سنتان بعد حملة الاستئصال البيروقراطية: التوجه الديمقراطي بالاتحاد المغربي للشغل يصمد، يقاتل وينتصر...


مهدي رفيق
2014 / 3 / 6 - 21:55     

بحلول 05 مارس من السنة الجارية، تكون قد مرت سنتان على قرارات الطرد المشؤومة، التي اتخذتها الزمرة البيروقراطية المتحكمة في شؤون الاتحاد المغربي للشغل، والتي طالت أنصار الديمقراطية العمالية والشفافية في تدبير شؤون أكبر منظمة عمالية بالمغرب، وكما يعلم الجميع فإن أسباب الطرد، التي تم اتخاذها ابتداء 05 مارس 2012، تعود إلى عدة عوامل داخلية، وأخرى سياسية أهمها:

 تشبث التوجه الديمقراطي بتفعيل نتائج المؤتمر العاشر خاصة فيما يتعلق بتفعيل المقرر التنظيمي، لا سيما عبر وضع نظام داخلي للاتحاد في المدة التي حددها المؤتمر العاشر (أي في غضون سنة بعد انعقاد المؤتمر)، هدفه من جهة تدقيق القانون الأساسي، ومن جهة أخرى المساهمة في أجرأة المقرر التنظيمي، ومراجعة القوانين الأساسية للجامعات الوطنية والاتحادات النقابية والنقابات الوطنية والتنظيمات الموازية لملاءمتها مع القانون الأساسي ولتشكل مرتكزا لتطورها التنظيمي على أسس عصرية وديمقراطية، ما قد يساهم في إعادة هيكلة الجامعات الوطنية، والاتحادات النقابية الإقليمية والجهوية الموروثة عن الحقبة المحجوبية، وما أدراك ما الحقبة المحجوبية، على أسس ديمقراطية وشفافة، والقطع مع واقع الفوضى والتحكم الفردي في شؤون النقابة الذي كرسه المحجوب بن الصديق طيلة نصف قرن؟؟.

 إصرار التوجه الديمقراطي داخل الاتحاد على فتح موضوع أملاك الاتحاد وماليته، الذي تعيث فيها البيروقراطية نهبا وفسادا، ومطالبته بتقديم تقرير سنوي حول القضايا المالية تفعيلا لقرار المؤتمر العاشر في هدا الشأن، وهو ما قد يعرض امتيازات الزمرة البيروقراطية للخطر ويكشف تلاعبها بمالية الاتحاد كوسيلة لضمان ولاء "المسؤولين النقابيين" في العديد من الأجهزة الوطنية والقطاعية والجهوية والإقليمية؛

 موقف التوجه الديمقراطي المساند والمدعم والمنخرط في نضالات حركة 20 فبراير المجيدة التي وضعت كفاح الشعب المغربي في صدام سياسي مباشر مع معسكر الاستبداد والتبعية والاستغلال، وهو ما لم ترتضيه القيادة البيروقراطية التي حصرت كفاح الاتحاد مند ستينيات القرن الماضي في " سياسة الخبز" مكتفية بنقد لفظي لنظام الحكم؛

 موقف التوجه الديمقراطي الرافض للدستور الممنوح، والذي دعت منظمتنا النقابية بالتصويت عليه، لأول مرة منذ تأسيسها في 20 مارس 1955، تحت تأثير الضغط السياسي المتنامي لحزبي لأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية، علما أن هذا الدستور تراجعات خطيرة على مستوى الحريات النقابية (حصر النقابة في تأطير الأجراء وفسح المجال لتدخل الدولة في شؤونها بدعوى حماية الديمقراطية النقابية، (الفصل 8) وتكريس التقشف عبر الارتقاء بمبدأ "التوازن المالي للدولة" إلى مستوى قاعدة دستورية الفصل (77)، وما قد يترتب عنه من استمرار في نهج السياسات والمخططات التفقيرية ضد الطبقة العاملة، هذا فضلا عن تخلي الدولة على ضمان الحقوق الأساسية للعمال واقتصار دورها على "تيسير أسباب الاستفادة منها" الفصل 31.

