إضافات ستالين للماركسية


عقيل صالح
2014 / 1 / 7 - 23:18     

العلوم الماركسية لا تقل دقة عن العلوم الطبيعية والإنسانية الأخرى, لا يوجد علماً منفصلاً عن الواقع المادي الحاضر. لا احد يسمع, على سبيل المثال, أن نظرية التطور لدى ((داروين)) لا تصلح لزمننا الحالي, ويجب على البايولوجيين أن يتباحثوا عن بايولوجيا منافية للبايولوجيا التي وردت عند (( أصل الأنواع)). بل نسمع في أغلب الاوقات أن هذا العالم أو ذاك قد بنى فوق نظرية التطور التي اسسها داروين وأنه اكتشف امراً اضافياً لم يرد في النص الداروني الاصلي. العلوم كانت دائماً متواجده, مع الإنسان أو دونه, عمل الإنسان الوحيد هو ان يكتشف تلك العلوم ويفهمها فهماً صحيحاً.

العلوم الماركسية, على غرار العلوم الاخرى التي تم اكتشافها, كانت موجودة قبل أن يكتشفها كلا من ماركس وأنجلز, بمعنى ان العملية الطبيعية لتطور المجتمعات كانت موجودة قبل ولادة ماركس وأنجلز بآلاف السنين. الماركسية قامت بإكتشاف قوانين هذه العملية وسردتها للبشرية. يحاول أعداء الماركسية يوماً بعد يوم إظهار الماركسية على اساس انها كوكبة من الأفكار تجمعت في سبيل المساواة التامة للبشرية, هؤلاء الاعداء يعملون على تفنيد ودحض الماركسية على اساس إظهارها على انها ايديولوجية يمكن تجديدها او التغير من نصوصها لأن الزمن تعدى مرحلتها الزمانية والمكانية.

تطور القراءة الماركسية يعني تطور المجتمعات الإنسانية, فالقوانين الاجتماعية تقرأها الماركسية كما هي موجودة وفعالة في المجتمعات الإنسانية وتستند خلاصة القراءة الماركسية على قراءة تلك القوانين وفهم صيرورتها وسيرورتها. علمية الماركسية دقيقة جداً, لأنها كلية الصحة.

فتطور المجتمعات من شكل إلى شكل آخر, ومن نمط إنتاجي إلى آخر, ومن صراع طبقي معين إلى صراع طبقي آخر, إلخ.. يلزم على الماركسية ان تتطور في قراءتها للمجتمعات, ولا يمكن ان تحافظ القراءة الماركسية على قراءة واحدة لزمن ومكان معين وتجعل من هذه القراءة مفهوماً شمولياً لكل المجتمعات, بل يجب عليها ان تقرأ كل مجتمع على اساس انه مجتمع له بناءه التحتي والفوقي الخاص به, وصراع طبقي خاص به, وتناقضات ما بين القوى الانتاجية والعلاقات الانتاجية الخاصة به, ولا يجوز تعميم شكل انتاجي معين ويذيله هياكله ووحداته الاجتماعية على كل المجتمعات.

وإزاء ذلك تطورت الماركسية مع تطور المجتمعات, فالماركسية الأنجلزية (التي رفض أنجلز ان يطلق عليها هذا الاسم) قرأت قوانين وأشكال المجتمع الرأسمالي التنافسي (Competitive Capitalism) بينما اللينينية قرأت قوانين وأشكال المجتمع الرأسمالي الإحتكاري (أو الإمبريالي) (Monopoly Capitalism-Imperialism) .

والسؤال الجوهري لهذه المقالة يقع في ستالين, هل ستالين يستحق ان يكون القامة الرابعة من بعد ماركس,وأنجلز,ولينين ؟ بمعنى هل ستالين اضاف شيئاً للماركسية ؟ هل كان له ارثاً فكرياً ؟ أم كان فقط تابعاً لينينياً مخلصاً ولم يطور الماركسية بأي شكل من الاشكال ؟

في الحقيقة ستالين كان ابعد من هذا كله, حيث لا نبالغ حين نقول ان لا يمكن رؤية الماركسية الحقيقية من دون القراءة اللينينية الستالينية لها, حيث تعرضت إلى شتى انواع من التشويهات اهمها التشويهات البيرنشتاينية, والكاوتسكية, والتروتسكية, وكانت القراءة اللينينية الستالينية الصلبة وحدها كفيلة بإنقاذ الماركسية من تشويهات كتلك.

ما هي أهم إضافات ستالين للماركسية ؟ وكيف قام بتطويرها وحفظ شكلها الحقيقي ضد باقي التيارات المعادية للماركسية ؟

(1)
"دحض التروتسكية"
(محاربة ستالين للثورة المضادة بشكل عام وقانون زيادة حدة الصراع الطبقي في الإشتراكية)

من أصعب المهام التي كانت على عاتق ستالين, بجانب البناء الاشتراكي, هو محاربة الثورة المضادة التي كانت تتنامى في الإتحاد السوفيتي من أجل تقويض الإشتراكية . كان مصير البناء الاشتراكي دائماً في خطر, هذا الخطر كان خطراً جدياً في كل مرحلة من المراحل, بدءأ من الحرب الاهلية التي اشعلها المناشفة بمساعدة الإمبريالية العالمية ( 1918-1921), إلى معارضة تروتسكي اليسارية (1923), إلى المعارضة الموحدة (1926), إلى المذابح, والقتل, والتجويع التي تسببتها طبقة الكولاك بعد الثورة الزراعية التي حولت طبقة الكولاك للعمل في المزارع الكولوخوزية والسوفوخوزية (1932), إلى معارضة مجموعة بوخارين التي عارضت تحويل الكولاك إلى المزارع الكولوخوزية, إلى أن اتحد كلا من المعارضة اليمينية واليسارية مع القوى الفاشية من أجل إسقاط النظام السوفيتي, إلى نجاح البورجوازية الوضيعة في تسميم ستالين (1953) والسيطرة على السلطة السياسية بالكامل.

