حوار مع محمد دوير


حسقيل قوجمان
2014 / 3 / 8 - 13:09     

حوار مع محمد دوير
دعت ادارة الحوار المتمدن كتابها الى المشاركة في حوار مع محمد دوير الذي قدمته الى القراء على انه " مؤسس حملة يسار موحد وناشط يساري مصري"
لا اعرف ان كان محمد دوير فعلا اول مؤسس لحملة يسار موحد في مصر اذ يبدو لي ان حملة توحيد اليسار المصري ليست جديدة كل الجدة، ولكن هذا لا يغير من واقع وجود حملة تناضل من اجل توحيد اليسار المصري. ومن المعروف ان حملات توحيد اليسار في بلدان عربية اخرى لها تاريخ طويل كحركة توحيد اليسار في سوريا والعراق وغيرها التي انقضى على عمرها سنوات عديدة ولم تنجح في تحقيق توحيد المنظمات اليسارية العديدة الموجودة والناشئة كالفطر في هذه البلدان.
يستهل الاستاذ محمد دوير مقاله بعبارة مقتبسة من مقال للينين بعنوان "الحزب الاشتراكي والثورية اللاحزبية" كتبه في ديسمبر 1905فيما يلي نصها: "ان الحركة الثورية في روسيا، اذ تشمل بسرعة فئات جديدة وجديدة ابدا من السكان، تخلق جملة كاملة من المنظمات اللاحزبية. ان الحاجة الى الاتحاد تشق لنفسها طريقا بقوة تتزايد بقدر ما خلقوها ولاحقوها زمنا اطول." وينهي اقتباسه بعبارة من عنده "اما الوحدة او الموت"
في الفقرة الثانية من نفس المقال يكتب لينين "ماهي اهمية هذه الظاهرة؟ اي موقف يجب ان تقفه الاشتراكية الديمقراطية منها؟
ان الحزبية الصارمة هي رفيقة ونتيجة النضال الطبقي العالي التطور. ... ولهذا يحارب حزب البروليتاريا الواعية، تحارب الاشتراكية الديمقراطية، على الدوام، وبصورة طبيعية تماما، ضد اللاحزبية."
واضح من الفقرة التي اقتبسها محمد دوير والفقرة التالية لها التي اقتبستها من نفس المقال لا علاقة لها بما يشبه توحيد الحركة اليسارية التي ينادي بها محمد دوير في مقاله ويعتبر "اما الوحدة او الموت"
واضح ان لينين يتحدث عن ظاهرة اخرى هي نشوء حركات لا حزبية كثيرة ويحدد موقف حزب البوليتاريا الواعية ويعتبر الاشتراكية الديمقراطية مرادفا لحزب البروليتاريا الواعية، ويقرر ان الاشتراكية الديمقراطية، في 1905 ، اي قبل ان تنحرف الاشتراكية الديمقراطية، ضد اللاحزبية، ما يعني النضال من اجل تحويل الحركات اللاحزبية الى حركات حزبية وجذبها طبعا نحو الاشتراكية الديمقراطية.
ولينين لا يتحدث هنا عن المنظمات الحزبية العديدة القائمة انئذ في المجتمع الروسي، بل يعتبر الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي يقوده مرادفا للاشتراكية الديمقراطية بدون علاقة بالمنظمات الاخرى التي كان حزب البروليتاريا الواعية يناضل ضدها نضالا شديدا ويفضح انتهازيتها او رجعيتها كما يعرفه تاريخ الحزب الاشتراكي الديمقراطي وكتابات لينين الاخرى ضد التيارات القائمة مثل الاقتصاديين والمنشفيك وغيرهم. ان لينين لم يكن يدعو الى توحيد حزبه مع هذه الاحزاب اطلاقا.
بالعكس يتحدث لينين عن " ان الحزبية الصارمة هي رفيقة ونتيجة النضال الطبقي العالي التطور". يؤكد لينين على ان الحزبية الصارمة هي من سمات النضال الطبقي العالي التطور وهذا يعني تمسك الحزب الاشتراكي الديمقراطي ينبغي ان لا يتزحزح عن مبادئه ونظامه واهدافه التكتيكية والاستراتيجية قيد شعرة وان يكون اشد تصميما عليها كلما تطور الصراع الطبقي بخلاف النضال ضد اللاحزبية. فالحزب ككيان قيادي اداة ضرورية لتطوير الصراع الطبقي والاتجاه به نحو اهدافه الاستراتيجية ولكنه عاجز عن تحقيق اي هدف حتى من اهدافه اليومية التكتيكية من دون الجماهير التي يقودها. فالجماهير هي التي تحقق الاهداف وليس الحزب. ولذلك يناضل الحزب ضد اللاحزبية لدى الجماهير من اجل توجيهها الى العمل السياسي، الى العمل الحزبي، والعمل على جرها الى الاعمال الجماهيرية الضرورية من اجل تحقيق الاهداف السياسية.