ولم تكتف البيروقراطية بتفعيل قرارات الطرد التعسفية، بل عملت على إغلاق المقرات النقابية (الرباط، تازة، الحسيمة، خريبكة،...) في وجه قطاعات واسعة من النقابيين/ات، وطبخ مؤتمرات فوقية في ضرب صارخ للقانون الأساسي للاتحاد ولمقرراته القائمة على إشراك المعنيين بالأمر في تدبير شؤونهم النقابية، وتقسيم الوحدة التنظيمية لقطاعات نقابية مهمة من قبيل الاتحاد النقابي للموظفين والجامعة الوطنية للتعليم ونقابة الجماعات المحلية، كما حاولت الالتفاف على الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي عبر تفريخ نقابة وهمية تحت مسمى "نقابة الفلاحين الصغار والغابويين"، بمساندة ودعم رفاق كنا نعتقد دوما ولا نزال بأن موقعهم الطبيعي، إن هم أرادوا بشكل صادق المساهمة في خدمة مشروع التحرر العمالي، يتحدد في مناهضة البيروقراطية ومحاربتها والإسهام في تقوية وتجذير الخط الكفاحي والديمقراطي داخل الاتحاد.

أمام هذا الوضع، لم يبق أنصار التوجه النقابي الديمقراطي مكتوفي الأيدي، ولم يختاروا سياسة الهروب إلى الأمام عبر قلب اليافطة النقابية من أول ضربة قوية يتلقونها من لدن البيروقراطية، أو لجوئهم إلى خلق كيان نقابي آخر باسم النقابية الراديكالية أو من أجل تجميع النقابيين الشرفاء في نقابة ديمقراطية "نقية" و"طاهرة" و"يسارية" وخالية من الفساد والمفسدين، بل ارتأى مناضلو ومناضلات التوجه الديمقراطي منذ البداية تكريس تشبثهم بالاتحاد بكل ما يعنيه ذلك من استمرار في نهج سياسة مقاومة البيروقراطية من الداخل، أي من داخل الاتحاد كمنظمة عمالية تئن تحت وطأة التيارات الرجعية والانتهازية، منظمة عمالية تسخرها هذه التيارات بمنظور بيروقراطي يخدم المصالح الحيوية للباطرونا والرأسمال الأجنبي بمبرر "النقابة المواطنة" و"دعم تنافسية الاقتصاد الوطني"، بما يضمن بطبيعة الحال تحقيق مصالحها المادية والمعنوية الخاصة، ويضمن استمرار امتيازاتها الخاصة كشريحة طفيلية داخل الحركة العمالية.

وفي هذا الصدد، انتهى التوجه الديمقراطي إلى إبداع أشكال وآليات تاكتيكية عدة لتدبير الصمود عبر عقد مؤتمرات قطاعية في وقتها (التعليم والجماعات المحلية، والاتحاد النقابي للموظفين) دفاعا عن وحدة القطاعات النقابية المناضلة في الاتحاد. وبغية تدبير معضلة الشرعية القانونية على اعتبار أن الأمر يتعلق بعمل نقابي ديمقراطي جماهيري من مقوماته الأساسية الاعتراف القانوني، لجأ التوجه الديمقراطي إلى فك ارتباطه المؤقت على مستوى القانون الأساسي للاتحاد، لتفويت الفرصة على تحالف السلطة والبيروقراطية الساعي إلى جعل هذا التوجه المكافح يغرد خارج سرب الاتحاد.

وقد تمكن التوجه الديمقراطي بفضل حنكة مناضليه وخبرتهم الطويلة والقاسية في مناهضة البيروقراطية من الداخل، من تفويت الفرصة على أعداء الديمقراطية العمالية الذين كانوا يراهنون على عزل التوجه الديمقراطي عن قواعد الاتحاد، مما جعله ينجح إلى بعيد في تدبير مرحلة الصمود وينخرط بعزيمة وثبات في إعادة هيكلة قطاعات التوجه الديمقراطي بما ينسجم والخط الكفاحي الديمقراطي وعلى أساس مبادئ الاتحاد الأصيلة (الديمقراطية، الجماهيرية، الاستقلالية، التقدمية، التضامن، والوحدة النقابية)، محققا نتائج إيجابية وملموسة، لا سيما في قطاع التعليم والجماعات المحلية، كما تمكن الاتحاد النقابي للموظفين من تجسيد حضوره الميداني المكافح في أكثر من مناسبة، وخاصة من خلال الإضرابين الوطنيين المصحوبين بمسيرتين حاشدتين في كل من 28 فبراير 2013 و06 فبراير من السنة الجارية. كما تمكنت الجامعة الوطنية من القطاع الفلاحي من الصمود في وجه خطة التقسيم التي تنهجها البيروقراطية، كما تمكن مسؤولوها من تدبير مالية الجامعة بشكل حازم لا سيما بعد رفض الأمانة الوطنية للاتحاد تمكينهم من بطاقات تجديد العضوية برسم سنة 2014.

