صداقة هنريتش هاينه بكارل ماركس وزوجته, الصداقة الأبدية


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2014 / 3 / 13 - 03:56     

1797-1856 شاعر وناقد وصحفي ألماني شهير.
رغم اقتناعه بحتمية ثورة اجتماعية, وبالنصر النهائي للشيوعية, لم يكن هاينه قادراً على حماية نفسه من بعض النفور ازاءها. هذا الشعور كان مرده الى مزاجه الأرستقراطي, والى الخوف الذي تولده فيه سيطرة الشعب التي تعني بالنسبة له, نهاية اعز شيء عنده, نهاية الجمال والفن, حيث كان يتصور, بأن العمال البروليتاريين سيدمرون التحف واللوحات الفنية عند استلامهم للسلطة.
كان انجلز معجباً بهاينه, فقد كتب بتاريخ 5-10-1844 يقول: (أصدر هنري هاينه, أعظم الشعراء الألمان حالياً, مجلداً من قصائد سياسية, بعضها يمتدح الاشتراكية. انه مؤلف قصيدة "نشيد عمال نسيج سيليزيا" الشهير, الذي انوي اعطاء ترجمة عنه), ولم يكن انجلز أكثر اعجاباً بهاينه من كارل ماركس, فقد سبق ان دافع عنه ضد الحملات التي تعرض لها اثر كتباه عن بورن Boerne, كان ماركس ينظر الى عيوب هاينه نظرة الغفران, فقد كان يقدر انه لا يجب ان نطبق على الشعراء نفس المعيار الذي نطبقه على البشر الاخرين. كان يثمن عند هاينه ليس فقط عبقريته الشعرية بل ايضاً حدسه العميق الذي كان قد سمح له بأن يميز الطابع الثوري للفلسفة الألمانية والدور الحاسم للنضالات الاجتماعية في التاريخ المعاصر.
هاينه من جهته الذي كان قد اعترف بكل الأهمية التاريخية للشيوعية, كان يتعلم الان على معرفة أهدافها وقادتها معرفة اقرب وذلك بمعاشرته لماركس. كان يعجب في ماركس بالقائد الثوري الحق الذي يوحد عمق التفكير مع طاقة لا تلين وبه وقد وصف القادة الشيوعيين بأنهم رجال عازمون يتحلون بفهم واضح وارادة حديدية.
هاينه الذي كان انئذ في ذروة انتاجه الشعري, رغم كونه بدأ يتأثر بالمرض الذي سيودي به, كان يتردد كثيراً على ماركس حين كان دوماً يستقبل كضيف يرحب به. واذ كان يقدر عند ماركس, ليس فقط المفكر, بل ايضاً الكاتب, فقد كان يعرض طوعاً قصائده لنقده ونقد زوجته التي كان معجباً بروحها النافذة والمرهفة, مثلما يقول بول لافارغ في كتابه (ذكريات عن ماركس): (هاينه, هذا الهجاء الذي لا يرحم كان يخشى سخرية ماركس, ولكن كان يحمل أكبر اعجاب للروح النافذة والمرهفة لزوجة هذا الأخير). وصار هكذا العديد من القصائد ثمرة تعاون ودي, لم يكن مع ذلك بالغ السهولة دوماً نظراً لحساسية هاينه الزائدة, ففي ذكريات اليونور ماركس- افلنغ (ابنة ماركس): (ثمة فترة كان فيها هاينه يأتي يومياً ليرى ماركس وزوجته وليقرأ عليهما ابياته ويأخذ رأيهما فيها. وكان باستطاعة ماركس وهاينه ان يراجعا الى مالا نهاية قصيدة صغيرة من عشرة اسطر, مع وزن كل كلمة, مع تصحيح القصيدة وتهذيبها الى ان يكون كل شيء كاملاً وان يكون كل أثر للشغل قد اختفى. كان الأمر يقتضي صبراً كبيراً لأن هاينه كان ذا حساسية مرضية ازاء اي نقد. كان احياناً يصل عند ماركس وهو يبكي "حرفياً" لأن كاتباً غامضاً قد هاجمه في جريدة, لم يكن ماركس انئذ يعرف شيئاً افضل من توجيهه نحو زوجته التي كانت بذكائها ورقتها تعيد الشاعر اليائس الى العقل).
أحياناً بالعكس, كان هاينه هو الذي ينجد الزوجين. هكذا في أحد الأيام وجدهما الشاعر يائيسن امام طفلتهما جني التي لم تكن قد بلغت من العمر سوى شهور والتي كانت فريسة انتفاضات, فنصح بمغطس حار, هيأه بنفسه وغطس فيه الطفلة, ولعله بذلك انقذ حياتها.
ان تأثير ماركس كان عميقاً على هاينه, في هذه السنة التي كانت احدى اخصب سنواته الشعرية, وهاينه مدين له جزئياً بتحفته السياسية (ألمانيا, حكاية شتاء) التي سعى ماركس بنشاط الى اطلاع الناس عليها والتي نشرت في الأعداد الأخيرة مجلة (الى الأمام), كان هاينه قد توجه اليه لهذه الغاية, عالماً انه افضل من يفهمه ويقدره. في رسالة هاينه, افصح له عن سعادته بقضاء الشتاء معه.
هذا الأمل لن يتحقق الا جزئياً اذ في بداية شباط طرد ماركس من باريس, ليس بلا حسرة انفصل عن هاينه وقد كتب اليه: (من جميع الذين اغادرهم هنا, انت من اترك بأشد الحسرات. احب لو احملك معي في حقائبي).
بعد ذهاب ماركس, اصبح هاينه الذي كان مديناً له جزئياً بالازدهار الأخير لفكره وشعره, اصبح مرة اخرى مشطوراً بين يقينه في انتصار الشيوعية وخوفه من هذا الانتصار, وفي الالام الفظيعة التي كانت تجعل الان من حياته درب الصلب والموت والتي كانت تدفعه للبحث عن تهدئة في الرجوع الى الدين, احتفظ الى النهاية, بهذا المزيج الفريد من خوف وانجذاب الذي كانت الشيوعية توحيه له.

من كتاب (ماركس وانجلز, حياتهما وأعمالهما الفكرية) المجلد الثالث, ل أوغست كورنو