التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الإقطاعية


اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الاردني
2013 / 12 / 16 - 14:25     

مثلما نمت العبودية في داخل المجتمعات المشاعية البدائية, فان الإقطاع قد نما في رحم المجتمعات العبودية, ولكن كان يقف عائقاً في وجه علاقات الإنتاج الإقطاعية النظام العبودي السائد, ويعرف الطور الأول للنظام الإقطاعي ببداية العصور الوسطى, وتمتد هذه الفترة من القرن الخامس حتى القرن الحادي عشر, وهذا يختلف عنه مما في آسيا, فقد ظهرت الإقطاعية في الصين في القرن الثالث للميلاد وفي الهند إلى القرن الرابع والخامس, وفي الجزيرة العربية في القرن السابع.
وتعرف الحقبة التي نما فيها الإقطاع بالطور الثاني من النظام الإقطاعي, وامتدت هذه الفترة في أوروبا من القرن الحادي عشر إلى القرن الخامس عشر. أما الطور الثالث للنظام الإقطاعي فيتميز بالانحلال التدريجي للعلاقات الإقطاعية وتبلور الرأسمالية, ويتبلور هذا في أوروبا من القرن الخامس عشر حتى منتصف القرن السابع عشر, ولكن في بقية القارات, فقد بقيت علاقات الإنتاج الإقطاعية سائدة حتى بعد هذه الفترة بسبب السيطرة الاستعمارية للأوروبيين, ولكن يمكن نظرياً اعتبار القرن السابع عشر, قرن انحلال الإقطاع ونشوء الرأسمالية.
بسب اتصال القبائل الألمانية والسلافية القديمة بالمجتمع الروماني العبودي فقد تطورت من المشاعية البدائية إلى الإقطاعية, ولقيت هذه القبائل المساندة من العبيد الرومان اثر غزو الإمبراطورية لتلك القبائل, وقد جمعت شعوب الجرمان أشكال التنظيمات المشاعية بعلاقات الإنتاج العبودية المحتضرة, وقد حفز هذا لنشوء علاقات إنتاج إقطاعية, حيث استوعب الألمان المستوى المرتفع للقوى المنتجة المميزة للدولة الرومانية, وأدخلوا حياة جديدة في المجتمع الروماني, وقد امتزج ملاك الأراضي الأثرياء من الرومانيين بالأرستقراطية الألمانية مما أدى إلى ظهور طبقة حاكمة جديدة. واضطر الفلاحين إلى تسليم الأراضي للأثرياء والخضوع لهم, وتم إعادة الأراضي لا على شكل أملاك, بل على شكل ارض للعمل فيها, حيث يستلم الفلاح الأرض فيؤدي الجزء الأكبر من إنتاجه إلى صاحب الأرض إلى جانب عدد آخر من الالتزامات, ويحصل بعض الفلاحين على قطعة ارض صغيرة بجانب الأرض الأساسية ليعمل فيها لنفسه, وحصل كبار الملاك, ومن بينهم الكنيسة على قطع أراضي جديدة.
في القرن الثامن, ارتبط تطور النظام الإقطاعي بثورة (نظام الملكية), وتتلخص هذه بأن الأراضي (العطايا) لم تعد تعطى (كملكية خاصة), بل أن الملك يوزع على الأشراف قطع أراضي مقابل التزامات عسكرية معينة, فيدرب كل من هؤلاء الأشراف رجالاً من إقطاعياتهم, وينفذون التزاماتهم, وللملك صلاحية سحب الأراضي من (الشريف/النبيل) إذا ما اخل بتلك الالتزامات, وعندما يموت (الشريف/النبيل) ترجع الحيازة للملك.