ثلاثون سنة من تاريخ الاتحاد السوفيتي حاولت فيه طبقة البورجوازية الوضيعة في تقويض دولة ديكتاتورية البروليتاريا, ونجحت بذلك عندما ادركت ان لا يمكن تقويض هذا النظام من دون قتل ستالين جسدياً مثلما اقترح تروتسكي في العام 1939.

إذن تاريخ الاتحاد السوفيتي كان مليئاً بالصراعات الحادة الطبقية ما بين البروليتاريا والبورجوازية الوضيعة, قد حاول كل فصيل تقريباً في تقويض هذا النظام, والفصيل الوحيد الذي لقى نجاحاً هو العسكر الذي تنامى عددهم بشكل هائل بعد الحرب النازية, والتي لم يحد ستالين –للأسف الشديد- من انتاجها بعد الحرب العالمية الثانية وفقاً لظروف التهديد الخارجي.
الثورة المضادة كان يقودها تروتسكي بشكل أساسي, وهذا لا يطمس ادوار بوخارين, وتومسكي, ورايكوف, وراديك, وكامينيف, وزنوفيف, وإيجوف في الثورة المضادة.

أولاً من اجل نظرة اكثر قرباً من معارضة تروتسكي لستالين واسبابها وكيف تعامل معها ستالين, أرى ان من المهم جداً عرض صورة سريعة عن شخصية تروتسكي, أو تكوينه السايكولوجي الذي من الممكن ان يعطي تمهيداً للمسألة المذكورة آنفاً.

شخصية تروتسكي شخصية معقدة (Complex Personality) ويمكن إختصارها في متلازمة البطل (Hero Syndrome) حيث يحاول, من يعاني بهذه المتلازمة, ان يثبت نفسه بأي شكل من الاشكال على اساس انه بطل او منقذ بفعل النرجسية الموجودة في داخل التكوين السايكولوجي لدى المصاب بهذه المتلازمة. إثبات البطولية هو إثبات الذات وبذلك إثبات الشخصية الفوقية المتعالية على الجميع. ليون تروتسكي كان يعاني بشكل او آخر من هذه المتلازمة وكلماته هي التي تثبت ذلك.

فعلى سبيل المثال يقول : (( من بد كل الرفاق الروس لم أجد أي واحد منهم فعلاً أستطيع التعلم منه شيئاً. وعلى العكس تماماً, وجدت أنني معلم نفسي)) ( راجع كتاب حياتي, الفصل 14, ليون تروتسكي)

ويقول ايضاً : ((مهما كان مدى اهمية الأخطاء التي ارتكبتها - بعضها لها اهمية عالية – لم تكن تتعلق بأمور مهمة أو إستراتيجية, بل كانت تتعلق بالأمور الثانوية مثل التنظيمات والسياسات. بكل أمانة, مع إدراكي للوضع السياسي ككل وكل نواحيه الثورية, لا يمكنني أن أتهم ذاتي بأنني قمت بأي أخطاء جدية وجسيمة إزاء بصيرتي وحُكمي)) (مثل المصدر).

وايضاً يقول : (( سنتان بعد الثورة كتب لينين :" في لحظة السيطرة على السلطة وبناء الجمهورية السوفيتية, جذبت البولشفية إلى ذاتها افضل العناصر في تيارات الفكر الاشتراكي التي كانت اقرب لها". هل يمكن ان يشك اي شخص في أنه تحدث عمداً عن أفضل ممثلي التيارات الاقرب إلى البولشفية قاصداً ما يسمى اليوم بالتروتسكية التاريخية ؟, من كان اقرب للبولشفية غير التيار الذي امثله أنا ؟, ومن وضع لينين غيري في البال ؟, هل كان مارسيل كاشن؟, أم ثالمان ؟, بالنسبة إلى لينين حينما تفقد كيف تطور الحزب ككل, لم تكن التروتسكية تيار معاد او غريب على فكر الاشتراكي, بل على العكس تماماً, كانت الأقرب إلى البولشفية.)) ( مثل المصدر الفصل 28).

هذه المقتطفات من قلم تروتسكي ذاته وتثبت مدى ذاتية هذا الرجل, وهذه الذاتية ليست اي نوع من الذاتوية التي يمكن ان يتعرض إليها اي إنسان, بل هي من النوع المرضي أقرب إلى النرجسية ومتلازمة البطل. وهذا انعكس على توجهاته الفكرية, حيث كان منشفياً وترك المناشفة ليصبح منشفياً مرة أخرى وأخيرا تحول إلى البولشفية في العام 1917. كانت رحلة تروتسكي رحلة البحث عن الذات. ولنفترض ان تروتسكي كان يبحث عن طرق للعمل الشيوعي, إن كان ذلك صحيحاً, فإذن طغيان ذاته قد طمس لنفسه اهمية العمل الشيوعي.

