المحاور الاساسية في فكر لينين ونضاله


عواد احمد صالح
2014 / 2 / 11 - 15:09     


في 21 كانون الثاني يناير المنصرم 2014 مرت الذكرى التسعين لوفاة لينين عام 1924الذي قاد على رأس الحزب البلشفي اول ثورة عمالية ظافرة في التاريخ . ولابد اليوم وبناء على متغيرات عصرنا الذي ينذر بالثورات والتحولات الكبيرة من ايضاح وبشكل مبسط المحاور الاساسية في شخصية ونضال لينين للاجيال الجديدة من العمال والشباب الثوري من اجل استلهام الدروس والعبر من العمل العظيم الذي قام به لينين ورفاقه ..خصوصا بعد ان تحولت "اللينينية " من قبل الورثة المحبطين الى محض ممارسة سياسية مناقضة تماما لما فعله لينين على صعيد النظرية والممارسة الثورية اللتان مثلتا الاداة الفعالة لانتصار اوكتوبر 1917 .
وبصرف النظر عن التقليد السائد في مثل هذه المناسبات ليس الهدف من المقال تناول سيرة لينين الشخصية بل ايضاح طبيعة العمل الدائب والمستمر الذي كرس لينين حياته من اجله بما يملك من مميزات ومؤهلات شخصية وعبقرية فريدة من نوعها كرسها طوال حياته من اجل بناء حزب عمالي ثوري وشحنه برؤية نظرية ثاقبة وسديدة (( حزب الكفاح، المكون من مناضلين مكرسين بالكامل للثورة البروليتارية، الحزب البلشفي. )) وتمكن بواسطة هذا الحزب الذي مثل مصالح الطبقة العاملة من انجاز الثورة .
1- المحور الاول : بناء حزب عمالي منضبط وثوري
كان عمل لينين وجهده منصب على بناء حزب عمالي ثوري وتسليحه بالنظرية الثورية حيث يتولى نشر الوعي الطبقي والسياسي في صفوف الطبقة العاملة ويقوم بتوحيدها عمليا ونظريا أي انه يساعد الطبقة العاملة على تنظيم نفسها في كتلة متجانسة وموحدة من اجل الإطاحة بالرأسمالية . ان الحزب ليس بديلا عن الطبقة بل انة يمثل العناصر الأكثر وعيا وتقدما العناصر التي تدرك سيرورة وتطور ومستقبل الصراع الطبقي . ومن اجل هذه المهمة خاض صراعا فكريا وسياسيا عنيدا ضد كل اشكال الانتهازية والميوعة وتشويه الماركسية الذي كانت تقوم به تيارات عديدة ،في مقدمتها المناشفة .
كان المناشفة كما يفعل الاصلاحيون اليوم يركزون برنامجهم للثورة المقبله في روسيا على البرجوازية من اجل دفعها، لانشاء جمهورية ديموقراطية ودستور ديمقراطي .من طراز الانظمة الديمقراطية في الغرب .لذلك لم يكن لديهم اهتمام جدي بموضوع التنظيم وفي هذا السياق لن يكون لاي حزب مهما كانت طبيعته الطبقية تركيز على بناء تنظيم منضبط وقوي اذا لم تكن لديه مهمة تاريخية واذا لم يضع في الحسبان موضوع السلطة السياسية . التنظيم والبرنامج الثوري كلاهما يشكلان الادوات الموضوعية الحاسمة للطبقة العاملة نحو السلطة السياسية ، اما نظرية المراحل (المنشفية ) التي تجد امتداداتها اليوم في سياسات قسم كبير من الاحزاب الشيوعية التقليدية فهي تعني الانتظار لمراحل تاريخية طويله وقد اثبت التطور التاريخي ان البرجوازية المحلية عجزت عن انجاز مهام الثورة الديمقراطية في ظل أزمة الرأسمالية العالمية وتبعية المحيط المتخلف للمركز الراسمالي المتقدم ومؤثراته السياسية والاقتصادية .