وعلى صعيد الالتزام بخط الوحدة النقابية، كبديل استراتيجي عن واقع التشرذم والانقسام المصطنع الذي ينخر الصف العمالي، لم يتردد التوجه الديمقراطي في دعوة بقية الأطراف النقابية المناضلة إلى الانخراط الميداني الجدي في تحضير شروط الإضراب العام الوطني كآلية لا محيد عنها للوقوف في وجه المخططات المعادية لحقوق العمال ومصالحهم الحيوية، وفي هدا الصدد شارك التوجه الديمقراطي في عدة مبادرات وحدوية (المسيرة النقابية في 27 ماي بالبيضاء، ومسيرة 31 مارس 2013 بالرباط التي دعتا إليهما الكنفدرالية الديمقراطية للشغل والفدرالية الديمقراطية للشغل)، كما لم يتردد في دعم مبادرة العمل الوحدوي الذي دشنته مركزيتنا النقابية، في فبراير الماضي، مع ك.دش وف.دش، معتبرا بأن إمعان الحاكمين في إفقار الطبقة العاملة والإجهاز على مكتسباتها التاريخية يستلزم انكباب الجميع على توفير شروط رد عمالي وطني موحد على أرضية المطالب الحقيقية والأساسية للشغيلة المغاربة.

طبعا لا يعني هذا أن التوجه الديمقراطي لا يعاني من نواقص ولا تعتري ممارسته صعوبات جمة، وخاصة ضعفه البين في القطاع الخاص، وهي سمة ملازمة للعمل النقابي وطنيا وعالميا، بفعل مخططات تفكيك القطاعات الصناعية وما نتج عنها من تسريح لمئات الآلاف من العمال وبحكم تفشي الهشاشة داخل الوحدات الإنتاجية (العمل بالعقدة المحددة المدة) وكذلك بسبب تفشي الفساد والسمسرة التي أساءت للعمل النقابي وتوالي الهزائم التي تكبدتها المعارك العمالية في عزلة قاتلة، لكن هذا لا يعني عدم صمود النقابيين الديمقراطيين في تنظيم وتأطير معارك عدة في القطاع الخاص.

وما من شك أن هذا التحدي مطروح بقوة على أنصار التوجه الديمقراطي الذين يسعون بكل جهد لإعادة هيكلة التوجه داخل الوحدات الإنتاجية بالقطاع الخاص، والذين يتواجدون يوميا إلى جانب العديد من المعارك العمالية قصد تحقيق انغراس نوعي في صفوف الطبقة العاملة.

ومن أجل تذييل الصعوبات التي نواجهها في هذا المضمار، أعتقد أن من شأن تفعيل التضامن العمالي مع كافة المعارك التي يخوضها الأجراء سواء داخل الاتحاد أو خارجه، والمساهمة في تكوين النقابين في القطاع الخاص وتأطيرهم بما يسمح لهم بإدراك حقوقهم ومصالحهم المستقلة عن مصالح أرباب العمل، والانخراط الجماعي الواعي والمنظم على أرضية خطة وطنية لتنظيم العمال نقابيا أن يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية في هذا المجال، ما قد يؤهلنا لكسب هذا الرهان الحيوي والحاسم على المدى المتوسط.

