الاقتصاد والماركسية .. 12


فواز فرحان
2013 / 12 / 26 - 18:53     

الاكراه في المجتمع الاقطاعي ..

كانت تقوم الى جانب ملكية الاقطاعي , ملكية شخصية يتمتع بها المنتجون المباشرون من فلاحين وحرفيين , كان الفلاح مثلاً يملك أدوات العمل الزراعي , والحرفي الصغيرة , الى جانب حيوانات العمل والإنتاج , والطيور والدواجن واحتياطي العمل الإنتاجي ( بذور وعلف ) وبيت السكن والأبنية الزراعية , ووسائل النقل , والأدوات المنزلية وغيرها ..
أما الحرفيون في المدن فقد كانوا يتمتعون بحقوق الملكية الفردية فيما يتعلق بوسائل الإنتاج الخاصة , والى جانب ذلك كانت بعض وسائل الإنتاج عند الأفراد تدخل في نطاق ملكية الجماعة أو المشاعة , كالآبار , والطرق , وأحياناً المراعي ..
كانت السمة المميزة لملكية صغار المنتجين , هي أنها كانت تقوم على أساس العمل الشخصي , دون أن يكون لها طابع استثماري , وعلى هذا كانت بمثابة المعارض المكشوف لملكية الإقطاعي ..
إن واقع وجود ملكية المنتجين المباشرين الخاصة , الى جانب الملكية الاقطاعية كان السمة التي تميّز الاقتصاد في عصر الإقطاعية ..
ان احتكار الإقطاعيين للأرض التي تمثل أهم وسيلة للإنتاج يخلق بشكل مباشر تبعية الفلاح الاقتصادية للإقطاعيين , بتعبير آخر الإكراه الاقتصادي , لكن فضلاً عن ذلك يلازم النظام الاقطاعي شكلاً آخراً هو الاكراه الغير اقتصادي ..
ان الإكراه الغير اقتصادي باعتباره سمة نوعية للإقطاعية ينشأ عن وجود استثمار مستقل نسبياً للفلاح , هذا الاستقلال النسبي ناتج عن عدم رغبة الفلاح التامة في العمل لحساب الاقطاعي ..
يجب أن نلاحظ أنهُ مع تطوّر الظروف التاريخية تبدلت درجة تبعية الفلاح الشخصية وطابعها , فحتى في البلدان الاقطاعية الواحدة وفي نفس الزمن , وجِدَت أشكال مختلفة لتبعية هذا الفلاح , لذلك في النظام الاقطاعي يرتبط الفلاح بالأرض , ويفقد كل حقوقهِ , وبقي بيع الفلاح كبضاعة متبعاً ..
ان الصفة الأساسية في هذا النظام هي السمة الطبيعية نفسها التي تلف الاقتصاد بمجموعهِ , سواء في استثمارات الاقطاعيين الكبيرة المتشعبة , أو استثمارات الفلاحين الصغيرة نسبياً والسرية في بعض الأحيان ..
كانت كل ملكية اقطاعية تعيش حياة اقتصادية منعزلة , وقد ظلت حاجات الاقطاعي تتوفر من خلال العمل الحرفي للفلاحين وكذلك تجارة النبلاء , كانت الحرفة في أراضي الاقطاعيين تكمل الزراعة , وفيها يتجمع حرفيو أكثر المهن تبايناً ليصنعوا ما هو ضروري للإقطاعي , بهذه الوسيلة كان الاقطاعيون يؤمنون لأنفسهم جميع أنواع المنتجات , ويحلون قضايا تجديد الانتاج على أساس الاقتصاد الطبيعي ..
لم يكن الفلاحون يعتمدون على الاقتصاد الزراعي فقط , بل كانوا يعيدون أيضاً معالجة المواد الأولية المنتجة في استثمارهم الصغير داخل تبعيتهم للإقطاعي , ويزاولون الغزل والنسيج وصناعة الأحذية وبعض الأدوات الإنتاجية وغيرها ..
