المفكر الماركسي والمهرج الماركسي


يعقوب ابراهامي
2014 / 2 / 23 - 17:03     

A stupid man s report of what a clever man says can never be accurate, because he unconsciously translates what he hears into something he can understand. - Bertrand Russell
"الرجل الغبي لا يمكنه أبداً أن ينقل بدقة أفكار الرجل الذكي ، لأن الغبي يقوم لاإرادياً بترجمة ما يسمعه إلى ما يمكن أن يفهمه." - بيرتراند راسل

Great spirits have always encountered violent opposition from mediocre minds. The mediocre mind is incapable of understanding the man who refuses to bow blindly to conventional prejudices and chooses instead to express his opinions courageously and honestly. - Elbert Einstein
" النفوس الكبيرة تواجه دائماً معارضة شديدة من ذوي عقول الدرجة الثانية. العقل من الدرجة الثانية لا يستطيع أن يفهم الإنسان الذي يرفض الرضوخ كالأعمى للأحكام المسبقة الشائعة ويفضل بدل ذلك أن يعبر عن آرائه بشجاعة ونزاهة."
(البيرت أينشتاين في رسالة إلى موريس رفائيل كوهين، استاذ الفلسفة في كلية مدينة نيويورك، يدافع فيها عن حق راسل في الحصول على وظيفة تعليم في الكلية – 19 آذار 1940)

"راسل هو فيلسوف الإخصاء العلمي." - (حسين علوان حسين يؤكد مقولات راسل و أينشتاين).

منذ البداية (عندما كنتُ أدرس أسس الرياضيات في الجامعة العبرية) اقترن اسم بيرتراند راسل في ذهني بحلاق القرية الذي علق لافتة كُتِب عليها: "أنا أحلق كل من، وفقط من، لا يحلق نفسه بنفسه". هل هذا الحلاق الفيلسوف - حار الفلاسفة وعلماء المنطق في أرجاء العالم - يحلّق نفسه أم لا؟
هكذا ظهر إلى الوجود واحدٌ من أكبر الإنجازات الفكرية في تاريخ المنطق وأسس الرياضيات: كتابٌ معقدٌ وعصيٌ على القراءة هو ال-""Principia Mathematica. (لم أطلع عليه طبعاً وأنا أعتمد في الحكم عليه على من هم أقدر مني ومن يُفترض أنهم فرأوه. لم أبلغ من المازوخية حداً يجعلني أقرأ كتاباً يبرهن فيه صاحبه بعد 362 صفحة من القوانين والنظريات المنطقية المعقدة إن 2=1+1. يُقال عن كتاب "مبادئ الرياضيات" انه فلسفي أكثر مما يستطيع الرياضيون تحمله ورياضي أكثر مما يستطيع الفلاسفة فهمه. ومع كل هذا التفلسف لم يفقد راسل لحظة واحدة روح الدعابة التي اشتهر بها. فبعد أن نجح في أن يبرهن إن 2=1+1 أضاف مازحاً: The above proposition is occasionally useful – الفرضية آنفة الذكر قد تنفع أحياناً).

كنتُ أعرف طبعاً إن راسل، إلى جانب ولعه بالحلاقة، وبالفلسفة بصورة عامة، باعٌ طويل له في شؤون الحياة الدنيا: كان يدعو إلى عالمٍ منزوع السلاح، إلى تحريم السلاح النووي، إلى ديمقراطية عالمية، إلى العقلانية وحرية الرأي وإلى المساواة بين البشر.
كنتُ أعرف أن راسل زار الإتحاد السوفييتي في بداية العشرينات من القرن الماضي، التقى بلينين وتروتسكي، ولم يعجبه ما رأت عيناه. لم أوافق على كل آرائه لكنني لم أكن أعرف أن هذا الحمل الوديع الذي نال عام 1950 جائزة نوبل للأداب " تقديراً لكتاباته التي رفع فيها راية المبادئ الإنسانية وحرية التفكير"، هو في الواقع جاسوس ودرا كولا معاصر، ووراء واجهة "الحلاق الفيلسوف" يختفي مغتصب نساء وقاتل أطفال متعطش للدماء.
الفضل في هذا الكشف يعود إلى حسين علوان حسين. في سلسلة من المقالات نُشرت في "الحوار المتمدن" مزق المثقف الماركسي حسين علوان القناع عن وجه "عدو البشر المجنون الأطيش رَسل الذي بزّ الإرهاب النازي بأشواط متقدمة".
أنا (مسلحاً بتجاربي السابقة مع الكاتب) لم أصدق كلمة واحدة مما كتبه حسين علوان حسين عن راسل. وبخلاف فؤاد النمري ("كنت أعلم أن رسل غبي وسخيف لكنني لم أكن أعلم أنه نازي كاره للبشرية ولذلك علي أن أشكرك") وفيصل البيطار ("كنا مخدوعين براسل إذا والفضل يعود لكم بالكشف عن معدن هذا الرجل الذي يفوق بأطروحاته أطروحات النازيه عداءً للإنسانيه")، ناهيك طبعاً عن علاء الصفار (الذي لا نبالغ إذا قلنا إن اكتشافات حسين علوان حسين قد سببت له ما يقارب الأورجازمة)، أنا كنتُ أعرف إن ما كتبه حسين علوان حسين لا علاقة له من قريبٍ أو بعيد بأفكار راسل، وإن حسين علوان حسين إنما يترجم أفكار راسل إلى ما يستطيع هو (حسين علوان) أن يفهمه، وما يستطيع حسين علوان أن يفهمه مرهون بشروطٌ لا سيطرة لأحدٍ عليها ولا علاقة لها بأفكار راسل نفسه. (لم يفهم حسين علوان مثلاً إن راسل كان يتحدث عن الآثار المدمرة لسيطرة الدولة على حياة المواطنين وأفكارهم وليس عن عالمٍ مثالي يدعو إليه. لم يفهم حسين علوان لماذا من كل دول العالم اختار راسل مثالاً لذلك الإتحاد السوفييتي واليابان. ماذا حدث هنا؟ هل انقطع التيار الكهربائي؟ كلا. حسين علوان حسين ترجم أفكار راسل إلى ما يمكنه فهمه.).