وفي هذا الصدد، ينبغي الاستفادة من الانتشار الكمي للمكونات النقابية للتوجه الديمقراطي، لا سيما داخل قطاع الوظيفة العمومية (الجامعة الوطنية للتعليم تحظى بمصداقية منقطة النظير في قطاع حيوي واستراتيجي يقدر بحوالي 290.000 أجير(ة)، والجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي التي تعتبر إحدى ركائز العمل النقابي في القطاع الفلاحي الذي يتشكل بأزيد من 8.900 أجير (ة)، دون احتساب مئات الآلاف من العمال الزراعيين، والجامعة الوطنية لموظفي وعمال الجماعات المحلية التي تنشط في قطاع حيوي ومهم يضم أزيد من 150.000 أجير(ة) ، هذا فضلا عن الحضور النوعي والمصداقية التي يتمتع بها الاتحاد النقابي للموظفين/ت باعتباره البوتقة التي تنصهر فيها جهود مكونات التوجه الديمقراطي داخل القطاع العام، والذي أعاد الاعتبار، بفضل صموده وكفاحيته ووضوح مواقفه، للعمل النقابي لمركزيتنا النقابية –إ.م.ش- داخل قطاع الوظيفة العمومية، هذا الحضور الذي كان قد تضرر كثيرا بفعل سياسة المحجوب بن الصديق الذي حرص منذ إفشاله لإضراب الموظفين في 19 يونيو 1961 (1) ضدا على إرادة الآلاف من القواعد والمناضلين الاتحاديين، على تفادي أي اصطدام مع نظام الحكم داخل قطاع الوظيفة العمومية، وذلك قبل أن يتدارك أنصار التوجه الديمقراطي هذه المعضلة وكافحوا بقتالية منقطعة النظير من أجل إعادة بناء الاتحاد النقابي للموظفين في 2001، محافظين على وحدته ضد مخطط التصفية والتقسيم والتخريب النقابي الذي باشرته البيروقراطية بشكل مكشوف منذ 05 مارس 2012.

كما أن الانخراط النقابي الميداني المكافح للتوجه الديمقراطي قطاعيا من خلال تنظيمه وتأطيره لعدة معارك (الفلاحة، التعليم، البلديات، التعاضد، العمال الزراعيون، عمال الشركة الصينية "سينوهيدرو" لبناء الطريق السيار قرب تمارة ...) أو على الصعيد الوطني من خلال المعركة القوية التي قادها الاتحاد النقابي للموظفين/ت، قد وضع بقية مكونات الصف النقابي المغربي أمام محك حقيقي لا سيما في ظل تنامي الصيحات المعارضة لبنكيران من طرف الجميع.

إن هذا الالتزام النقابي الميداني للتوجه الديمقراطي على أساس المصالح الفعلية للأجراء سيساهم لا محالة في فتح مسار معارضة نقابية واسعة لسياسات التقشف التي يستمر نظام الحكم في تطبيقها، خاصة من قبل القواعد النقابية والمناضلين الديمقراطيين في النقابات المناضلة، ويحفز مسلسل الوحدة النضالية الكفيلة بخلق ميزان قوى حقيقي من شأنه تأهيل الشغيلة المغاربة للوقوف في وجه المخططات التفقيرية والطبقية التي تستهدف ضرب مكاسبها وحقوقها التاريخية في الأجور والحماية الاجتماعية والتقاعد والحريات النقابية.

وأمام حدة الهجوم البرجوازي الشامل والمعمم على حقوق الطبقة العاملة وعلى مكاسبها التاريخية، وأمام طبيعة المهام الجسيمة التي تطرحها الحالة النقابية الراهنة، فإن النقابيين الديمقراطيين، وفي مقدمتهم مناضلي(/ت) التوجه الماركسي الثوري، معنيون اليوم وقبل أي وقت مضى بالانخراط الجاد والمسؤول في تطوير مسار إعادة البناء النقابي بالمغرب وفق برنامج يمكن من تحسين شروط نضال الطبقة العاملة، والذي نعتقد أن من بين عناصره الأساسية:

 صياغة برنامج مطالب يلبي طموحات الشغيلة المعاربة ويدافع عن حقوقهم ومصالحهم التاريخية في جميع المجالات الاجتماعية والمهنية والديمقراطية، ويدفعهم تدريجيا من خلال معاركهم وخبرتهم الملموسة نحو إدارك تعارض مصالحهم مع وجود نظام الرأسمالية التابعة واستمراره؛

 الاهتمام بالدعاية النقابية عبر تطوير الإعلام العمالي لمواجهة الدعاية البرجوازية المسمومة، من خلال إصدار منشورات ونشرات وجرائد نقابية تتناول القضايا الملحة للعمل النقابي وتوضح أوجه الهجوم البرجوازي على حقوق الأجراء، والاهتمام بالتكوين النقابي حول قضايا ملموسة تسترعي اهتمام الأجراء (الحماية الاجتماعية، التقاعد، الحريات النقابية، المقاصة، التعاضد، أنظمة الوظيفة العمومية...)؛

