اميركا ليست قدر محتوم


جورج حزبون
2014 / 3 / 1 - 22:33     


قد يكون موضوع المفاوضات الفلسطينية الامريكية الاسرائيلية ، احد ابرز احداث المنطقة الاوسطية ، دون اغفال اهمية الوضع السوري و تداعياته ، و الوضع المصري و تفاعلاته ، و باقي الوضع العربي و شجونه ، هذا على الصعيد الاقليمي ، و على الجانب الاخر من العالم برزت المسألة الاوكرانية و ما قد تتطوراليه الاحداث بسبب تدخلات بلدان الاطلسي ، مما يهدد وحدة الاراضي الاوكرانية سواء بانفصال ( القرم ) او اية اثنيات اخرى ، ناهيك عن ان اوكرانيا لا تستطيع اقتصاديا النهوض دون روسيا ، بفعل حالة التكامل الاقتصادي القائم بينهم من حوالي قرن ، حيث لا تستطيع اوروبا تحمل عبء احتياجاتهم مما يفاقم الازمة التي وجدت اوروبا واميركا ان مصالحها اهم من شعب و وطن ساهمت في ان ينزلق الى المجهول تحت ذرائع واغراءات لحركات فاشية او مراهقة سياسية .
وان كان من غير الممكن النظر الى اي جزء من العالم بمعزل عن الكون جميعه، بفضل حالات التواصل المتعمق و طبيعة المرحلة الاقتصادية التاريخية ، و انتقال شكل الاستغلال الى معاير و مسميات جديدة ، مثل الشركات العابرة ، او الفوق قومية ، فان للطموح القومي الايراني مكان هام ، و هو صاحب مشروع سياسي ، و المشروع التركي الطوراني العثماني الاسلاموي ، والنهوض للقوى الصاعدة مثل لاثيوبيا في منطقنا و الى مكانة الصين و اليابان و الهند و روسيا وجنوب افريقيا، هي مجموعة البريكس مع البرازيل التي جعلت الوجهة الاسيوية حالة مركزية .
و النتيجة ان كافة هذه الاطراف ، لا يستطيع ان تكون مشاهده من بعيد لماهو متفاعل لينتج ما هوقادم لمنطقتنا ، و هذا ما قد يؤخر الولادة القادمة او يعسرها ، لكنه لن يمنعها حيث اصبحت حتمية ، يزداد هذا اليقين لدى الجميع، من طبيعة الانفلاش السياسي و الفكري لهذا التشظي الحاصل في الوطن العربي ، و غياب يوصله سياسية لقيادة سياسية ، حتى اخذ يبدو الوضع شبيه بمطلع القرن الماضي يوم كانت مصر غائية قومياً ، والشام تتعرض للتامر والتقسيم ، والوهابيون يؤذن لهم بالسيطرة على الجزيرة العربية وطرد ال رشيد والهاشمين و غيرهم ، لتسهيل حركة استغلال النفط و الطاقة و ايضاً لاستخدام هذه القاعدة لغزو ولو فكري لحركة القومية العربية، كما تم بالفعل ، حيث استغل مال النفط في الجزرالعائلية المجاورة لضرب هذه الحركة و انهاكها و تمزيق الوطن لتصبح به اسرائيل دولة مركزية ، صاحبة قرار للحرب و للسلم و للاقتصاد ، و هذا ما تسعى اميركا للوصل النهائي له من خلال مفاوضات كيري ، باقامة جيب فلسطيني في غزة واخر في الضفة ، بغض النظر في النهاية عن المصطلحات السياسية ، هذا ضمن ما يسمح به توازن القوى الاقليمي .
و ان كان ما يجري يهتم به الاخرون و مصالحهم ، فان الخروج من الازمة الاقليمية الى التوازن الدولي يخدم حالة التفاوض و يضعف اثر الدور الاميركي ، و ان كانت الامم المتحدة في الوقت الراهن و بتاثير من حالة الاحتقان العالمي قد ضعف اثرها كثيراً ، الا انها تبقى وعاء سياسياً ، يتفق الجميع على بقائه حاضنة وافقا للحوار بدل التصادم المباشر عند غيابه ، و بهذا فان الدعوة الى انعقاد مؤتمر دولي هو الخيار الاكثر جدوى ، فهو يجمع حضور الامم المتحدة بقراراتها التي يستند الى مشروعيتها المفاوض الفلسطيني ، و الى حضور التوزان الدولي دون ان يحشر في دائرة مجلس الامن ، و بهذا يمكن دعوة مختلف الدولة المهتمة و الصاعدة ،وخلق حالة تشابه الى حد بعيد وضع الجمعية العامة ، مما يضعف هامش المناورات الامريكية الاسرائيلية ، و يخرج المفاوضات عن ( التابو ) الامريكي .
لم يعد موضوع العضوية في منظمات الامم المتحدة مقنعاً لاحد ، كبديل جدي لفشل المفاوضات ، فليست هذه العضوية ( سيف ديمقليس ) ،و ليست لهذه المنظمات اكثر من سلطة ادبية اخلاقية، و ليكن ( تشهيرية )، مع الملاحظة ان للطرف الاخر ايضاً امكانيات وتحالفات ،قد تأخر و تعطل ، مع اهمية و ضرورة الالتحاق بها ، لان اطلاق حملة عالمية لمواجهة الاحتلال و الاستيطان و القمع عملية ضرورية في اي شكل نضالي ، و ان التحالفات الدولية الشعبية تؤدي اليوم مهمة كبيرة في تعبئة راي عام ، له اثر هام من تراجع وتمادي ايه قوى و عزلها ، وا ذ يحتاج الى خطة عمل مفصلة تاخد بالاعتبار فلسطيني المهجر و توظف الفن و الادب و التراث في هذه المعركة الخلاقة .
ليست اميركا قدر ، و هي تعاني من ازمات متتالية ، و هزائم لسياساتها وغطرستها في العالم ، و ليس احجامها عن نهج الحروب الا تعبير عن ازمتها ، و هي مضطرة لاثبات حضورها ، ان تواجه الاخرين على تخومها ، بالمنافسة الاقتصادية و المزاحمة المالية ، الى معالجة مديونيتها العالية وتراجع مكانتها في السوق العالمي ، و من هنا يجب النظر الى دورها في المنطقة حيث هي تجد ان تقسيم المنطقة وهيمنة حليفتا اسرائيل ، سوف يساعد على هيمنة اقتصادية تنهب خيرات و تفتح اسواق استهلاكية، لتجعلها حديقة خلفية بعد ان تمردت عليها حديقتها التقليدية في اميركا اللاتنية .
مخطىء من يعتقد ان شعبنا تعب من مواصلة الكفاح حتى دحر الاحتلال ، وان الواقع الراهن يثبت ذلك ، وليست حالة اهدار طاقات الامة العربية على مذبح المصالح الامريكية الاسرائيلية قادرة على احباط شعبنا ، فلقد ظلت القضية الفلسطينية بوصلة تصوب مجرى النضال العربي تاريخيا ِ، وان استخدام حركات اسلاموية فاشية قادر على حرف مسيرتنا ، لان الدين فلسطينيا هو وضوح الرؤيا وليس حالة غيبوبة وهابية ، فلم تغب مكانة الدين في النضال الوطني الفلسطيني يوما وبذلك لن تكون طارئة عليه ، وهي اداة وحدة مجتمعية لقوم يفخرون بوطنهم كملتقى للديانات الابراهيمية الثلاثة ، تعايشت رغم كل المراحل باحترام ومودة وتضامن كفاحي ، فحرية الوطن تبداء منها حرية الاديان والفكر والمستقبل .