أنا لا أكتب هذا المقال دفاعاً عن راسل أو لتفنيد ما جاء في مقال حسين علوان حسين.
بيرتراند راسل لا يحتاج إلى دفاعي ورأيي في ما كتبه حسين علوان عبرتُ عنه في التعليق التالي الذي نُشِر في "الحوار المتمدن" بتاريخ 2/2/2014:
"هناك احتمالان اثنان، لا ثالث لهما، يخطران ببال من يقرأ هذا المقال: إما أن حسين علوان حسين لا يفهم ما يقرأ (وهذا هو الإحتمال الأرجح) أو أنه فقد صوابه
احتمال انقطاع التيار الكهربائي غير وارد هنا"
بدل: "لا يفهم ما يقرأ" - أنا أفضل اليوم: "يترجم ما يقرأ إلى ما يستطيع أن يفهم".

(وللقراء الذين قد يسألون: ما شأن التيار الكهربائي هنا؟ أروي القصة التالية:
في نقاشٍ دار بيني وبين حسين علوان حسين، قبل بضعة أشهر، على صفحات " الحوار المتمدن"، حول نظرية كارل ماركس في "فائض القيمة"، أنتبهتُ إلى ظاهرةٍ مدهشة: حسين علوان ينقل عني نصوصاً بدقة وأمانة متناهيتين وبعد ذلك مباشرة ينسب لي آراءً وأفكاراً هي غير آرائي وأفكاري وتناقض تماماً ما اقتبسه هو نفسه عني. عندما سألتُه عن سر هذه الظاهرة الغريبة أجاب: لقد انقطع التيار الكهربائي.)

أنا أكتبُ هذا المقال للمقارنة بين أسلوبين في الكتابة الماركسية: اسلوب المهرج الماركسي واسلوب المفكر الماركسي. أريد أن أؤكد: أنا لا أتكلم هنا عن محتوى الكتابة بل عن اسلوب الكتابة (أو إذا شئتم: عن لغة الكتابة، عن الكلمات المستخدمة) وإن كان من الصعب جداً (بل ربما من المستحيل) الفصل بين الإثنين.
المفكر الماركسي الذي أريد أن أتخذ من اسلوب كتابته نموذجاً (وأريد أن أقارنه بإسلوب حسين علوان حسين) هو العالم الشيوعي جي. دي. بيرنال (John Desmond Bernal, 1901-1971).
لا أعتقد أن هناك حاجة لتعريف القراء بالعالم والمفكر الماركسي بيرنال. (إن كان هناك حاجة إلى ذلك فأن الزميل جاسم قد يلبي تلك الحاجة خيراً مني). أكتفي هنا بالقول إن بيرنال كان يُلقب في الأوساط الأكاديمية البريطانية، وليس الماركسية فقط، بالحكيم ((Sage.
بيرنال (الذي كان عضواً في الحزب الشيوعي البريطاني) اعتنق المادية الديالكتيكية وأفكاره الفلسفية كانت على النقيض المباشر من آراء بيرتراند راسل. لهذا السبب يكتسب اسلوب كتابته عن راسل أهمية خاصة.
في حوزتي الطبعة الثانية، الصادرة عام 1957، من كتاب بيرنال الضخم "العلم على مر التاريخ" (Science in History).
في أربعة أماكن من هذا الكتاب يشير بيرنال إلى راسل. سأترجم كل هذه الإشارات بلا استثناء. سأذكرها بالتسلسل كما وردت في الكتاب وسأرفق كل منها بنص مقابل (قدر الإمكان) من حسين علوان حسين, قارنوا اسلوب المفكر الماركسي الواثق من أفكاره والذي يبحث عن الحقيقة فقط، بإسلوب المهرج الماركسي الذي يعتقد إن اتهام الخصم الفكري بالتجسس وبالعمالة هي حجة مقنعة.

