إقتنص النهار: ميراث لينين - سلافوي جيجيك


هشام روحانا
2013 / 12 / 31 - 09:22     

إقتنص النهار: ميراث لينين
سلافوي جيجيك
نقد لكتاب هيلين كاريري دي اينكوزه بعنوان: "لينين".
ترجمة هشام روحانا
يجابه اليسار في ايامنا هذه اختباراً صادماً : إن الحركة التقدمية مجبرة على أن تعيد إنتاج مشروعها بالكامل، إلا أن هنالك ميّل عام لنسيان أن ظروفا مماثلة هي ما حضر لولادة اللينينية. علينا أن نضع نصب أعيننا تلك الصدمة التي حلت على لينين في خريف العام 1914، عندما قامت جميع احزاب الاشتراكية الديمقراطية في أوروبا، عدا الحزب الصربي، بالوقوف قي "الصف الوطني". كيف كان من الممكن لأحد ما ألا يقف الى هذا الجانب أو ذاك في الوقت الذي قسم فيه النزاع العسكري القارة الاوربية الى معسكرين؟. فلنفكر كيف أن العقول المفترض مفكرة، وبضمنها على سبيل المثال فرويد، خضعت، ولو لفترة وجيزة لتاثير الحمى الوطنية.
في العام 1914 يختفى عالم كامل، عالم يواري معه ليس فقط الايمان البرجوازي بالتقدم بل وأيضا الحركة الاشتراكية المرافقة له. لقد شعر لينين (لينين ما العمل؟ ) بأن الارض تسقط من تحته- الا ان في ردة فعله المُحبَطة لم تكن اية علامة للرضى، لهذا الرضى بالنفس والنابع من الرغبة بالقول :" اترون؟، لقد قلت لكم". لقد مهدت هذه الكارثة الارضية للحدث اللينيني : تجاوز نظرية الاممية الثانية في التاريخانية الارتقائية* (Evolutionary Historicism). ينهض لب "الاوتوبيا" اللينينية - التحطيم الجذري للدولة البرجوازية واجتراح منظومة اجتماعية تشاركية بدون الحاجة الى جنود تحت السلاح ولا الى جهاز شرطة ولا الى جهاز بيروقراطين، وحيث يستطيع كل امرئ المشاركة في تسيير المهام الاجتماعية- مباشرة من حطام عام 1914. ليس الامر امر مشروع نظري للمستقبل البعيد: ففي اوكتوبر 1917 يعلن لينين :" نستطيع فوراً تجنيد جهاز دولة مؤلف من عشرة ولربما عشرين مليون إنسان". علينا الاعتراف بأن "جنون" ( بالمعنى الكيركيجاردي*) هذه الاتوبيا وفي هذا السياق هو نقيض الستالينية الداعية الى الرجوع الى" الحس السليم". لا يمكننا عدم المبالغة في تقدير الطاقة الانفجارية الكامنة في الدولة والثورة، وكما كتب نيل هاردينج في اللينينية (1996)، " يتم القطع الكامل والفظ مع نحو ولغة السياسة الغربية التقليدية" في هذا النص.
وما سيتبع هذا القطع التام، وباستعارة من عنوان نص التوسير حول مكيافلي ؛ تحية للينين- أنه سيقف الآن وعملياً، وحيداً، ليناضل ضد الاتجاه العام داخل حزبه الخاص. عندها وفي "موضوعات نيسان" 1917 يتبين اللحظة (Augenblick)، هذه الفرصة الاستثنائية للثورة،



بينما واجهته ردود الفعل في صفوف الحزب والتي تراوحت ما بين الذهول والإدانة الصريحة. وداخل الحزب البلشفي نفسه لم يقف الى جانبه أي من القادة البارزين واتخذت برافدا [صحيفة الحزب] خطوة غير اعتيادية، إذ لم تقم بنشر "موضوعات نيسان" داخل الحزب ولا حتى في هيئة التحرير،واصفة أياها على انها مجاملات انتهازية واستغلال للمزاج السائد بين العامة، لقد غدت أراء لينين مقصورة عليه وحده. وقام بليخانوف بوصف "موضوعات نيسان" على أنها "هذيان شخص مجنون" وبينما انتاب ناديا كروبوسكايا (زوجة لينين) " القلق بان لينين قد أصيب بالجنون".
