تصريح رئاسة اقليم كردستان جعل من المالكي وليا لدم الأكراد


بهروز الجاف
2014 / 3 / 27 - 19:08     

لم اشأ أن اخوض في هذا الموضوع، لقناعتي بأن قتل الصحفي محمد بديوي الشمري, لم يكن بسبب عمله الصحفي، ولا لكونه أكاديميا، وليست للحادثة صلة بالسياسة، ولا بالعنف العرقي، ولا الطائفي، بل هي حادثة جنائية يمكن للمحكمة أن تفصل فيها. ولم يجر في خلدي أن أعلق على هذا الموضوع، ولا على ما صرح به رئيس الوزراء نوري المالكي اثناء وقوع الحادث، وفي موقع الحدث بالذات, وهو تصريح لم يكن له ما يسوغه، ولكن ما صرح به مصدر في رئاسة اقليم كردستان، في ردها على تصريح رئيس الوزراء، هو ما اثارني لحجم الخيبة التي نمر بها، وخصوصا والقضية قد انحرفت الى كلام في الدم، وولاية الدم، والدم بالدم، سواء دم الشمري أو دم الكرد، لافرق، وسواء جاءت على لسان المالكي أو رئاسة الاقليم.
ففي يوم السبت، الثاني العشرين من الشهر الجاري، قَتل أحد ضباط الفوج الرئاسي العراقي، الصحفي والاكاديمي محمد بديوي الشمري، بسبب عدم توقفه عند سيطرة الفوج. وفي أثناء الحادث طوقت قوات عسكرية تابعة لقوات عمليات بغداد المقر الرئاسي، بأمر من القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، نوري المالكي، وحضر القائد العام، بنفسه، الى موقع الحدث وجثة القتيل مازالت في موقع الجريمة. استغل الصحفيون وجود القائد العام وطرحوا عليه الاسئلة، كان رد المالكي مقتضبا، ومثيرا، وأدى الى ردود أفعال مختلفة. قال رئيس الوزراء: (إنّ دم الشهيد في عنقي, وأنا ولي الدم, وكل من له صلة بهذه الجريمة يجب أن يمثل أمام القضاء, والدم بالدم.)، ولأن القاتل كان كرديا، والقتيل عربيا، أخذ تصريح المالكي أبعادا سياسية، وتوجهات عرقية، لبعض من سياسيي الخيبة السائدين في عراق اليوم، وفي الصحافة، ووسائل التواصل الاجتماعي.
في الحقيقة، يجب الافتراض بأن العراق، كدولة ونظام حكم، دخل حقبة جديدة، بعد عام 2003، تضمنت البدء بتأسيس دولة مدنية يحكمها الدستور، وتُفصل فيها السلطات، ويسود فيها القانون، وتُنتهج الديمقراطية، والتداول السلمي للسلطة، كمظهرين اساسيين من مظاهر بناء دولة مؤسسات لغرض أن يلعب العراق دوره الايجابي، في خدمة الانسانية، بما يتناسب وعظم حضارته، وثرواته الطبيعية، والبشرية. بقي هذا الافتراض حلما عرقلت، وتعرقل، تحقيقه دماء تسال يوميا، حتى صار الدم المظهر الأكثر رسوخا في عيون العراقيين. وربما كانت للسلطة، ومن عارضها بالسلاح، ومن أباح الدم بدوافع عنصرية، أو دينية، أو طائفية، اليد في جريان الدم، بشكل مباشر أو غير مباشر، دون أن يلوح في الافق أمل في ايقاف نزيفه. ولهذا، فان ذكر الدم، وولاية الدم، والدم بالدم، بات أمرا طبيعيا، في العراق. وفي الحقيقة، أيضا، لابد من الاشارة الى ان بعض المشرعين المسلمين يحمّلون) الامام الحاكم) مسؤولية ولاية الدم، ولكن آخرين لايجيزها الا بطلب من ولاة الدم الاصليين، أي ذوي القربى للمجني عليه، وفي كلتا الحالتين لايمكن أبدا، وبأي حال من الأحوال، قبول التحدث عن ولاية الدم في دولة يفترض بها أن تكون مدنية وديمقراطية. لانريد هنا أن نفترض الاسباب التي دعت السيد رئيس الوزراء الى التدخل الشخصي، والحديث عن الدم، وعدم اتخاذه لاجراء مشابهه في حالات مناظرة عديدة، منذ ثمان سنوات، ولحصاره فوجا عسكريا تابعا لتشكيلات القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية، التي هي تحت امرته هو، لأن القضية بدأت تأخذ مجراها الطبيعي من خلال اعتقال الضابط المتهم وما سوف يلي ذلك من تحقيق جنائي، وما الى ذلك من اجراءات، وغلق أفواه المستغلين للحادثة سياسيا، من عرب وكرد، وخفوت التشنج الآني الذي بان على الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي.
ان تصريح رئاسة اقليم كردستان، بعد ثلاثة أيام عن الحادث، كان الخيبة، والطامة الكبرى، وياليته لم يصدر، اذ لم يكن له مايسوغ صدوره، لأن الحادث وقع في بغداد، وليس للاقليم علاقة به، اللهم الا اذا قلنا بأن المتهم من سكنة الاقليم. ان الخطأ الذي وقعت فيه رئاسة الاقليم من خلال تصريح مصدرها لايغتفر، اذ رَبطَت الحادث، رسميا، ولأول مرة، بتبعية الجاني والمجني عليه القومية، وهو مالم يتم التطرق اليه، رسميا، في بغداد.
