مصر الدستورية - 3 - أوراسيا ومصر


محمود حافظ
2014 / 3 / 19 - 10:24     

ربما ماحدث بالأمس أعنى بتاريخ الثلاثاء الموافق 18 – 3 – 2014 م هو حدث تاريخى بإمتياز حيث قام شعب جمهورية شيه جزيرة القرم ذات الحكم الذاتى والتى أهداها زعيم الإتحاد السوفيتى خورشوف لتكون جزءاً من الدولة الأوكرانية وذلك منذ ستون عاماً وتحديداً فى عام 1954 م والتى هى آنذاك جزءاً أصيلاً من الإتحاد السوفيتى , لقد إستعاد هذا الشعب القرمى هويته الوطنية فى إستفتاء شعبى ليعود لحضن الأم الأصيلة روسيا بعدما إستولى الفاشيون الأوكران على السلطة فى اوكرانيا بمساعدة الهيمنة العالمية وللأهمية الجيوبولوتيكية تعتبر شبه جزيرة القرم منفذاً أساسياً لروسيا الإتحادية على البحر الأسود حيث يقبع أسطولها الحربى وهو الطريق إلى المياه الدافئة فى البحر المتوسط ( أود أن أذكر فى الهامش داخل هذين القوسين ماحوظة على غاية كبرى من الأهمية وهو عودة شبه جزيرة القرم لروسيا يطمئن الفلسطينيون بعودة أرضهم أليهم ) وعندما نتحدث عن الفاشية الأوكرانية التى تغذيها الهيمنة العالمية الأوروأمريكية فغقد تلخص الشعار الفاشى الأوكرانى فى عبارة وطن واحد لشعب واحد وهؤلاء من أطلق عليهم النازيون الجدد فهل عندما تستولى هذه العصابات الفاشية المسلحة على مقدرات الدولة الأوكرانية وتعلن عدائها لباقى القوميات التى تسكن أوكرانيا من الروس والقوقاز التتر أن يقف الروس والتتر مكتوفى الأيدى وهم فى الأصل ينتمون إلى الدولة الروسية هذا مانتج عنه الإستفتاء القرمى وهذا مانتج عنه إحتفال الأمس حيث تم توقيع الإتفاق بين ممثلى شبه جزيرة القرم والدولة الروسية لإستعادة الحق للصاحب الشرقى وقد تم هذا الإحتفال وسط صوت عالى من ممثلى الهيمنة الأورو امريكية والتهديد للدولة الروسية وهنا لابد من طرح سؤال إلى أى اصول تعود جذور المشكلة ؟ .
تعود الجذور إلى التاريخ القريب حيث تفكك الإتحاد السوفيتى فى بداية تسعينيات القرن الماضى وبهذا التفكك المهين لقطب دولى كبير سادت الفوضى فى جمهوريات الإتحاد وكانت الفوضى الكبرى فى أكبر الجمهوريات وهى الوريثة الشرعية للإتحاد السوفيتى ألا وهى جمهورية روسيا الإتحادية ومنذ هذا التاريخ بدا التغير فى خريطة العالم حيث اعلن جورج بوش الأب أن الولايات المتحدة الأمريكية هى الشرطى الوحيد فى العالم حيث أصبحت أمريكا سيدة العالم وكما قال صمويل هنتنجتون أن العالم بدون السيادة الأمريكية يتجه إلى العنف والفوضى والتدهور الإقتصادى وكأنه يقول أن العالم بالسيادة الأمريكية هو عالم يتجه إلى العنف والفوضى والتدهور الإقتصادى وشيوع الفاشية تحت المظلة الأمريكية .
هذه الجذور أيضاً تعود إلى رؤية بريجينسكى المستشار للأمن القومى المريكى الذى خلف المخطط الأول كسينجر حيث وضع العالم فى رقعة الشطرنج واصبح هو اللاعب الوحد كما عبر بوش الأب وهنا ظهر دور اوراسيا قلب العالم وأن السيطرة على قلب العالم تعنى الهيمنة الكاملة على العالم وعندما نتحدث عن أوراسيا نتحدث عن هذا التكامل بين قارتى اوربا وآسيا والتى تمتد حدودها من المحيط الهادى شرقاً إلى المحيط الأطلنطى غرباً ولكن الحديث عن اوراسيا قلب العالم هو هذا الجزء من العالم التى بتوسطه وهو الذى يشمل المزيج بين القارتين الوربية والأسيوية بمعنى هو الجزء الذى يضم شرق اوربا وغرب آسيا هى تحديداً المنطقة التى تبدأ من شرق المتوسط والتى ىتشمل دول البلقان وتركيا واوكرانيا حتى دول غرب آسيا والتى تضم أيضاً تركيا حتى جورجيا إنها دول شرق المتوسط ودول البحر الأسود ولكن فى الخريطة لابد من وضع مصر داخل هذه المنظومة حيث انها إحدى دول شرق المتوسط وهى التى تملك قناة السويس الرابط بين أسيا وأفريقيا بالقارة الأوربية ومن هنا كانت مصر شريكاً اصيلاً فى قلب العالم أوراسيا .
