بعض الأسباب التاريخية لانبثاق ما يسمى (الاشتراكية العربية, الاشتراكية القومية, الماركسية الاسلامية الخ) وبعض خصائصها


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2014 / 2 / 12 - 12:16     

فيما بعد جرى تطور فكرة (تركيب) الدين مع القومية في مرحلة التاريخ الحديث. فتحت التأثير المباشر لثورة اكتوبر وتجربة تطور اول اشتراكية في العالم واقتران الايديولوجيا الأممية الاشتراكية العلمية بالحركة العمالية في بلدان اسيا وافريقيا جرى تشكل فئة جديدة من الانتلجنسيا الراديكالية. ولذا الى جانب وعي ضرورة (تركيب) التقاليد مع القومية ظهر التطلع نحو (تركيب) التقاليد مع الماركسية.
ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار قانونية اخرى مهمة. فعلى مدى ما يقارب القرنين ظلت الرأسمالية تشكل الخيار الوحيد للتخلص من التخلف الاقطاعي. ولما كانت قد تجسدت بالنسبة للشعوب المضطهدة في نشاط الدول الكولونيالية, فقد كانت منذ البداية سيئة السمعة الى حد كبير. وقد ساهمت هذه الناحية, مقترنة بالتطلع نحو حماية نمط الحياة والتفكير من المستعمرين, الى حد كبير في فعالية التقاليد ما قبل الكولونيالية. وعلى الرغم من العودة الى بعضها قد سهل دون شك تقبل الأفكار الاشتراكية فان البحث عن مصادر التصور حول وجود (اشتراكيات مختلفة), وحول اختلاف الاشتراكية (القومية) الخاصة عن الاشترالكية (الشيوعية) يجب ان يتم في مثالية الماضي قبل ما قبل الكولونيالي ايضاً. فمنذ البداية كان الطريق (المختلف عن الغربي) يدرك على انه (بعث) و(تجديد) للتقاليد المحددة.
وفي ظروف الاستقلال اكتسب التعامل معها زخماً جديداً, حيث اصبح ينظر الى هذا التعامل كأهم وسيلة لحل المشاكل الاقتصادية- الاجتماعية وضمان وحدة الدولة والتكامل الوطني وترسيخ الخصوصية القومية. ويعود الاخلاص للتقاليد, الى حد كبير, الى ان البلدان النامية تمر في الوقت الحاضر بمرحلة التحطيم والهزات الاجتماعية. وباستمرار يقنعنا التاريخ انه في هذه الظروف بالذات تجد صعوبة بالغة في ادراك جوهر التغيرات الجارية.
وفي النهاية, فان الدور الحاسم, يلعبه, وكما اشارات المؤرخة سيمونيا, كون الأيديولوجيا القومية العلمانية في بلدان اسيا وافريقيا (لا تزال تفتقر حتى الان الى البناء القاعدي الاجتماعي والاقتصادي المماثل). وهذا يعني ان (أغلبية السكان تتبع نمط الحياة التقليدي وتحتفظ بالسيكولوجيا الدينية). وفي هذه الظروف لا بد- غالباً- لايضاح الجديد, من الباسه الاشكال الدينية المعتادة. وهذا بالذات ما يحاول القيام به العديد من ايديولوجيي (الطريق الثالث) في تناولهم للأنظمة ما قبل الكولونيالية وللدين بالدرجة الأولى.
بيد ان الاختلاف المبدئي للأيديولوجيا المعاصرة ل(الطريق الثالث) عن التيارات الفكرية للمراحل السابقة يكمن في أن تناول الدين هنا, لا يخدم لا الأنظمة الاقطاعية ولا العقائد الجامدة بحد ذاتها. وكا سبق وأشرنا فان الدين (يتركب) مع العلمانية والبراغماتية لدى حل المشاكل الاجتماعية المحددة.
ولم تقل ابداً شهرة نظريات (الطريق الثالث) الدينية الشكل, لا بل انها ازدادت في عدد من البلدان في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات (ايران على سبيل المثال). وهنا يتناول اصحاب مثل هذه النظريات التقاليد الدينية ما قبل الكولونيالية بالذات (تقاليد صدر "بداية" الاسلام على سبيل المثال) وليس (تأويلاتها الجديدة). ومما يزيد في أهمية ذلك أن الأيديولوجيات البرجوازية (الاسلامية بالدرجة الأولى) في الخمسينات والستينات قد تسلحت بالنظرية الاصلاحية, التي طرحها منوروا القرن التاسع عشر.
وينادي هؤلاء, دعاة بناء المجتمع الاسلامي الجديد الخاص (المتميز عن الدولة التي ينشدها السلفيين), المتميز عن الغرب. ولا يجب ان نعتبر تعاليم هؤلاء (ارتداداً الى التقليدية) فهم لا يتخلون-عملياً- الا عن الأشكال الغربية للعصرنة ويظلون ملتزمين ب(التركيب). وفي الأشكال الدينية المعهودة يبرز هنا البحث عن طريق التطور الاجتماعي الخاص, المختلف عن الغربي.
ويجب ان نأخذ بعين الاعتبار ان نظريات (الطريق الثالث) قد عكست التطلع نحو الاصلاح البرجوازي للدين والنزعة الدنيوية ايضاً. ومهما كانت بطيئة عملية جرف العلاقات التقليدية تحت تأثير الرأسمالية (ونفوذ المؤسسات الدينية المحافظة), في ظروف المجتمع المتدد الأنماط فان هذه العملية, لربما تساعد في تطور المجتمع العلماني.
ثم ان عودة البرجوازية الصغيرة الى الماضي بمثلهم وتصوراتهم تعود الى ضرورة تعويض العجز الذاتي عن حل التناقض القائم موضوعياً بين تطلع شعوب الشرق نحو تذليل الفقر والتخلف خلال فترة زمنية وبين امكانية ترجمة هذا التطلع الى الواقع. وينعكس هذا التناقض في (الشكل الخيالي) في النظريات الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية والفلسفية ل(الطريق الثالث) للتطور. وتتجلى الملامح التقليدية لهذه النظريات في المبالغة بالسمات والخصوصيات القائمة لكل بلد, والمبالغة في التصورات والأنظمة الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي ماقبل الكولونيالي, واعطائها طابع المثالية, وان كانت قد تطورت تصوراتهم بعض الشيء, فان هذا ربما يعود الى تحالفهم مع الشيوعيين في بعض البلدان, والى تطور البنية الاقتصادية نوعاً ما, بالتالي تغير طبيعة المهام.
ففي عدد من النظريات على سبيل المثال, يعطى طابع المثالية للاقتصاد العينيي, والتنظيم المشاعي, والرابطة السلالية وتضخيم عامل (اللغة المشتركة) الخ. وهذا يولد التصور حول الرابطة التقليدية, التي توضع فوق التناقضات الاجتماعية والطبقية. وتولد المبالغة في دور التقاليد افكار الفرادة القومية والتفوق الروحي لشعوب الشرق, وهي تميز الكثير (وليس كل) من نظريات (الطريق الثالث) وتعرقل تطور الفكر الثوري.

من كتاب (الشرق... افكار ومفكرون, (نقد نظريات الطريق الثالث للتنمية البرجوازية والبرجوازية الصغيرة) الفيلسوف السوفييتي تولونسكايا.