وإزاء ذلك يقول لينين في رسالةٍ إلى كولونتاي: (( كم هو خنزير هذا تروتسكي ! – يتبنى عبارات يسارية ويؤسس تحالفاً مع اليمين ضد يسار زيمرفالد !! (يسار زيمرفالد كان فصيلاً يقوده لينين في مؤتمر زيمرفالد –ملاحظة ع.ص) يجب أن يتم فضحه ( من قبلكِ) حتى لو بعبر رسالة موجزة إلى جريدة الاشتراكي الديموقراطي)).

فإذن معارضة تروتسكي لستالين والحزب الشيوعي السوفيتي لم تكن معارضة في سبيل تصحيح بضعة اخطاء قام بها ستالين والقيادة, أو ليس معارضة في سبيل تصحيح عمل لم تقم به القيادة, بل كانت معارضة دفاعاً عن ذاته. كيف تروتسكي لا يكون خليفة للينين؟ كيف يكون هناك من ينافسه فكرياً ؟ كيف اغلب القيادة لم تقف معه ؟ هذا كان ما يدور في عقل تروتسكي الذاتي.

تروتسكي لم يقد معارضة وحسب, أيّ معارضة تختلف في الرأي مع القيادة في مصلحة البناء الاشتراكي يداً بيد مع قيادة دولة ديكتاتورية البروليتاريا, بل قاد إنقلاباً على السلطة السوفيتية. وهذا كان مراده الوحيد, وهو لم ينكر ذلك, بينما أغلب الإعلام كالوثائقيات الموجودة, وأغلب المناهج المدرسية والجامعية دائماً ترسم تروتسكي على اساس انه كان خليفة لينين الاصلي وسرق ستالين هذا المنصب ونفاه إلى تركيا وبعد ذلك قتله في المكسيك, هذا هو جل ما نسمعه إزاء قصة تروتسكي وستالين. هذه القصة لا تسيء لستالين بل تسيء لتروتسكي بشكل أكبر, حيث تروتسكي لم ينفِ حقيقة انه يريد الإنقلاب على ستالين, هو كان مؤمناً بذلك وكذلك أتباعه, فهناك لا يوجد تاريخ مطموس او حقائق مطموسة حيال هذه المسألة.

يمكن ان يتفقد المرء صحة هذه المسألة فيما قاله تروتسكي :(( بلا شك ستبدأ نهضة ثورية جديدة في الاتحاد السوفيتي تحت شعار الصراع ضد اللامساواة الاجتماعية والاضطهاد السياسي. لتسقط امتيازات البيروقراطية ! لتسقط الستاخانوفية ! لتسقط الارستوقراطية السوفيتية وكل أنظمتها ورتبها !)) (راجع مقالة "الاتحاد السوفيتي ومشكلات الحقبة الانتقالية", تروتسكي, 1938)

وايضاً يؤكد على هذه النظرة قائلاً : (( من بعد تجربة السنوات القليلة, سيكون من الطفولي جداً افتراض ان يمكن ازاحة البيروقراطية الستالينية بعبر حزب أو مؤتمر سوفيتي. (...) لا يمكن تقويض الزمرة الحاكمة بعبر وسائل دستورية. لا يمكن إجبار استسلام البيروقراطية عن السلطة في صالح طليعة البروليتاريا إلا بالقوة!)) ( راجع "الطبيعة الطبقية للدولة السوفيتية", تروتسكي, 1933).

لم يخفِ تروتسكي حقيقة هدفه في إغتيال ستالين في جلسة خاصة مع كونون بيرمان يورن وفريتز دايفد في العام 1932 حينما قال –بشهادة من بيرمان يورن- : (( المسألة بشكل أساسي هي مسألة ستالين. يجب التخلص من ستالين من خلال تصفيته جسدياً)).

فإذن حركة تروتسكي هي ثورة مضادة, تروتسكي لم يتقبل القيادة السوفيتية ولا سيما ستالين من البدأ, كان في ذهنه هو المرشح الأول, كانت المسألة شخصية تماماً.

بينما كان يبني ستالين الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي كان يعمل تروتسكي وبوخارين (وأعوانهم) على تقويض هذا البناء, ووصل الأمر لتروتسكي إلى الاستنجاد بالقوى الفاشية من أجل فعل ذلك !. وفي هذا المقام يجب ان نقول ان لا يمكننا ان نؤكد اذ كان تروتسكي قد تحالف مع النازية تحالفاً رسمياً مكتوباً, أيّ, تحالفاً إستخباراتياً أم لا, إلا أننا يمكننا ان نؤكد في اي حال من الاحوال كان تروتسكي المساعد المعنوي للنازية في غزو الاتحاد السوفيتي.

كان أغلب قادة المعارضة على علم بالنوايا النازية في اجتياح الاتحاد السوفيتي, بوخارين قال في محاكمته انه لم يكن على علم بذلك, إلا أن الغزو النازي كان مؤملاً من أجل اسقاط الاشتراكية بأي شكل من الاشكال.