فى رسم إستراتيجيات الجيوبولوتيك أو الجغرافيا السياسية دوماً تكون مصر هى النواه ومنها يتم التحرك فإذا كانت أوراسيا قلب العالم حقاً فإن مصر هى قلب أوراسيا ومن هذا المنطلق كان التحرك مبكراً فى مصر بعدما إنتهت إسطورة العصا الإسرائيلية وما حدث على يد المهندس الأول كسيمجر مع السادات ان تم خطف مصر من عالمها العربى والأفرواسيوى لتصبح إحدى الدول التابعة والتى تديرها الهيمنة العالمية الإمبريالية وهنا تعتبر مصر فى الجيوبولوتيك هى رأس المثلث المقلوب لمنطقة أوراسيا وكانت البداية من الرأس ثم ما لبثت الأحداث ان توالت حتى تم غنهيار الإتحاد السوفيتى وتم وضع اليد على قلب العالم منطقة اوراسيا واصبح المثلث كاملاً بين يد الهيمنة العالمية الأمريكية وكان لابد من تحديد المعالم للشرطى الأمريكى وتحديد نقاط التفتيش فكان من الضرورى حجز منطقة اوراسيا عن التنين الصينى بنقطة التفتيش الأفغانية ثم النقطة الثانية فى النسق الثانى لإحكام الغلق فى العراق هذه هى الجغرافيا كما تراها امريكا لاكما يقول هنتنجتون بل العكس تماماً لمقولته حيث تم العنف والفوضى والتدهور الإقتصادى وإنتشار الف5اشية بدلاً من الديموقراطية فى عالم رضخ تحت السيادة الأمريكية .
كان لابد من وضع نقاط التفتيش لحماية قلب العالم فبعد التأكد من ولاء الراس فى مصر ومنفذ قناة السويس بها بدأ العمل لبناء السد المانع فى غرب وجنوب الدب القطبى الروسى بأن يفرض حلف شمال الأطلنطى سيطرته حتى الإمتداد الجنوبى للدب القطبى المريض فى جورجيا جنوباً وفى الغرب وعلى حدود القارة الأوربية فى اوكرانيا وقامت الهيمنة العالمية الأوروامريكية بتدبير الثورة البرتقالية فى اوكرانيا والثورة الوردية فى جورجيا تمهيداً لدخول حلف شمال الأطلنتطى بقواعده العسكرية لإحكام السيطرة على أوراسيا وهنا نفض الدب القطبى الجليد عنه وكشر عن انيابه بإزاحة العميل يلتسين وتولى رجل المخابرات الروسية القوى فلاديمير بوتين مقاليد السلطة فى روسيا الإتحادية ولأن بوتين فى الأصل رجل المخابرات الروسية حالياً والسوفيتية سابقاً فكان على علم ودراية بما يتم تحقيقة من الإستيلاء على أوراسيا فكانت أولى ضرباته فى قاعدة الهرم الأوراسية الشرقية فى جورجيا حيث تم تقطيع اوصالها فى أبخازيا واوسيتيا الجنوبية وكانت هذه هى اولى الضربات لتفكيك الهيمنة على أوراسيا قلب العلم ومع تقبل العالم الإمبريالى لهذه الضربة الموجعة اصبح هذا المهيمن يدعم من اقدامه فى منطقة الرأس حيث توجد مصر المسيطر عليها تماماً وبدأ فتح باب الصراع فى داخل الهرم الأورواسى فكان التركيز على محور الشر فى نظر جورج بوش الإبن حيث يبدأ الملعب من إيران الجارة الجنوبية لجورجيا والحليفة للدب الروسى حتى سوريا ولبنان وبدات تظهر للعلن إستراتيجية الشرق الوسط الجديد وإعادة تشكيل المنطقة بالفوضى الخلاقة والتقسيم غلى كيانات طائفية وإثنية وقد بدأ الدخول من البوابة اللبنانية فى حرب لبنان 2006 م والتى اعلنت فى قلب سعيرها كونداليزا اريس ان ما يحدث فى لبنان ما هو إلا مخاض ولادة لشرق اوسط جديد ولكن حتى