كان الجمع بين الزراعة باعتبارها الفرع الرئيسي في الاقتصاد , وبين الحرفة المنزلية التي تحتل مكانة ثانوية أمراً يميّز الاقطاعية بشكل عام , وكان الانتاج يحمل خلال فترة زمنية طويلة نسبياً طابعاً مغلقاً , اكتفائياً , وشاملاً , أما تلك المنتجات المستوردة القليلة التي لا يمكن الاستغناء عنها كالملح مثلاً , ومصنوعات الحديد كانت تؤمن عن طريقة التجار المتجولين ..
وعندما نتابع سير النظام الطبيعي للاقتصاد في عصر الاقطاعية نتمكن ببساطة من تحديد الخصائص التي يحملها والتي تتجسد في ..
1 ــ المدفوعات العينية المتنوعة التي كان الفلاح يدفعها للإقطاعي ..
2 ــ أعباء السخرة التي كان الفلاح يتحملها والمتنوعة الى حد كبير ..
3 ــ تجديد انتاج قوة العمل كان يجري دون شراء وبيع هذه القوة ..
4 ــ أن تعويض نفقات الانتاج كان يؤخذ مباشرةً من الانتاج الإجمالي دون الحاجة لبيع وشراء الوسائل الضرورية للإنتاج ..

كان سبب سيطرة الاقتصاد الطبيعي وضآلة العلاقات النقدية السلعية يستقر في خصائص اسلوب الانتاج الاقطاعي , ضآلة نسبية في مستوى تطور التقسيم الاجتماعي للعمل , وسيطرة الاقتصاد الزراعي , والطابع الاستهلاكي المباشر للإنتاج في الاقطاع , وشكل الملكية الاقطاعية ذاته ..
كان يوم عمل الفلاح التابع في الاقطاعية , يقسم الى ..
ــ زمن ضروري .
ــ وزمن فائض ..
في الزمن الضروري كان الفلاح ينتج ما يسد حاجته وحاجة عائلتهِ , أما في الزمن الفائض فكان الفلاح ينتج إنتاجاً فائضاً يحصل عليه الاقطاعي كاملاً , ودون مقابل , ليس الانتاج الضروري مقداراً ثابتاً لا يتبدل على امتداد التاريخ ..
هذا الانتاج هنا , من وجهة نظر اجتماعية هو مفهوم تاريخي , يتوقف على مستوى انتاجية العمل , وقوة المجتمع الانتاجية , وعلى طابع العلاقات الانتاجية في المجتمع المعيّن ..
ان طبقة المستثمرين في عهد الرق , وفي الرأسمالية تحوز الانتاج كلهُ , ثم تعيد الانتاج الضروري الى الرقيق تحت شكل وسائل المعيشة , والى العامل المأجور تحت شكل الاجور , أما في باقي المجتمع الاقطاعي , فإن الاقطاعي بشكل عام لا يحوز الانتاج الضروري ولا يعيده الى الفلاح , هذا الانتاج يبقى بيد الفلاح المنتج ذاته , ولقد أعطت حصة الارض للفلاح التابع امكانية تجديد انتاج قوة عمله التي يستخدمها الاقطاعي بهدف انتاج فائض , كان الاقطاعي يضع على عاتق الفلّاح مهمة اعالة نفسه وتجديد انتاج قوة عمله , في هذا الأمر بالذات تستقر خاصة طريقة انتاج قوة العمل الملازمة للإقطاعية ..
ان النسبة بين زمن العمل الفائض وزمن العمل الضروري تحدد درجة او معدل استغلال الفلاح التابع للإقطاعية , كان الاقطاعي يحوز على الانتاج الفائض على شكل ريع عقاري , هذه الحيازة كانت تقوم على أساس الملكية الاقطاعية للأرض ..
لهذا ... لم يكن الريع الأرضي أكثر من شكل اقتصادي لتحقيق ملكية الاقطاعيين الأرضية , والسمة المميزة للريع العقاري الاقطاعي هي أنهُ كان يشمل فائض الانتاج كلهُ والناتج عن استغلال الفلاح التابع ..