في القرنين التاسع والعاشر, حدثت تغيرات, نلخصها, بأن تلك (العطايا) التي يمنحها الملك, اكتسبت صفة الوراثة, وصارت تعرف بالإقطاعيات, حيث يقوم أولئك (الأشراف/النبلاء) بتسليم قطعة الأرض لأحدهم, فيقسم الأخير على الولاء للإقطاعي (النبيل), ليؤدي له خدمات والتزامات عسكرية, ويصبح بالتالي تابعاً له. وهذا النظام من (العطايا) الإقطاعية لم يكن يمارس إلا بشكل فردي, ولكنه تكرس بقوة القانون في منتصف القرن التاسع. ومن المعروف إن المراتبية الإقطاعية كانت شديدة التباين, ولكن نورد ما هو الأكثر عرفاً, حيث يأتي الملك على رأس الهرم, فيتلوه الأسياد الإقطاعيين الذين كان يطلق عليهم اسم (اللوردات), أي نقصد هنا بالأشراف الذين ذكرناهم سابقاً, ثم يأتي ملاك الأراضي الأقل مرتبةً, ومن ثم يأتي من يعرف باسم الفرسان.
في الطور الأول من النظام الإقطاعي, كان على اللوردات الإقطاعيين أن يعينوا مشرفاًُ على الأرض لكي يحصلوا على فائدة أكبر, فكانت الأراضي تقسم على الفلاحين ويدفعون جزءاً من الحصول كأتاوة عليهم, أما الغابات والمراعي فكانت أيضا تخضع للورد الإقطاعي, ولكن كان يحصل الفلاح أحيانا على حق رعي الأعشاب, الصيد, التحطيب, وكان اللورد الإقطاعي يستفيد من هذه أيضا.
كان هذا النوع من الاقتصاد ينتج اكتفاءاً ذاتياً للوردات الإقطاعيين وأقنانهم, وكانت الأراضي الملكية قادرة على الإنفاق على الملك وبلاطه, وكان الإنتاج الحرفي يتم استهلاكه داخلياً, وكان يتم التقايض بجزء صغير منه.
نشأت أنظمة ريع إقطاعي كثيرة, كان أولها هو الريع الإقطاعي الذي يدفع ألقن عن طريق أداء الخدمة بالعمل الإجباري, حيث يصرف القن الجزء الأكبر من وقته للعمل في ارض اللورد الإقطاعي, وأيضا يجبر على أعمال البناء ونقل البضائع وبعض الأعمال الحرفية. ونشأ نوع آخر من الريع الإقطاعي تطور مع نمو المدن, وهو أكثر ربحاً للإقطاعيين, فيقوم القن بدفع مبلغ نقدي كبير مقابل استخدامه للأدوات الزراعية ومقابل خدمات التحطيب والصيد والانتفاع بالمراعي, وهذا المبلغ يمثل الجزء الأكبر من الريع المفروض على الفلاحين.
تتضح التبعية الإقطاعية, تبعية الأقتان للإقطاعيين بأمور عديدة أيضاً, فيجني الاقطاعيين الأموال عن طريق الرسوم القضائية والضرائب (ضريبة الرأس في فرنسا), فهذه الضريبة تفرض على كل فرد من افراد عائلة القن, هذا ناهيك عن أشكال التبعية الأساسية المتضمنة أساساً في نظام الالتزامات مقابل الأرض.
في إفريقيا, ظهرت الإقطاعية بطرق تشبه الطرق التي ظهرت فيها في أوروبا, حيث كانت الدولة الغانية تقع في مكان ما بين السنغال والنيجر في القرن السابع عشر, وكان المجتمع الإقطاعي الغاني يتكون من أنماط إنتاج وعلاقات اجتماعية مشاعية بدائية وبعض الأنماط العبودية, وكانت التجارة الخارجية في هذا المجتمع تسود على التجارة الداخلية, حيث تم التعامل مع الملح والذهب مع بلاد إفريقيا الشمالية.
لقد الطور الثاني, الإقطاعية المتطورة نمو المدن وتطورها كمراكز للحرف والتجارة ومراكز للإنتاج السلعي, وتطورت الزراعة بانتشار المحراث الحديدي ونظام (الزرعتين والثلاث) ونمو زراعة الحدائق والعنب.
