التعاون البحثي بين الدول العربية والدول الأوروبية


مصطفى العبد الله الكفري
2005 / 7 / 6 - 11:57     

مركز الدراسات العربية والإسلامية في جامعة اكستر - المملكة المتحدة
أصبح البحث العلمي اليوم عملاً جماعياً تعاونياً، تنهض به الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية العامة والخاصة، كما تنهض به وزارات ومؤسسات الدولة والمنظمات الوطنية والقومية والدولية. وثمة بحوث تتم بالتعاون بين الدول ومنظماتها وجامعاتها. فما أحرانا نحن العرب ـ أن نقيم مراكز بحثية وطنية وقومية، وان نتعاون مع باحثي الأمم ومؤسساتها البحثية وبخاصة الجامعات الأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية لنفيد ونستفيد في هذا المضمار.
إن التعاون البحثي بين الدول العربية والدول الأوروبية يسهم في تطور اوجه وأشكال التعاون الأخرى التي تؤدي في النهاية إلى زيادة تقدم ورفاه شعوب المنطقة وحماية السلام فيها.
بدأ الاهتمام بالدراسات العربية والإسلامية ودراسات الشرق الأوسط في جامعة اكستر منذ عام 1971 ، وأضحت جامعة اكستر واحدة من المراكز المتخصصة في البحث والتدريس في هذا النوع من الدراسات .
وقد تم إحداث مركز دراسات الخليج العربي في عام 1978. نظراً لما لهذه المنطقة من أهمية عالمية كبرى. وفي عام 1999 تم إحداث مركز الدراسات العربية والإسلامية ليكون شاملا يتضمن قسم دراسات الخليج العربي وقسم الدراسات العربية ومنطقة الشرق الأوسط . واستمر برنامج الدراسات المتخصص بالقضايا العربية وقضايا الخليج العربي كوحدة دراسية بحثية مستقلة.
تتكون الهيئة التدريسية في مركز الدراسات العربية والإسلامية من عشرة أساتذة متفرغين
للعمل في المركز، إضافة إلى إمكانية الاستعانة بالخبرات والزملاء أعضاء الهيئة التدريسية في جامعة اكستر، كما يتلقى الدعم من عدد من الباحثين وبخاصة الذين حصلوا على عضوية الشرف في المركز .
وللمركز علاقات طيبة مع المنظمات الدولية والجامعات ومراكز البحوث العالمية . ويتابع الدراسة في المركز طلاب من عدد من دول العالم وذوي أرضيات ثقافية متنوعة . وهذا يعني أن المركز يمثل مجتمع بحثي متنوع ومتعدد الخلفيات الفكرية والثقافية .
كان مقر المركز موجوداً في بناء المكتبة القديمة في جامعة اكستر ، وتبدو عليه الملامح العربية والإسلامية . وتحتوي وحدة التوثيق التابعة لمركز الدراسات العربية والإسلامية أرشيفاً كبيراً من الإصدارات الرسمية الحكومية وغير الحكومية من كافة دول المنطقة ومختلف الدراسات والتقارير والإحصائيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وعدداً كبيراً من الدوريات العربية والأجنبية بلغات مختلفة ( عربية ، إنكليزية ، فارسية ، روسية ، فرنسية، وغيرها ). وهي متاحة لكافة الباحثين ومن مختلف دول العالم داخل مبنى الوحدة التوثيقية في المركز.
ينظم المركز مؤتمراً دولياً واحداً على الأقل في كل سنة . كما ينظم بشكل مستمر ومنتظم حلقات بحث ( سيمنار ) وبرامج علمية ، إضافة إلى حلقات النقاش والحوار التي ينظمها مجموعات من كوادر المركز وطلابه .
ويصدر المركز مجلة ( الدراسات العربية الحديثة ) وعدد من الأبحاث ضمن سلاسل محددة كما يتم نشر أعمال المؤتمرات والأبحاث التي تتم مناقشتها .
ومع بداية شهر حزيران من عام 2001 تم انتقال المركز إلى المبنى الجديد في حرم جامعة اكستر، والذي تم بناءه بمساعدة مالية كبيرة من إمارة الشارقة. ويتضمن المبنى الجديد مساحات أوسع للدراسة وعدد أكبر من المكاتب وقاعات للمحاضرات أكثر وأكبر إضافة إلى قاعة مؤتمرات وقاعة معرض دائم ، كما يحتوي على مجموعة أشرطة للأفلام العربية ، ومطبوعات وتسهيلات كمبيوتر كبيرة ، مما يتيح للأساتذة والطلاب إمكانية استخدام التكنولوجيا الحديثة في أبحاثهم وكذلك في تعلم اللغة ، مع إمكانية استخدام تسهيلات المحطات الفضائية .