لقد تطور الريع العقاري وتبدلت أشكالهُ مع تطور اسلوب الانتاج الاقطاعي , وعاشت الاقطاعية باختصار ثلاثة أشكال من الريع العقاري عبر مراحل تطورها العام وهي ..
1 ــ الريع الناتج من العمل ( السخرة ) ..
2 ــ الريع العيني ..
3 ــ الريع النقدي ..

ولو تناولنا هذه الاشكال الثلاثة بوضوح سنرى ..

1 ــ الريع الناتج من العمل ( السخرة ) ..

أول وأبسط شكل من أشكال الريع الاقطاعي , في هذا الشكل كان الفلاح ينتج انتاجه الضروري لتلبية حاجته في أرضهِ , أما الانتاج الفائض فكان ينتجهُ في أرض الاقطاعي , وهذا ما يُدعى بالسخرة والعمل الاكراهي , ان العمل الفائض في هذا الريع منفصل عن العمل الضروري سواء في الزمان أو المكان , فيعمل الفلاح قسماً من أيام الاسبوع ( يومين أو ثلاثة ) مستعيناً بأدوات انتاجه الخاصة (دواب العمل , المحراث , وغيرها ) في أرض السيد الاقطاعي , والأيام الباقية من الاسبوع في أرضهِ .
ولا شك ان الفلاح لم يكن لديه أي اهتمام برفع انتاجية عمله في ارض الاقطاعي , لقد كان انتاجه يبرز تحت شكل العمل الاكراهي القسري لصالح الاقطاعي , ويتم تحت رقابة المالك مباشرة او تحت رقابة من يمثلهُ ..
كان التنظيم القسري للعمل مديناً ببقائهِ لقوة انضباط العصا واستعمالها في قمع الفلاحين وحضّهم على الاسراع في العمل , لقد برز هنا بشكل مباشر الاكراه الغير اقتصادي مع الفلاح ..
ومع مرور الزمن أصبح مقدار عمل السخرة الذي الزم بهِ الفلاح التابع مقرراً بالعادات والتقاليد الى أن تحول الى قانون الزامي , ولم يكن بالإمكان حدوث غير ذلك , إذا ما أدركنا عدم حدوث تطور للقوى المنتجة حينها , وكذلك بدائية طرق العمل في ظل الاقطاعية ..
أما فيما يتعلق بإنتاجية عمل الفلاح في أرضهِ الخاصة , فهي كما يقول ماركس عبارة عن مقدار متحوّل , لقد كان الفلاح كثير الاهتمام برفع انتاجية عملهِ وتحسينها في أرضه , باعتبار ان ذلك يُحسّن وضعهُ الاقتصادي والمادي , لكن هنا يطرح سؤال نفسهُ علينا وهو ..
الى أي حد كان الفلاح قادراً على رفع انتاجية عملهِ في أرضهِ الخاصة ؟
الجواب ..
ذلك كان يتوقف على مقدار عمل السخرة الاكراهي في ارض الاقطاعي , ومقدار التعب والإجهاد الذي كان يتعرّض لهُ ..
ان امكانية نمو انتاجية عمل الفلاح الضروري فتحت آفاقاً هامة أمام نمو القوى المنتجة والتطور الاقتصادي في مجتمع الاقطاعية ...

2 ــ الريع العيني ..
وهو الشكل الثاني من أشكال الريع العقاري في عصر الاقطاعية , فهو عبارة عن نفس الشكل للريع الناتج من العمل لكنهُ بلون مختلف , ان الريع العيني هو الشكل الأكثر تطوراً للريع العقاري الاقطاعي من سابقهِ , إلاّ انه يرافق في معظم الحالات الشكل السابق ..
لقد ظهر الريع العيني في آخر مراحل تطور الاقطاعية , عندما بلغ تطور القوى المنتجة مستوى أكثر رقياً من السابق ( في اوربا الغربية ظهر في القرن العاشر والحادي عشر الميلادي ) ويتميّز الريع العيني عن ريع السخرة في أن العمل الفائض ينفذ لا في شكله الطبيعي باعتباره عملاً خاصاً في ارض الاقطاعي , بل ينفذ الى جانب العمل الضروري في ارض الفلاح الخاصة ..