هذه الإستراتيجية التى إعتمدت فيها امريكا على الكيان الصهيونى المهزوم قد فشلت بهزيمة ثانية لهذا الكيان من حزب الله اللبنانى اليد الباطشة لمحور الشر طبقاً للتصنيف الأمريكى ولكن مراكز الأبحاث الأمريكية وواضعى الإستراتيجيات لم يقبلوا بهزيمة أمريكا والكيان الصهيونى وبدا التنظير لما يسمى حروب اللاعنف حيث تعتمد على إثارة الغرائز والنعرات وتأجيج المنطقة بما يعرف بالحرب بين السنة والشيعة والتى لعبت أمريكا والكيان الصهيونى على هزيمة إيران الحليف لروسيا وسوريا وحزب الله بتقوية ما يعرف بالتطرف السنى لخلق فاشية وتعصب سنى فى مقابل المحور الشيعى المزعوم فكان هناك ما سمى بالربيع العربى حيث اصبح تمكين الفاشية التى تستغل الدين فى تأجيج الصراع للإستيلاء على السلطة وقد حدث فى تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا والسودان حيث إستولت فعلاً الفاشية الدينية على السلطة فى تونس بإسم حزب النهضة الإخوانى وفى مصر الإخوان المسلمين وفى ليبيا جماعات إخوانية متطرفة وكذا فى اليمن وأيضا فى سعير الحرب حامية الوطيس فى سوريا الأبية التى رفض جيشها العربى السورى التسليم لهذا المخطط الإمبريالى وقد نجح فى عدم السقوط بالدعم الروسى الإيرانى بمساندة حزب الله اللبنانى وسرعان ما إكتشف الشعب المصرى ما يحيك له من مؤامرة حتى إ ستفاق فى الثلاثين من يونيو وقام بطرد السلطة الفاشية وهنا إستعادت مصر حريتها بقطع رباط التبعية للهيمنة الأمريكية وأصبحت دولة مستقلة فى قرارها الوطنى وكانت هذه الضربة الثانية لرأس مثلث أوراسيا وكانت إستعادت مصر لدولتها الوطنية فرضاصس أن أقامت علاقات متوازنة مع الأقطاب العالمية ومنها القطب الروسى الذى اعلن ان فى حالة التهديد بالمن القومى المصرى عن طريق إغلاق بوابة التسليح الأمريكية فالبوابة الروسية مفتوحة لدعم الجيش والشعب المصرى وهنا أظهرت روسيا إستعادت دورها الإقليمى ووراثتها للإتحاد السوفيتى السابق فى تحالف المصالح المشتركة ضد الهيمنة الإمبريالية القائمة على إستلاب وإستغلال الشعوب المقهورة .
ما بقى من قلب العالم إلا الرأس الأوكرانية فكان من الغباء والتهور الأورو أمريكى ان قام بإستخدان نفس الوسائل الفاشية فى اوكرانيا وكانت النتيجة هى هى هو فقدان أوكرانيا لشبه جزيرة القرم والتى إستعادتها الأمة الروسية وهنا أصبح الدب الروسى بزعامة بوتين مسيطراً نافذاً على منطقة قلب العالم اوراسيا او ربما نقول اصبحت الهيمنة الأوروامريكية فقدت هيمنتها على اوراسيا ومصر واصبحت العلاقة الوطيدة بين مصر وروسيا تستعيد مكانتها السابقة فهل تصبح مصر الجيدة مصر الدستورية فى 2014 م دولة السيادة الوطنية بإستعادة الشراكة المصرية الروسية للنهوض وغستكمال مشوار التنمية الذى بداه عبد الناصر فى منتصف خمسينيات وستينيات القرن الماضى ؟ .
أم أن هناك سؤال آخر يفرض نفسه هل ستعود احداث الإنهيار الرأسمالى وبقوة هذه المرة كما حدثت فى الأمس القريب فى 2008 – 2009 م وهذه المرة دون دعم لأموال العرب الخليجية ؟ فى الأفق سوف تضح الصورة فى الأيام الماضية .