المادة والكتلة والطاقة..!


سنان أحمد حقّي
2014 / 3 / 9 - 13:37     

الكتلة والطاقة هما شكلان من أشكال المادة مترابطان ..!
يُحاول عدد من أخوتنا المثقفين أن يجترّوا كلام بعض السطحيين الذين يرومون خبط صفو العلم ببعض حملات الدعاية الموجّهة إلى جانب مصالح هذه الفئة الإجتماعيّة أو تلك بعيدا عن منطق العلم الصادق والذي لا يعرف الإنحياز بل يتعامل مع منطق الأشياء كما هي أي كما نقول بواقعها الموضوعي والذي هو واقعها المادّي والذي أكّدنا مرارا وتكرارا أنه هو كل شئ مستقل عن ذاتنا وغير خاضع لإرادتنا وهذا هو التعريف العلمي الفلسفي للمادة ، وكان المفكّر والثوري المعروف فلاديمير إليتش لينين قد كتب قبل ما يقارب من قرن كامل ردّا على أولئك الذين يحلوا لهم ركوب أية موضة لتبرير المظالم الإجتماعيّة والعودة بالناس إلى الفكر المثالي الذي يدعوا إلى إعتبار الفكر هو أصل الوجود وأن المادة من أسباب نشاطه وهذا يخالف ما جاء به الماركسيون الأوائل وقامت عليه النظرية المادية الدايلكتيكيّة
كتب لينين في معرض ردّه على علماء الفيزياء من أنصار الفكر المثالي والذين إنتهزوا منجزات آينشتاين للترويج لموجة جديدة تبشّر بفشل النظريّة الماديّة ، كتب يقول:أن الطاقة ليست سوى حركة المادّة ولا يمكن الحصول على طاقة بدون مادّة متحرّكة وهما مترابطتان تماما وبشكل وثيق ، هذا من ناحية ومن ناحيةٍ أخرى فإنه أشار إلى حقائق معروفة لدى الباحثين في الفيزياء بكل جلاء وهي أن الكتلة ليست هي المادّة بل هي شكل من أشكال المادة وكذلك الطاقة وهما مترابطتان كما أسلفنا وقوله هذا الذي كتبه عام 1908 ما يزال صحيحا حتى يومنا هذا رغم التهريج الذي صاحب آراءه تلك وياله من دارس للفكر الفلسفي ومن طالب علم لا يُجارى
ومنذ أكثر من ثلاثين عاما وأنا بكل تواضع أعيد ما جاء بكتاب لينين ( الماديّة ونقد الفكر التجريبي ) من غير أن يُصغي أحد إلى ما أشير إليه بل أحاطني كثيرون بجو من السخرية والإستهزاء ومنهم بعض الماركسيين ومدّعي الفكر العلمي نفسه.
كنت وما أزال أقول ما قاله لينين عام 1908 من أن العلاقة بين الكتلة والطاقة بموجب نظرية آينشتاين (E=m.c2 ) هي مجرد علاقة بين شكلين مختلفين من المادة وهي تشبه العلاقة الكلاسيكية المعروفة في الفيزياء الكلاسيكية ( E=0.5mv2 ) حين لم يقل أحد أنها تعبّر عن تحوّل المادة إلى طاقة .
وكلما رأيت مقالا أو أحدا يشير إلى أن المادة تتحوّل إلى طاقة راودتني نفسي أن أعقّب لولا أنني أضع في إعتباري إحترامي للرأي الآخر ومحدودية تحصيلي العلمي رغم أنني أعلم أن تحصيلي العلمي هذا هو أوسع بكثير من تحصيل بعض المثقفين الذين لم يتحصّلوا على أي تحصيل في الفيزياء فضلا عن ميكانيك الكم الذي هو من أعقد مواضيع الفيزياء الحديثة وبهدف الردّ على كل تلك الآراء رأيت أن أستشير أخي وزميل الصبا العالم الجليل الأستاذ الدكتور إبراهيم ميزر الخميسي وهو المتخصص البارع المجتهد في فيزياء الكم ، وهو الذي ترجم وقدّم وحقّق كتاب العالم الفيزياوي الكبير عبد الجبار عبد الله ( عين الإعصار) وقد تم الإعلان عنه على واجهة الحوار المتمدن قبل مدة ليست بعيدة وقبل أن أطرح ما في حقيبتي من تعليقات ، كتبت له رسالتي التالية:

"حضرة الأخ والعالم الجليل الأستاذ الدكتور إبراهيم ميزر الخميسي المحترم
م/ سؤال؟
لي إهتمامات متواضعة في الفكر الفلسفي ولا سيما في نظرية الماديّة الدايلكتيكية ، ولأسباب تتعلق بذلك أود سؤالكم عمّا هو يتعلّق بالمادّة والطاقة من حيث المفهوم الفيزياوي ولأنكم أولا أهلا لذلك وثانيا لأنكم متخصصون بعلوم الكم الحديثة فإن إجابتكم ستكون شافية ومقنعة لي
س: يتحدث معظم علماء الفيزياء عن تحوّل المادّة إلى طاقة وبالعكس بالإستناد إلى معادلة آينشتاين الشهيرة E=mc2 ، وبكل تواضع إنني ما زلت غير مقتنع بتحوّل المادّة إلى طاقة بسبب هذه المعادلة الصحيحة طبعا إذ أننا تعلمنا في الفيزياء الكلاسيكية أن :
E= 0.5 mv2 ولم يقل أحد أن المادة تتحول إلى طاقة ، فضلا عن أن الكتلة ليست هي المادّة بل كما أعلم هي شكل من أشكال المادة ، ولذلك فإن ما تعبّر عنه المعادلات هذه إنما هي مجرد علاقة بين الكتلة والطاقة فقط كأن نقول أن إرتفاع الغرفة يعادل مرة ونصف إرتفاع الإنسان فلا يعني هذا أن الإنسان يتحوّل إلى غرفة أو إرتفاع سقفها ،
إن المفكّر والثوري لينين كتب في كتابه المعروف ( الماديّة ونقد الفكر التجريبي في معرض حديثه عن الطاقة يقول: إن الطاقة هي حركة المادة فكيف يمكن تصوّر حركة بدون جسم مادّي إذ هو الذي يتحرّك ، إن قناعتي بهذا المفهوم الحديث لها أهمية كبرى في تكريس الفكر الفلسفي العلمي وتخليصه من المثالية والأفكار الوضعيّة ، أرجو تفضلكم بإجابتي وبشكل موجز ومفيد لعلّي أنتفع وأفهم بعضا مما لازلت غير قادرٍ على هضمه
تقبّلوا وافر تحياتي وتقديري وسلامي لحضرة المدام وكل من معكم

سنان أحمد حقّي
مهندس ومنشغل بالثقافة
دهوك في 2014-03-06"
هذا وقد أجابني أخي العالم الجليل الأستاذ الدكتور إبراهيم ميزر الخميسي مشكورابرسالة جوابية ما زال نصها موجودا على شبكة التواصل الإجتماعي لحد الآن ،وأضع هنا نصّها :
إجابة الدكتور إبراهيم ميزر
"أخي العزيز سنان، تحية لك وللعائلة الكريمة! أما عن سؤالك فلقد أجبت أنت عنه، فالكتلة والطاقة هما شكلان من أشكال المادة، وهما مترابطان فيما بينهما ترابطا وثيقا بمعادلة آينشتاين التي ذكرتها في رسالتك. فالكتلة ليست المادة ذاتها، وانما واحدة من خصائصها ومقدار استمراريتها ومقاومتها لتغيير الحركة. وهذا المقدار، أي الكتلة، مساو للطاقة التي هي مقدار آخر يميز الحركة، أو شكل آخر من أشكال المادة. أعطيك مثالا : عندما يتصادم الكترون مع ضديده البوزيترون يفنى الإثنين والنتيجة ظهور اثنين من الفوتونات. وهذا يعني ان المادة تحولت من شكلها الجسيمي(الكترون وبوزيترون) الى شكلها الطاقي (فوتونين).هذا باختصار شديد، وارجو ان لا تتردد اذا كانت هنالك حاجة لمزيد من التفاصيل او الإيضاح! شكرا لك واتمنى لك يوما سعيدا!
الدكتور إبراهيم ميزر الخميسي"
وهذا يؤكّد بشكل قاطع ما حاولت الذهاب إليه وكذلك يقطع بأحدث المعلومات ان ما كتبه لينين كان صحيحا وصادقا وما يزال وأن المادّة عند تحوّلها من شكل إلى آخر تتحرّر طاقة وأن هذه المعلومات لم تتبدّل من حيث جذورها العلميّة
ومن هنا نفهم أن الفكر المثالي بكل حملاته الدعائية لم يُوفّق إلى تمرير فكرة فشل الفكر المادّي بهدف العودة إلى الفكر المثالي ولكن شيئا واحدا يمكن أن نعلّق به حول الموضوع وهو أن العلاقة بين المادة والطاقة لم يُحسم فيها مبدأ الأولويّة من النواحي الفيزياويّة بل ان تلازمهما قائم على أساس من التكافؤ والنديّة فقط.
إنني أستعرض هذا الأمر لأقطع الطريق على أتباع الفكر المثالي والوضعيين من أدعياء العلم وأؤكّد أن العلوم لا تتخلى عن موضوعيتها وان العلم لا يُحابي أحدا ،غير أن نظرية المعرفة التي كتب فيها المفكّر الثوري لينين أيضا تقضي بتبادل التأثير حسب قوانين الجدل المعروفة فالمادّة عند حركتها تؤثّر على الفكر أو الفكرة ثم تعود الأفكار تؤثّر على المادة وهكذا دواليك ولهذا يتناوب المنهج الموضوعي مع الوضعي في طورين متتاليين وهذا بالضبط ما يقوم به العلماء في مختبراتهم وأبحاثهم وهم أكثرنا صدقا في منهجيتهم هذه
وفي نهاية مقالي المتواضع هذا أود أن أقول أن المادة لا تتحول إلى طاقة ولا العكس بل أن تحوّل المادة من شكل إلى آخر هو الذي ما زال يحرر طاقة كما كان الأمر عند فيزياء نيوتن والمثل الذي ضربه أخي العالم إبراهيم الخميسي هو خير الأمثال عندما قال إن الألكترون عندما يصطدم ببوزيترون فإنه يفنى ولكن ينتج الفوتون وهو طاقة أي أن المادة تحرر طاقة ، وأن الكتلة ليست هي المادة بل هما أي الطاقة والكتلة شكلان من أشكال المادة
وأن من كان يعتقد أن المادة تتحول إلى طاقة بموجب معادلة آينشتاين فإنه يُخطئ
وهذا هو ما أردنا التوصل له
والسلام