تداعيات الازمة الاوكرانيه على العلاقات الامريكية- الروسية


عودت ناجي الحمداني
2014 / 3 / 27 - 13:33     


اندلعت الازمة الاوكرانيه عندما رفض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش مطلب المعارضة اليمينية بانضمام اوكرانيا الى الى الاتحاد الاوربي وقبوله المساعدة الروسية كبديل للقروض الغربية المشروطة بوصفة صندوق النقد الدولي. وقد سبق لاوكرانيا قد طلبت من الغرب قرضا بقيمة 20 مليار, غير ان الدول الغربية المهيمنة على صندوق النقد الدولي ربطت تقديم القرض بشروط سياسية واقتصادية ومنها اطلاق سراح السجينة اليمينية يوليا تيموشينكو.
ان روسيا تدرك جيدا ان جذور الازمة في اوكرانيا هي ازمة اقتصادية قبل ان تكون ازمة سياسية . فمنذ ان استقلت اوكرانيا في عام 1991 على اثر تفكك منظومة دول الاتحاد السوفيتي انحدرت الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية فيها نحو التدهور المريع كنتيجة لتطبيق سياسة اقتصاد السوق والخصخصة الراسمالية وهيمنة الشركات الاجنبية على الاقتصاد, وبذلك دخلت اوكرانيا في ازمة اقتصادية متعددة الاوجه. فالعجز والتضخم وتدهور الانتاج وتزايد الواردات السلعية ادت الى استنفاذ رصيدها الاحتياطي من العملات الصعبة واضطرت الدولة الى الاستدانه الخارجية فبلغت مديونيتها الخارجية في العام 2013 اكثر من 21 مليار دولار. وبمقابل الشروط المذله التي فرضتها الدول الغربية
لحصول اوكرانيا على القرض المالي اعلنت روسيا عن تقديم مساعدة غير مشروطة الى اوكرانيا , فخفضت سعر الغاز المصدر اليها من روسيا بنسبة 35 بالمئة مما يوفر لها 400 مليار دولار في العام, و بشراء سندات دين الحكومة الاوكرانيه بقيمة 15 مليار دولار. وفتحت اسواقها لاستقبال البضائع والسلع الاكرانيه بالرغم من نقصها لمواصفات الجودة العالمية . والى جانب ذلك يعمل في روسيا 3 ملايين عامل اوكراني يحققون دخولا نقدية لا تقل عن 20 مليار دولار في السنة . وقد قامت روسيا بهذة الاجراءات من اجل مساعدة اوكرانيا على تجاوز ازمتها .
غير قوى المعارضة المتطرفة بتحريض امريكا والاتحاد الاوربي اصرت على تاجيج الازمة ونفخها باستخدام السلاح وقتل العشرات من الشرطة و المدنيين , واقدمت على عزل الرئيس المنتخب ومنعت استخدام لغة الام للمواطنين الروس التي تبلغ نسبتهم اكثرمن 60 بالمئة في شبه جزيرة القرم واكثر من 22 بالمئة في الجمهورية الاوكرانيه و جرى التضيقق على الكنيسة الاثردوكسية الشرقية. ان اللغة الروسية في اوكرانيا لغة اساسية ويتحدث بها نحو 85 بالمئة من الاوكرانيين .

ان الولايات المتحدة الامريكية خلقت الازمة في اوكرانيا وما زالت تعمل على ادامتها وتستمر في تضليل الراي العام الدولي حول ما يسمى بالتدخل الروسي في شبه جزيرة القرم في محاولة للتغطية على مشاريعها واطماعها الرامية الى الهيمنة على اوكرانيا وجعلها محمية امريكه لتطويق الدولة الروسية بقواعد حلف الناتو المزمع اقامتها على الارض الاوكرانيه والضغط على الحكومة الاوكرانيه لطرد الاسطول الروسي المقيم في جزيرة القرم منذ اكثر من 200 عام وفقا للمعاهدة الموقعة بين روسيا الاتحادية وحكومة اوكرانيه السابقة والتي يقدم بموجبها الروس 7 مليارات دولار سنويا كايجار للقاعدة البحرية في ميناء سيفاستوبول .
ان العالم يجب ان يعرف جيدا ان جزيرة القرم في الاصل هي جزيرة روسية . وقد جرى ضمها الى اوكراني في عام 1954 بدون ارادة شعبها بامر زعيم الاتحاد السوفيتي نيكيتا خروشوف. غير تفكك الاتحاد السوفيتي بفعل خطط كورباجوف الاصلاحية ادى الى استقلال اوكرانيا في عام 1991 . واصبحت شبه جزيرة القرم جمهورية تتمتع بالحكم الذاتي.