فمثلاً من الأعمال الاستعدادية لهذا الغزو كان قتل الابرياء بدمٍ باردٍ, وقام بذلك نيكولا إيجوف (Nikolai Ezhov) مفوض (أو كوميسار) الشعب للشؤون الداخلية (NKVD), حيث قام بقتل ما يعادل 680,000 (أكثر من نصف مليون !) شخصاً بين عامي 1937 و 1938, إلى أن انتاب القيادة السوفيتية الشك وازيحوا إيجوف من منصبه ليتولاه بيريا. يقول غرورفر فور أن معدل الإعدام اثناء فترة بيريا, أيّ بعد فترة إيجوف, هبط إلى أقل من 1%. ويضيف أن اكثر من مئة ألف شخصٍ اطلق سراحهم من السجون والمخيمات, حيث أدخلهم إيجوف بشكل تعسفي.

ولعب بوخارين دوراً خيانياً في هذه المسألة, أعني مسألة قتل الأبرياء, حيث كان على علم بهذه العملية, وقد وصفت زوجته –في مذكراتها- كيف فرح بوخارين عندما تعين إيجوف ككوميسار. ولهذا السبب يرجح ان بوخارين كان يكذب في محاكمته, أيّ, كان يعترف بأشياءٍ خيالية, وهذا ما رآه مولوتوف كشكل من اشكال الثورة المضادة الذي تبناه بوخارين. كان بوخارين يعترف بأشياء خيالية لدرجة ان رئيس المحكمة قال له ان يكف عن الكذب والمبالغة في الكلام !. وكان يكذب لأنه من الممكن أن يكون قد تلقى وعداً من ايجوف بأنه اذا اعترف بأشياء خيالية وبأشياء لم يفعلها سيعفى من الإعدام.

وكانت هذه العملية استعدادية لأن كان هدفها في قلب الرأي العام ضد الاتحاد السوفيتي وبذلك على أمل ان يكون استقبالاً شعبياً للغزو النازي.

تروتسكي, على غرار اتباعه اليمينيين واليساريين, لم يرَ الغزو النازي على اساس انه غزو, بل رآه على اساس انه تحرير, ورأى ان في سبيل اسقاط الستالينية لا يوجد اي ضير أو اي مانع في الإستعانة بالغزو النازي, بل الغزو النازي الذي سيتم بعبر جيوش المانية مؤلفة من عمال وفلاحين سيمنح فرصة في اعادة البروليتاريا إلى سلطتها مرة اخرى في الاتحاد السوفيتي.

وهكذا تحدث تروتسكي : (( جيش هتلر مؤلف من عمال وفلاحين. وبعد خيانة الاشتراكية الديموقراطية والكومنترن قد سقط العمال والفلاحون في دخان الشوفينية بعد النجاح العسكري اللامثيل له. ولكن حقيقة العلاقات الطبقية هي اقوى من السموم الشوفينية. جيوش الاحتلال يجب عليها ان تتعايش جنباً بجنب مع الشعوب المحتلة وتتمعن بالفقر واليأس الذي تعاني منه الجماهير الكادحة, ويجب ان تتمعن في محاولات هذه الجماهير في المقاومة التي ستكون في البداية مكبوتة ومن ثم صريحة وجريئة.(...) الجيوش الألمانية المؤلفة من العمال والفلاحين, في أغلب الحالات, ستشعر بتعاطف تجاه هذه الشعوب أكثر من التعاطف تجاه طبقاتها الحاكمة..)) (راجع "حول مستقبل جيوش هتلر" , تروتسكي, 1939-1940).

وإزاء ذلك نجد أن معارضة تروتسكي واتباعه عبارة عن معارضة انقلابية هدفها تقويض البناء الاشتراكي في الاتحاد السوفيتي. ومن ثم الاستعانة بغزو نازي مؤمل من أجل تحقيق ذلك.

ويمكننا أن نسأل بدورنا هنا : ماذا كان على القيادة السوفيتية ان تفعل في هذا المقام ؟ هل كان عليها ان تسمح بتقويض اول دولة ديكتاتورية البروليتاريا ؟ برأيي, أحد أخطاء ستالين هو انه اعطى المعارضة فسحة كافية لتعمل كتيار في الحركة العمالية, كان على ستالين ان يثق بحدسه من أول وهلة ويشن حملة ضد هؤلاء الإنقلابيين, وهذا ليس رأيي وحسب , بل أيضاً رأي لينين حيال ديموقراطية ستالين حيث انتقدها قائلاً – وفقاً لمذكرات مولوتوف- : (( ما نوع الديكتاتورية التي نمتلكها !؟ نحن نملك ديكتاتورية الحليب والعسل وليس ديكتاتورية حقيقية!)). ما عملته القيادة السوفيتية في الثلاثينات كان يجب العمل به في وقت مبكر, ولكن مع ذلك, نجحت القيادة وعلى رأسها ستالين في اخماد الثورة المضادة التي كانت مشتعلة آنذاك.