يقوم الفلاح بهذا العمل متمتعاً بزمن العمل كلهُ دون رقيب لا من المالك ولا من الشخص الذي كان يضعهُ في السابق ليمثلهُ , وعلى مسؤولية الفلاح , في الشكل من الريع العقاري لا ينفصل عمل الفلاح في ارضه عن عمله في ارض الاقطاعي لا في الزمان ولا في المكان ..
ان الفلاح التابع ينتج الانتاج الفائض والضروري في ارضه الخاصة ثم يعطي الاقطاعي فائض الانتاج على شكل اتاوة عينية , ان الاقطاعي الذي يحمل الفلاح على الشكل العيني الطبيعي للريع يحاول ان يستخدم في صالحه الاقتصادي اهتمام الفلاح بنتائج عمله في ارضه الخاصة ..
كان من المفيد للإقطاعي تسليم الفلاح حتى الارض الاخرى التي كان يجري على مسرحها انتاج فائض لهُ , وكان من المفيد له ايضاً ان يُنتج الريع العقاري في ارض الفلاح نفسهُ بعد مضاعفة مساحتها , على أساس أن انتاجية الفلاح كانت في ارتفاع في هذه الحالة ..
هذا الشكل من الريع العقاري هيّأ للإقطاعي الحصول على فائض انتاج أكثر من السابق , وكذلك قضى على تناقضات ادارتهِ , أي على عدم اهتمام الفلاح بالإنتاج في ارض الاقطاعي , والأهم من ذلك بالنسبة لهُ تقلص النفقات التي كان يتطلبها الاشراف على عمل الفلاحين ..
ان الريع العيني شأنهُ شأن السخرة يتطلب الاقتصاد الطبيعي , وقد بلغت الاتاوة العينية التي ينتزعها الاقطاعيون مقادير عظيمة , وغالباً ما كانت تبتلع لا انتاج الفلاح الفائض كلهُ فحسب , بل كانت تمتد الى قسماً هاماً من عمل الفلاح الضروري ..
في اوربا وفي الربع الأول من القرن التاسع الميلادي كان الفلاحون التابعون للإقطاعي يدفعون على سبيل الاتاوة نصف محصولهم , ويدفعون كل ثالث عام لقاء تربيتهم للماشية في اراضي الاقطاعي اتاوة عن كل نعجة وحملها , ولقاء رعي الخنازير في الحقول كانوا يدفعون كميات من الخمر , وكانت الاتاوات تمتد الى طلب البيض والدجاج واللبن والعسل والشمع وغيرها من المواد , بل كانت تمتد الى كل شيء كان الاقطاعي على علم به انه موجود لدى الفلاح ..
فضلاً عن التزام الفلاح بالعمل في الأرض كان عليه الاهتمام بموضوع النقل وقطع الأشجار وأعمال اخرى , كانت الاتاوات التي ينالها الاقطاعيون كبيرة للغاية في ذلك العصر ..
أما في الهند والصين .. كان الريع الاقطاعي هو الضريبة الحكومية المفروضة على الفلاح , وهو أمر يُميّز الريع الاقطاعي العقاري في الكثير من بلدان الشرق الاخرى أيضاً , ففي هند القرن السادس عشر كانت ضريبة الأرض التي تعتبر الشكل الرئيسي لاستغلال الفلاح التابع تشكل ثلث محصوله وهي كمية كبيرة اذا ما قورنت بانتاجه البدائي البسيط ..
