ومات شارون الطاغية بعد أن حقّق ما كان يريده بنجاح!


مجيد البلوشي
2014 / 2 / 23 - 17:54     



نعم، مات آرئيل شارون، رئيس الوزراء الأسبق لدولة إسرائيل، عن عمر ناهز الـ 85 عاماً، بعد أن أصابته سكتة دماغية مفاجئة استمر فيها ثماني سنوات، ولكن هل هذه السكتة الدماغية والغيبوبة الكاملة هي فعلاً عقاب من الله عليه لما فعله هذا الطاغية طوال فترة حياته المديدة من مظالم ضد المسلمين الفلسطينيين، "وهو مسجّى على السرير، يعذبه المرض، ويتذوق مرارة الموت كل حين..." حسب ما كتبه كاتبنا الزميل جمال زويد في عاموده "راصد" بجريدة "أخبار الخليج" الصادرة بتاريخ 17 يناير 2014 م؟ وذلك ليثبت "إن العقوبات الإلهية سُنن كونية ماضية كثيراً ما نغفل عنها ولا نعطيها بالاً، وهي مقادير يقدّر آجالها وأوانها المولى عزّ وجلّ، فقد يعجّلها سبحانه وتعالى في الدنيا قبل الآخرة، وقد يؤخّرها لحكمة وتدبير إلهي، لكن أبداً لا تضيع لديه حقوق العباد ولا تسقط مظالمهم مهما تقادمت". هذا ما يقوله أخونا الأستاذ جمال زويد في عموده المذكور "راصد"، ونحن بالمرصاد!

ونتساءل، أولاً، هل يمكن للإنسان المصاب بغيبوبة – بل بغيبوبة كاملة – أن يحسّ أو يشعر بوخزة إبرةٍ، مثلاً، أو بألمٍ من أي نوعٍ كان، ناهيكم عن عذاب المرض؟ طبعاً لا يمكن. فأين هنا العذاب الإلهي؟ ثم ما هي مرارة الموت؟ أليس الموت مصير كل كائن حيّ، سواء أكان هذا الكائن إنساناً أو حيواناً أو طائراً أو نباتاً أو حشرة أو بكتيريا ... إلخ ؟. فتلك هي سُنـّة الطبيعة، رضينا أو أبينا. فمرارة الموت – إنْ كانت هناك مرارة – هي مآل كل كائن حيّ، سواء أكان هذا الكائن رئيساً لوزراء دولةٍ كدولة إسرائيل أو أي كائن حيّ آخر. وكم إنساناً في عالمنا هذا قد دخل في غيبوبة – كاملة أو غير كاملة – وبأكثر من ثماني سنوات، دون أن يكون ظالماً أو مجرماً أو طاغية، بل قد يكون عادلاً وبريئاً وطيباً ورحيماً! بل أن هذه الغيبوبة ، وهي توقـّف المُخّ عن نشاطه وتأدية مهامه إثر توقـّف العمليات البيو-كيميائية الجارية فيه، هي راحة له في عالمنا الماديّ هذا، الذي نعيش فيه، وذلك قبل أن تتوقف مثل هذه العمليات في بقية أعضاء جسمه بصورة نهائية، وهذا ما نسمّيه الموت. ثم أن المرض – باعتباره ظاهرة طبيعية تصيب جميع الكائنات الحية - لا يعرف شيئاً اسمه ظالم أو عادل أو مجرم أو بريئ ... فالكل عنده سواسيّة.

وماذا عن الصبيّ البريطاني "ريسي بودينغتون" (11 عاماً) الذي كتبت عنه جريدة "أخبار الخليج" الصادرة بتاريخ 22 فبراير 2014 م قائلةً بأن الأطباء قد شخصوا إصابته بورم خبيث في الكبد عام 2008، أكد الأطباء أنه غير قابل للشفاء، "ورغم خضوع "ريسي" لجلسات العلاج الكيماوي المؤلمة، انتشر السرطان في عدة مناطق داخل جسمه ليصل إلى نخاع العظم والصدر والجانب الأيسر من الحوض وعظم الفخذ، وأيقنت العائلة أن إبنها في طريقه إلى الهلاك، ولن تنفع العقاقير والأدوية سوى لإطالة حياته لأيام قليلة يعاني من خلالها الأمّرين" (انتهى كلام "أخبار الخليج"). ونحن نسأل أخانا جمال زويد: ما ذنب هذا الصبي ليعاقبه الله بمثل هذا المرض؟ وكم شخصاً – من المسلمين أو حتى غير المسلمين - قتله "ريسي" أو "ظلمهم" أو "بغى عليهم" أو "سطى على أراضيهم وأعراضهم" أو "انتهك حقوقهم" أو "استحل دماءهم" أو "فتك بأرواحهم" أو "دكّ بيوتهم" أو "شرّد أبناءهم" لكي تنزل عليه "العقوبات الإلهية"؟ وهل المرض الذي أصاب "ريسي" هو "آية من آيات الله يعرضها ربنا في ذاكرتنا على أساس "إن في ذلك لعبرة" كما تقول؟ وهل يمكن مقارنة مرض الصبي "ريسي" المؤلم بغيبوبة العجوز "أرئيل شارون" الكاملة المريحة؟ وأين هنا العدل الإلهي؟