ظهرت طائفة من الأقتان تدفع كل إتاواتها على شكل بضائع وعن طريق بيع الفائض من البضاعة للأقنان الآخرين من نفس الجماعة بهذا استطاعوا ان يكونوا بعض النقود, وبهذا يمكن ان نتحدث عن كيفية تحرر بعض الأقتان, حيث هرب بعضهم واستقروا بجانب الأنهر او طرق القوافل, وكانوا يشترون بعض البضائع ويبيعونها, فتحول جزء قليل منهم إلى تجار بسطاء.
تطورت الحرف بإقامة روابط بين الحرفيين والسوق, فعندما كانت الإقطاعية في مرحلتها الأولى, كان يسمح للأقنان بتسويق منتجاتهم التي كانت تقام بجانب الكنائس والقلاع, ولكن لم يكن لتلك العمليات الاقتصادية أهمية اجتماعية نظراً لطابعها العرضي. ومع تطور التخصص, والفصل بين الحرف والتجارة, أصبح السوق أكثر حدوثاً.
واتحد جزء كبير من الحرفيين في نقابات تبعاً للصنعة التي يمارسونها, كانت قائمة على قواعد صارمة في تحديد المواد الخام اللازم استخدامها, وكمية السلع المفترض إنتاجها, وقد تم تحديد أجرة الصناع (المساعدين).
لقد أدت العلاقات التجارية بين ايطاليا وجنوب فرنسا, وبين البيزنط والدول الواقعة على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط إلى ازدهار العديد من المراكز المدينية, مثل جنوا ومرسيليا والبندقية, وظهرت المدن كمراكز للتجارة والحرف في ايطاليا وفرنسا في أوائل القرن الثامن, وفي ألمانيا وانجلترا في القرن العاشر والحادي عشر.
ان الظروف الاجتماعية الاقتصادية المتغيرة قد أجبرت طبقة الاقطاعيين على تغيير أشكال السلطة السياسية, فظهرت المركزية الملكية, التي بدأت بتوحيد الأقاليم الاقتصادية المختلفة تحت سلطة واحدة, وقد استمر هذا الشكل في فرنسا منذ القرن الثاني عشر حتى القرن الخامس عشر.

إيديولوجية وثقافة المجتمع الإقطاعي: لم يقتصر استغلال الأقتان على الأساليب الاقتصادية والقهر السياسي وحسب, بل لقد لعبت الكنيسة في الأيديولوجية الإقطاعية الاستغلالية أيضا, وقد اثر النفوذ القوي للكنيسة تأثيراً خطيراً على كافة مناحي ومجالات الحياة الروحية لمجتمعات العصور الوسطى. وتعتبر الكاثوليكية الرومانية مثلاً كلاسيكياً للدور الذي لعبته الكنيسة في المجتمع الإقطاعي. لقد اقتفى تركيب الكنيسة الكاثولوليكية اثر النظام الاجتماعي الرسمي للتبعية الصارمة وعلى رأسها البابا وأساطين روما ومن بعدهم الكرادلة والبطارنة والأساقفة ومن صم القساوسة الذين حافظوا على اتصالهم المباشر بالناس. وكانت الكنيسة الكاثوليكية نفسها من ملاك الأرض الاقطاعيين الأقوياء, فمثلاً كانت كاتدرائية نوتردام تملك أراضي زراعية وكروم وغابات ومراعي ترعى عليها أعداد لا حصر لها من الخيول والماشية والخنازير, وكان الأقتان يدفعون الإتاوات عن طريق نظام العشور.