كان يتم تحصيل هذه الضريبة في الشرق بمساعدة الجنود , أما في الصين وفي نهاية القرن السادس العشر الميلادي كان الريع العيني هو الشكل السائد في الريع العقاري الاقطاعي , كانت السلطة هي التي تقوم بجبايتهِ من الفلاحين أيضاً باستخدام الجنود , حيث أن أغلب الأراضي كانت تابعة للسلطة , كما أن هذهِ الضرائب في الصين كان يتم جبايتها على مرحلتين طوال العام , صيفاً وخريفاً , ضريبة الصيف كانت تشمل عشرون نوعاً من المنتجات الزراعية , وكذلك من منتجات الحرف المنزلية , في حين كانت ضريبة الخريف تصل الى عشرة أنواع من المنتجات وأنواعها ..
كانت الضريبة تشمل عشر المحصول , لكن ما كان يتم جنيه من الفلاحون يفوق ذلك بكثير , حيث كان الفلاحون ملزمون بتسليم القمح الى العنابر الحكومية , وغالباً ما كانت نفقات التسليم تتجاوز مقدار الضريبة العيني بمرتين أو ثلاثة مرات , أما فيما يتعلق بمعدل استغلال الفلاح فإن المصادر الصينية نفسها تتحدث عن حقبة القرن السابع عشر بالقول .. أن الفلاحون يدفعون الضريبة ليومهم كاملاً وغداً سيضطرون لطلب القروض ..
كان هناك فلاحون لا يعملون في الأراضي الحكومية , بل أراضي تعود للإقطاعيين المنفردين , هؤلاء الفلاحون كانوا يدفعون ضرائب تتجاوز نصف المحصول في بعض الأحيان ..
في الصين وفي تلك المرحلة بالتحديد , كانت هناك الى جانب الاتاوة , ريع السخرة , وقد وجد هذا الريع تعبيره سواء في شكل مختلف أنواع عمل السخرة في أراضي الاقطاعيين , أو بصورة أساسية في شكل التكاليف الحكومية التي هي من حيث الجوهر سخرة حكومية , كانت هذه التكاليف تقع على عاتق الفلاحون والعمال من الذكور ومن الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشر وستين عاماً ..
كان الانتقال من ريع السخرة الى الريع العيني في ذلك الزمن ظاهرة تقدمية , لقد خلقت طريقة الاتاوة العينية امكانية النمو التالي للقوى المنتجة في ارض الفلاح ..
فحتى في عهد السخرة كان الفلاحون الذين لديهم أدوات أفضل , ويعمل معهم عمال أكثر من عائلاتهم , يؤمنون لأنفسهم وضعاً مادياً أفضل , هذا التباين في أوساط الفلاحين تفاقم مع الانتقال الى الريع العيني ..
لقد خلق الشكل العيني للريع آفاقاً واسعة أمام عمل الفلاح الفائض ليستخدمه لمصلحتهِ , وأوجد أمام قسماً من الفلاحين إمكانية تحسين استثماراتهم وتطويرها , وتوسيعها والاغتناء , في حين كان قسماً آخراً من الفلاحين يفتقر وتتهدم أعماله .
لهذا ..
كان الريع العيني انما يعني الاستفحال التالي لتباين الثروات بين الفلاحين ..

3 ــ الريع النقدي ..

هو الشكل الثالث من الريع العقاري الاقطاعي , انه شكل محوّل ومطوّر للشكل العيني للريع , أن الاختلاف بين الريع العيني والنقدي يتمثل في أن الفلاح كان يدفع للإقطاعي في الشكل السابق العيني الانتاج الفائض عينياً , أما في الشكل الجديد فيدفعهُ نقداً ..
أي انهُ يدفع ثمن الانتاج الفائض نقداً , لم يعد من واجبات الفلاح أن ينتج فائضاً فحسب بل عليه بيع هذا الفائض وتحمل تكاليف النقل والحمولة وغيرها , وتحت هذا الشكل عليه ان يقدم الفائض نقداً صافياً للإقطاعي ..
هذه الفقرة تحدث عنها ماركس بالقول ..
(( رغم ان المنتج المباشر يواصل كما في الماضي انتاجهِ لمعظم وسائل معيشتهِ على الأقل بنفسهِ , فإن قسماً من انتاجهِ ينبغي أن يتحول الى سلع , أي أن ينتج كسلع ))..