ولا معنى لـ"مرارة الموت" ألبتـّة، اللَّهُـمّ إلاّ إذا كان المقصود منها هو – في نظرنا – إحساس الشخص المحتضر أو المُقبل على الموت، بالفراق عن هذه الدنيا الواقعية الجميلة، بما فيها من السرّاء والضرّاء، والفراق عن الأهل والأصدقاء والأحباء، وكذلك الفراق عن الأموال والممتلكات، إنْ كان صاحب أموال وممتلكات، وهو نفس الإحساس – الفراق - الذي لدى أهله وأقاربه وأحبائه لافتقادهم لهذا الشخص، العزيز على قلوبهم، أو حبيبهم. وما قسوة فراق الحبيب لمحبوبه! فتُذرف الدموع ويبدأ البكاء، تماماً كما يحدث – مع الفارق - عند سفر شخص ما لبلد آخر لفترة طويلة. ففراق الحبيب أمرٌ مؤلم لا يُطاق. وإسألوا المحبين والعُشّـاق! وكم من شاعر وأديب قد كتب عن هذا الفراق. علماً بأن هناك مَن يقول من الوُعاظ المسلمين – وما أكثرهم - بأن الإنسان المؤمن – مقارنةً بالإنسان غير المؤمن – يتمنّى الموت ويفرح له، ويدعو الله أن يعجّل في موته، وذلك لكي يرى نور وجه الله، ويلتقي بأحبائه في الجنة. وإنطلاقاً من هذا، فإنّ الطاغية شارون اليهودي المؤمن، كان لا بد من أنه قد تمنّى الموت – بعد أن حقـّق ما كان يريده وبنجاح منقطع النظير، بل أنه قد حقّق ما كان ربّه يأمره به، في هذه الدنيا – ليرى نور وجه ربّه، ويلتقي بأحبائه في الجنّة، حسب إيمانه بذلك، أليس كذلك؟

ثانياً، من المعروف أن شارون المجرم قد التحق بالجيش الإسرائيلي عام 1948، أي عندما كانت سنّه عشرين عاماً، وإذا طرحنا هذه السنّ، و8 سنوات هي سنوات غيبوبته الكاملة، أي 20 سنة + 8 سنوات = 28 سنة، من 85 سنة من عمره، فيبقى 57 سنة، وهي المدة التي كان يمارس فيها هذا المجرم الطاغية القتل والتعذيب والظلم ضد المسلمين الأبرياء والمناضلين الطالبين بحقوقهم الشرعية العادلة، بمَن فيهم الشيخ المجاهد أحمد ياسين، مؤسّس وقائد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ومئات الآلاف من الفلسطينيين، فقد "ظلمهم، وبغى عليهم، وسطا على أراضيهم وأعراضهم، وانتهك حقوقهم، واستحل دماءهم، وفتك بأرواحهم، ودكّ بيوتهم، وشرّد أبناءهم" ... ومع كل ذلك كانت "العقوبات الإلهية"، التي ينادي بها أخونا جمال زويد، هي معدومة طوال هذه الفترة، فترة الـ57 عاما، في حين أن الله ربّ المسلمين – وحسب الآيات القرآنية - قادرٌ على تفعيل "عقوباته الإلهية" في لمح البصر. وهاكم الآيات الدالة على ذلك: الآية 82 من سورة ياسين: "إذَا أرادَ شَيئَاً أنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ" ، والآية 40 من سورة النحل: "إنّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذَا أرَدْنَاهُ أنْ نَقُوْلُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 117 من سورة البقرة: "وَإذَا قَضَى أمْراً فَإنّمَا يَقُوْلُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 47 من سورة آل عمران: إذَا قَضَى أمْراً فَإنَّمَا يَقُوْلُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 40 من سورة النحل: "إنّما قَوْلُنا لِشَيءٍ إذَا أرَدْناهُ أنْ نَقُوْلَ كُنْ فَيَكُوْنُ"، والآية 35 من سورة مريم: "إذَا قَضَى أمْراً فَإنَّمَا يَقُوْلُ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ". فأين كانت إرادة الله "كُنْ فَيَكُوْنُ" طوال فترة 57 عاماً والطاغية شارون يمارس ما يشاء من النهب والتعذيب والقتل ضد الآلاف من المسلمين الفلسطينيين؟

ماذا نريد أن نقول؟
نريد أن نقول لكُتـّابنا الأعزّاء، ومنهم زميلنا جمال زويّد: لا تحاولوا إقحام الدين في كل صغيرة وكبيرة، فهذا ليس في صالحكم ولا في صالح الدين الذي تَدينونه. وهذا ما قلناه مراراً في مقالاتنا السابقة. وكفاكم استخفافاً بعقول القـُرّاء، وإرحموا أعصابنا يرحمكم الله!

الدكتور مجيد البلوشي
[email protected]

23 فبراير 2014 م