لقد حل علم اللاهوت الكهنوتي محل العلوم الفلسفية القديمة, واقتصر الأدب على الكتابة المقدسة, والتاريخ على كتابة تقاويم الأديرة, واحتكرت الكنسية النظام التعليمي بأكمله. ومهما كان, فانه مهما يكن هذا الأمر, فان دخول الكنيسة المجال الروحي للناس لم يأتي بطرق سلمية, فلقد اضطهدت الكنيسة كل حملة الفكر المتنور والعلماء والناس البسطاء. وقد كان الإسلام أيضا ديناً ذو نفوذ واسع, فقد وضع مجتمع الإسلام اساساً لتطور الدولة الإقطاعية في الجزيرة العربية والمدن التي احتلها, وأثر تأثيراً كبيراً في الحياة الروحية للناس هناك.
ان سيطرة الأفكار الدينية (المسيحية في أوروبا, والاسلام والبوذية في آسيا) لم يمنع وجود تيارات أيديولوجية مناقضة للدين الرسمي, فمثلاً عمد العرب على إبراز الأفكار الموروثة عن المادية في العصر القديم, وكان ابن سينا وابن رشد من أعظمهم وكانت الكثير من آراءه تتفق مع آراء ديمقريطس, فمن آراؤه مثلاً المساواة الذهنية بين الناس بغض النظر عن وصفهم الاجتماعي.
وقد نقل مفكروا أوروبا آراء ابن رشد ولائموها مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية, وأصبحت الأفكار المادية سلاحاً خطيراً ضد الأيديولوجية الإقطاعية.
فمثلاً ظهر (مذهب الاسمية), وهو اتجاه مادي في فلسفة العصور الوسطى, ومن ممثليه دنس سكوتس واوكام, وقد اعترف هؤلاء بالطبيعة المادية للعالم, وبإمكانية اكتشاف العالم. وظهرت المعارضة المعادية للإقطاع ليس فقط بين سكان المدن الموسرين, بل أيضا بين الفلاحين والعامة من سكان المدن, وكانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالصراع ضد سيطرة الكنيسة, وظهرت الهرطقات, أي الحركات الفلاحية الدينية المعادية للإقطاع على شكل هبات مسلحة, واتخذت تعاليمها شكلاً غامضاً, موجهاً ضد الكنيسة.
أثار الاستغلال الإقطاعي مقاومة عنيفة من جانب الفلاحين والحرفيين, وهيأ التناقض بين الطابع المستقل لاقتصاد المنتج الصغير وتبعيته الشخصية للأرستقراطية الإقطاعية أساساً للصراع الطبقي العنيف المعادي للإقطاع.
وقد كانت الهبات المسلحة للفلاحين سبباً ونتيجة للتناقضات الاجتماعية, وقعت في أرجاء أوروبا في القرنين الثالث عشر والرابع عشر, ثورة الرعاة سنة 1251 والحركة الشعبية سنة 1320 في فرنسا, وحركة دلكينو في ايطاليا من سنة 1305-1307, وثورة وات تايلر في انجلترا سنة 1381, وفي بغداد مقر الخلافة الإسلامية اندلعت حركة شعبية في القرنين الثامن والتاسع, وفي كوريا واليابان والصين وروسيا الخ...
وفي كثير من تلك الهبات, لم يكن الفلاحين يطالبون أكثر من حريتهم الشخصية, وفي امتلاك قطعة اكبر من الأرض التي يزرعونها, ولم تجرؤ الكثير من الهبات على المطالبة بإلغاء الامتيازات الإقطاعية جميعاً, وأدى ضعف تنظيم الفلاحين, وطبيعة عملهم بالذات, ونقص التجربة, وعدم وجود قادة, إلى فشل تلك الثورات.
في الطور الثالث من الاقطاع, اي مرحلة تفككه, احتفظت علاقات الانتاج الاقطاعية بسماتها المميزة, ويمكن ان نلاحظ ظهور الرأسمالية في القرن السادس عشر, الا اننا يمكننا ان نميز هذه الحالة في المدن الايطالية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.