الدولة هي جهاز قمع طبقي, وهذا القمع يجب ان يستخدم ضد اعداء الاشتراكية. هكذا يشرح أنجلز هذه المسألة :
((هل يا ترى شهد هؤلاء السادة أي ثورة ؟ الثورة هي بالتأكيد أكثر الأمور سلطوية؛ إنها الفعل الذي يفرض من خلاله قسم من الشعب مشيئته على القسم الآخر بواسطة البنادق والعصي والمدافع, أيّ بوسائل سلطوية. وإذا أراد الطرف المنتصر أن لا يذهب قتاله سدى فعليه أن يحافظ على سلطته بأساليب ترهيبية بعبر أسلحة تردع الرجعيين. أكانت كمونة باريس لتبقى يوم واحد لو لم يستعمل الشعب المسلح هذه السلطة ضد البورجوازية ؟ ألا يجب علينا على العكس أن نلومهم على عدم استعمالها بأكثر حرية ؟)) ( راجع "حول السلطة" فريدريك أنجلز).

ومن خلال هذا الصراع العملي الذي خاضه ستالين في عملية بناء الاشتراكية, أكتشف قانوناً لا يمكن طمسه في الاشتراكية, وهو قانون زيادة حدة الصراع الطبقي في الاشتراكية. وفي الحقيقة تحدث لينين عن زيادة حدة الصراع الطبقي في الاشتراكية في مقالته ((الاقتصاد والسياسة في عهد ديكتاتورية البروليتاريا)), إلا انه لم يعطِ الأمر أكثر من هذه المقالة أو أكثر, بينما ستالين اضطر إلى أن يعيش هذا الصراع لمدة ثلاثين سنة.
الثورات المضادة التي اجريت في محاولة لتقويض النظام السوفيتي كفيلة بشرح كيف تشتد حدة الصراع الطبقي في الاشتراكية. هذه احدى اضافات ستالين الجوهرية للماركسية التي لم يتحدث عنها كثيراً كل من ماركس, وأنجلز,ولينين.

(2)
"صياغة القوانين العامة للإشتراكية"

أسهب لينين في التحدث عن التحول الاشتراكي ودولة ديكتاتورية البروليتاريا وكيفية الانتقال من " الكل وفقاً لعمله إلى الكل وفقاً لحاجته", ولكنه لم يتعايش مع دولة ديكتاتورية البروليتاريا بشكل وثيق, سرعان ما المرض تغلب عليه مما يعني انه لم ينخرط بشكل عملي وثيق, أعني لمدة مستقرة وطويلة نسبياً, في دولة ديكتاتورية البروليتاريا.

بينما ستالين انخرط بشكل قوي مع دولة ديكتاتورية البروليتاريا لمدة ثلاثين سنة. مما يعني قدرته على وضع قوانين عامة للإشتراكية.

القوانين التي صاغها ستالين (في الحديث مع وفد من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني في موسكو 1949) بشكل عام وبإختصار هي :

(1) أنها ديكتاتورية البروليتاريا والفلاحين. حيث البروليتاريا وحدها متمكنه من بناء الاشتراكية وقمع مقاومة المستغلين والبورجوازية الوضيعة.
(2) الملكية المشتركة لأدوات ووسائل الإنتاج. ومصادرة كل المصانع الكبيرة وكل إدارتها للدولة.
(3) تأميم جميع البنوك الرأسمالية وجعلها بنكاً واحداً تابعاً للدولة.
(4) التخطيط المركزي يقوم في مركز واحد. لابد من استعمال مبدأ " من كل وفقاً لقدرته إلى الكل وفقاً لعمله".
(5) من الإلزامي سيادة الايدولوجية الماركسية اللينينية.
(6) تأسيس قوات مسلحة من اجل الدفاع عن الثورة.
(7) قمع الثورات المضادة .

تلك هي, بتلخيص شديد منا, القوانين العامة التي صاغها ستالين للإشتراكية. وهذا هو عمل استثنائي, حيث تمكن ستالين من صياغة بشكل عام جداً قوانين للإشتراكية, مما يعني إضافة كبيرة للماركسية, لأن لم يرتبط كل من ماركس,وأنجلز,ولينين بالاشتراكية ارتباطاً عملياً يؤهلهم لصياغة قوانين عامة لها, بينما ستالين هو الوحيد منهم من استطاع ان يبني الاشتراكية ويتعايش معها وبذلك صياغة قوانين علمية لها.

كل تلك القوانين تمكن ستالين من إدراكها من خلال معايشة الواقع الموضوعي الموجود في الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي.


(3)
صياغة الاسس النظرية لللينينية

أي شخص مطلع على الماركسية بشكل كافٍ يدرك أن من المستحيل تبني الفكر اللينيني من دون الصياغة الستالينية له. ليس لأن لا يمكن قراءة كتابات لينين, وليس لأن كتابات لينين غير مفهومة, بل لأن لا يمكن النظر إلى تطبيقات كلام لينين النظري في الواقع من دون الشكل الستاليني له. مثلما ماركسية ماركس وأنجلز الحقيقية لم تكن لتحيا من دون إعادة لينين لها في مضمار العمل الشيوعي في ظل طغيان تيار كاوتسكي فأن لينينية لينين لم تكن لتحيا من دون إعادة ستالين لها في مضمار العمل الشيوعي في ظل صغيان تيار تروتسكي.
في الواقع, احزاب الأممية الثانية لم تكن قد تأسست من دون صياغة الاسس النظرية للفكر الماركسي اللينيني الذي قام به ستالين. ونحن لسنا في صدد تمجيد هذا وذاك, هذا عادةً ما يفهمه منا الماركسيون الإنسانيون, والمؤدلجون, والمجددون, وغيرهم من التيارات اليسارية, بل نحن بصدد طرح ماذا فعله هذا وذاك, وإذا كان ستالين بصدد طرحنا فإننا سنذكر ماذا فعل من دون زيادة أو نقصان. وهذا هو حقاً ماذا فعله ستالين, وإذا قد قام شخصاً آخراً, لنفترض بدلاً عن ستالين, فإننا سنقول أن هذا الشخص فعل هذا.