 تطوير الوحدة النضالية مع كافة المكونات النقابية المناضلة، مع الحرص على التقدم بمبادرات ملموسة في هذا الشأن، وتدعيم كل الخطوات النضالية الملموسة الرامية إلى تعزيز وحدة الصف العمالي، وتقوية التضامن عبر كافة الوسائل والإمكانات المتاحة؛

 التشبث بخيار الوحدة النقابية والعمل من أجل تحقيقه على أرض الواقع باعتباره شعارا حقيقيا يجسد السياسة العمالية الرامية إلى مواجهة مخططات التقسيم التي نهجها النظام ودعمتها كل القوى الرجعية والانتهازية على مر التجربة النقابية المغربية من أجل تفكيك جبهة العمال وتخريب وحدتهم التنظيمية

 الاستمرار في دعم المعارك السياسية للشعب المغربي، لا سيما من خلال حرص أنصار التوجه الديمقراطي على تطوير حركة 20 فبراير والنهوض بها وإعادة بنائها، بما يضمن مساهمتها النوعية في مناهضة الاستبداد السياسي ببلادنا ويمكنها من مواجهة السياسات العدوانية التي ينفذها النظام ضد شعبنا الأبي؛

 الاستمرار في مد يد التعاون مع باقي مكونات أنصار الديمقراطية العمالية في النقابات المناضلة، وفي مقدمتهم مناضلي(/ات) الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الذي عبر قطاع واسع منهم على استيائه ورفضه لطريقة إعداد المؤتمر الأخير ولنتائجه المحكومة بهاجس التحكم السياسي الفوقي في شؤون النقابة وتسخيرها لخدمة أجندات حزبية تسعى إلى مناوشة نظام الحكم والضغط عليه لتحقيق تنازلات سياسية شكلية، وقد كان لهذا الرفض أن يساهم في تقوية التوجه النقابي الديمقراطي الكفاحي داخل الكنفدرالية، لولا وقوف البعض ضده، لا سيما العرقلة التي طالت موقف نقابيي الحزب الاشتراكي الموحد من قبل قياداتهم السياسية التي تناضل منذ سنين من أجل "دمقرطة المجتمع" في حين تغض الطرف على ذبح الديمقراطية النقابية في واضحة النهار؟؟، من أجل عدم عرقلة بناء فيدرالية النضال من أجل "الملكية البرلمانية" والحيلولة دون إغضاب حليفهم الاستراتيجي المتحكم في شؤون الكنفدرالية (المؤتمر الوطني الاتحادي)

وفي هذا الصدد، نتمنى أن يسفر هذا الرفض الذي عبرت عليه فعاليات مناضلة واسعة داخل الكنفدرالية (مناضلو الاشتراكي الموحد، والنهج الديمقراطي والاشتراكيون الثوريون مناضلو تيار المناضل-ة، ومناضلون عن حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، ومناضلون ديمقراطيون كفاحيون مستقلون...) عن تقوية التوجه النقابي الديمقراطي الكفاحي داخل هذه المنظمة العمالية العتيدة، ليساهم في توفير الشروط النقابية والبرنامجية والنضالية الضرورية للضغط على البيروقراطيات من أجل تشكيل الجبهة العمالية المتحدة كشرط لا غنى عنه قصد التصدي للمخططات البرجوازية.

وانطلاقا من هذه الاعتبارات، ومن جسامة المهام المطروحة على التوجه الديمقراطي في هذا الظرف العصيب، نعتقد بأن مستقبله رهين بالاستمرار في تجسيد توجهاته البرنامجية بكل صبر وأناة، وفي مقدمتها المهام التي أعلنتها ورقة "لماذا الإضراب العام بقطاع الوظيفة العمومية؟"، والتي لا بأس من التذكير بها بالنظر لأهميتها البالغة باعتبارها ليست مجرد مهام برنامجية للتوجه الديمقراطي داخل إ.م.ش فقط، وإنما بوصلة حقيقية من شأن الاهتداء بخطها أن يدفع النقابيون الديمقراطيون الكفاحيون إلى لعب دورهم الحقيقي في الاضطلاع بمهام البناء النقابي على أسس ديمقراطية وكفاحية.