في مجال صناعة المعادن, تطورت القوى الانتاجية بشكل مذهل, تم تطوير الات نفخ المعادن ميكانيكياً بعد ان كان هناك المنفاخ اليدوي, لقد كانت افران صهر المعادن قادرة على تحويل الحديد من حالة صلبة الى حالة لدنة, ولكن مع تطورها صارت هذه الأفران قادرة على تحويل الحديد الى حالة السيولة, مما جعل من السهولة بمكان تشكيل المعادن وانتاج الصلب, بدأت عمليات انتاج الات الخراطة والثقب والطحن.
في مجال صناعة الأقمشة, افسحت الأنوال اليديوية المجال لظهور الانوال الافقية الميكانيكية, وزادت بهذا انتاج القماش.
ومع تطور ادوات الانتاج بشكل متواصل, تمت صناعة السفن الشراعية الضخمة القادرة على حمل حمولات ثقيلة والسير مسافات طويلة, واخترعت الة الكتابة ايضاً.
لقد كان المستوى المرتفع للانتاجية السلعية التي ادت الى تراكم مبالغ طائلة من الأموال في ايدي التجار والمربين سبباً تاريخياً هاماً لنشأة الرأسمال, تلك هي المتطلبات الأساسية لنشأة الرأسمال, ويمكن ان نلاحظ المظهر التاريخي لهذه العملية على نحو افضل في القرنين السادس عشر والسابع عشر في انجلترا, حيث نشأت الرأسمالية هناك قبل اي دولة اخرى.
لقد كان الشكل التعاوني البسيط للانتاج هو المرحلة الاولى من مراحل الانتاج الرأسمالي في الصناعة, ومن هنا, لم يعد العمال يعملون لأنفسهم, بل صاروا يعملون للرأسمالي صاحب المعمل, لقد صار الرأسمالي الان يدفع اجور من كانوا في البداية حرفيين مستقلين, وقد اقيمت المانيفاكتورات بواسطة الرأسمال التجاري اساساً, وكان رب العمل يشتري الأدوات والمواد الخام, ويأتي العمال ليعملوا في ذلك المعمل ويتركزون هناك, ما سمي بالمانيفاكتورة المتركزة.
وكانت ديون الدولة مصدراً هاماً للتراكم البدائي لرأس المال, فقد كانت الدولة بحاجة مستمرة الى المال لصيانة الجيش والادارة, ولم تكن الضرائب تغطي هذه النفقات, فالدولة الاقطاعية (فرنسا) مثلاً, غالباً ما اقترضت الأموال من التجار والمرابين بفوائد عالية.
وكانت الحماية الجمركية, مصدراً اخر من مصادر التراكم البدائي لرأس المال, ففي فرنسا وانجلترا, فرضت ضرائب باهظة على الأدوات المستوردة وعلى تصدير المواد الخام والمواد الجاهزة ومنح التجار وأصحاب الأعمال (في داخل البلاد) معونات مالية وبعض الامتيازات الاخرى.
ان تطور العلاقات التجارية, دفع بنهم الطبقات الاقطاعية الى غزو مناطق جديدة من العالم, والى كشوفات جغرافية واسعة, ولقد رويت قصص كثيرة حول الكنوز المدفونة في الأراضي الاسيوية ما وراء البحار.
كان امراء الاقطاع البرتغاليون والاسبان والتجار هم اول المستعمرين, فقد وصلوا الى رأس الرجاء الصالح والهند, فنهبوا التوابل والعاج والذهب من هناك.
لقد اعلنت الأراضي الأمريكية المكتشفة سنة 1492 ملكاً للتاج الاسباني.
ان الاكتشافات الجغرافية التي تمت في القرن السادس عشر ادت الى تغيرات اقتصادية اجتماعية خطيرة في اوروبا, حيث توسيع السوق العالمية, وزيادة كمية البضائع المتبادلة, والصراع بين البلدان الاوروبية حول ثروات القارات الاخرى.