صاغ ستالين الاشكال الاساسية التي يجب ان تقوم على الاحزاب الشيوعية التي تتبع الخط اللينيني. فمثلاً طرح مسألة ديكتاتورية البروليتاريا وكيف يجب أن تكون نظرة الحزب تجاه هذه المسألة, وايضاً قد طرح التكتيك والاستراتيجية اللينينية على اساس أنها "علم القيادة في ظل الصراع الطبقي البروليتاري", وايضاً طرح شكل الحزب البروليتاري اللينيني على اساس أنه " أعلى شكل للتنظيم الطبقي للبروليتاريا" و"جهازاً لديكتاتورية البروليتاريا" وأن لا يمكن أن يكون هذا الحزب موحد " مع وجود فصائل آخرى".

قد مشى كل الاحزاب على خطى صياغة ستالين لأسس اللينينية وقد نجحت الحركات الشيوعية والتحررية بفك ارتباط التخوم بالمتربول بفعل الصياغة الصحيحة لللأسلوب والتكتيك للحزب اللينيني ونظرته تجاه المسألة القومية, والتحررية, والثورية, والبروليتارية.


(4)
تعديل قوانين الديالكتيك

من الإضافات المميزة والأصلية(Genuine Addition) للماركسية هي تعديل قوانين الديالكتيك الثالثة المعروفين كالتالي (كما ورد عند أنجلز – راجع ديالكتيك الطبيعة) :

(1) قانون وحدة وصراع التناقضات
(2) قانون التغيرات الكمية إلى النوعية (والعكس)
(3) قانون نفي النفي

أما التعديل الستاليني لقوانين الديالكتيك الكلاسيكية الثلاثة فهي كالتالي ( راجع كراس المادية الديالكتيكية والتاريخية):

(1) قانون ترابط وإلتحام الظواهر ( الطبيعة متصلة ومقررة)
(2) قانون التطور والحركة المستمرة (موت القديم وولادة الجديد)
(3) قانون التغيرات الكمية إلى التغيرات النوعية.
(4) قانون صراع المتناقضات.

التعديل الستاليني للقوانين الديالكتيكية الكلاسيكية قد أجري على نحو حذف قانون نفي النفي وإستبداله بقانون التطور والحركة المستمرة. أرجح سبب حذف قانون نفي النفي يعود إلى التطور الشديد للوعي الماركسي الذي يمتلكه ستالين, حيث لاحظ ستالين أولاً أن قانون نفي النفي ( أو نقض النقض) هو قانون هيجلي بشكل اساسي, من حيث كان هذا القانون مرتبط بالتطور العقلي فضلاً عن التطور الطبيعي, والتاريخي, والمجتمعي بالشكل المادي الذي طرحه كلا من ماركس وانجلز.

بالرغم أن هذا القانون الهيجلي قد تبناه كلا من ماركس وأنجلز الماديين, وتم تحويل هذا القانون من قانونٍ ديالكتيكي مثالي إلى قانون ديالكتيكي مادي, إلا أن ستالين أجرى تعديلاً إستثنائياً بإستبدال هذا القانون بقانون آخر يثبت مادية الديالكتيك الماركسي, وبهذا رأى ستالين أن الأمور لا تتطور وفقاً لهذا القانون الهيجلي الذي يوحي أن تطور الاشياء الطبيعية تقوم وفقاً لأسبابها الداخلية ووعيها الذاتي أو لسبب غرضي, بالرغم أن كل من ماركس, وانجلز, ولينين لم يروا التطورات الطبيعية على اساس انها تجري على نحو وعيها الذاتي, إلا أن الكثيرين من الماركسيين أنفسهم سقطوا في هذا المستنقع الذي ينص على غرضية تطورات الطبيعية. أعتقد أن ستالين تعمد في تعديل هذا القانون بطريقة تجعله قانوناً مادياً صرفاً للماركسيين الاخرين وليس انتقاداً للماركسيين الاوليين.

ايضاً يلاحظ القارئ, في كراسة ستالين المذكورة, ان ستالين شطب كلمة ((والعكس)) من قانون التغيرات الكمية إلى التغيرات النوعية. ويبدو أن ستالين فهم أن المرحلة العكسية في هذا التطور لم ترد عند ماركس وأنجلز, حيث طرحا ماركس وأنجلز هذا القانون في اتجاه الواحد فقط وذكرا علاقة التغيرات الكمية بالتغيرات النوعية من دون ذكر المرحلة العكسية.

أغلب الإنتقادات الموجهه للتعديلات الستالينية لقوانين الديالكتيك الكلاسيكية تنصب في حذف ستالين ((وحدة المتناقضات)) من قانون صراع المتناقضات, وأرى شخصياً أن هذا الإنتقاد أنتقاداً إيجابياً وصحيحاً, حيث من وجهة النظر الماركسية صراع التناقضات يكمن ايضاً في اتحادها, ولا يمكن ان نجد صراعاً إلا متحداً في ذات الوقت. ولهذا سمي لينين هذا القانون بـ " جوهر الديالكتيك".