ماركس .. رأس المال .. المجلد الثالث ص 810
لقد كان الريع العيني أساس الريع النقدي الاقطاعي , رغم أن الانتقال الأخير حدث في مرحلة تفسّخ الاقطاعية , فالفلاح المنتج المباشر كان كما في السابق المستثمر التقليدي أو الوارث للأرض , وهو مطالب بأن يقدم للإقطاعي المالك للأرض انتاجاً فائضاً , أي عملاً مدفوع القيمة , أي عملاً غير مدفوع القيمة , تحت شكل فائض إنتاج محوّل الى نقد ..
ان تحول الريع العيني الى ريع نقدي كان مردهُ الى التطور الهام الذي طرأ على عهد الإقطاعية , على التجارة والحرفة والإنتاج السلعي والتداول النقدي , ففي هذه الظروف كان لا بد للإقطاعي أن ينجذب أكثر فأكثر الى حلبة التجارة , والتداول النقدي , وفرضت عليه عملياً ضرورة فهم الدورة الاقتصادية الجديدة التي ولدها التطور في المرحلة الأخيرة للإقطاعية ..
ظهور الريع العقاري النقدي لا يعني بعد انهيار علاقات الإنتاج الإقطاعية , إلاّ أن ظهورهِ وتطورهِ يشهدان على أن الاقتصاد الاقطاعي يعيش تحوّلات هامة وان الأزمة قد نضجت في طيّاتهِ ..
أبرز هذهِ التحولات كانت ..
1 ــ في الشكل النقدي للريع توطدت واتسعت كثيراً ملكية الفلاح لوسائل الانتاج , وغيرها من شروط العمل المتميّزة عن الأرض ..
2 ــ العلاقات القائمة بين الفلاح والإقطاعي بدأت ذاتها بالتحوّل تدريجياً الى علاقات تعاقدية , ونقدية , وكان وضع الفلاح التابع يقترب تدريجياً الى وضع المستأجر المحض ..
وهو أمر يؤدي بدورهِ الى استطاعة الفلاح شراء التزامات الاتاوي , والى أن يتحول الى فلاح مستقل مالك تمام الملكية لأرضه ..
3 ــ في الريع النقدي بدأت تنشأ أثمان للأرض , أي الريع العقاري المتجمّع , هذا الى جانب ظهور بيع الأرض وشراءها , وبفضل هذا الشيء لم يعد الفلاحون السابقون والمكلفون بدفع الاتاوة يستطيعون وحدهم التحول الى فلاحين مستقلين , مالكين للأرض , بل وأصبح سكان المدن أيضاً قادرين على شراء قطع الأرض وتأجيرها للفلاحين , أو التصرّف بها ..
4 ــ في الشكل النقدي للريع العقاري الاقطاعي بدأت الأرض تؤجر من الرأسماليين في المدن الذين كانوا حتى هذا الوقت أعداداً لا تتجاوز نشاطاتهم حدود المدينة .
5 ــ الشكل النقدي للريع ساعد على ظهور العمال في مجال الزراعة , والذين أتوا من صفوف الفلاحين الذين تعرّضوا للفقر والتي تهدمت استثماراتهم نتيجة وقوعهم تحت سلطة اقطاعي جشع , هؤلاء كان يتم إستأجارهم للعمل في الأرض لقاء نقد ..
هذه التحولات كلها خلقت الظروف لنشوء علاقات انتاجية رأسمالية اخرى , جديدة نوعياً , كان الريع النقدي هو الشكل الأخير للريع العقاري الإقطاعي , وهو يشير الى مرحلة تفسّخ الإقطاعية , والى تطور التشكيلة الرأسمالية التدريجي في طياتها ..