لقد ساهم تطور هذه العوامل بشكل كبير في تحطيم اسلوب الانتاج الاقطاعي, فالثروة التي نهبت من المستعمرات بدأت تتدفق على اوروبا, وحدث ما يسمى ب(ثورة الأثمان), فالفضة والذهب التي حصلوا عليها من عمل العبيد في امريكا كانت ارخص بكثير من المعادن النفيسة المتداولة في اوروبا كوسيلة للتبادل, ونجم عن هذا ارتفاع في سعر كل السلع الأساسية بشكل مستمر, وتوجيه ضربة عنيفة الى فقراء المدن الذين ليس لهم علاقة بالسوق, والى الشعب العامل في المدن.
لقد دمر الغزاة الاسبانيون شعوب حضارتي الأزتك في المكسيك وأنكاس في البيرو, وقد ساعدهم تفوقهم العسكري وتأييد القساوسة الكاثوليك لذلك, وأقاموا نظاماً وحشياً صارماً للاستغلال, وفي اعقاب اسباني والبرتغال جاء المستعمرين الفرنسيين الذين اغتصبوا عدداً من الأقاليم في امريكا الشمالية والجنوبية.
وقد اسس التجار الهولنديون والانجليز شركات تجارية باسم الهند الشرقية لكي تستغل الشعب الهولندي, وفي القرن السابع عشر حل الاستعماريون الانجليز محل شركائهم الهولنديين في الهند, ولكن في اندونيسيا كان للهولنديين قدماً راسخة اكثر في اندونيسيا, حيث حموا مستمعمرتهم من المنافسين الانجليز.
ان تطور العلاقات الرأسمالية قد وضع على عاتق الارستقراطية الاقطاعية مهام عديدة للحفاظ على سلطتهم, وقد رغب هؤلاء من الاستفادة من زيادة الانتاج الحاصل, لم تكن الارستقراطية الاقطاعية قادرة ان تضع تحت مراقبتها المشروعات الرأسمالية الناشئة, ففرضت الطبقات الاقطاعية الحاكمة ضرائب عالية على تلك المشاريع الرأسمالية الصناعية والتجارية, وقد كان جل اهتمام الطبقة الاقطاعية ان تزيد مواردها المالية لسد مصروفات الجيش والادارة, فاتخذ الريع الاقطاعي مظهراً مركزاً وشاملاً, وقد ارتبط هذا ارتباطاً وثيقاً بزيادة فقر وبؤس الفلاحين.
لم تستطع التناقضات بين القوى الانتاجية النامية والعلاقات الانتاجية الاقطاعية المتفسخة ان تؤدي الى اقامة علاقات رأسمالية جديدة دون تحطيم الهيئات السياسية وأولاً وقبل كل شيء نظام الدولة الاقطاعية, وكانت الثورة, قاطرة التاريخ, هي القفزة التي ادت الى ذلك, فقامت اول ثورة برجوازية في الأراضي المنخفضة 1566-1609, التي اتخذت شكل حرب تحررية وطنية ضد الحكم الاسباني, ورغم الطابع التقدمي لتلك الثورة, فانها لم تلغ الاستغلال, ولكنها احلت الاستغلال الرأسمالي محل الاستغلال الاقطاعي, وكان الفضل يرجع فيها الى الجماهير الشعبية.
اما الثورات التي اثرت على مجمل سير اوروبا التاريخي فانها كانت الثورة البرجوازية في فرنسا في منتصف القرن السادس عشر, والثورة البرجوازية الانجليزية في منتصف القرن الثامن عشر.

المصادر والمراجع:
1- المادية التاريخية, فلاديسلاف كيلله وماتفي كوفالسون, في دراسة نظرية المجتمع الماركسية.
2- تاريخ المجتمعات, خاتشيك مومجيان
3- علوم الاجتماع, دار التقدم
4- اصل الملكية الفردية, احمد محمد غنيم.
5- اللجنة الاعلامية للحزب الشيوعي الأردني