لقد دعمت الولايات المتحدة الامريكية و الاتحاد الاوربي القوميين المتطرفين في اوكرانيا بهدف اقامة حكومة اوكرانيه لتحقيق اهدافهما الستراتيجية ومنها:
1- ربط اوكرانيا بحلف الناتو لزرع القواعد العسكرية والتجسسية بالقرب من حدود الدولة الروسية.
2- تقليص النفوذ العسكري و السياسي لروسيا الاتحادية في هذة المنطقة التي تعتبر منفذا مميزا على البحر الاسود.
3- الهيمنه السياسية والاقتصادية على اوكرانيا وربطها في فلك السياسة الامريكية كما هوحال دول الكتلة الشرقية السابقة .
4- اصلاح الاقتصاد الاوكراني وفقا لرؤية صندوق النقد الدولي وتحويله الى قطاع مستهلك ومستورد للسلع والبضائع الغربية.
5- اغراق الدولة الاوكرانيه بالديون الخارجية لتعميق تبعيتها الاقتصادية والمالية للبدان الغربية الدائنة.
6- تعميق نهج الخصخصة في كافة المجالات لخدمة الشركات الاحتكارية و بيع قطاعات الدولة الاقتصادية والخدمية للقطاع الاجنبي.

لقد ادى النهج القمعي للسطات الجديدة في اوكرانيا الى تعقيد الاوضاع السياسية والاقتصادية والامنية واضطر الاف المواطنين للهرب من الجحيم الى الدول الاخرى وطلب اللجوء والاستقر فيها. فسياسة الحكام الجدد تقوم على عدم الاعتراف بالاحزاب الوطنية وقمع الحريات الديمقراطية واثارة نزعة التعصب القومي و الثار والانتقام بين المجموعات العرقية واطلاق العنان للمجموعات النازية ان تعبث بما تشاء لترهيب الشعب الاوكراني واخضاعه للقبول بارادتهم.

وفي خطوة تصعيدية لاستفزاز روسيا وارتماءا باحضان الامبريالية الامريكية طلب حكام اوكرانيا تدخل قوات الناتو ومساعدتهم في قمع ارادة شعب جزيرة القرم المطالب بحق تقرير المصير .

ان نتائج الاستفتاء الشعبي لجزيرة القرم التي بلغت فيها نسبة المشاركة بالتصويت 80 بالمئة و نسبة المصوتين على الاستقلال عن اوكرانيا 97 بالمئة , بحضور منظمات ومراقبين دوليين من بينهم 70 صحفيا من الدول الغربية , يظهر مدى تعطش شعوب جزيرة القرم وتطلعها الى الاستقلال باعتباره حق مشروع يكفله القانون الدولي وفقا لمبدا ( حق الشعوب في تقرير مصيرها) الذي تقره هيئة الامم المتحدة. وهناك سوابق تاريخية تؤكد هذا الحق الذي اقرته الامم المتحدة كاستقلال جنوب السودان وانفصال كوسوفا عن يوغسلافيا وانفصال تيمور الشرقية عن اندنوسيا.
ان الولايات المتحدة الامريكية و الدول الراسمالية القابعة في ظلها تنظر الى الاستقلال بما يحقق مصالحها. فقد ايدت الدول الغربية وامريكا استقلال جنوب السودان واستقلال سراييفو وتيمور الشرقية. ووقفت بالضد من استقلال جزيرة القرم وتنكرت لحق شعوب الجزيرة في تقرير مصيرها واستقلالها .
وعليه فالحكومة الاوكرانيه المدعومة بقوة من الولايات المتحدة الامريكية هي نمزذج للحكومة الفاشية التي صنعتها المخابرات الامريكية في تشيلي واطاحت بالزعيم الوطني سلفادور الندي في السبعينات.