المهمة الاية لليسار العراقي : تحرير العراق أم تجفيف دجلة والفرات؟


محمد الخباشي
2005 / 6 / 22 - 13:03     

جوابا على الأسئلة التي توصلت بها من الحوار المتمدن، سأحاول أن أطرح رؤية وأسئلة منعتني من الانخراط في النقاش المرتبط بوحدة القوى اليسارية والديمقراطية العراقية... وعزوفي عن الكتابة في بداية الأمر راجع إلى عدم الرغبة في ركوب موجة التغني بالوحدة والتحالف من أجل التحالف فقط، وهذه مسألة أسالت كثيرا من الحبر واللعاب في ذات الوقت. وأغلب هذه الكتابات لا زالت لم تستطع أن تخرج عن دائرة التمارين الإنشائية.
والسبب الثاني، الذي أخرني عن محاولة الإجابة عن تلك الأسئلة، هو أن أسئلة تختلج في ذهني ولا أريد أن ألقي بها إلى زحمة الضجيج ولجة البحر الهائج، في زمن اختلاط الأوراق. وسوف أختزلها كلها في محورين:
وحدة أية قوى سياسية. وأية مهام لهذا التحالف.
عن طبيعة التحالف، لا يمكن للمتبع للأوضاع في العراق، منذ قرع طبول الحرب، وحتى قبل ذلك حين كانت تصرف الملايير في اللقاءات الماراطونية بلندن وغيرها من المدن الأوربية، كنت أتساءل هل يتجرأ إنسان ويتآمر على وطنه وينسق مع قوى وأعتى قوة إمبريالية في العالم؟ وبعد سقوط بغداد وإغراق الشعب العراقي في بحر من الذل والهوان، هل زالت قطرة دم تدعي اليسارية والتقدمية والشيوعية لدى من ساهم ويساهم في توطيد سيطرة الاحتلال والانخراط في بناء دولة طائفية فاشية في العراق؟.
ذعنا من هؤلاء. لنقل أن قطار الحياة فاتهم ولم يعد لهم من فرصة للانبعاث من الأنقاض، إلا الولايات المتحدة وسلطة الاحتلال والقوى الفاشية والعميلة والقومية الشيوعية. فأصبحت تتمسك بكل ما يمكن من أجل الظهور من جديد. إن ما يؤرق أكثر هول التساؤل الآتي: ما هي القوى التي يمكن توحيدها اليوم في شكل تحالف واسع؟ وتتفرع عن هذا السؤال أسئلة أخرى، على أية أرضية سوف يلتقي العميل الذي يدعي أنه شيوعي، مع شيوعي آخر يعتبر أمريكا قوة احتلال؟ هناك نظرتان لسلطة الاحتلال: نظرة تعتبره قوة احتلال ونظرة تعتبره قوة القدر ويد الإله القوية التي خلصته من جبروت فرعون وأغرقته في البحر الأحمر.
أعتقد أن أطراف التحالف لا تتحدد بصفة إرادية، إنما تحددها المهام المراد إنجازها. ومهما كان التحالف المراد بناءه في العراق، لا بد من تحديد أرضية مشتركة. ويعود السؤال الأول ليطرح نفسه. هناك قوى متناقضة، حول أية أرضية ستلتقي. هناك نظرة ضيقة تعمل على تدبير السياسي اليوم دون استراتيجية، لأنها تنجر وراء مخلصها من الفناء، وهي كانت فانية أصلا، ومبعثيها من جديد. تحاول أن تستقل ما يسمى بمعركة الدستور والانتخابات القادمة.... وفي المقابل هناك قوى ذات استراتيجية واضحة، ولكي لا اتهم باليسراوية، أقول أن التحالف لا يبنى على الاستراتيجي، بل على أرضية السياسي الذي يتغير بتغير الظروف والمهام.
أقصد هنا، ما هي المهمة الآنية، ذات الأولوية التي يجب أن تلتقي حولها القوى الحية بالعراق؟ إذا كان البعض ير ى في الدستور والانتخابات مهمة ذات أولوية، فإنني أرى فيها اندحارا إلى صف القوى التي ساهمت في توطين الاحتلال. وستتحول معه هذه القوى إلى معاول لهدم ما تبقى من العراق. وتعطي مشروعيته للاحتلال. ولنكن أكثر وضوحا، حتى في حالة فوز اليسار العراقي كله بمقاعد الجمعية الوطنية، وهذا من أول المستحيلات وليس سابعها، ماذا بوسعه أن يفعل؟ هل سيطلب من سلطة الاحتلال أن ترحل عن طيب خاطر؟ وأمريكا لن تفعل ذلك قبل أن يجف نهرا دجلة والفرات، لتطمئن قلوبهم. فهل ترضى القوى الحية بالعراق، أن تتحول إلى أداة لنهب واستنزاف ثروات العراق وإذلال شعبه؟
المهام الآنية لأي تحالف واسع تحدده الأوضاع الحالية بالعراق، وترتبط هذه المهام بما يريده هؤلاء بمصير العراق. هل يريدون عراقا ينفك من طاغية إلى طاعون؟ أم عراقا يلفظ كل الأزبال التي ألقيت في أرضه تحت مسميات وتحت يافطات مختلفة؟
لنرى أولا ما هي الأوضاع السياسية الحقيقية في العراق.
على غرار ما حدث في أفغانستان، حيكت مؤامرة كبرى ضد الشعب العراقي بإرجاعه إلى عهد الانحطاط والتخلف. فبعد استنبات حكم الطالبان كرمز للتخلف والبدائية واستبداله بأقزام سياسية، عملت أمريكا، راعية الرجعية في العالم، على استنبات كل الطحالب على أرض العراق، وخلقت أجواء سياسية ستشكل عرقلة أمام تقدم العراق على مدى غير منظور. وأحيت قوى رجعية فاتحة المجال أمام إيران والدول المجاورة المتضررة من حكم صدام حسين، لتعبث بالشأن العراقي. وأحيت أيضا نزعات عرقية وطائفية حتى أصبحت كل القوميات تعبر عن نفسها بشكل أو بآخر، وما يضمره ذلك من تهديد لوحدة العراق، وتشجيع لأطماع بعض الدول المحاذية للعراق. وفتحت مجالا لعصابات النهب والسلب وأرضية خصبة للصوص الهاربين. وحولت العراق إلى مزبلة حقيقية للتخلف والانحطاط. وشكل ذلك أرضية لصراع دولي وحرب عالمية غير معلنة. ليبقى الشعب العراقي في غياب تام عن تصريف شؤونه اليومية.