يقبل المركز عادة للدراسة الجامعية حوالي 15 - 20 طالباً سنوياً. يخصص لكل واحد منهم أستاذ يهتم بشؤونه ويقدم له النصائح في حياته الأكاديمية وغير ذلك من المسائل الأخرى، وبذلك نلاحظ الاتصال المستمر والمنتظم بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. وهذا يشجع الطلبة على الاندماج في حياة المركز اليومية.
كما يقبل المركز سنوياً عدداً من طلاب الدراسات العليا لنيل درجة الماجستير والدكتوراه في تخصصات متنوعة، مثال ذلك:
 ماجستير في دراسات الشرق الأوسط،
 ماجستير في دراسات الخليج العربي،
 ماجستير في الثقافة العربية المعاصرة
كما أن أبحاث الحصول على درجة الدكتوراه ذات تنوع أكبر. ويتم إنجاز بحث الدكتوراه خلال فترة تصل إلى حوالي ثلاث سنوات، أما بحث الماجستير فيتم إنجازه خلال سنتين.
وتقع جامعة اكستر على هضبة مرتفعة ضمن مدينة اكستر، تحيط بها الحدائق والغابات، ويمكن أن تصل إلى مجمع الجامعة من أية نقطة في المدينة سيرا على الأقدام نظراً لقرب المسافة. مما يجعلها من بين اجمل المجمعات الجامعية في بريطانيا ، وللجامعة سمعة علمية جيدة في مجال التعليم والبحث وهي بذلك من اكثر الجامعات شعبية في المملكة المتحدة .
ويصل عدد طلابها إلى حوالي 10500 طالب ، وتتوزع أبنية الجامعة على مساحة واسعة من الأرض المحاطة بالأشجار والورود ، وتتضمن عدداً كبيراً من المباني منها أبنية التعليم، المكتبة، صالة الرياضة ، مركز التسوق ، المصرف ، المسرح ، مطاعم وندوات للأساتذة والطلاب، مجلس الجامعة ، وغيرها …..
كما تشتمل الجامعة على عدد كبير من المراكز البحثية منها على سبيل المثال مركز الدراسات العربية والإسلامية ، مركز تعليم اللغة الإنكليزية وغيرها.
إذا أريد للتعاون البحثي بين الجامعات العربية والأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية أن ينشط ويزدهر فلا بد من إنشاء ( مركز دولي للتعاون البحثي بين الجامعات) مهمته تنظيم التعاون البحثي وتنسيقه وتوجيهه وتنشيطه. وبطبيعة الحال فان مثل هذا المركز ـ يعنى في جملة ما يعنى به ـ تنظيم البحوث العلمية وتخطيطها وتقويمها وتوسيع وتطوير علاقات التعاون البحثي بين الجامعات العربية والأوروبية، ولابد من تنظيم عمل هذا المركز بحيث يكون أداة تسهيل وتنشيط لا أداة عرقلة وإعاقة. لذلك لابد من الحرص على تجنيبه روتين الإدارة وبيروقراطيتها. ولابد أن يقوم على أدارته أشخاص ذوو كفاءات عالية، وتمرس بالبحث العلمي في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية. ويشكل هذا المركز صلة الوصل بين الجامعات العربية والمؤسسات البحثية فيها من جهة والجامعات الأوروبية والمؤسسات البحثية فيها من جهة ثانية. ويمكن أن يقوم المركز بتأسيس بنك معلومات حول المؤسسات البحثية العربية والأوروبية وبخاصة الجامعات، ويمكننا تقديم بعض المقترحات لتطوير التعاون البحثي بين الجامعات العربية والأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية نذكر منها:
ـ إشاعة الحوار وتنشيطه بين الباحثين من الجامعات العربية والأوروبية بقصد تنمية التعاون البحثي بين الجامعات.