ان التحولات التي تم رصدها في الريع الاقطاعي وأشكالهِ الثلاث تشير الى الحركة الصاعدة في الانتاج الاقطاعي , والى تطور القوى المنتجة فيه , ونمو انتاجية العمل , كان لكل من الطبقتين المتناقضتين في المجتمع الاقطاعي مصلحتها في استبدال شكل الريع العقاري , إلاّ أن هذهِ المصالح كانت متعاكسة عند الطرفين , كان الشكل الأعلى للريع عند المنتج المباشر ( الفلاح ) يفتح آفاقاً واسعة أمام مبادرتهِ الاقتصادية , ويزيد من اهتمامهِ بنتاج عملهِ , ويتيح لهُ جني فائض , بعد دفع جميع ما عليه للإقطاعي ..
كذلك .. كان للإقطاعيين مصلحة باستبدال أشكال الريع العقاري , باعتبار أن هذا يتيح لهم إمكانية زيادة مقادير الريع الذي يحصلون عليه ..
كانت القضية محصورة في أن المقدار العام للريع قد نما كثيراً في الإقطاعية مع تطور وتوسّع الإنتاج السلعي , والسوق الداخلية والخارجية , لقد وجدت في الواقع أشكال مختلفة للريع العقاري في وقت واحد , ولكن دائماً كان هناك شكلاً واحداً يلعب الدور القيادي فيها ..
في روسيا ...كان ريع السخرة الناتج من العمل والناشئ في بداية ظهور الاقطاعية موجوداً على امتداد العهد الإقطاعي كلهُ , رغم أن دوره وأهميته لم يكونان واحداً في مختلف أدوار هذا العهد ..
ففي فترة التفتت الإقطاعي بين القرن الثاني والخامس عشر الميلاديّين تفوّق الريع العيني , في حين عاد المجتمع الى الخلف في النصف الثاني للقرن السادس عشر الميلادي وعاد ريع السخرة للسيطرة على العلاقات الإنتاجية , ولم يلعب الريع النقدي الدور القيادي إلاّ في النصف الثاني من القرن الثامن عشر الميلادي , مع ذلك وجد ريع السخرة والريع العيني الى جانب الريع النقدي في أوقات كثيرة ..
لم تعرف دولة على الأرض تخبطاً في علاقات الانتاج بين تراجع وتقدم كما عرفتهُ الدولة الروسية منذ نشأتها وحتى انهيار الدولة السوفيتية , وقد حيّر ذلك علماء الاقتصاد والاجتماع في آن واحد معاً ..
هذه الأشكال المشار اليها من الريع الأرضي هي أبعد من أن تستنفذ طرق استغلال الفلاح القن , فالإقطاعي الذي استفاد من احتكارهِ للمطاحن وورش الحدادة وغير ذلك من وسائل الإنتاج , ألقى على عاتق الفلاح تكاليف اضافية في صالحهِ ( الاقطاعي ) ..
فضلاً عن أن الفلاح كان مجبراً على اعطاء قسم من محصوله للكنيسة بعد اتساع دورها في المجتمعات ( كانوا يسمونهُ عشر الكنيسة ) , وعلى دفع ضرائب حربية ومحلية اخرى للدولة ..
كانت التكاليف التي ينالها الاقطاعي من السكان لا كمالك مباشر للأرض , بل كسيد من الأسياد في منطقة معيّنة تشكل نصيباً هاماً من دخلهِ , كانت عبارة عن رسوم المرور من منطقتهِ , ورسوم تجنى من الأسواق الحرفية , والمعارض , والورش , فضلاً عن الضرائب المحلية الاخرى ..
كان استغلال الفلاح في العهد الاقطاعي قاسي جداً , ووضع الفلاح التابع كان بائساً , مع ذلك كان النظام الاقطاعي الاقتصادي والاجتماعي يتمتع بأفضلية إذا ما قورن بعصر الرق , فمن الواضح أن تجديد انتاج قوة العمل في ظروف عهد الرق لم يكن بمقدورهِ ان يحدث نتيجة توالد الرقيق الطبيعي , فالطابع الوحشي في استغلال الرقيق أدى الى موت أجيال كاملة باكراً , وأدى الى تقليص معدل أعمار الحياة على الأرض في بلدان عديدة ولفترة طويلة من الزمن , لذا كان سد الحاجة الى قوة العمل يتم فقط عن طريق الحروب ..