في هذه الأجواء أي تحالف يمكن بناءه؟ سيجد اليسار الحقيقي والقوى الحية المعبرة عن طموحات الجماهير الشعبية العراقية، نفسها أمام خيارين:
- التحالف مع قوى عميلة للإمبريالية إذا حصرت المعركة في الدستور والانتخابات وهذا أسوأ تحالف بمكن بناءه وهو محكوم عليه بالفشل لأن من اختار أمريكا لن يكون بمقدوره الانفكاك من قبضتها.
- التحالف مع القوى المادية للاحتلال، وسيجد نفسه أمام التخلف السياسي والأخلاقي والفكري... رغم معاداتها للاحتلال فهي خطر أكبر على الشعب العراقي، خاصة بتنوعه العرقي والديني والثقافي. وتقوية هذا الطرق هو جزء من المؤامرة على شعب العراق.
هناك خيار ثالث وهو ما توج بمبادرة تأسيس مؤتمر حرية العراق. ويشكل برنامجه (منشور تأسيس المؤتمر) رؤية متقدمة لإخراج العراق من الأوضاع الحالية.
ويمكن تلخيص المهام الآنية في:
- تحرير العراق وإخراج القوات الأجنبية كلها.
- بناء سلطة الشعب، ووضع دستور ديمقراطي علماني لتنظيم الحياة السياسية في العراق.
- حل المسألة العراقية وإلغاء الطائفية.
- اتخاذ التدابير والسياسات الضرورية من أجل دمقرطة العراق وبناء سلطة الطبقة العاملة من أجل الاشتراكية.
وتقتضي هذه المهام بناء تحالفات لكل مرحلة على حدة، وتتطلب أيضا تهييء الأجواء السياسية الملائمة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإطلاق الحريات...
بالنظر إلى هذه المهام، فإنه من قبيل الوهم انتظار أن تلتف حولها قوى استنبتها الإمبريالية أو بعثت فيها الروح من جديد بعدما كانت لأشبه بالمومياء المحنطة. وإذا تشكل تحالف واسع دون أن يكون اليسار الحقيقي قطبه المحوري، تحول إلى تكل هلامي، يجر وراءه القوى الحية دون أن يستطيع الفعل فيها.
شرط نجاح التحالف المزمع تشكيله، مؤتمر حرية العراق، أن يأخذ بعين الاعتبار استراتيجية واضحة، تنبني على قاعدة التحرير والديمقراطية.
وأول مهمة آنية هي كما جاءت في منشور التأسيس، تحرير العراق، ومحاصرة القوى الهمجية والتخلف التابعة لجمهورية القرون الوسطى في إيران، واللصوص والمافيا والدودة الزائدة في أحشاء القوميات الكردية والتركمانية...
ولتقوية المؤتمر، إضافة إلى الإجراءات الواردة في المنشور، أعتقد أن الانخراط العملي في العملية السياسية، يبدأ بنزع الشرعية عن الدستور والانتخابات المقبلة، بمقاطعتها وجعلها انتخابات أقلية، وتعبئة الجماهير العراقية حول برنامج المؤتمر في المقابل. واعتقد أن الانخراط والمشاركة في الانتخابات المقبلة لمبرر استرجاع السلطة للجماهير، أقول أنه حتى بتحقيق نتيجة تكتسح الجمعية الوطنية %100، وهي مستحيلة، لن تؤدي سوى إلى خندقة القوى الحية العراقية في بوتقة شرعنة المؤسسات الناتجة عن سلطة الاحتلال والترسانة القانونية التي خلفها.
ويجب على القوى الحية الحقيقية في العراق أن تخوض معركة الفرز داخل الشعب العراقي. وأن تزيل الخلط الذي ولدته همجية الاحتلال ويجب أن ينبني الفرز على قاعدة مقياس التحرير. وعلى ضوء ذلك تبنى تحالفات ظرفية أو ذات بعد استراتيجي مهما كانت.

******************************************************
دعوة للمشاركة في الحوار حول العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=39349