الدفاع عن السلام العالمي:
بيرنال: "على الرغم من الضغوط الرسمية فإن العلماء في أنحاء العالم احتجوا بشدة على أخطار الحرب النووية وعلى سوء استخدام العلم للأغراض الحربية . . . ومن أبرز هذه الأصوات كان النداء الذي وجهه بيرتراند راسل وآينشتاين للمطالبة بوضع حدٍ للحروب".
حسين علوان: " يقول فيلسوف الإنسانية رَسْل : بضع قنابل ذرية تكفي لإمحاء الشيوعيين عن بكرة أبيهم ، و كل ذلك سيحصل بكل حب و سلام و اقتدار لا يُقهر".

فيلسوف رفيع الشأن:
بيرنال: "أن عدداً من أكبر رجال العلم والفلسفة ومن أرفعهم مكانةً، ابتداءً من بوانكاريه في فرنسا وبيرتراند راسل في انكلترا وانتهاءً بوليام جيمس في أميريكا، قد ساهموا في هذه الغيبية (Mystification) العلمية الجديدة".
حسين علوان: "الصحيح هو أن رَسْل هو أشر طائش عقل عرفه القرن العشرين".

فيلسوف العقلانية المترددة:
بيرنال: "لاسيما في السنوات المبكرة بعد الحرب العالمية الأولى بدا وكأن هناك ولادة جديدة للعقلانية (Rationalism) ظهرت بشكل انتعاش مدارس فلسفية، في الإيجابية المنطقية (Logical positivism) لراسل وفي مدرسة فيينا الفلسفية . . . لكن هذه الإيجابية الجديدة (new positivism)، على الرغم من بعض المحاولات الجدية، لم تشكل معارضة فعّالة لانتعاش التيار الغيبي".
(أنا أفضل "الإيجابية" على "الوضعية" ترجمةً لمصطلح "Positivism")
حسين علوان: راسل هو فيلسوف "الخرفان الآدمية".

موقف شجاع:
بيرنال: "كثيرون أيدوا الحرب الباردة لأنهم رأوا في الشيوعية الطاغية حسب نظرهم أسوأ الشرين. لكن الأمور تغيرت مع ظهور القنبلة الهيدروجينية. بيرتراند راسل كان أحد أولئك الذين اعتقدوا إن أفضل السبل لصيانة السلام يمر عبر الإنتصار الحاسم للولايات المتحدة مسلحةً بالقنابل الذرية. لكنه في عام 1954 أدرك الأخطار المميتة الكامنة في القنبلة الذرية وكان واثقاً أنها سوف تُستخدم في أية حربٍ عالمية قد تنشبُ في المستقبل. ومع قناعته أن الإبادة التامة للبشرية هي خيار أسوأ للإنسانية من الشيوعية، دعا راسل كل الشعوب إلى وضع حدٍّ للحروب وإلى إقامة دولةٍ عالمية. راسل عبر عن هذه الأفكار في نداءٍ مشترك مع آينشتاين ودعا في الوقت نفسه ألى عقد لقاءٍ مشترك بين العلماء من كلا جانبي الستار الحديدي لمناقشة أخطار الحرب النووية وبحث الطرق لمنعها. كان هذا بالنسبة لراسل قراراً في غاية الجرأة والشجاعة والإستجابة له أظهرت أن راسل كان يعبر عن أراءٍ يشاركه فيها الكثيرون من داخل عالم العلم ومن خارجه."
حسين علوان: " يلاحظ القارئ الكريم أنني قد إستخدمت مصطلح : " العقل العاهر " ، فما هو المقصود به ؟ المقصود هنا هو قيام صاحب العقل ببيع فكره عن سابق معرفة و تصميم لغايات دنيئة ؛ و أدنؤها هو إمحاء البشر بسبب قناعاتهم الفكرية . هذا هو أسوأ بما لا يقاس من بيع الجسد ، خصوصاً إذا كان الهدف من هذا البيع للعقل هو الإغراء بشن الحرب الذرية على شعوب الإتحاد السوفيتي السابق التي تقطن سُدس الكرة الأرضية مثلما توضح النصوص أعلاه . رَسْل بقنابله الذرية هنا – و ليس الشيوعيين مثلما يزعم – هو أسوأ من النازية بما لا يقاس ."

الفرق بين لغة بيرنال ولغة حسين علوان حسين هو الفرق بين مفكر ماركسي ومهرج ماركسي.

في 26/1/2014 كتبتً ما يلي تعقيباُ على سلسلة مقالات حسين علوان حسين المخجلة:
" إذا كان حسين علوان حسين حقاً مثقفاً يسارياً ماركسياً فلسوف يأتي يومٌ يندم فيه حسين علوان على كتابة هذا المقال المشين. هذه نبوءة".
لا زلتُ أنتظر تحقق النبوءة.