سوريا التاريخ والحاضر


جورج حزبون
2014 / 1 / 3 - 10:56     

سوريا

حركة النهضة القومية العربية المعاصرة ، جاءت اثناء الحكم العثماني وردا على عمليات التتريك ، و مواجهة لتعسف حركة تركيا الفتاة تجاه العرب ، وتجهيلهم بالامية المستشرية والفقر المقع وتجنيدهم مادة لحروبها، و هذا الحراك أخذ تفاعله في بلاد الشام او سوريا ، و التي تعرضت فيه طلائعها الوطنية لنصب المشانق لثوارها في الساحات العامة .
وبعد الحرب العالمية الاولى ، و نتيجة لاتفاق الحسين بن علي مع البريطانين ، تحرك فيصل الاول و دخل دمشق في أكتوبر عام 1918 ، و هو لم يكن يعلم باتفاقية سايس بيكو ، مع ان البلاشفة بعد ثورة عام 1917 بقيادة ( لينين ) فضحت الاتفاقية ، لكن القيادات العربية رفضت تصديق ذلك و التشكيك في حليفتها بريطانيا ، و بالنتيجة طرد فيصل من دمشق بتواطئ بريطانيا بواسطة القوات الفرنسية التي قادها الجنرال ( غورو ) بتاريخ 25 تموز 1920 0
و كان واضحا امام حلفاء الحرب ان تمزيق سوريا ، هدف مهم لتمزيق نفوذ حركة الثورة العروبية ، حتى لا تقام دولة سوريا الكبرى، الذي كان شعار قومي عبر وحدة العراق و الشام ، و لقد برزت بعض القوى و الأحزاب تطالب بدولة الهلال الخصيب لضم ما ذكر ، و القوميون السوريون طالبوا أيضاً بضم قبرص للدولة العربية العتيدة 0
و حسب اتفاق الحلفاء ، أقام البريطانيون في العراق و الخليج ، و الفرنسيون في سوريا ، و التي كانت بها دولتي حلب و دمشق اللتان اتحدتا في دولة سوريا عام 1924 ، على طريق توحيد سوريا و بلاد الشام لتكون عاصمتها دمشق .
و تساوقا مع أهداف الحرب و مضامينها ، أعطت فرنسا سنجق الاسكندورون ليضم الى تركيا ، كما قامت بريطانيا باقتطاع اجزاء اخرى من سوريا الجنوبية و الشمالية لإقامة إمارة شرق الأردن و إرضاء الامير عبدالله الذي كان قادما لنجدة أخيه فيصل في دمشق ، و قامت بريطانيا بتتويج فيصل على العراق ، و بتاريخ 15 نيسان 1964 انسحب اخر جندي فرنسي في سوريا .
و بالنتيجة أصبحت سوريا مقسمة و ضعيفة ، و العراق تحت حكم فيصل يشرف عليه نوري السعيد رجل بريطانيا و الضابط التركي السابق ، و فلسطين تصارع من اجل البقاء في ظل تواطئ الحلفاء مع الهجرة الصهيونية و تسليح تلك العصابات التي امتلكت من التدريب و السلاح ما يؤهله كما تبين لاحقا لمحاربة جيوش المنطقة ، و قد شاركت القوات السورية بحرب 1948 و هي ضعيفة منهكة غير مؤهلة ، الا ان حضورها الوطني العروبي و القومي ظل متقداً ، مما عرضها لمخاطر من نوع جديد ، شاركت به أميركا و السعودية ، و ان بدأ عبر شركات النفط الا ان انقلاب حسني الزعيم جاء بطعم أميركي ، ثم جاء انقلاب 13 أب 1949 بقيادة سامي الحناوي ، و بعده جاء انقلاب أديب الشيشكلي في 19 ديسمبر 1949 ، و هو نفسه قاد انقلاب اخر على حكومة هاشم الأتاسي ، رافضا لمشروع الفيدرالية مع العراق و ذلك في 13 أب 1949 و بدعم من المملكة السعودية المعادية لتلك الوحدة ، ثم جاء انقلاب الجنرال فيصل الأتاسي في 25 فبراير 1945 ليعيد الى السلطة و رئاسة الجمهورية هاشم الأتاسي .
