صراع الرهانات ..


لينا سعيد موللا
2014 / 3 / 3 - 12:04     



إذا كانت الدولة مجموعة عوامل جامعة، فالأكيد أنها ترث من سالفاتها الموقع الجغرافي والتركيبة الشعبية وموروثها الحضاري والديني، وكذلك طوحاتها التاريخية .
والصحيح أنه كلما ازدادت مساحة الدول وصاعدت قوتها الاقتصادية، كلما تضاعفت أطماعها وكلما رددت على مسامع العالم مصطلحات أيديولوجية، تحت مسمى استراتيجية والحفاظ على المصالح .

نعم .. تتغير بعض التفاصيل والرتوش وكذلك الأدوات، لكن النظرة إلى الجار خاصة والآخر عامة تبقى أسيرة للمصالح والنوايا التوسعية، والقدرة على الابتلاع والهيمنة .

فموسكو عادت إلى أوثودوكسيتها بعد بولشفيتها،وطهران إلى شيعيتها بعد علمانيتها، والسعودية إلى الاسلام المعتدل السمح بعد وهابيتها، أما قطر فهي تحاول المزج بين أخونة الدولة والرقص في مسارح البرودوي في الآن ذاته .
استانبول أبقت على هويتها العلمانية مع تغيير في أدواتها، حاولت التقرب من ليبيا ما بعد القذافي عبر الاسلام السياسي، و تبني حزب الأخوان المصري، واحتضان الأخوان السوري، تحالفت مع قطر لاعادة الهوية الاسلامية لمناطق النزاع، بغية الظفر بالمرجعية مقلدة ما تقوم به طهران كمركز القرار بكل أتباع المذهب الشيعي .
مصر العسكرية المثقلة اليوم بمشاكل اقتصادية طاحنة، والمألومة لانسحابها من الساحة العربية والدولية، ستحاول عبر جيشها إعادة بعض الهيبة الداخلية والخارجية، لكن الجيش الجرار لم ينقذ موسكو الحمراء من قدرها الأسود، فالتوسعات التي تهدف إليها الدول الكبرى تجلب أيضاً بذرة الفناء للطامحين بها، هكذا بذر أدولف هتلر بقوة ألمانيا الهائلة وطفرتها الاقتصادية، وكان السبب في احتلالها وتقسيمها،، نابليون كذلك، احتلال فيتنام كان وبالاً على الأميركيين، وأفغانستان على السوفييت .. والأمثلة كثيرة .
في حين أن اليابان شقت طريقها عبر العمل والاقتصاد، وهي الدولة الفقيرة بالموارد الطبيعية والمحاصرة بالماء من كل اتجاه .
لقد أثبت التاريخ أن كل الدول التي راهنت على غير العنصر البشري المكون لها خسرت في نهاية المطاف، وكل الطامحين الكبار من القادة ممن آمنوا بقدرتهم على استعباد الشعوب والظفر بالقوة والهيبة كلفوا شعوبهم ما لا طاقة لهم باحتماله، وكانوا وبالاً عليهم .
الثورات بدورها تقوم في مبادئها على الذات الانسانية، على التعاضد والتلاحم لأجل تحقيق العدالة والحرية والمساواة المفقودة، وكلما التصقت بمبادئها التي نجمع بين القائمين عليها، اختصرت الأثمان وحولت الثورات إلى واقع معاش بسلاسة وتلقائية .
الأسد أدرك أن التجمعات الجماهيرية قادرة على القضاء عليه خلال فترة وجيزة فقضى عليها عبر البطش، حاول في البداية إستيعاب الشارع المنتفض، لكنه كان أغبى من أن يقنعه، فالأسد لم يتجرأ يوماً على قبول فكرة تنحيه عن السلطة، بات كل من ينادي بتداولها أو حتى تقنين الصلاحيات عدواً له، لأن نرجسيته كانت أكبر وبكثير من منطقه الهش .
الأسد راهن على قتل الانسان، على بهيميته، وحول الكثيرين من أنصاره إلى مصاصي دماء، وهذا يتنافى مع جوهر الانسانية ومجد الدول والحضارات، حشر نفسه أمام رهان البقاء مع عطاء الآخرين صلاحيات لم يحلموا بها، ولو خير اليوم الأسد بين رحيله وتفتيت سوريا واقتتالها لمئة سنة وإبادة أغلب سكانها، لاختار بلا تردد الخيار الثاني، لذلك روج شعار الأسد أو نحرق البلد .

مجد الانسان هو عنصر نجاح أي ثورة، هذا هو رهانها الأبرز رفعة المواطن السوري ... على التقدير والغيرية لكافة مكونات الشعب، وإذا كان الأصدقاء يلجؤون هنا إلى شتيمة الآخر ونعته بأبشع أنواع النعوت، فهم ومن حيث لا يدركون يساعدون نظاماً قام على الكراهية.
لقد انتصر غاندي وآخرون عبر إشاعة الحب والتضامن بين أبناء الشعب الواحد، مدركين أنه بالحب وحدة يمكن أن تقام الدول وتنمو الحضارات .
وإذا كنا عازمين على النصر وتلقين الأسد وبائعي الأحقاد درساً، علينا أن نطور في خطابنا هنا، بأن نستوعب الجميع، لأن المراهنة على السوريين هو مفتاح النصر .
لقد كتبت في الشهر للأول للثورة، علينا أن نقنع شعبنا بمبادئنا والصورة التي نرسمها لوطن يستوعب الجميع كما يساوي بين الجميع، إن علينا أن نقنع آل الأسد أنفسهم ..

لقد شطحت بعيداً في أحلامي، لكني ما زلت مصرة من أن الانتصار ومجد الأمم لا يكون إلا عبر بناء الإنسان .

قادمون
لينا موللا
صوت من أصوات الثورة السورية