شكر و امتنان


صادق البلادي
2014 / 2 / 2 - 21:01     


مع العمر، ومافيه من هم وغم ، يجعلك تتجرع علقم ألأسى على ما يحيط بك، رغم خلاصك الشخصي غالبا أنت منه ، يحيطك هذا الأسى فيلفك ويغمرك، ينضاف له عدم العرفان والوفاء ممن يُفترض أن يكون هذا خصلة فيهم ، فترى ضعف الإنصاف يتطاير ويتحكم بالفضاء الذي تتنفسه وتعيشه. مع العمر هذا لا بد أن تتلف أعضاء في البدن ، مهما لُذت برياضة النفس كي تتحكم برد الفعل فلا يكون ميكانيكيا وعشوائيا، فما أنت بحجر بل بشر ترى أن الإنسانية أُفق تسعى اليه ، أفق هو المبتغى والمرتجى ، وليس زخرف بردعة على ظهر حمار، مهما وكيفما تجلت البرادع في مظاهر شتى من مال أو جاه.. ليس الكثير منا مثل الشاعر شيللر يُحقِق الجسمَ الذي تريده الروحُ. ومع كل ما مر بي ، ماكان البدن يؤلمني، ويوجعني بل عذابات الناس في الرأسمالية ، التي أوجز تشبيهها الكاتب ، الساخر برناردشو،الذي كان اصلع الرأس كثيف اللحية ، طويلها : " الرأسمالية مابين رأسي ولحيتي : فيض في الإنتاج وسوء في التوزيع". ولك أن تتخيل، ولكن لن تدرك الواقع أبدا، كيف اشتد هذا التناقض ، واتسع البون بعد أكثر من قرن، خاصة و أن البديل المرتجى ، حاله الآن رماد نار، فليس واقعيا أن ترى الرأسمالية " المتوحشة " اليوم بين رأس و لحية برناردشو، بل عليك أن تراها في حالة التناقض الفاحش فيما بين يخت يملكه السعودي الوليد بن طلال ، يتبختر فيه بين المحيطات ويزور حيفا وتل أبيب ،و بين قوارب بها عطب تنقل أفارقة ، تهريبا ، للوصول جثثا الى ساحل لامبيدوزا في جنوب إيطاليا، يكتفي البابا فرانسيس بأن يواسي الباقين ممن ما زال فيهم رمق بمسح دموع المآقي لا تطهير القيح الذي في القلب. وحتى هذا هو أفضل وأشرف من صمت المتأسلمين من ملوك وأمراء و شيوخ ورؤساء وزارات وحوزات و مراجع في دول تفيض بل تغرق بالنفط والثراء وما يقبض من خمس و زكاة.
نعم مع ألعمرومافيه، وعبر الفحوصات المتواصلة ، التي يجريها لي منذ سنين صديق أخصائي في القلب تعرفت عليه يوم بدأت حياة المنفى طبيبا في ألمانيا الديمقراطية ، وكان هذا الصديق يومها عضوا في الحزب ألإشتراكي الألماني الموحد ، وكثيرا ما كان يقول : كم أنا سعيد ومرتاح أن جدي الشيوعي لم يطل به العمر ويرى ما غدت عليه الإشتراكية: اسما بلا مسمى ، رغم ما حققت من حياة آمنة للناس و لكن على حساب الحرية. فترات الفحوصات باتت تقصر آمادها. التشخيص ألخير أكد أن الصمام الأبهر قد أشتد تلفه، ولم يبق من سبيل غير استبداله لتحاشي عواقبه المميتة بغتةً. وهكذا تحدد موعد إجراء عملية، ذهبتُ إذ حان الموعد الى المستشفى دونما حاجة لسيارة اسعاف . فأجريت العملية بيد جراح من بيترسبورغ، لينينغراد سابقا، ورقم غرفتين رقدت فيهما كان هو رقم 13، رقم شؤم ونحس يحسبه كثيرون، لكنه دليل سعد بالنسبة لي.
كتبت في سجل الردهة ، عند المغادرة الى دار النقاهة : " لقد لقيت أثناء ألإقامة في المستشفى من الجميع عناية و رعاية غوتوية
goetheliche ( نسبة الى غوته ) ، وليست رعاية إلاهية göttliche . فقد رأيت كم هو غوته ، الذي قضى شطرا من حياته في لايبزغ، مُحق في تعبيره : "نبيل هو الإنسان ، كثير العَون وطَيٌب ".
ما كنت أود أن يَقلق أحد بدخولي المستشفى فما اخبرت غير شريكة العمر و أحد أشقائي، غير أن شقيقا آخر طَشٌ الخبر عندما سمعه ، ونشرته منظمة ألمانيا ، ونشر في صفحة الحزب الشيوعي فصارت التلفونات و الموبايلا ت ترن ولا تهدأ، مستفسرة ،متسائلة ، قلقة على ما حل بي من " محنة " .عاتبني بعد الخروج كثيرون، و منهم مؤمنون واسلاميون لا يتابعون صحافة الشيوعيين، عاتبوني لأنهم لم يسمعوا بالخبر فحُرموا من الدعاء لي بالشفاء . وأرسل كثيرون رسائل إيميل .
ويوم الجمعة الماضية أقام الملتقى العراقي/ لايبزغ حفلا للتهنئة بمناسبة الشفاء ، شفائي وشفاء الأخ د. جوهر شاويس وشفاء الأخ رحيم الحداد، تليت فيه برقية هيئة الدفاع عن أتباع الديات و المذاهب في العراق، ارسلتها الأخت الكاتبة راهبة الخميسي، كما تليت رسالة من الأخ الصديق د. كاظم حبيب.وأود هنا تقديم الشكر والإمتنان لجميع من سأل عني تلفونيا وعبر الإيميل خاصة د. صالح حسن رئيس هيئة تحرير الثقافة الجديدة ، والى هيئة الدفاع عن أتباع الديانات و المذاهب، والملتقى العراقي /لايبزغ ،والأخ د.كاظم حبيب والأخت راهبة الخميسي, و بالطبع لا يمكن أن أنسَ ذكر شريكة العمر سلمى والإبن الحبيب ياسر.
وختاما أتمنى للجميع وافر الصحة و العافية و طول العمر.