الا نه والى جانب عظم المساهمة الفردية للينين فإن مسار ثورة أكتوبر يجب الا يتحول الى حكاية اسطورية عن نابغة فرد. لقد تحقق للينين النجاح لأنه حين رجع، متجاوزا المناصبية التراتبية الحزبية، الى الصفوف الدنيا للحزب وهي القاعدة الثورية قد تم تفهم وجهة نظره، ليتم انشاء مجالس محلية في جميع انحاء المدن الكبرى لروسيا مطالبة بتجاهل سلطة الحكومة "الشرعية" واخذ زمام الامور.
في ربيع العام 1917 كان لينين واعيا للتناقض القائم: فبعد إجهاز ثورة شباط على النظام القيصري غدت روسيا الدولة الاكثر ديمقراطية في أوروبا وهي تتحلى الآن بدرجة عالية من الحراك الجماهيري والحرية في اقامة التنظيمات وحرية التعبير الا انه وفي نفس الوقت أصبح كل شيء ضبابي. واذا ما كان هنالك تهديد عام وشامل، يكتب لينين في الفترة بين ثورة شباط وثورة اكتوبر مُلِحاً، فهو هذه الفجوة القائمة ما بين النضال السياسي وبين الأهداف المحددة لهذا النضال: السلام الفوري، اعادة توزيع الاراضي والحصول بالطبع على " كل السلطة لمجالس السوفيتات"، أي حل جهاز الدولة القائم واحلال منظومة اجتماعية تشاركية مكانه. انها الفجوة القائمة ما بين الثورة بالمعنى الخيالي للانفجار التحرري في لحظة الالهام التضامني الشامل حيث "كل شيء يغدو ممكنا"، وبين الحاجة الى العمل الشاق والساعي لاعادة بناء المجتمع والذي يجب أن يتم إنجازه لكي يترك هذا الانفجار أثاره على البنية الاجتماعية ذاتها.
هذه الفجوة - التي تستدعي الى الذاكرة الفترة ما بين 1789 و 1793 في الثورة الفرنسية- هي مجال المساهمة الفريدة للينين. والدرس الجوهري للمادية الثورية هو أن على الثورة أن تضرب مرتين. وليست اللحظة الأولى هي التي تتخذ شكل الثورة، حيث يتم ارجاء الجوهري الى وقت لاحق، بل بالعكس: فإن الثورة الاولى تستمر بالمحافظة على الاعتقاد القديم السائد؛ هذا الاعتقاد بأن الحرية والعدالة ممكنان اذا ما عملنا ببساطة من خلال جهاز الدولة القائم ومن خلال الاجراءات الديمقراطية الكفيلة وحدها بحصول الحزب " الجيد" على السلطة من خلال الانتخابات الحرة محدثا التحول الاشتراكي بشكل "شرعي".(والمثال الابرز وضوحا لهذا الامر



هو اوهام كاوتسكي في موضوعاته التي صاغها عام 1920 والقائلة بان الشكل المنطقي للمرحلة الاولى في التحول من الرأسمالية نحو الاشتراكية هو التحالف البرلماني بين البرجوازية والاحزاب البروليتارية ). وهؤلاء الذين يراوحون خائفين من القيام بالخطوة الثانية هم هؤلاء (وبكلمات روبسبير) الذين يريدون "ثورة بدون ثورة".
يحتفظ لينين بالسخرية الاكثر حدة في كتاباته في عام 1917 لهؤلاء الذي يبحثون يائسين عن ضمانات للثورة على شكل افكار عن الضرورة الاجتماعية ( " الوقت مبكر من أجل القيام بثورة اشتراكية، والطبقة العاملة ليست ناضجة بعد") أو على شكل بحث عن شرعية معيارية ديمقراطية ( "اغلبية الجمهور ليست الى جانبنا ولهذا فان الثورة لن تكون ديمقراطية حقا"). وكأنه مطلوب من الفاعل الثوري الحصول على موافقة الآخر، آخر يحظى بمنزلة تمثيلية ، قبل أن يقوم بالانقضاض على السلطة. [...] هذا التردد عن الاقدام على الاستيلاء باكرا على السلطة هذا البحث عن ضمانات ليس سوى تعبير عن الخوف امام الهاوية. هذا ما يدينه لينين بوصفه "انتهازيا"، موقف زائف في جوهره إذ يخفي خوفا وراء قناع واقي يتجمل بموضوعية الحقائق والقوانين والمعايير.
