العاصفة تقترب والابواب مشرعة


جورج حزبون
2014 / 3 / 23 - 00:39     

تتجمع الغيوم مؤذنة بعاصفة ، والتوقيت لم يكن بحاجة الى عراف ، نهاية المفاوضات زمنا ، وخطة كيري مشروعا، والوضع العربي المازوم قائما ، والتوقعات سلبية ، واسرائيل تتوعد وتهدد ، واميركا تنذر ، والشعار الفلسطيني الثبات ، ولا تفريط ، والتمسك بالثوابت ، لكن ما السبيل ، فليس بالخبز وحده يحيا الانسان ! ان كانت الحكومة الفلسطينية تعتقد ان حفاظها على دفع الرواتب في مواعيدها متراس وطني وكفى ، فقد باءت بالفشل ، وان كانت اللجنة التنفيذية تستند الى الحائط باعتباره موقف ، فقد غفلت عن الواقع ، وان كانت القيادة تعتبر ثقة الشعب تسندها وتقاتل بها ، فقد اضاعت البوصلة .
لقد اصبح الوقت ضيقا ، كما وان العدو باشكاله والوانه خطط جيدا ، والوضع العالمي مع احداث القرم اخذ بعدا اخر واكثر اهمية من قضية انتظرت مائة عام ويمكن ان تنتظر بعض الوقت فلا باس ، فلربما تفرز حالة استقطاب عالمي جديد في العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين ، فالنظام العالمي التي امتطه اميركا مطلع القرن ، قضي امره ، والمعادلات العالمية تحاول تلمس وضعيات جديدة منذ سنوات ، والازمة الاقتصادية صاحبة الاولوية في القرار وليس العسكرية ، فقد تراجعت العسكرة خطوة للخلف ، ولم تعد تتمكن من الاتيان بدور خارج الاقتصاد ، وان كان لا بد من صدام فليكن بالوكالة حسب التجربة اللبنانية والسورية والعربية عموما ، وهذا يحتاج الى تحالفات اقليمية ، لاسرائيل الامتياز الاولى في المنطقة ، ولذلك فهي صاحبة قول ولا صوت يعلو فوقه.
يقول ارسطو ، ان اردت ان تعرف ما بداخل حبة الجوز اكسرها ، هكذا تماما ما تم في الساحة الفلسطينية ، كسرنا غلافنا وشرعنا ابوابنا ، والعاصفة على الابواب ، لم نحصن بيتنا ، وتبادلنا الاتهام ، وجعلنا شعبنا يفقد الثقة بقيادته ، او يتشكك ، فلماذا الان ؟ ان كان هناك من يعتقد ان الممارسات الشخصية والخطايا لم تكن معروفة فهو واهم ، فقد ظل الناس كاظمين الغيظ باعتبار الاولوية لمقارعة الاحتلال وضرورة التخلص منه ، فهذه الارض تتاكل والناس تعذب والمقابر فاضت والسجون امتلاءت ، ولتبقى كل الانظار والطاقات نحو الهدف ، وان اي تبديد للقدرات يصب في مصلحة الاحتلال وبقائه، ويجب ان يكون واضحا ان تطاول الاحتلال ليس مرتبطا بالمفاوضات ، فهم مدركون نتيجتها من حيث هي قرارهم ، ويواصلون الاستيطان والتهويد ، والقتل والمضايقة للناس ذلا وذبحا وافتعال ازمات والعودة لسياسة الحواجز ، وكلها ثمرة ادراكهم بنزعتهم الفاشية انهم يمكن ان يحققوا شيئا ولو على الارض ! فليس تكرار الاردن بشكل مستمر رفض الوطن البديل صدفة ، وليس صدفة ان تحضر طائرة خاصة اردنية لنقل الرئيس ابو مازن لعمان لتوقيع وثيقة حول مقدسات القدس ؟! خلال ساعات ، ما الامر ؟ لماذا لا تشهر اية معلومات للشعب ؟ فان كان الشعب هو الذي يدفع الثمن في كل الاحوال فلماذا لا تكون الحقائق امامه ، لماذا التوتر الاجتماعي مع الاردن ، واضح ان المفاوضات ليست مجرد جلسات لا صوتية ! فقد جرت خلالها امور ، من تهديد الى مناكفات ، لكن كان هناك شيء ؟!