2- المحور الثاني :النضال ضد الانتهازية والإصلاحية : في واقع الامر مسيرة حياة لينين عبارة عن نضال متواصل ضد الانتهازية والاصلاحية سواء في الحركة الاشتراكية - الديمقراطية الروسية او العالمية في الميدانين النظري والعملي فقد خاض سلسلة من النضالات وفي مجموعة مؤلفات كتبها لتوضيح خط الاشتراكية الديمقراطية الثورية ثم الشيوعية وفضح الممارسات الانتهازية والإصلاحية في الحركة العمالية الروسية والعالمية يتبين ذلك من خلال مؤلفاته " من هم أصدقاء الشعب " "خطتان للاشتركية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية " ما العمل "افلاس الاممية الثانية " الاشتراكية والحرب " موضوعات نيسان " مرض اليسارية الطفولي في الشيوعية " ومجموعة اخرى من الكتابات وهي غزيرة جدا . يمكن ايجاز الفكرة العامة التي اراد لينين ايصالها الى العمال والثوريين بالنقاط الاتية :
- ان الرأسمالية أصبحت نظاما عالميا يتمثل بالامبريالية (اعلى مراحل الرأسمالية ) تغرق العالم بالحروب والصراعات وتستعبد الشعوب الصغيرة والضعيفة وتمارس ابشع اشكال الاسترقاق للطبقة العاملة في بلدانها وبالتالي فقد هيأت الظروف للثورة الاشتراكية العمالية سواء على صعيد بلد او عدة بلدان خاصة البلدان الاوربية المتقدمة .
- ان الانظمة الحاكمة التي تمثل مصالح رأس المال لن تسقط حتى لو بلغت اقصى درجات الانهيار اذا لم نعمل على اسقاطها ، بالثورة الاشتراكية للعمال اذ بامكان البرجوازية الحاكمة ان تعيد ترميم النظام الرأسمالي بعد كل ازمة اقتصادية او حرب كبيرة .
- ان الديمقراطية كفلسفة سياسية للبرجوازية ليست قادرة على منح الحرية للشعوب المضطهدة او أصلاح اوضاع الطبقة العاملة او اختراع حلول سحرية لمشاكل البشرية مادام الاستغلال والصراع الطبقي قائما والفوارق بين الأمم الغنية والامم الفقيرة .
- يجب فصل نضال البروليتاريا الطبقي بشكل مستقل عن تاثيرات النظام البرجوازي والاحزاب البرجوازية وبالتالي فصل الخط الثوري في الاحزاب العمالية عن الخط الانتهازي او الاصلاحي. حيث يبرر بعض قادة الاحزاب العمالية الاصلاحيون ونتيجة لفترات التطور السلمي للراسمالية خيانتهم بتبرير تغير الظروف وان الثورة ليست مطروحة على جدول أعمال التاريخ وبالتالي يتم التنازل عن جوهر الماركسية الهادف الى تغيير العالم ( التنازل النظري يؤدي دائما الى الخيانة السياسية ) .