ما الذي يحدث عندما يكتشف لينين حدود القوة لدى البلاشفة؟ هنا يظهر للعيان الفرق ما بين لينين وستالين. نجد في كتابات لينين المتأخرة والبعيدة عن فترة أوتوبيا الدولة والثورة حدود المشروع "الواقعي" والمتوضع الذي يضعه أمام البلاشفة. يتحقق لينين بأن روسيا وبسبب التخلف الاقتصادي والتأخر الثقافي السائد حينها لا تستطيع " العبور مباشرة نحو الاشتراكية". ما تستطيعه السلطة البلشفية هو ضمان اهداف سياسية معتدلة تأخذ شكل " رأسمالية الدولة" الى جانب تعليم جماهير الفلاحين. لقد أظهرت المعطيات والبيانات أن " معظم المهام الملحة هي العمل للوصول الى مستوى دولة غرب-اوروبية عادية... علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أننا لم نخرج بعد من حالة الجهل النصف- أسيوي". ويحذر تكرارا ضد المباشرة في "تحقيق الشيوعية": " علينا، وتحت اية ظروف كانت، الامتناع عن نشر الافكار الشيوعية الصارمة في الريف. وطالما يفتقر الريف الى القاعدة المادية الملائمة للشيوعية فسيكون مضرا بل وقد اقول في الحقيقة قاتلا، ان تقوم الشيوعية به". وضد هذا الالحاح على " الثورة الثقافية" يتجه ستالين نحو الافكار المضادة للينينية، نحو " بناء الاشتراكية في بلد واحد".
الا ان هذا لا يعني مطلقا بأن لينين قام خلسة بتبني وجهة نظر المناشفة الناقدة للاوتوبيا البلشفية، والقائلة بان على الثورة المرور في مراحل حتمية، بحيث لا يغدو من الممكن تحقيقها الا عندما يتم انجاز شروطها المادية الضرورية. وفي كتاباته في العشرينيات يتحقق لينين من أن المهمة المباشرة الموضوعة أمام البلاشفة هي انجاز المهام التقدمية للنظام البرجوازي (تعميم الثقافة والتعليم وما اليه). الا ان كون الفاعل الاجتماعي من أجل التقدم ها هنا هو سلطة البروليتاريا الثورية يغير الأمر جوهريا: هنالك فرصة لأن يكون بمقدور هذه الاجراءات طرح البنية


الايديولوجية البرجوازية جانبا، بحيث يخدم التعليم مصلحة الشعب حقاً، لا أن يكون قناعا تتعزز به المصالح الطبقية البرجوازية. وكما هو ملائم للمفارقة الجدلية فانه من الممكن أن تتحول هذه الحالة الميؤوس منها للوضع الروسي (حالة الجهل التي تجبر سلطة اليروليتاريا وهي بالذات على انجاز مسار التحديث البرجوازي ) الى أفضلية :" ماذا لو حفز هذا الوضع الميئوس منه تماما تضافر جهود العمال والفلاحين بأضعافٍ مضاعفة خالقا الفرصة لأتمام المهام الاساسية للتحديث بشكل مختلف عن الشكل الذي حصل في دول غرب-أوروبا ؟".
اننا اذا امام شكلين غير متقابلين للثورة: اما انتظار لحظة الازمة النهائية حيث ستنفجر الثورة في " توقيتها الملائم" بالتوافق مع الضرورة الموضوعية للتطور التاريخي، أو الادعاء بأنه لا وجود ل-"توقيت ملائم" للثورة وأن الفرصة لحدوث الثورة تبزغ فجأة ويجب الانقضاض فورا. يصر لينين على أن الظروف الغير اعتيادية كتلك التي سادت في روسيا في عام 1917 قد تشق الطريق لفهم هذه المعاير. وأستطيع الادعاء أن مثل هذا الاعتقاد ساري المفعول ليومنا هذا أكثر من ذي قبل. أننا نعيش اليوم حيث تغدو الدولة وفاعليها السياسيين أقل قدرة على صياغة المهام ذات الأولية يوما بعد يوم. أن الوهم بان هذه المسائل الملحة التي واجهت روسيا في حينه ( السلام، توزيع الأرض وما اليه) كان يمكن حلها عبر الوسائل البرلمانية يوازي الوهم المعاصر بأنه من الممكن معالجة التهديد البيئي من خلال تطبيق منطق السوق (تغريم المسؤولين عن التلوث).
