حوار مع محمد دوير 2


حسقيل قوجمان
2014 / 3 / 19 - 13:52     

حوار مع وير2محمد د
واضح من مقال الاستاذ محمد دوير ان حملة توحيد اليسار الجديدة تقوم على انقاض حملات او محاولات سابقة اثبتت فشلها اذ يقول "تأسست " حملة يسار موحد في أغسطس 2013 من أجل بناء تيار اشتراكي مصري "ينطلق من تحليل الواقع الراهن وفقا لمرجعية الاشتراكية العلمية".
ان نقطة البداية في هذه الحملة اذن بناء تيار اشتراكي يستند الى مرجعية الاشتراكية العلمية. فالمشكلة الاساسية على هذا الاساس التوافق على مفهوم الاشتراكية العلمية. الاشتراكية العلمية هي اسم مرادف للماركسية يستخدمها البعض احيانا كأن هذا الاسم يختلف عن الماركسية. اول خطوة هي اذن الاتفاق على المرجعية الماركسية (الاشتراكية العلمية). وقد كانت هذه الخطوة المشكلة الاساسية في تاريخ النضال الدائم بين المنظمات التي تدعي اتخاذ الماركسية مرجعية لها.
وقد اكد لينين ذلك في قوله " ان الحزبية الصارمة هي رفيقة ونتيجة النضال الطبقي العالي التطور". وهذا يعني ان الحزب الماركسي الحقيقي يجب ان يصر كل الاصرار على المبادئ الماركسية والا يتنازل عنها قيد شعرة من اجل الاتحاد مع غيره من الاحزاب او المنظمات.
من المعروف تاريخيا ان في كل بلد ثمة حزب واحد ماركسي حقيقي ولا يمكن وجود اكثر من حزب ماركسي حقيقي واحد في اي بلد. يمكن ان توجد عشرات الاحزاب التي تدعي الماركسية ولكنها يمكن ان تكون كلها غير ماركسية ولا يمكن وجود سوى حزب واحد ماركسي حقيقي. وكان هذا واضحا في شروط قبول اي حزب ماركسي في الاممية الثالثة.فالاتفاق على ماذا تعني المرجعية الماركسية (الاشتراكية العلمية) هي معضلىة المعضلات في تاريخ الحركات الاشتراكية.
والحملة التي يتحدث عنها الاستاذ محمد دوير تهدف الى توحيد كافة الاحزاب التي تعتبر نفسها احزابا يسارية. وقد جاء في النقطة الرابعة من مقاله: " المحصلة النهائية أن أصبحنا أمام مشهد جديد علي الحركة الاشتراكية المصرية – جديد كما ونوعا أيضا- هو وجود أكثر من 24 تنظيما حزبيا وحركة اشتراكية معرضة لأن يزيد عن الخمسين تنظيما في غضون ثلاث سنوات .. وهو ما يعني إمكانية إصابة الحركة بمزيد من التشظي والتفتت تحت دعاوي اختلاف الخط الفكري بين الأحزاب أو الحركات".
ما هو الاساس الذي تقوم عليه حملة توحيد اليسار المصري الحالية؟ الاساس الاول هو ايجاد مفهوم يمكن ان تتفق عليه جميع هذه المنظمات باعتباره المعبر عن اتجاهاتها الفكرية وعن سياستها. ولكن كل حزب وكل منظمة من هذه المنظمات المعرضة الى المزيد تعتبر حزبها هو الممثل الحقيقي لمبدا الاشتراكية العلمية وان كافة الاحزاب الاخرى لا تمثلها. وان اكبر معضلة في الصراع من اجل الوحدة هو تحديد قاسم مشترك اعظم بين اراء كافة هذه المنظمات والاحزاب. وهذا ما كان عائقا في تحقيق الوحدة وسيبقى عائقا في سبيلها سنوات عديدة قد لا تؤدي في النهاية الى الاتفاق على مبدأ بعينه بل يتوسع تشظي الحركة بدلا من توحيدها.
يطول الحديث عن هذه الحملة التي لا تتميز عن الحملات السابقة سواء في مصر او العراق او سورية او غيرها التي لم تؤد الى نتائج خلال سنوات عديدة. ومصير هذه الحملة لن يختلف في رايي عن مصير الحملات السابقة. وذلك لان الحملة قائمة على اساس خاطئ.
