعب تهديد روسيا بالعقوبات . فالولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوبي يعيشون في دوامة من الازمات المالية والركود الاقتصادي التي ادت الى تصاعد ديونهما الخارجية . فالديون الخارجية للولايات المتحدة الامريكية تخطت 700 ,17 ترليون دولار في العام 2014. و تنامى العجز في الخزانة الامريكية الى اكثر من 1 ترليون دولار في السنه. وبلغت الديون الخارجية لكل من فرنسا وايطاليا في عام 2008 على التوالي 1.6 ترليون يورو و 1.8 ترليون يورو وارتفعت مديونية اليونان الخارجية الى 350 مليار يورو . واتخذت المانيا الاتحادية اجرائات تقشفية صعبه لمواجهة الازمة المالية التي تتخبط في وحلها.
ونستنتج من ذلك ان روسيا الاتحادية تمتلك كافة القدرات المالية والاقتصادية التي تستطيع ان توجه عقوبات صارمة الى الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد الاوربي. ففي خطوة اولية اصدرت عقوبات بحق عدد من المشرعين والسياسيين البارزين في امريكا ومن المقربين للرئيس اوباما وما زالت تهدد بالمزيد من العقوبات .

الاهمية الستراتيجية لجزيرة القرم
لقد كان احد الاهداف الاساسية من الاطاحة بالرئيس الاكراني المنتخب فيكتور يانكوفيتش هو القضاء على التواجد العسكري الروسي في جزيرة القرم المتمثل بالاسطول البحري في ميناء سيفاستوبول والاستيلاء على الجزيرة بانزال الوحدات العسكرية الامريكية في محاولة لتطويق الدولة الروسية. فالموقع الجغرافي للجزيرة يجعل لها اهمية كبيرة في استيراتيجية الامن الروسي. فتواجد مقر قيادة الاسطول الروسي في البحر الاسود في جزيرة القرم يعود لاكثر من 200 عام. وشبه جزيرة القرم في الاصل هي جزيرة روسية ونسبة مواطنيها من الروس 60% . وتشكل الجزيرة لروسيا بوابة مهمة للانطلاق الى المياه الدافئة في البحر الابيض المتوسط وتؤمن لها الاتصال بالقاعدة الروسية في ميناء طرطوس في سوريا. فالاسطول الروسي في قاعدة سيفاستوبول يضم 300 سفينة حربية ويعمل في القاعدة 26 الف عسكري روسي. ولهذا فان الجزيرة تحضى باهمية كبيرة الى روسيا . كما ان للجزيرة اهمية تاريخة تتمثل باحتضانها الاجتماع الدولي لرؤساء الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية في عام 1945 وهي امريكا وبريطانيا والاتحاد السوفيتي في احد مدنها يالطا.

ومن الناحية الاقتصادية فان جزيرة القرم التي تبلغ مساحتها 26 ألف كم2 تتمتع بثروات طبيعية مهمة كالبترول، والفحم الحجري، والغاز الطبيعي، والنحاس، والحديد، والمنغنيز، والرصاص ، كما تتمتع بثروة زراعية متنوعة مثل: القمح، والفواكه، والشوفان والشعير والبنجر السكري وتنتج كميات كبيرة من الفاكهه والخضر. ويتدفق فيها كميات كبيرة من المياه المعدنية مما يؤهلها لبناء اقتصاد متنوع و متعدد المصادر.

الاستناجات
1-بالرغم من ان الازمة الاوكرانيه هي ازمة داخلية نفخت في تفجيرها العوامل الخارجية , فانها اتسعت والقت بتداعياتها على العلاقات الامريكية والروسية ودول الاتحاد الاوربي . فاشتعلت بينهما حرب العقوبات التي تثير قلقا دوليا من اشتداد الصراع وتداعياته على الساحة الدولية . ومما يخفف حدة الصراع وتداعياته ان الدولتين الجبارتين روسيا وامريكا اعلنتا عن قناعتهما بالحل السياسي والدبلوماسي للازمة وهو ما ينعش المناخ السياسي الدولي ويعبر عن رغبة الاطراف المختلفة في الوصول الى حلول دائمة للازمة.
2-ثبات الموقف الروسي في دعم استقلال جزيرة القرم في المفاوضات الدولية سواء مع الولايات المتحدة الامريكية او مع دول الاتحاد الاوربي فاستقلال القرم اصبح واقعا و حقيقة لا رجعة فيها بتوقيع الرئيس بوتن في 22/3/2014 مراسيم الاعتراف باستقلال الجزيرة وانضمامها الى روسيا الاتحادية.
3-اثبت تطور الازمة الاوكرانيه وتداعياتها بروز روسيا كقطب دولي مؤثر في الساحة الدولية وليس باستطاعة الولايات المتحدة الامريكية الانفراد بقيادة العالم وفرض ارادتها .وما يدعم هذا الاستنتاج دور روسيا في الازمة السورية .
4-اظهرت الازمة الاوكرانيه للعالم الوجه القبيح للادارة الامريكية وزيف ادعائها بحقوق الانسان . فقد ايدت استقلال جنوب السودان وسراييفو وتيمورالشرقية باعتباره حق من حقوق الانسان ولكن تنتهك هذا الحق وتدوسه في شبه جزيرة القرم وفي فلسطين .
5- بامكان روسيا ان تتخذ عقوبات شديدة بحق اوكرانيا بسبب حكامها الجدد المعادين لها مثل الغاء تخفيض اسعار الغاز الذي تستورده اوكرانيا من روسيا والذي يوفر لها نحو 400 مليار دولار في السنة وغلق الاسواق الروسية بوجه الصادرات الاوكرانيه و طرد العمالة الاكرانية من روسيا والمقدرة باكثر من 3 ملايين عامل.
6- ادى الموقف الروسي المتصلب تجاه الولايات المتحدة الامريكة والاتحاد الاوربي الى كسر الغطرسة الامريكية وانعش المزاج العالمي بامل اعادة التوازن الدولي المفقود منذ تفكك الاتحاد السوفيتي.

وتشير كافة الدلائل فان استقلال جزيرة القرم وانضمامها الى روسيا غير مدرجة على جدول اعمال اللقاءات والمفاوضات المزمع اجراؤها بين روسيا والولايات المتحدة الامريكة وحلفائها الاوربيين بشأن الازمة الاوكرانية وانما ستتركزالمفاوضات على العلاقة الروسية الاوكرانية ومصالح الدولة الروسية في اوكرانيا والاخذ بالاعتبار المصالح الغربيه باوكرانيا ومناقشة مصير المناطق الشرقية في اوكراينه التي تشهد تظاهرات احتجاجية عارمة ضد السياسات الشوفينية للحكام الجدد في اوكرانيا وضد السياسة الامريكية المعادية لمصالح اوكرانيا..