أما في الاقطاع فقد كان تجديد قوة العمل يتم بطريقة اخرى , كانت طريقة الحصص في تصرّف الفلاح بالأرض شكلاً من أشكال تزويد الإقطاعي باستمرار بقوة العمل , وكان الفلاح ينتج بنفسه في ارضهِ الانتاج الضروري , في حين كان الرقيق يتعرضون للقمع والإكراه لإنتاج الحاجات الضرورية وبوحشية فاقت العهد الاقطاعي ..
لقد تميزت أفضلية الاقطاع عن الرق اقتصادياً في علاقة المنتجين المباشرين بالعمل ونتائجهِ , فإذا كان نظام الرق يقتل في المنتج المباشر ( الرقيق ) كل دافع للإنتاج , ورفع انتاجية عملهِ , يخلق بذلك طبعاً أعظم درجات تناقضات اقتصاد عصر الرق , فإن الاقطاعية أعطت للفلاح القن بعض الدوافع لرفع انتاجية عملهِ , ففي هذه الحالة , إمكانية الفلاح على العمل بعض الوقت في حصتهِ من الأرض وبشكل أكثر انتاجية , وفي مصلحتهِ , تستقر الميزة الرئيسية لنظام الاقطاع ..
ان الميزة الاقتصادية للنظام الاقطاعي على نظام الرق تنحصر في أن التناقض الملازم لنظام الرق بين المنتجين المباشرين وأدوات الانتاج , يتغلب عليه الى حد ما في الإقطاعية , فمن المعلوم أن مصلحة الرقيق في تحسين وسائل الإنتاج لم تكن معدومة فحسب , بل كان هؤلاء كما لاحظ ماركس يتلذذون في تحطيمها كلما اتيحت لهم الإمكانية لذلك , أما الفلاح التابع للإقطاعي فكان يتميّز عن الرقيق باستخدامه الحذر للأدوات الزراعية , وماشية العمل , وأدواته بشكل عام لسبب بسيط وهو أنها ملكهُ ..
انها ملكية الفلاح لأدوات الانتاج , بالإضافة الى ذلك كان الفلاح يميل الى تحسين ما يعود لهُ من وسائل الانتاج , وبهذا نشأت الإمكانية المعروفة للتطور الاقتصادي ونمو القوى المنتجة , هذهِ هي أفضليات الاقطاعية الاقتصادية في خطوطها الكبرى على الرق , ويجب الاشارة الى أن ميزات أفضلية الاقطاعية عن الرق لم تظهر دفعة واحدة بل عبر فترة زمنية طويلة امتدت لقرون ..

أسئلة متعلقة بالموضوع ..
ــ هل كانت ملكية الاقطاعي للأرض هي الملكية الوحيدة السائدة في العصر الاقطاعي ؟
ــ ما الذي خلفهُ احتكار الإقطاعي لأهم وسيلة للإنتاج في العصر الاقطاعي ؟
ــ تعرض الفلاحون في عصر الاقطاع الى نوعين من الاكراه ما هما ؟
ــ هل تمتع الفلاح بالحقوق والحرية الكاملتين في عصر الاقطاعية ؟
ــ بماذا تبدى الطابع الطبيعي للاقتصاد الاقطاعي ؟
ــ ما الذي يحدد درجة أو معدل استغلال الفلاح التابع للإقطاعي ؟
ــ ما هي أشكال الريع العقاري في عصر الاقطاعية ؟
ــ هل كان انتاج الفلاح في أرضهِ الزراعية ثابتاً ؟
ــ كيف ظهرت السلعة في الاقطاعية ؟ وفي أية مرحلة من مراحلها ؟
ــ ما الذي أحدثهُ التطور المتوالي لأشكال الريع الاقطاعي ؟
ــ في أيةِ دولة في العالم عاش المجتمع تناقضات التقدم والتراجع في العصور الاقتصادية ؟
ــ أين يمكن تشخيص أفضلية الاقطاع على الرق ؟
ــ هل ظهرت أفضلية الاقطاع على الرق دفعة واحدة ؟