الحزب السياسي، كل حزب سياسي، لايشكل قوة فاعلة في المجتمع الا بمقدار تاثيره على جمهور ينتمي اليه ويسير تحت قيادته. وواضح من كتابة الاستاذ محمد دوير ان هذه الاحزاب والمنظمات العديدة عديمة التاثير في الحركات الجماهيرية السائدة منذ ثلاث سنوات في مصر ما بين ما يسمى ثورة يناير وثورة يونيو حين قامت الجماهير المصرية بازاحة رئيسين للجمهورية. والحملة كما يقدمها الاستاذ محمد دوير تهدف اولا الى تحقيق وحدة جميع او اغلب هذه الاحزاب والمنظمات لكي يتحقق لها وجود في الحركة الجماهيرية القائمة في مصر.
واذا ترجمنا هذه العبارة الى مفهومها الحقيقي فانها تعني ان تبقى هذه الاحزات الاربع والعشرين والمعرضة للازدياد الى الخمسين محلقة في سمائها الى ان تحقق الوحدة بينها لكي بهبط الى الارض حيث يتحرك عشرات الملايين من الكادحين المصريين لقيادتهم. والقيادات كما هو معروف تاريخيا لا تنزل من السماء بل تنشا على الارض، تنشا من انشط واخلص المنائلين او الثائرين واقدرهم على توجيههم وقيادتهم.
ان الاوضاع السائدة في صفوف الشعب المصري خلال السنوات الماضية اثبتت ان هناك قوى استطاعت ان تجتذب وتنزل عشرات الملايين من الشعب المصري الى الشارع. تجمعات بشرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ استطاعت اسقاط حكم حسني مبارك ومرسي مع حكم الاخوان المسلمين. وباقرار الاستاذ محمد دوير لم تكن لهذه الاحزاب اليسارية التي تريد الحملة توحيدها نشاط في تحقيق هذه التجمعات البشرية التي لا سابق لمثلها في التاريخ.
اعتقد ان المشكلة الحقيقية هي في تحديد وتعريف معنى اليسار سواء في المجتمع المصري او في جميع المجتمعات البشرية الاخرى. ان اليسار الحقيقي ليست الاحزاب التي تطلق على نفسها احزابا يسارية. ان اليسار الحقيقي للشعوب هو جميع مكونات الشعب الذين تدعو مصالحهم الى التغيير والارتقاء بالشعب الى مرحلة اجتماعية اعلى من المرحلة التي تعيشها. اليسار الحقيقي للشعب المصري هم عشرات الملايين التي نزلت والتي لم تنزل الى الشارع من اجل تحقيق ما حققته الثورتان من انتصارات. ولا يصبح اي حزب يطلق على نفسه اسم اليسارية حزبا يساريا حقيقيا الا بمقدار دوره في تحريك هذه الملايين من اليسار المصري. الحزب اليساري الحقيقي هو الحزب الذي ينجح في توعية هذه الجماهير اليسارية في طبيعتها وقيادتها في اتجاه الحركة الضرورية لتحقيق المرحلة التي تتطلبها مصالح هذه الجماهير اليسارية.
واضح انه لم يكن بالامكان انزال هذه الملايين الى النضال بدون قيادة قادرة على جذبهم الى هذا النضال. وقد نجحت هذه القيادة في تحريك عشرات الملايين من اليسار المصري الحقيقي، جماهير الشعب الراغبة في التغيير الى الافضل. ولكن هذه القيادة اقتصرت في اهدافها على الانتصار السياسي فقط ولم تناضل نضالا حقيقيا من اجل تحقيق اهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية تحتاج الجماهير المصرية الى تحقيقها. لم تكن هذه الملايين ناضجة وواعية كفاية لكي تحقق شعار الشعب الذي اعلنته "الشعب يريد اسقاط النظام". ولا يمكن تحقيق التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والصحية التي تتطلبها الثورة بدون تحقيق هذا الشعار تحقيقا حقيقيا لا يقتصر على ازالة رئيس للجمهورية او اسقاط حكومة او استبدال رئيس وزراء بغيره. ان الشعب المصري بحاجة الى قيادة تهدف الى تحقيق اهداف اخرى اضافة الى الاهداف السياسية كاسقاط الرئيس او ازالة حكم الاخوان. الشعب المصر ي بعشرات الملايين من كادحيه يحتاج الى ثورة تحقق شعار اسقاط النظام الراسمالي القائم وبناء نظام اشتراكي حقيقي يحقق كل الاهداف الاحتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية التي يعاني من عدم وجودها الشعب المصري حاليا.
