القضية وطنية أما الحوار فلا وطني


الطاهر الهمامي
2014 / 2 / 10 - 19:09     

لا أزال أستغرب عند العديد من الرّافضين لما يسمى بالحوار"الوطني" ، تجاهلهم أو عدم إدراكهم الجيّد لعلاقة هذه المؤامرة بالدور المباشر الذي تلعبه الدوائر الاستعمارية و أساسا الأمريكية و الفرنسية في إدارة و توجيه تلك المؤامرة بما يخدم مصالحها لا فقط على الصعيد القطري بل و الأهم على الصعيد الإقليمي و العربي و حتى الدّولي باعتبار أن مختلف أنواع الصراع تشترك و تتشابك في مختلف تلك المستويات.

إن أمر تلك العلاقة و على بداهته يتم القفز عليه حال الإنتقال إلى تحديد المواقف و التكتيات ، حيث يتم تجريد الأطراف اللاّعبة قطريا لأدوار الوكالة من علاقاتها العضوية بمخطّط و مصالح الدوائر الإستعمارية و إبرازها كأطراف تتدبّر مواقفها باستقلالية حزبية و في إطار مصلحة ذاتية صرفة.

كما أن تحديد الأطراف اللآّعبة يمرّ كذلك عبر علاقة الهيمنة ذاتها و إن كان الوضع على هذا الصعيد يعدّ أكثر تعقيدا لإستبانة قدرة الدوائر الاستعمارية في التوفيق و توزيع و ترتيب التداول على السلطة بين الأطراف التي لا يحجب تنازعها تلك السلطة أن ولائها و خدمتها لمصالح الأولى هو شرط وجودها الرئيسي في السلطة على الأقل.

و لفهم ما نحن فيه لا بدّ أن نعي أن لا شيء يأتي صدفة و أن راهننا هو حاصل السيرورة التاريخية لتلك العلاقة التي تبلورت في خط الهيمنة الاستعمارية الجديدة و ضمن خطة الاستباق للتصدّي لتفجّر تناقض أزمة الأنظمة التابعة و منظومة الإنتاج الرأسمالي عموما.بل إن الأمر صار أكثر "علانية" خلال الشهور و الأسابيع الأخيرة حيث كشف سفراء أمريكا و فرنسا و ألمانيا ...، و كان ذلك عنوة، عن لقاءات توجيه الأوامر للطرفين اللاعبين حتى يبينوا للجميع أنه لا يجوز اللعب في مناطق مصالح الدوائر الاستعمارية إلاّ بالشروط التي تضعها تلك الدوائر بما في ذلك تعيين الحكم (الراعي) و الذي عليه أن يتقيد قبل الجميع بتلك الشروط و يعمل على تحقيقها على شاكلة المبعوثين الدوليين و لجان التفتيش .

أما على مستوى المضمون و هنا مربط الفرس فقد تم رسم الخطة على أساس ضرب البعدين الوطني و الاجتماعي و افتعال تجاذبات : عقائدية/حضارية /ثقافية للإنحراف بواقع الصراع الحقيقي الذي قامت عليه انتفاضة 17 ديسمبر 2010 و الذي يبقى البوصلة الصحيحة لإستنهاضها و الإطاحة بالراكبين عليها منذ 14 جانفي 2011 سواء من هم في السلطة أو المطالبين بنصيبهم منها.

إنّنا في كل ما سبق نجد الوضع في تونس مرهون بإحالات مباشرة لما يقع و سيقع في ليبيا و مصر و سوريا و حتى العراق و السودان و هذا ليس من خلال التنظيم الدولي للإخوان و جهازه التنفيذي الذي ورثه عن تنظيم القاعدة كجهازين لقوى رجعية مستقلة بذاتها ،بل و هذا الأهم و الأخطر من خلال الدور الذي أوكلته الدوائر الاستعمارية لهذين التنظيمين لأجل تنفيذ مخطط إعادة إحتلال ما تبقى من الأقطار العربية و التمهيد لذلك بدكّ كل المخزون الحضاري و البنى التحتية و تمزيق النسيج الديني و المذهني بإعلان حروب أهلية يتقاتل فيها الكل ضدّ الكل بالسلاح الأمريكي و لا تطلق رصاصة واحدة ضد العدو الصهيوني. أما البعد الوطني و الإجتماعي الذي من أجله إنتفض المفقرون و المهمشون و خاضوا أشرس المواجهات و قدموا الشهداء فقد طمسته الآلة الإعلامية الرهيبة للإعلام المرتزق عبر ما صنعه و سوقه رموزها المبشرين بالمشروع الاستعماري من مثقفي المنابر و الحوارات