فالماركسية اللينينية تعني في هذا الموضوع عدم التنازل عن المبادئ من اجل الوحدة والنضال من اجل تحريك الجماهير سياسيا لصالح كل الاحزاب والعمل في الوقت ذاته على اقناعها بان الاشتراكية الديمقراطية، البلشفية، هي الحركة التي تمثلهم وتمثل مصالحهم اكثر من الاحزاب والمنظمات السياسية الاخرى.
لينين يتحدث في هاتين الفقرتين عن النضال ضد اللاحزبية. ومن المفيد الحديث قليلا عن هذا النضال ضد اللاحزبية لاهميته في الحركة الثورية في ايامنا كما كانت عند كتابة هذا المقال. يعني النضال ضد اللاحزبية العمل في المنظمات التي تنشا في المجتمع كالنقابات والمنظمات الاجتماعية والحرفية بشتى اشكالها لغرض تحويلها من منظمات لا حزبية الى منظمات حزبية عن طريق النضال المثابر لاعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي في داخلها الى جانب نضال اعضاء الاحزاب الاخرى التي تناضل هي ايضا لتحويل المنظمات اللاحزبية الى منظمات حزبية تميل اليها.
ان سياسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في هذا الكفاح ضد اللاحزبية كانت صارمة ودقيقة في طابعها، كانت تعني ان هذا الكفاح ضد اللاحزبية يجري من داخل المنظمات اللاحزبية عن طريق الصراع من قواعد هذه المظمات من اجل الحصول على قيادة هذه المنظمات. وهذا كفاح يجري بصورة طبيعية من قبل كافة الاحزاب والمنظمات السياسية القائمة في البلاد. اي ان الحصول على القيادة التي تحول المنظمة اللاحزبية الى منظمة حزبية يحصل عن طريق النضال الحقيقي من القاعدة لا عن طريق فرض القيادة من اعلى. كان الحزب الاشتراكي الديمقراطي تحت قيادة لينين صارما في هذا الموضوع لان الحصول على القيادة عن طريق النضال من القاعدة يجعل المنظمة قوة حقيقية للحزب اما فرض القيادة من اعلى فيفصل بين القيادة المفروضة من اعلى وبين القواعد الجماهيرية للمنظمة ويجعل قيادة المنظمة قيادة شكلية لا يمكن الاعتماد عليها عند اشتداد الصراع الطبقي.
اهم مثل على هذا الكفاح ضد اللاحزبية كان الصراع داخل منظمة السوفييتات. رغم صراع الحزب الاشتراكي الديمقراطي المتواصل والعنيد من اجل الحصول على قيادة السوفييتات من القاعدة كانت قيادة السوفييتات حتى بعد ثورة شباط للمنشفيك والاشتراكيين الثوريين وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي اقلية في قيادة السوفييتات مما ادى الى انحياز السوفييتات للحكومة البرجوازية. ولكن كفاح الحزب الاشتراكي الديمقراطي استمر حتى تحققت قيادة الحزب من القاعدة عن طريق الانتخابات الحقيقية الى الحزب في تموز على ما اتذكر فاعلن الحزب عند حصوله على الاغلبية في قيادة السوفييتات عن نضوج الثورة.
ركزت في الحديث عن هذه الظاهرة لان التجربة في النضال ضد اللاحزبية في تاريخ الحركات في بلادنا كانت تختلف عن اتجاه الحزب الاشتراكي الديمقراطي البلشفي. فتجربة قيادة المنظمات النقابية بعد ثورة تموز في العراق كانت عكس صراع الحزب الاشتراكي الديمقراطي بدرجة مائة وثمانين درجة. فبعد الثورة فرض الحزب الشيوعي العراقي قيادته من اعلى على كافة الحركات النقابية مما ادى الى خلق بون شاسع بين النقابات وبين القيادة الشيوعية التي بلغت مائة بالمائة حين اشتد النضال. فحين اعتقلت حكومة عبد الكريم قاسم جميع قادة اتحاد نقابات العمال لم تبد جماهير النقابات اية مقاومة او اي اهتمام لاعتقال القيادة وهذا هو الفرق بين القيادة التي تتحقق عن طريق النضال من القاعدة للحصول على القيادة وبين فرض القيادة من اعلى والطلب من القواعد الخضوع للقيادة المفروضة.
شرحت اعلاه معنى موضوع الكفاح ضد اللاحزبية الذي بحثه لينين في كامل المقال المقتبس اعلاه وفي فقرتيه الاوليين المقتبستين من المقال لاهميته في الصراع الطبقي الذي يجري في بلداننا العربية في ايامنا. ولكن المقال والفقرتين المقتبستين لا علاقة له بموضوع الحوار، وحدة اليسار المصري. ان موضوع وحدة اليسار في مصر وغير مصر موضوع يختلف كل الاختلاف عن موضوع الكفاح ضد اللاحزبية المبحوث في مقال لينين احاول ان اناقشه في حلقة تالية.