ـ إقامة مراكز بحثية مشتركة بين الجامعات العربية والأوروبية تهتم بالترجمة والانتقال الفكري والمعرفي. يعمل فيها خبراء وضيوف وأعضاء هيئة تدريسية في الجامعات مع تخصيص دائرة لكل دولة ( الدائرة الفرنسية العربية ) ( الدائرة العربية الإنكليزية ) ( الدائرة العربية الألمانية ) ( الدائرة العربية البولونية ). مهمتها خدمة الباحثين وتوفير الإصدارات الجديدة والقيام بترجمتها من اللغات الأوروبية إلى العربية ومن العربية إلى اللغات الأوروبية.
ـ تفعيل الجهود الهادفة إلى تكامل مؤسسات ومراكز البحث العلمي وتعاونها من خلال الاتصال المباشر بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية ومراكز البحث الأوروبية ومراكز البحث العربية. وتحقيق مشاريع بحثية مشتركة.
ـ توجيه الجامعات العربية لزيادة التعاون البحثي مع الجامعات الأوروبية، وتوجيه الجامعات الأوروبية بتخصيص منح للبحث العلمي، إضافة إلى المنح الدراسية، لتمكن الباحثين العرب من الاتصال بزملائهم الأوروبيين لإجراء بحوث مشتركة تهم الطرفين.
ـ التنسيق بين المؤسسات المركزية على مستوى الوطن العربي ـ كجامعة الدول العربية واتحاد الجامعات العربية واتحاد مجالس البحث العلمي العربية والمؤسسات المركزية على مستوى أوروبا كالاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي وغيرها بهدف تفعيل وتطوير التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية.
ـ السعي لتوفير كافة مستلزمات نجاح التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية وبخاصة المادية والتمويلية والقانونية والبحثية وغيرها.
ـ وضع استراتيجية للتعاون البحثي في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية بين الجامعات العربية والأوروبية. بهدف مزيد من التعاون لما فيه مصلحة العرب والأوروبي.
ـ توثيق الترابط والتنسيق بين مؤسسات البحث العلمي في الوطن العربي والجامعات العربية من جهة وبين مؤسسات البحث العلمي في أوروبا والجامعات الأوروبية وبخاصة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.
ـ تنشيط البحث المشترك بين الباحثين في الجامعات العربية والجامعات العربية.
ـ عقد الندوات والمؤتمرات العلمية المشتركة بين الجامعات العربية والأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي مجال التعاون البحثي.
ـ قيام مؤسسة يمكن أن نشرف على التعاون البحثي بين الجامعات العربية والجامعات الأوروبية، وتعمل على تطويره.
ـ تنظيم أسلوب التعاون البحثي بين الجامعات العربية والأوروبية في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، مع تبني مبدأ المبادأة لتنظيم هذا الأسلوب، واستخدام أسلوب التعاون البحثي التعاقدي.
ـ دعم حركة الترجمة في الاتجاهين من اللغات الأوروبية إلى اللغة العربية ومن العربية إلى اللغات الأوروبية مع تنظيم هذه العملية وتفعيلها والترجمة مجال هام من مجالات التعاون البحثي.
إن أحد الأسباب الرئيسة لعدم الاستقرار والصراع في المنطقة، هو في الحقيقة، وجود الفجوة العميقة واللامساواة في المستويات الاجتماعية والسياسية والثقافية والبحثية لدول المنطقة. فالاختلافات المتعلقة بالظروف السياسية، والاقتصادية، والمفاهيم الأخلاقية، ودرجة تطور المؤسسات الديمقراطية، والتقدم العلمي والتقاني، كلها مرتبطة بالنهاية بهذه اللامساواة. وهكذا فإن إيجاد شروط تسمح بتطور علاقات أكثر توازناً بين الأوربيين والعرب، وبفضل أشكال خاصة من التعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف، أو حتى التعاون المؤسساتي كالتعاون البحثي بين الجامعات، وهو الأمر الذي يمثل الخطوة التمهيدية الملائمة والصحيحة لمعالجة مشاكل الاستقرار وحصول تقارب بين مختلف المفاهيم والتصورات المتعلقة بتطور الإنسان وتطور المجتمعات في الدول العربية والدول الأوروبية.

الدكتور مصطفى العبد الله الكفري
جامعة دمشق – كلية الاقتصاد
[email protected]


- د. فاخر عاقل، البحث العلمي في العلوم الإنسانية، بحث مقدم إلى المؤتمر الرابع للوزراء المسؤولتين عن التعليم العالي والبحث العلمي في الوطن العربي، المركز العربي لبحوث التعليم العالي، دمشق 1989،ص 141 .