و جاءت الى السلطة بالانتخابات دولة شكري القوتلي التي وقعت اتفاقية الوحدة مع مصر عبد الناصر، في محاولة لإنقاذ سوريا من أزمتها و ما يتهددها من كافة الاتجاهات ، و التمادي العدواني الاسرائيلي و التدخل السعودي و المماحكات التركية ، و مرة اخرى و بدعم سعودي قاد عبد الكريم النحلاوي في 28 ايلول 1961 الانقلاب على الوحدة، و حدث الانفصال و تم تنصيب مأمون الكزبري رئيس الشركة الخماسية و هي اكبر شركة للنسيج في سوريا و معروف بعلاقاته مع أميركا و السعودية ، و في 8 آذار 1963 قاد أمين حافظ انقلابا لصالح البعثيين، ثم جرى انقلاب عام 1966 بقيادة صلاح جديد ، و اخيراً قام حافظ الأسد بانقلاب داخلي لتصفية الجناح اليساري للبعث و دعى ذلك الانقلاب بالحركة التصحيحية 0
حتى لا تكون القرأة تقليدية ، فقد تم تجنب الدور الاسرائيلي و عدوانيته على سوريا و محاولاته المستمرة لضربها و تمزيقها و إضعافها ، اضافة الى المصلحة الأميركية في تدمير سوريا باستمرار ، الا ان مشاهدة التدخلات العدوانية من كافة الاتجاهات على هذا البلد ، تعطي صورة عن ان الامر لا يتعلق أبدا بالأشخاص و اسماء الحكام ، بل ان المطلوب ابتدأء هو تمزيق سوريا باعتبارها عنوانا عروبيا قوميا ، او انها قاعدة مركزية لكيان عربي قوي، سواء تحقق الأمس او لم يتحقق اليوم، الا انه يسير في نهاية الامر الى هذه الغابة بحكم طبائع الأمور و حتمية التاريخ 0
فمنذ الحرب الاولى و توجهاتها الإمبريالية ، وجدت في تلك البقعة الجغرافية خطرا على مشروعها للهيمنة على المنطقة ، و قسمتها من لبنان الى الاسكندرون الى الأردن ثم أقاموا اسرائيل ، و ترك الفلسطينيون حيث لا يزالوا يصارعون ، و بالنظر الى خريطة الانقلابات المتتالية في سوريا ، و حضور السعودية فيها مبكرا ، يظهر مدى و طبيعة هذا الدور المتأصل بالعدوانية على الفكر القومي العروبي ، و مدى تهديد هذا الفكر ذا النزعة السلفية الوهابية الحنبلية السعودية ، فقد مارس الوهابيون حقدهم منذ الثلاثينيات من القرن الماضي على الشام و أهله ، و لاحظ الأميركيون ذلك فالتقت المصالح التي تمت بالاتفاق او الوفاق لتخدم اسرائيل .
ليس الهدف من القول الدفاع عن النظام السوري الراهن ، فهذه ليس الغاية ، لكنها يمكن ان تغني البصيرة عن هدف المتدخلين الخارجين، بالقيادة السعودية ،خاصة عندما نقرا عن حركة ( داعش ) الإرهابية و توائمها من القاعدة، الى هذا النسق من شذاذ الآفاق ، حيث اجهضوا حركة الثورة السورية الديمقراطية ،مما يشير الى ان أهدافهم تدمير البلاد بذلك الهدف الذي سعوا له تاريخيا ، و هنا يتضح مدى استخدام الاسلام السياسي لخدمة تدمير الاوطان كطريقة مستخدمة في الثورة المضادة، و المعادية للعرب و الاسلام ووامال سلام و أمن الشعوب و استقرار المنطقة .