كيف تعالج الدراسة الجديدة التي تقدمها هيلين كاريري دي اينكوزه على ضوء ما تقدم؟ أن توجهها الرئيسي يقول بأننا اليوم قد تجاوزنا الشيوعية، ولقد آن الوقت للقيام بتقييم موضوعي لأسهام لينين. وبين هذين الحديين يحاول الكتاب منح لينين ما له وما عليه. توضح المؤلفة بأن جهاز الدولة الستاليني قد نشأ من " الخطة الاقتصادية الجديدة" التسووية. ولو أن الدولة تراجعت الى الخلف وأتاحات الملكية الفردية لكان من الممكن الوصول الى رقابة أكثر صرامة من المجتمع وما كان ممكنا تهديد الثورة من قبل الطبقات الجديدة. لكان عندها ممكنا أقامة توازن ما بين البنية التحتية الرأسمالية على يد البنية الفوقية الايديولوجية والساسة الاشتراكية.
توضح المؤلفة أيضا كيف انه من خلال الصراع من اجل التغلب على لينين فإن كل من تروتسكي، بوخارين وآخرين وبتقليلهم من شأن موقع ستالين الجديد كسكرتير عام باعتبارهم أياه مجرد مدير، فإنهم فشلوا في تقدير السلطة التي يمنحه اياها موقعه هذا. عام 1922 وعندما قام لينين بإرسال مقالته " من الأفضل أقل شريطة أن يكون أفضل" للنشر في صحيفة الحزب "البرافدا" والذي سعى للحد من تركيز السلطة بيد ستالين، لم يرى بوخارين وهوالمحررالمسؤول اي داعي لنشرها وقام أحد أعضاء اللجنة المركزية باقتراح طباعة المقالة في نسخة واحدة ووحيدة من الصحيفة وتقديمها للينين.


في المسألة القومية تكتب هيلين كاريري دي اينكوزه أن لينين عارض معارضة غير مشروطة النزعة القومية للأمم الكبيرة وبالمقابل دعم حق القوميات الصغيرة بالسيادة بغض النظر عن من كان يحكمها. بالنسبة لروسيا نفسها دافع لينين عن السياسة التي تفضل القوميات الصغيرة المقموعة ك" نوع من ابداء حسن النية قبل الوقائع". إن هذا الامر يبدو اكثر وضوحا في عصرنا الحديث. وعليه فأنه ليس بالمفاجئ أن نرى أن معاداة الامركة هي أكثر بروزا في الامم "الكبيرة" . ان الشكوى الاكثر شيوعا ضد العولمة هي ان العولمة تشكل تهديدا لسيادة الدولة القومية ولكن ليست الدول الصغيرة هي تلك الدول التي تخشى تأثيرات العولمة بل هي دول الصف الثاني- الدول العظمى سابقا- كفرنسا وبريطانيا والمانيا، وهي تخشى انه وتحت تأثير امبراطورية العولمة الجديدة ستغدو هي نفسها دولا صغرى لنقل كالنمسا او بلجيكا وحتى كدولة لوكسينبورغ. ان العداء للامركة في فرنسا والذي يتم التعبير عنه في اليسار كما في اليمين القومي المتطرف وهومن حيث جوهره رفض قبول حقيقة أن فرنسا تفقد بالتدريج الدور المهيمن في أوروبا.