أهمل ستالين, برأيي, ((وحدة المتناقضات)) من قانون صراع المتناقضات ليس بسبب عدم معرفته بأهمية وحدة المتناقضات التي تشكل جوهر الديالكتيك, بل بسبب شدة التناقضات الطبقية التي كان يتعايشها آنذاك. يجب أن نضع في البال الزمن الذي كتب فيه ستالين هذا الكلام, واثناء كتابته كان قد خاض اقوى صراع طبقي جرى في الاتحاد السوفيتي, وأعتقد هذا ما جعله يشدد على مسألة صراع المتناقضات من دون وحدتها. وكذلك التاريخ السوفيتي ككل لم يعطِ اي فرصة بالتشديد على وحدة المتناقضات الطبقية, بالرغم أن ستالين آمن – بشكل خاطئ- في كتابه القيم الاخير ((القضايا الاقتصادية للاشتراكية في الاتحاد السوفيتي)) بوحدة الانتلجنسيا بالبروليتاريا في بناء الاشتراكية.
بالرغم أن ستالين يعتبر مرجعاً فكرياً موسوعياً, إلا أنه لم يستطع أن يفصل سيرورة فكره عن الظروف المحاطة, ولا أعتقد يمكن لأي أحد في مكان ستالين ان يفصل نفسه عن الظروف القاسية التي حدثت في الاتحاد السوفيتي. فاشتداد حدة الصراع الطبقي في منتصف الثلاثينات قد أثر على نظرة ستالين حيال قانون صراع ووحدة المتناقضات, وبذلك رأى أن المتناقضات تتصارع وحسب, بينما في ظروف الحرب العالمية الثانية وما بعدها فقد تنامت طبقة البورجوازية الوضيعة وخصوصاً شريحة العسكر منها, مما أثر على نظرة ستالين حيال التناقضات الطبقية ما بين البورجوازية الوضيعة والبروليتاريا ليتكلم عن تآخي تلك الطبقتين ووحدتها, بينما كان يتحدث اعضاء اللجنة المركزية وعلى رأسهم مولوتوف عن تحويل الكولوخوزيين إلى سوفوخوزيين بالإكراه.

الديالكتيك الستاليني هو أكثر دقة عن الديالكتيك الماركسي الكلاسيكي, ليس لأن الديالكتيك الكلاسيكي يتسم بالمثالية, على الإطلاق !, حيث لم يغير ستالين القوانين, ولم يبتدع قوانين من عنده, بل أجري تعديلات فقط, وفقاً للتطور العلمي للواقع الموضوعي آنذاك.

(5)
صياغة خصائص الإنتاج والمراحل التاريخية للعلاقات الانتاجية

صاغ ستالين خصائص الإنتاج على النحو التالي:

(1) دائم التغير والتطور
(2) التغير والتطور دائماً يبدأ بتطور وتغير في القوى الانتاجية التي تتعاقب التغير والتطور في الادوات الانتاجية.
(3) أن صعود قوى انتاجية جديدة وعلاقات انتاجية جديدة يأتي من خلال احشاء النظام القديم.

هذه الصياغة أتت في سبيل التشديد على ان البناء التحتي للمجتمعات هو اساس كل التغيرات في البنى الفوقية, أيّ, السياسة والثقافة والفنون تتغير وفقاً للتغير الاقتصادي الذي يجري في المجتمع.

الكثير من الماركسيين يعتبرون ان التغيرات المجتمعية تجري من خلال البناء الفوقي, أيّ, تغيرات سياسية وحسب, أو تغيرات تجري على حسب الإختلافات الايديولوجية ما بين الاطراف السياسية المتنازعة.

التناقضات ما بين قوى الانتاجية والعلاقات الانتاجية هي المحرك الاساسي لتطور المجتمعات, الذي يمكن أن نختصره بالصراع الطبقي.

تحدث ماركس وأنجلز كثيراً عن الانتاج الماقبل الرأسمالي, والكراسات التي تناولت هذه المسألة معروفة ليس لدى الماركسيين وحسب, بل لدى اغلب الاكاديميين والباحثيين.

حاول ستالين أن يصوغ بشكل مختصر تلك المراحل التاريخية, وقد اتهم بالجمود العقائدي, وتعليب المراحل التاريخية, وإختزالها, بينما كان هدفه في الكراسة (المادية التاريخية والديالكتيكية, من كتاب موجز تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي "البولشفي") هو اختصار تلك المراحل التاريخية, والتي لا خطاء عليها, أغلب الأنثربولوجيين يتفقون على هذه المراحل بشكل او آخر.

المراحل التاريخية وفقاً للصياغة الستالينية هي :
(1) المشاعية البدائية
(2) العبودية
(3) الاقطاعية
(4) الرأسمالية
(5) الشيوعية

هذه المراحل صحيحة وقد اثبت التاريخ صحتها, وبالرغم أن عالمنا اليوم هو عالم استهلاكي, إلا أن لا يمكن إعتبار الاستهلاكية مرحلة انتاجية لها نمط انتاجي معين وعلاقات انتاجية معينة, بل الاستهلاكية تقع في مرحلة الازمة الانتقالية غلى الشيوعية.