نقرأ في الورقة المشار إليها أعلاه، معالم بناء خط نقابي كفاحي وديمقراطي واضح المعالم من خلال تأكيد التوجه الديمقراطي على "أن تقاعس قيادات مجمل النقابات العمالية في طرح أية خطة نضالية لرد العدوان على الأجراء، وانطلاقا من مسؤولياتنا النضالية والتاريخية كتوجه ديمقراطي داخل الاتحاد المغربي للشغل، فإن دعوتنا لخوض الإضراب الوطني في قطاعات الوظيفة العمومية، يعود إلى:

• أن التصدي للهجوم البرجوازي الذي تتعرض له مكاسب وحقوق الأجراء ومن ضمنهم الموظفون، يقتضي توحيد جهود النقابات المناضلة، لتقوية العمل النقابي الوحدوي على أساس المطالب الاستعجالية الملحة للشغيلة المغاربة، وتطوير التعاون النضالي مع الحركات الشعبية المناضلة بالعالم القروي، ومع حركة الشباب المعطل والطلاب، وكادحي الأحياء الشعبية، وكل مكونات الحركة الاجتماعية المناضلة؛

• التشبث المبدئي بالنهج النضالي الوحدوي كآلية فعالة لصد العدوان على الحقوق والحريات، مع الحرص على المساهمة في إنضاج كافة الشروط النضالية والتنظيمية والبرنامجية لتجسيد هذا الخيار النضالي الوحدوي على أرض الواقع؛

• المساهمة من خلال الإضراب الوطني ليوم 06 فبراير2014 ( شارك في مسيرة الرباط التي صاحبت الإضراب حوالي 15.000 أجير-ة) في صد الهجوم المعمم والشامل الذي تتعرض له مجمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية لعموم الأجراء، والذي أدى إلى تفكيك مكاسبهم وزرع الإحباط في نفوسهم، خاصة أمام تنامي النضال الفئوي وتراجع النضال الوحدوي العام؛

• طرح بديل نضالي وحدوي ضد سياسة القيادات النقابية البيروقراطية الهادفة إلى تهدئة الأوضاع من خلال سلم اجتماعي لا مبدئي مبني على الشراكة مع الباطرونا، وعلى المعارضة اللفظية للسياسات الحكومية العدوانية، وذلك في ظل إمعان هذه القيادات في عرقلة تطور الحركة النقابية المناضلة عبر طرد المناضلين الديمقراطيين وتصفية الفروع النقابية المعارضة لخط المهادنة والاستسلام؛

• دعم الاستعداد النضالي للموظفين والأجراء، الذين لم يبقوا مكتوفي الأيدي، أمام الهجمات الضارية التي تشن ضدهم، بل خاضوا معارك مصيرية في الآونة الأخيرة (مسيرة 28 فبراير لسنة 2013، نضالات المتصرفين وكتاب الضبط، وشغيلة التعليم والصحة والجماعات الترابية...) وبالتالي فإن هذا الاستعداد النضالي الهائل لدى الموظفين، بحاجة إلى درجة عالية من التنظيم والوحدة والمركزة، من أجل الدفاع عن المكاسب الاجتماعية والديمقراطية وتحصينها ضد الحملة العدوانية التي تستهدفها؛

• إن إحداث أي تغيير نوعي، ولو كان طفيفا، في شروط عيش الأجراء والموظفين، غير ممكن إلا إذا اندمجت كل فئات وقطاعات الطبقة العاملة في نضال عام ووحدوي ضد سياسات التقشف والتفقير المنتهجة، وذلك بالنظر إلى أن حدة الهجوم يتطلب ردا جماعيا واعيا ومنظما".