يجب اعتبار هذا التدريج لامم كبيرة وأخرى الصغيرة واحدا من التاثيرات المفيدة للعولمة: فالاحتقار الذي يظهره الغرب لدول اوروبا الشرقية الما-بعد شيوعية يفضح نرجسية جريحة. من المثير للاهتمام أن نفس المنطق كان ساري المفعول في يوغسلافيا السابقة: لم يكن الصرب وحيدون بل وقفت معهم ايضا جميع القوى الغربية خلف الادعاء بانهم هم الوحيدون الذين يمتلكون مقومات دولة خاصة بهم.ففي تسعينيات القرن الماضي عمل حتى أكبر رافضي النزعة القومية الصربية ومنتقدي ميلوسوفيتش الجذريون والاكثر ديمقراطية بفرضية ان صربيا هي وحدها القادرة، بعد الانتصار على ميلوسوفيتش، على تحقيق الديموقراطية. وتم إعتبار القوميات الاخرى في يوغوسلافيا السابقة قوميات ريفية غير قادرة على تحقيق الديموقراطية. مما يذكرنا بملاحظة إنجلز عن قوميات البلقان الصغيرة بوصفها بواقي رجعية.
تكرر هيلين كاريري دي اينكوزه كل الادعاءات السابقة المتعلقة بشخصية لينين، عن قساواته الشديدة ولامبالاته حيال عذابات الجماهير بل وتضيف وتناقش مصير المعارضة العمالية عام 1921 وتلاحظ : " لقد شكل هذا مثالا اضافيا للاسلوب الخاص بلينين والمتمثل ليس بتصفية الخصم بل بتصفية افكارهم، متيحا للخاسرين أن يبقوا في مواقعهم الادارية". من الصعوبة تخيل وجود نقيض للسياسة الستالينية اكبر من هذا.
يحب معارضوا لينين إستدعاء ردة فعل لينين الى الذاكرة- عندما كان يستمع الى احدى معزوفات بيتهوفين وبدأ بالبكاء وبعدها فورا أدعى أن الثوري يجب الا يجيز لنفسه مثل هذه العاطفية- على أنها اثبات على قدرته الفائقة على السيطرة على النفس. اليس من الممكن ان

تحمل هذه النادرة شهادة على عواطف جياشة يحتفظ بها لينين، عارفا انه بحاجة اليها من اجل أهداف نضاله السياسي.
أن تفاصيل الحياة البلشفية اليومية منذ 1917 ولاحقا تكشف من خلال بساطتها المفرطة كم كانت الحال مختلفة في التراتبية الستالينية. يترك لينين منزله لصالح معهد سمولني ليلة الرابع والعشرون من اكتوبر عام 1917 وفي القطار يسأل السائقة عما اذا كانت هنالك ثمة معارك في مركز المدينة. وفي الاعوام التي تلت ثورة اكتوبر، غالبا ما كان يتجول لينين في سيارة مع سائقها وحارسه الشخصي "جيل"، لقد تم اطلاق النار عليهم من قبل الشرطة وتم توقيفهم (إذ لم تكن الشرطة تعرف لينين). في أحدى المرات وبعد زيارته لاحدى مدارس الضاحية يقوم بعض افراد عصابة متخفية بملابس الشرطة بسرقة سيارة لينين ليقوم هو وحارسه "جيل" بالتوجه مشيا لاقرب نقطة شرطة للتبليغ عن الحادثة. في اغسطس عام 1918 يتم اطلاق النار على لينين خلال حديث كان يجريه مع العمال خارج احد المصانع. يقوم "جيل" باخذه في السيارة الى الكرملين حيث لا اطباء هناك تقترح ناديا كروبسكايا ان يقوم احد ما بالتوجه الى أقرب حانوت لشراء حبة ليمون.
بالنسبة للانجاز التاريخي للينين فإن الكاتبة تؤكد وبحق ان عبقريته تكمن في مقدرته على الحركة خارج السردية النمطية للثورة، بحيث يتبع الانفجار المثير لطاقة الاوتوبيا الثورية تبصر اليوم اللاحق. لقد كان لينين قادرا على الحفاظ على قوة وعزم اللحظة -الاوتوبيا.لا وجود في اي من كتاباته اي اثر لما يسميه لاكان " نرجسية القضايا الضائعة" والمتمثلة بهؤلاء الذين لا يستطيعون انتظار سقوط الثورة لكي يبدئوا بالمديح والتحسر عليها. هذا ما يجعل من لينين سياسي القرن العشرين، قرن الشغف الى الواقعي.