(6)
الديموقراطية الشعبية

بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) تحررت معظم البلدان الاوروبية من قبضة النازية الألمانية والفاشية الايطالية, وكذلك تحرر الاسيويين من القبضة اليابانية بفعل الجهود السوفيتية والحلفاء الجبارة في الحرب.

في معظم تلك الدول قامت الاحزاب والحركات الشعبية بالانتشار واكتساب تلاحم مع الجماهير بشكل واسع, وكان خيار الاشتراكية هو الاوحد ما بين خيار الفاشية والرأسمالية.

بالرغم أن الاشتراكية كانت مطلباً شعبياً إلا أن لا يمكن العبث بالقوانين الاقتصادية بتلك البلدان, ايّ, لا يمكن خلق قوانين خاصة للمجتمعات, بل يمكن رصدها واكتشافها, وتلك البلدان لم يكن لها نمواً رأسمالياً كاف للإنتقال المباشر للإشتراكية, إلا أن الوعي الماركسي لستالين قد جعله يضيف الحل الديموقراطي الشعبي في سبيل البناء نحو الاشتراكية.
هذه الاضافة هي احد الاضافات الاصلية لستالين, حيث هو قام بإبتداعها في سبيل توسعة المعسكر الاشتراكي ككل, وهذه اضافة استثنائية ومميزة.

يحدد ستالين خصائص الديموقراطية الشعبية كالتالي ( راجع – ستالين حول الديموقراطية الشعبية في الصين, فبراير 1950) :

(1) القوة السياسية تكون في أيدي البروليتاريا
(2) تأميم المصانع
(3) الدور الإرشادي يكون للشيوعيين والاحزاب العمالية
(4) البناء الاشتراكي ليس فقط في المدن بل في الارياف

وفي سبيل التفرقة ما بين الديموقراطيات الشعبية والصين حدد ستالين اوجه الاختلاف كالتالي:

(1) في الصين تتواجد ديموقراطية ديكتاتورية للبروليتاريا والفلاحين.
(2) اضطهد الصينيين من قبل بورجوازية خارجية, ولهذا تعتبر البورجوازية الوطنية ثورية جزئياً.
(3) في الصين لا تزال الحرب طاحنة في سبيل تذويب العلاقات الاقطاعية
(4) والميزة الاساسية للثورة الصينية هو ترؤوس الحزب الشيوعي لسلطة الدولة.

وبهذا اكتسبت تلك البلدان صفة الديموقراطية الشعبية وبهذا صفة الثورة الديموقراطية البورجوازية من حيث معاداة الإمبريالية والإقطاعية وفقاً للوضع الاقتصادي, حيث تشيكوسلوفاكيا كانت متقدمة صناعياً أكثر من بولندا على سبيل المثال, على العكس من التطور الاصناعي البطيء لرومانيا آنذاك.
الثورة الديموقراطية الشعبية في وسط وشمال شرق اوروبا مسحت الاقطاعية الباقية, وأيضاً مسحت الأنظمة الملكية الموجودة. والمهمة الاصعب وقعت على ألمانيا, حيث كان عليها أن تعمل على مسح باقيا النازية واسلوب العسكرة, ومثلاً حاول اليوغسلاف على مسح بقايا الملكية في يوغسلافيا.

بإختصار, عملت تلك البلدان, بفعل ثورتها الديموقراطية الشعبية, في التحويل الثوري للبناء التحتي وبذلك البناء الفوقي للمجتمع بشكل تام كإستعدادٍ للتحول الشامل إلى الإشتراكية.

وبهذا تقوم الديموقراطية الشعبية على تحالف ثلاث طبقات : البروليتاريا ( الاسلوب الاشتراكي), والفلاحين ( الاسلوب الانتاجي الوضيع), والبورجوازيين (الاسلوب الرأسمالي). وهذا التحالف تقوده الطبقة العاملة في حزبها الشيوعي من حيث تأميم البنوك, والمصانع, والألات, والسماح بوجود الإنتاج الخاص بالشكل البسيط والعمل على اضمحلاله شيئاً فشيئاً.

ومع تصاعد الدول التي تبنت الديموقراطية الشعبية بعد الحرب العالمية الثانية قد أدى إلى تنمية سوق عالمي موازي للسوق الرأسمالي العالمي, مما يعني تمركز الاتحاد السوفيتي كقوة عظمى على وجه الارض وهذه القوة العظمى كان عملها مساعدة الدول الاخرى في سبيل البناء الاشتراكي في العالم كله.


===========================
في الختام, هل ستالين يستحق ان يكون القامة الرابعة من بعد ماركس, وأنجلز, ولينين ؟ هل اضاف شيئاً للماركسية ؟ هل كان له ارثاً فكرياً ؟ أم كان فقط تابعاً لينينياً مخلصاً ولم يطور الماركسية بأي شكل من الاشكال ؟

نستطيع ان نجيب أن ستالين يستحق ان يكون القامة الرابعة من بعد ماركس, وأنجلز, ولينين, لأنه لم يضف أموراً ثانوية للفكر الماركسي وحسب, بل أضاف اموراً جوهرية لا يمكن للمرء ان يغض النظر عنه, ولا يمكن للعمل الشيوعي ان يتطور كما تطور في القرن الماضي من دون الاضافات الستالينية الجوهرية.