خلاصة القول، أن مستقبل العمل النقابي بالمغرب رهين بانخراط القوى اليسارية الجذرية بروح وحدوية تراعي متطلبات العمل النقابي بما هو عمل ديمقراطي وجماهيري ينبني بالأساس على تلبية الحاجيات الملحة والحيوية للأجراء، وينطلق من أوضاعهم الملموسة ومن خبرتهم الحية في تطوير وعيهم الطبقي وتجذير ممارستهم النضالية، وهذه المهمة نعتقد بأن مجالها الحيوي فيما يتعلق بالاتحاد المغربي للشغل هو التوجه النقابي الديمقراطي ليس باعتباره "تجمعا حزبيا" أو "تنسيقا بين توجهات راديكالية" كما توحي بذلك دعاية البيروقراطية وبعض الأقلام المغرضة، بل باعتباره توجها نقابيا جماهيريا يخوض معركة تصحيح المسار النقابي داخل أكبر منظمة عمالية بالمغرب على أرضية المبادئ الست الخالدة (الديمقراطية، الجماهيرية، الاستقلالية، التقدمية، الوحدة، والتضامن)، ووفق برنامج واضح المعالم يجمع بين مناهضة العدوان البرجوازي على الطبقة العاملة من جهة، على أرضية برنامج مطالب واضح المعالم، وبين العمل على مراكمة شروط حل الأزمة الذاتية للحركة العمالية المغربية، من جهة أخرى، من خلال تقوية الوحدة النضالية والتشبث بخيار الوحدة النقابية التنظيمية كشرط لا غنى عنه لتحقيق قوة النضالات العمالية ووحدتها وربطها بمعركة الشعب المغربي من أجل السيادة الشعبية والعدالة الاجتماعية، وتجسيد بديل نقابي عن البيروقراطية ليس بشتمها بالأقوال، بل تجسيد ذلك وفق خطة نضالية واضحة وسديدة تراعي موازين القوى الحالية وتسعى إلى قلبها لصالح الخط العمالي الديمقراطي الكفاحي عبر تطوير الديمقراطية الداخلية، وتقوية التنظيمات النقابية القائمة والسعي إلى خلق نقاط ارتكاز في صفوف مختلف شرائح الشغيلة، ومراكمة النضالات الميدانية وتعزيز الوحدة الداخلية للعمال.

التوجه الديمقراطي يصمد، يقاتل ويتنصر ويسير في اتجاه تعزيز الوحدة النضالية للعمال المغاربة لتحقيق جبهتهم المتحدة الكفيلة بمواجهة الهجوم البرجوازي.

دورنا جميعا أن نساهم في تقوية هذا الأمل الديمقراطي الكفاحي للحركة العمالية المغربية على طريق ومراكمة شروط ومقومات الاستقلال الطبقي للعمال فكريا وتنظيميا وسياسيا وبرنامجيا. .






هوامش:

(1)- عقد الاتحاد النقابي للموظفين المنضوي تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل في 3 يونيو 1961 اجتماعا فوق العادة، معلنا عن خوض إضراب عام إنذاري لمدة 24 ساعة في جميع مرافق الوظيفة العمومية يوم 19 يونيو 1961، كرد قوي من طرف الاتحاد على البطالة المستشرية واستفحال الرشوة وجمود الأجور(...)، وكذا ضد مخطط التقسيم النقابي المفروض من قبل الدولة عبر خلق نقابة "الاتحاد العام للشغالين بالمغرب" في 20 مارس 1961. وبعد أسبوعان من التعبئة التي لم يسبق لها مثيل، حسب محمد عابد الجابري، في تاريخ الاتحاد المغربي للشغل وقتئذ: حملة توعية وتجنيد، إضرابات قطاعية في كل مكان خلفت اصطدامات وضحايا، ودعم سياسي قوي من قبل المعارضة الاتحادية. وضد كل هذه الجهود العمالية والسياسية الساعية إلى تنفيذ قرار الإضراب وإنجاحه، اجتمع ليلة السبت 18 يونيو، بمقر رئاسة الحكومة، وفد عن الجهاز البيروقراطي برئاسة محمد عبد الرزاق نائب الكاتب العام للاتحاد المغربي للشغل، وادريس المذكوري الكاتب العام للاتحاد النقابي للموظفين بمدير الديوان الملكي ووزير الداخلية والفلاحة محمد رضا كديرة، وقد أسفر هذا اللقاء المشبوه عن إلغاء الإضراب العام دون الرجوع إلى أية هيئة مسؤولة، والاستعاضة عنه باستدعاء المجلس الأعلى للوظيفة العمومية ( كهيئة ذي طبيعة استشارية ليس إلا) "للنظر في مطالب الموظفين واتخاذ التدابير الضرورية"، والذي لم يكن سوى آلية للالتفاف على مطالب الموظفين، بحيث أن محاولة فرض الدولة ممثلا عن نقابة الاتحاد العام للشغالين بالمغرب لحضور أشغال المجلس الأعلى للوظيفة العمومية حال دون انعقاده قط. انظر محمد عابد الجابري، الأزمة بين الحزب والنقابة: المعركة من أجل الديمقراطية أم سياسة الخبز؟ سلسلة مواقف، العدد 5، الطبعة الثانية مارس، 2003 ص 33 إلى ص44.