ان ماتفوه به المالكي أملته عليه، على مايبدو، تربيته الحزبية الاسلامية، ونشأته الاجتماعية العشائرية، وعدم تجانسه مع واقع الدولة المدنية، ودولة القانون، بعد ثمان سنوات شغل فيها اعلى سلطة تنفيذية، في قوله بالثأر، من خلال قوله بأنه ولي الدم، والدم بالدم، الا ان مالايعقل، كذلك، أن يأتي رد الاقليم من منطلق قومي، اذ كان يمكن للاقليم أن يكون أكثر تحضرا ويطالب باحالة القضية للسلطة القضائية لتقرر ماتراه حقا، وباستقلال تام، دون التطرق الى الحساسيات القومية التي لم يكن لها مايبررها.
جاء في تصريح رئاسة اقليم كردستان: (فمن يتحمل دم 5000 شهيد في حلبجة، و182000 من ضحايا الأنفال، و8000 بارزاني، و 12000 كردي فيلي؟) و (إن الشعب الكردي مع تضحياته الجسام، ولأجل بناء حياة جديدة مفعمة بالأمل، لم يقل في أية لحظة : " الدم بالدم ".)، فهل، فعلا، لم يطالب الكرد بدماء ضحاياهم التي أشير اليها في التصريح؟ كلا، لقد طالبوا وطالبوا، وطالبوا، كشعب، وقالوا كلمتهم بالثأر، أيضا، في انتفاضة عام 1991، وبعد عام 2003 طالبوا بالدم، من خلال القانون، في بغداد، وجرت محاكمات عادلة لمن تسبب في ضرب حلبجة بالسلاح الكيمياوي، ودفن 182000 مؤنفل في مقابر جماعية، وابادة 8000 بارزاني، وتسفير الكرد الفيليين و ارسال مصير 12000 من شبابهم الى المجهول، لابل ان من وقّع على تنفيذ حكم الاعدام في صدام حسين هو نوري المالكي، وليس الرئيس الكردي جلال الطالباني الذي امتنع عن ذلك بحجة مبدأه الرافض لاصدار أحكام الاعدام. مما لاشك فيه، ان المطالبة بالدم حق مشروع، لذوي الضحايا، يتبناه القضاء، وتنفذ قراراته السلطة التنفيذية، بموجب القانون.
حسنا، فلنأتي على صلب الموضوع، فاذا كان قد حوكم من أجرم بحق الشعب الكردي، في محاكم خاصة في بغداد، وانزل القصاص به، فان حكومة اقليم كردستان لم تحاكم، ولن تحاكم، من أجرم بحق الكرد، من الكرد، في تلك العمليات.
منذ عام 1992، حين تشكل برلمان الاقليم، وتشكلت حكومته، لأول مرة، لم تجر أية محاكمة، سواء في حضور المتهمين أو في غيابهم، لأي ممن اتهموا بقتل وابادة الشعب الكردي، من الأكراد، في العمليات التي ذكرها تصريح رئاسة الاقليم، بل العكس كان صحيحا، اذ التزمتهم الاحزاب الكردستانية، وجعلت بعضهم قادة حرب في الحرب الاهلية بين عامي 1994 و 1998، وحتى من قُتل منهم فيها عد شهيدا، ومنهم من عد شهيدا قياديا بمنزلة، وحقوق، أعلى من شهداء السواتر المشهود لهم بالقيادة والبطولة، من الذين سقطوا في نضال طويل، مرير، قبل عام 1991، وأكثر من ذلك، أيضا، حيث جرت تبرئة المتهم الأكبر، صدام حسين، باستقدامه لمدينة أربيل، فاتحا، ظافرا، في عام 1996 لقتل الأخوة الاعداء. وحتى بعد أن اصدرت المحكمة الجنائية الخاصة بمحاكمة المتهمين بعمليات الأنفال، في بغداد، حكما باعتقال قادة أفواج المرتزقة الخفيفة، من الاكراد، الذين ثبتت مشاركتهم في عمليات الابادة الجماعية، ورغم مطالبة ذوي الضحايا، ومنظمات المجتمع المدني في الاقليم، المتكررة، باعتقالهم، وتقديمهم للعدالة، لم تلتزم حكومة الاقليم بقرار المحكمة، بل وخذلت ذوي الضحايا، وتمادت أطراف بعينها أكثر من ذلك، من خلال استخدام اولئك القادة، الذين يُسمّون، في كردستان، برؤساء الجحوش، في خداع الرأي العام، والجيل الجديد، باظهارهم في مقابلات تلفزيونية، واعلامية مختلفة، يسيؤون فيها، بشكل مبرمج، وبكل وقاحة، الى الثورة الكردية، ورموزها، لصالح تلك الاطراف. واذا كان لابد من الكلام عن ولاية الدم، والحالة هذه، فان الاستنتاج من قراءة تصريح رئاسة اقليم كردستان هو الايحاء الواضح بأن رئيس الوزراء نوري المالكي كان وليا لدم الاكراد، في تنفيذه لقرارات المحاكم التي أدانت من شارك، ونفذ، عمليات التطهير العرقي ضد الكرد، اثناء فترة حكم صدام حسين، واذا لم تدّع رئاسة الاقليم بأنها ولية لدم الكرد، فسكوتها كان أفضل.