حول -متاهة الحب الاول- للروائي عباس يونس العنزي


اياد عبدالقهار عبدالسلام
2014 / 1 / 20 - 20:21     

ادخلنا الراوي مع بطله مشتت في متاهته التي كان موضوعها الاساس عمق التحول الكبير في شخصية البطل الذي اجبرته الاحداث بسبب حبه الاول الى الانتقال من حياة الهور البدائية المسترسلة الى المدنية المتسارعة حيث لعب تكرار الصدف الدور البارز في تمدنه مضافا الى ما يتمتع به مشتت من ذكاء وقدرة فائقة على التكيف والانتقال من صياد منسوخ عن اسلافه الى تاجر متمكن مع احتفاضه باسلوب اهل الهور في دقائق حياته.
اجاد الكاتب القفز المتكرر بالازمان الذي اعطى انطباع الاحتراف بالسرد من جهة ، وتطلب من القاريء تركيز وقبض على الاحداث شديدين من جهة اخرى مما زاد متعة التتبع لذة اضافية لم تنقص من انسيابية الاحداث وترتيبها في مخيلة القاريء لم اشهدها في اية من الروايات التي اطلعت عليها في قراءاتي المتواضعة.
وصف الراوي حياة الهور وتعدد شخوصها وتقافتها ومراكز القوى فيها بدقة بالغة ورسم شكلها بايقاع بطيء ينسجم مع طبيعتها معتمدا على اطلاعه العميق بتفاصيلها ولولا معرفتي بانه لم يفارق بغداد منذ نشاته الى يومنا هذا لتيقنت بان الكاتب جاء من عمق الهور، ولا يقل وصفه الدقيق لمعامل الطابوق من ناحية ولجانب الكرخ في بغداد وشارع الرشيد الذي دارت على ارضه كثير من احداث الرواية من ناحية اخرى عن وصفه للهور ولا اعجب هنا لان الكاتب عاش سنين طويلة من حياته في الكرخ.
تعرفت على كثير من شخصيات بغداد التي ساقها لنا الكاتب وكانت قريبة مني واعرفها جيدا قبل قراءة الرواية، وعرض كثيرا من الاحداث الحقيقية التي طالما سمعتها من الكاتب حتى قبل ان يفكر في كتابة باكورة عمله الروائي هذا، مما جعل المزج بين احداث حقيقية واحداث صاغها الكاتب متعه منقطعة النضير تجعل الانهماك في قراءة فصول متتابعة امر لا يمل.
حرص الكاتب على سرد روايته في فترة تغيرات سريعة وعنيفة في تاريخ العراق بدءا من ان وضع البطل قدمه هاربا على ارض بغداد وقيام الجمهورية الى ما وصفه بحرب السنوات الثمان وما بينهما من احداث جرت على مدى اكثر من عشرين عاما لم يغفل الكاتب عن سردها من وجهات نظر مختلفة وثقافات متباينة وقضايا قومية وحزبية جاءت على السن شخوص الرواية الذين تعددت مشاربهم ودياناتهم وقومياتهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وهو حسب ضني ما جعل الكاتب يزج بشخصيات كثيرة بالرواية ليتمكن من حبك تغطية هذا التباين الكبير. حلل الكاتب الشخصية العراقية المكرورة التي عاشت بالهور والبنى الاجتماعية السائدة هناك وانتقل الى التنوع بالشخصيات التي لاقت رحلة مشتت الطويلة ولم يتوانى عن وصفها بعين المحلل النفسي مما رسم صورا واضحة المعالم لشخوص الرواية، حتى اختياره لاسماء الشخصيات كانت تعطي انطباعا اوليا قبل التعرف على الشخصية نفسها.
كانت شخصية البطل محببة الى القاريء بتلقائيته وسكونه تارة وتهوره و ثورته تارة اخرى مما جعلها شخصية اقرب الى الحقيقة، رغم كل ما يخدشها من كونه ولد عن خطيئة ومارس شتى انواع العشق المحرم الا انه يعكس واقع كثيرا مما يسدل عليه ستار الكتمان والسرية.
تسارع احداث الرواية في فصول ذروتها وانتقال بطلها من عشق اختاره الى اخر ارغم عليه الى ضياعه وبحثه عن فرائس سهلة، وتسارع التنقل عبر الجغرافية من الجنوب الى الشمال الى فلسطين ووصف قصص الشوق والغرام والوجد تبعث بالرواية روح مفعمة بالحيوية. ولم ينسى الكاتب الجانب المحزن في وصفه للفراق والضياع والخوف والحرب والقتل والمرض والفقر والموت واخرها تلاشي الامل وهي ملخص لشتى جوانب الحياة في الحقبة التي جرت فيها احداث الرواية.
د. اياد عبدالقهار عبدالسلام