خواطر حول الأنظمة السياسيّة ..!(4/8)


سنان أحمد حقّي
2014 / 2 / 15 - 13:32     

خواطر حول الأنظمة السياسيّة ..!(4)
عند العودة للنظام الملكي الذي بدأت به البشريّة كأول نظام سياسي نجد أن هناك أمور كثيرة تلفت الإنتباه و منها أن الملوك جميعا ادّعوا أن سلطاتهم إنّما هي منحة من الإله وتفويض منه وهكذا وجدنا أن الإله مردوخ يُسلّم الشرائع للملك حمورابي في التمثال الشهير وهكذا علمنا أن الفراعنة قد استلموا تخويلهم بالحكم من السماء وكلّهم يقولون هذا ولو شئنا أن نتتبّع أوّل الملوك إفتراضا لوجدنا إن لم نكن نؤمن بما يقول فسنصدّق أنه كان ذا مقدرة قياديّة أو موهبةٍ في قيادة الشعب والناس فوق مقدرة الآخرين أو يتمتّع بقدرات أو خصائص فوق ما يتمتّع به الآخرون ولكي يُحافظ الناس على ما أصبح في أيديهم من قيادة موهوبة فإنهم يُحافظون على نسله أو سلالته
ومع أن أغلب الملوك والعوائل الحاكمة نادرا ما تعي المغازي والمعاني التي يحملها هذا الموقع المتميّز إلاّ ما ندر لكن هذا ليس دوما يتطلّب التعتيم على تلك المعاني الموصوفة إذ أن الإتفاق على شخص محدد لهذا الموقع المهم لا بد وأن تتوفّر عليه خصائص كثيرة ومهمة أيضا منها تمتـّع صاحبهابمزايا ومواهب بالغة التميّز كأن يكون سليل أحد الأنبياء أو القادة بعيدي الشجاعة والفطنة أو الذكاء أو شيئا من هذا وغالبا ما يكون كمن تحقّقت فيه طفرة إيجابيّة من حيث القدرات والمواهب القياديّة أو الإداريّة أو العسكريّة أو السياسيّة ويلتفّ الناس عليه لتأمين مسار إيجابي لحياتهم أو مستقبلهم كأفراد وكأمّة ولهذا فإنه يعدهم ويؤمّلهم بمواصلة العهد وتعميق التحالف وفي مثل تلك الأحوال يبدأ الملك في أهم وجائبه التقليديّة بتعميق المصاهرة بين مكونات شعبه المختلفة باستمرار وهذا من شأنه أن يعمّق التلاحم بين أفراد الشعب ويحّدد خصائصهم العامّة والوراثيّة والشخصيّة فتذوب الفوارق العقائديّة والمحليّة والقبليّة شيئا فشيئا عن طريق توسيع المصاهرات المهنجيّة وأهمها ما ينتج عن أولويّة اختيار وريث العرش حيث يتم ترك جميع أقربائه للتزاوج مع الأفراد الأكثر بعدا فالأبعد فالأبعد وهكذا وبذلك تصبح روابط متبادلة بين العرش وبين الرعيّة فكل منهم يحتاج الآخر فيقابل الملك ولاء رعيّته بشمولهم وفق المنهج المتـّبع بالتصاهر مع المميّزات الملكيّة ونجد أن أغلب الملوك في التاريخ يرجعون سلطاتهم إلى التفويض الألهي وهذا يتضمّن شيئا من الصّحّة إذ أن المواهب والمميّزات التي يجدها الناس في الملك لم يستلمها من أحد بل هي قضيّة خلق وفطرة وأن السماء لا بدّ أن تكون هي التي وهبته تلك المميّزات الراقية وهذا ما نجده في صور الملوك القدامى ولا سيما التي تظهر بها مسلّة حمورابي والتي يتسلّم فيها حمورابي الشرائع من الآلهة وهي السماء وبالمقابل فإن استمرار هذه العمليّة فترة من الزمن من شأنها أن تزيد من وحدة أبناء الرعيّة في أمور عديدة تشتمل على الخصائص الشخصيّة والنفسيّة وتُذيب الفوارق في المواهب والقدرات وكذلك في القدرات العقليّة والذكاء ويمكن أن يتم تفادي الصفات السلبيّة وغير المرغوبة في الصفات المختلفة أي أنه سيتم توفير منهج مناسب للإنتخاب الطبيعي مع تحقيق فرص مناسبة وبشكل طبيعي لتطبيق أساليب إيجابيّة لما يُدعى بالهندسة الوراثيّة أو إنتاج صفات محسّنة وهذا أهم وجائب الملوك والنظام الملكي وليس إلإدارة ولا الحكم بل أن تلك الأمور يقوم بها مسؤولون متخصّصون ونفهم هنا لماذا الملك يملك ولا يحكم أو لماذا يجب عليه أن لا يتدخّل بشئون الحكومة وأظنّ أن قليلا من الناس من يفهم النظام الملكي على هذا النحو .
أمّا من النواحي الإجتماعيّة والفكريّة والفلسفيّة فإن هذا كلّه لا يتعارض مع المنطق العلمي ولا حتّى مع النظريّة الجدليّة ولا التطوّر الإجتماعي الإقتصادي اللاحق ،
كيف؟
إن التطوّر اللازم إجتماعيا بشكل شامل ينعكس على الإنسان ويتطلب تطورا مغايرا طرديا في الإنسان ذاته وهذا أمر في منتهى الجدليّة علما بأن البحث عن أفضل البذور سينتج بالتأكيد حاصلا أجود وكذلك هي عمليّة تضريب الجياد فالبحث عن الأنساب الجيّدة ذات المزايا المتقدّمة أمرٌ لا شائبة فيه لا شكّ في ذلك .
دعونا نوجّه سؤالا وجيها إلى غالبية ملوك وأمراء الدول التي تعمل بأنظمة وراثيّة : ما هي مهام الملك أو الأمير الذي يرث الحكم ويورّثه؟
أزعم أن كثيرا منهم لا يستطيع الإجابة بشكل وافٍ عن هذا السؤال، ليس بسبب من عدم وعي فقط بل لأن أغلبهم سيربط الجواب بأمور سياسيّة في حين أن معظم الدساتير والقوانين الملكيّة الوراثيّة تشير إلى أن الملك ليس له أن يتدخّل بالسياسة وتنصّ معظم النظريات الموصوفة أن الملك يملك ولا يحكم بل أكثر من هذا اي ان الترشّح للهيئات التمثيليّة كالبرلمان يُشترط فيه عدم وجود صلة قربى للمرشح بالملك
ولا يظنّن أحد أننا نحمل على النظام الموصوف ، إذ أننا نحاول أن نظهر حسناته والمآخذ التي نأخذها عليه لا سيما أن نظاما آخر بالمعنى المتكامل لم يظهر إلى الوجود وكل البدائل كانت محاولات تعاني من مشاكل متعددة وأزمات وعلل تدل على عدم أصالتها
ولكي نستعرض وجهة نظرنا بالنظام الملكي الوراثي لا بدّ من أن نأخذ القارئ الكريم في فذلكة تاريخيّة وتحليلية سريعة
وللحديث صلة