المناكفات في حركة فتح ، ليست اخر الدنيا ، فهذه الحركة يتخللها باستمرار مفاصل ، بداءت مبكرا من صبري البنا الى انشقاقات عسكرية وسياسية عديدة ، فهي حركة تحرر وطني ، يمكن التكتل فيها ، وليس لها ايديولوجيا محددة ، وللانظمة العربية فيها مندوبين ، وقد فقدت الحركة الكثير من استقلاليتها على مبح الارضاء لهذا النظام اوذاك ، والكثير من كوادرها التصق بهذه الدولة وغيرها لتحسين مكانته ونفوذه ، فاصبح الانفلاش ظاهرة ، والاستزلام والديمغوجيا مظهرا ، حتى الخطاب السياسي بدا عاجزا طالما تحابى مع الانظمة واقترب منها ليحاول ان يكون نظاما عربيا اكثر من ثورة على طريق الاستقلال ، ولعل هذا ما حول السلطة الفلسطينية الى فناء الدبلوماسية والمظهرية على حساب الثورة ، فضاع الاثنان ، ووقفنا امام العالم نتبادل المهاترات في زمن يفترض الاستعداد لترميم البيت قبل العاصفة الواقفة على الابواب .
وتتحمل كافة التنظيمات الفلسطينية بلا استثناء مسؤلية الحالة الراهنة ، فلا يكفي ان يصدر بيان هنا اوموقف هناك ، فم تستطع كل التنظيمات ان تقدم اطارات ثورية جماهيرية ، ناهيك عن انها جميعا اضحت اطر ضيقة ، دفعها هذا فقط لمحاولة تبدو جدية لنداء وحدة يسار ، لكنه عبثيا الان ، فالجماهير منفضة عن الالتحاق التنظيمي ، والاطر الجماهيرية كيانات بيروقراطية فهلوية ، والمنظمات الدولية مدركة لهذا الواقع ، وتمارس معه دورا تشجيعيا الهائيا ، فلا باس من بعض المال ان استطاع ان يحرف طريق النضال الى درب الادارة والرحلات وتذوق العسل !! ومع هذا تتنافس الاطر المختلفة التباهي والاستفادة من هذه الحالة التي افرغت كل مضامين الكفاح ، والتي لم تعد تطلق سوى مقولات التزاحم والتزيف .
قال ابو عمار بعد الخروج من بيروت 1982 ، هذا الزمان الرديء، ويبدو انه تكررمع كبوة ، الخروج منها فقط برفع شعار : كل الحقيقة للجماهير ، والتوجه الى جبهتنا الوطنية ، منظمة التحرير الفلسطينية ، كما هي عليه ، وبدون اية محاولات تجميلية ، فلندعها تصوب ذاتها بجماهيرها التي حمتها دائما ودافعت عنها ، هي فقط الاطر المؤهل لحمل المرحلة ، وهو القادر على انهاض الحركة الوطنية الفلسطينية بكل مكوناتها وطنية ويسارية وعلمانية وكهنوتية ، فالوطن اولا ، وحين هاجم النازيون روسيا كان نداء ستالين ، هبوا للدفاع عن الوطن ، ولنخرج من عنق الزجاجة ، فلا نغرق في ازمات فتح ، ولا اشكاليات اليسار او الاسلامويون ، ولتتوقف محاولات جر شعبنا نحو الشخصنة والولاءات الفردية ، فالعاصفة تقترب .
الحقائق عنيدة ، فتمسك الشعب الفلسطيني بوطنه اكبر كثيرا من امكانية تضليله عن حقه في وطنه ، قد يفقد ثقته باي من قياداته او بها جميعا ، الا ان تمسكه بوطنه اشد صلابة ، وهنا يجب الانتباه الى ان اسرائيل تردد هذه الايام مقولتين ، احداها ان الانتفاضة الثالثة متوقعة ، والخيار الثاني ان العمليات المتزايدة والتي تجري في الاونة الاخيرة فردية ، وهي لا تدرك ان الشعب لا يحتاج ان خسر قيادة او خذلته ان يستمر في الدفاع عن قضيته بما تيسر له ، وتلك قوانين الحياة ، خاصة وان الفلسطينين يشاهدون حولهم ما هو جار في البلدان العربية التي اغوتها مؤثرات حرفت نضالها فاضاعت اوطانها ، فلن يعود التاريخ الى الخلف مرة اخرى فلا وطن للفلسطينين غير قدسهم وحرمها .