والواقع هو ان هذه القيادة يجب الا تعتمد على اساس توحيد جميع الاحزاب التي تطلق على نفسها اسم اليسارية بل يجب ان تكون حزبا ماركسيا حقيقيا يكون قادرا على اجتذاب هذه الملايين او اجزاء منها للنضال في سبيل تحقيق التغيير الجذري الذي يكفل للشعب المصري تحقيق جميع اهدافه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية التي تحتاج الى تحقيقها. هذا النضال لا يتطلب توحيد هذه الاحزاب "اليسارية" بل يتطلب فضحها وكشف زيفها وانتهازيتها وعزلها عن الجماهير الكادحة المخدوعة بها.
يسمي لينين هذا الحزب "حزب البروليتاريا الواعية" ويتبر ذلك مرادفا للاشتراكية الديمقراطية. وهذا يعني ان الحزب هو جزء من البروليتاريا واع يتشكل من صفوفها خلال النضال وليس بالانفصال عنها. ويقصد بالواعية في هذا المجال هو ان تكون جزءا واعيا من البروليتاريا بمعنى انها تعرف الماركسية على حقيقتها وتتخذها وسيلة لقيادة البروليتاريا وتوجيهها نحو الاهداف التي تحتمها الحركة الثورية في الظروف التي تمر بها حركة الطبقة العاملة وحلفائها الطبيعيين في الثورة. لا يوجد اي انفصال بين حزب البروليتاريا الواعية وبين مجموع الطبقة العاملة سوى كون الحزب هو جزء واع من الطبقة.
لا يعني هذا كما يفسره البعض ان يكون اعضاء هذا الحزب من الطبقة العاملة وحدها. فللطبقة العاملة حلفاء طبيعيون في النضال كالفلاحين والمثقفين والفئات المتوسطة من المجتمع. ولكن ذلك يعني ان هؤلاء الحلفاء يجب ان يتخلوا عن المصالح الطبقية الطبيعية لفئاتهم واتخاذ مصالح البروليتاريا الطبقية كمصالحهم. فمعروف ان الطلاب في اي مجتمع ينتمون الى طبقات ومراتب مختلفة تكون لكل طبقة منها مصالحها الطبقية الخاصة بها، ولكن الطالب الذي ينتمي الى حزب البروليتاريا الواعية يجب ان يتبنى مصالح الطبقة العاملة كمصالحه الخاصة وان يناضل نضالا عنيفا ضد مصالح الطبقة او المرتبة الاجتماعية التي ينتمي اليها، المصالح التي تدعوه بشدة الى التمسك والى التخلي عن مصالح الطبقة العاملة التي اتخذها كمصالحه عند انتمائه الى حزب البروليتاريا الواعية. وهذا ما يعبر عنه بمصطلح التذبذب، تذبذب المراتب المتوسطة من المجتمع التي تفعل دائما من اجل اجتذابهم وعودتهم الى مصالح مراتبهم او طبقاتهم والتخلي عن المصالح البروليتارية التي تبنوها. صراع فكري واقتصادي يدوم طوال حياة الانسان الذي ينتمي اقتصاديا الى طبقة او مرتبة اقتصادية غير الطبقة العاملة الذي اتخذ مصالح الطبقة العاملة كمصالحه بالتضاد مع مصالحه الطبقية للفئة الاجتماعية التي ينتمي اليها. لا يستطيع هذا المناضل الثوري التقاعس في هذا النضال ولو لحظة واحدة طوال حياته النضالية.
ان الاحزاب التي يتحدث عنها الاستاذ محمد دوير وامثالها من الاحزاب في العراق وسورية وغيرها ليست جزءا واعيا من الطبقة العاملة وانما مجموعات من المثقفين تتشكل بدعوى العمل على قيادة الطبقة العاملة وهذا سر فشل جميع الحملات والمحاولات لتوحيد هذا العديد من الاحزاب "اليسارية" التي جرت في جميع بلدان العالم وتجري في حملة توحيد اليسار الحالية التي يدعو اليها الاستاذ محمد دوير. اما الامثلة التي اوردها عن توحيد مجموعات من الاحزاب في بلدان مختلفة فعلينا ان ندرس ما حققته كل واحدة من هذه الوحدات من اهداف حقا للطبقة العاملة.