3- المحور الثالث : هاجس الثورة وأهمية القيادة :
كان لوناشارسكي وهو من اقرب الذين عملوا الى جانب لينين في سنوات المهجر واصبح بعد ثورة اكتوبر مفوضا (وزيرا) للثقافة يتحدث عن علاقته الوثيقة مع لينين وكيف دارت بينهما نقاشات حول مستقبل الثورة القادمة في روسيا ويقول ان لينين كان يجهد نفسة في التهيئة لاحداثها يقول مانصه ((وكان لينين، فيما يتعلق بهذا الموضوع، متفائلا أكثر مني بصورة عامة. فقد اعتقدت أن الأحداث ستتطور ببطء نسبيا، وأنه من الواضح أنه ينبغي علينا انتظار توطد الرأسمالية في البلدان الآسيوية، وأنه ما يزال لدى الرأسمالية بضع طلقات في مخزن ذخيرتها وقد لا نرى الثورة الاشتراكية الحقيقية قبل حلول الشيخوخة. وقد أزعج هذا الاستشراف لينين بصورة جدية. ولاحظت، عندما شرعت في البرهنة على صحة دعواي، ظلا حقيقيا من الأسف يكسو ملامحه القوية الذكية، وأدركت كم يود بإخلاص أن يشهد وقوع الثورة في حياته، وأنه يجهد نفسه في التهيئة لأحداثها. وعلى كل، مع أنه رفض الموافقة على آرائي، فإنه كان مستعدا بصورة واضحة للاعتراف عمليا بأن المهمة أمامنا صعبة جدا، وأنه ينبغي علينا التصرف وفقا لذلك.)) (لوحات ثورية ) وقد برهن لينين في الجانب العملي بعد ثورة شباط كيف بامكانه ان يستخدم عامل الارادة الثورية وفقا لقراءة دقيقة للاحداث والمراحل الثورية ولم يستسلم لهاجس (الحتمية التاريخية ) او لفكرة عدم نضج الظروف الموضوعية بسبب تاخر روسيا المادي نسبيا عن مثيلاتها من الدول الراسمالية المتقدمة صناعيا .وهكذا عمل مع رفافه وبواسطة حزب ثوري عمالي مقتدر على صنع انتصار اوكتوبر ، 1917في سياق سيرورة ثورية عالمية اجتاحت اوربا بعد الحرب العالمية الاولى .
4- المحور الرابع : الاممية العمالية :( وحدة كفاح ومصالح البروليتاريا في جمبع البلدان ) على المستوى العالمي وبعد انتصار اكتوبر عمل لينين على تأسيس (الاممية الثالثة ) أي الاممية الشيوعية عام 1919 لتكون بمثابة هيئة اركان للبروليتاريا العالمية من اجل الثورة - وتاكيد للقطيعة مع تقاليد الاممية الثانية الانتهازية والاصلاحية - ويتضح ذلك جليا من خلال المقررات والبيانات والبرامج التي اتخذتها الاممية خلال المؤتمرات الاربعة التي عقدتها حتى عام 1924 وكانت تمثل تقليدا ثوريا امميا تشكلت على أثره الاحزاب الشيوعية في اوربا والعالم من التيارات الثورية التي انشقت من الاحزاب الاشتراكية – الديمقراطية الاوربية التي خانت الاشتراكية اثناء الحرب العالمية بوقوف كل حزب الى جانب (برجوازيته ) الخاصة وتصويت الاحزاب الكبيرة على الاعتمادات المالية التي خصصتها الحكومات البرجوازية للحرب . حيث كان الموقف من الحرب هو الخط الفاصل بين الثوريين وما اسماه لينين بالاشتراكيين الشوفينيين .
ان افكار لينين ونضالاته مازالت راهنة في عصرنا بعد مجموعة من التجارب والنجاحات والاخفاقات والهزائم التي مرت بها الحركة العمالية . وان ازمة الراسمالية تتفاقم اليوم على جميع الاصعدة ومن مظاهر تلك الازمة الانهيار المالي والانحطاط السياسي والاجتماعي والحروب والإرهاب وتنامي التيارات الرجعية وانبعاث اشد الافكار رجعية من دهاليز القرون الخالية .وانكسار الحلقات الاضعف في المحيط الراسمالي التي عبرت عنها ومثلتها الاحتجاجات والثورات في الشرق الاوسط والعالم .واليوم فأن الطبقة العاملة هي القوة الوحيدة القادرة على انقاذ البشرية من المأزق الذي وضعها فيها نظام (العولمة المتوحشة ) مأزق الحروب والإرهاب والفوضى والضياع والمستقبل المجهول ، فيما لو توحدت واصبحت قوة ثورية ضاربة تحت قيادة حزب عمالي ثوري من طراز حزب لينين البلشفي .
وكما يقول بول سوريل : (( لن تستعيد الطبقة العاملة ثقتها بالنفس، وتنتصر على البرجوازية دون وعي مهمتها التاريخية، ودون بناء أحزاب ثورية شيوعية، مثل الحزب الذي كرس لينين حياته لبنائه.))