الصناعه التحويليه في العراق بين خبرات رائد وضياع اجيال


محمد سعيد العضب
2013 / 12 / 16 - 01:10     

هل يمكن ان نقول ان عهد الصناعة التحويلية في العراق الجديد ضاع ,وحل عوضا عنه تركيز الجهود فقط علي استخراج النفط الخام وتصديره دون اكمال حلقاته العديدة لتعظيم قيمته المضافة وتحويله من ريع الي عوائد دخل ,عليه يبدو اننا نعيش عهد لا يفقه من اهميه وضرورة بناء صناعه تحويليه متكاملة غير التشبث بما وهبت الطبيعة للعراق من نفط خام , وعلي الجميع الطاعة لهذه الهبه السماوية, هكذا تم تجنيد الجموع في العمل علي استخراجه وتصديره ,ونجلس صاغرين في تلفق ما تهبه لنا الاسواق العالمية من عوائد نعيد بانصياع في استغلالها عبر دوامه هذا الاسواق ,من اجل الانفتاح الوهمي علي الاقتصاد العالمي من ناحيه او تمشدق نخبتنا الميسورة الجديدة في اندماجها بالعولمة الرأسمالية ليس فقط لتعظيم منافعها الذاتية بل لضمان ديمومتها
.ان خبره احد الرواد الاستاذ صباح كجي جي الذي ساهم مع جمع في وضع اسس ولبنات صناعه وطنيه , اراد بمجهود ذاتي ان يدون ويوثق خبراته المتراكمة عبر عقود طويله في اريعه كتب جمعت التاريخ والمعرفة الاقتصادية والفنية كما حاولت الابتعاد في الدخول بمهاترات او تراكمات السياسة العراقية التي جلبت عبر تاريخ ممارستها في العراق الحديث الويلات ,حينما اخفقت تلبيه مطالب هموم البلد والمواطن و ظلت تحوم في وجدانيه المصالح الشخصية والأنانية او عملت علي دعم و ترصين مقومات حاكم مستبد .
هكذا بقيت الممارسات السياسية لا نظمه الحكم المختلفة من طغم الحكم الملكي او ايقونات العهد الجمهوري الاول او الشخصيات العسكرية في عهد الجمهورية الثانية او عهد طاغيه البعث او سلاطين المحتل الاميركي الجدد بعيده عن فك الاقتصاد العراقي من التبعية لقطاع استخراج النفط وتنميه قطاعات صناعيه وخدميه استراتيجية رائده مثل الصناعة التحويلية والزراعة والسياحة .
فالسياسة في العراق, كما معلوم تجاوزت دائما منطق المعقول , ولم تمارس او تتقيد بمدراس فكريه رائده معلومة ,بل انها تمسكت بتلابيب الاساطير والقدرات الشخصية الاجتماعية المرموقة, كما عجزت دائما عن كيفيه ابتكار توليفه تنموية ملائمه تتناسب مع اوضاع ومعطيات الاقتصاد العراقي واهله الجهلة والمنافقين . عليه اتفق مع الكاتب في تجنبه فقه السياسة في العراق التي عكس دائما المصالح الفئوية والحزبية والأيديولوجية الضيقة والرياء المجتمعي السائد التي عبره تم تناسي الوطن وبناءه او خدمه المواطن وتفعليه وتحشيده من اجل المساهمة الفاعلة وجعله كيان له حقوق وعليه واجبات ايضا
.لذا قد يكون منهجه في التحليل غير مناسب او ملائم وبعيدا من ان يصب في مزاج الساسة والجهلة
نستعرض اليوم خبره احد رواد من ساهم في وضع اسس ولبنات صناعه وطنيه في العراق ... الاستاذ صباح كجي, الذي سعي بمجهود ه الذاتي تدوين وتوثيق خبرته المتراكمة عبر عقود طويله في اريع كتب جمعت تاريخ الصناعة في العراق واهم جوانب التخطيط الصناعي في فتره زمنيه طويله امتدت منذ عام 1921ولغايه 1980 علاوة عي طرحه مسائل تتعلق بالدراسات الفنية والاقتصادية للمشروعات الصناعية التي تعتبر من اهم مقومات التخطيط الصناعي الناجع ,
.
الكتب الأربعة التي حررها هي اولا الصناعة في تاريخ بلاد الرافدين .ثانيا التخطيط الصناعي في العراق 1921_ 1980 ثالثا اعداد دراسات الجدوى للمشروعات الصناعية رابعا دراسات ال الجدوى والطرق الفنية في تقييم المشروعات الصناعية


انه بلاسك توثيق حقيقي لمسيره الصناعة الوليدة بكل ما اعتراها من اخفاقات وانجازات, لكنها ظلت تشكل تحديات , اراد جيل الكاتب منذ عقد الخمسينات ان يرفدها بزخم الديمومة والبقاء والعقلانية والرشادة, بعيدا عن التأويلات والمزايدات الأيدولوجية والسياسية الضحلة التي ميزت مسيره العمل العام في العراق منذ تأسيس دولته الحديثة لغايه يومنا الحالي خصوصا حينما تسلطت احزاب دينيه اثنيه علي تلابيب اجهزه الدولة ومؤسساتها’ وهمها الوحيد تحويل الدولة وسلطاتها الي مراتع ارتزاق جهله تحت رايات الايمان والقدر وحشرت في اجهزه السلطة من دب وهب بعيدا عن الكفاءة والانجاز .
انه من حظي ان ازامل الكاتب وفريق عمله في الدائرة الصناعية بوزارة التخطيط لعقد من الزمن في السبعينات, حينما حاولنا جمعيا بقدرات وامكانات محدودة انتهاج العلمية في دفع عجله الصناعة كما اعتقد الجميع من العاملين باننا نسعي من اجل وضع اسس صناعه وطنيه لأجيال قادمه, هكذا تحمل الجميع اعباء توفير مستلزمات ومتطلبات اتخاذ القرارات الصائبة والممكنة المتاحة لمجلس التخطيط الجهه العليا آنذاك في تحديد مسارات البلد نحو التقدم او التخلف ., فحسب قدرات الكادر الفني والاداري طمح الجمع في ترسيه اسس ومقومات بناء صناعات هامه و استراتيجية مثل البتروكيماويات والأسمدة النتر وجيه والفوسفاتية والحديد والصلب والالمنيوم وصناعات المواد الإنشائية اضافه الي تعضيد واسناد صناعات قائمه مثل الصناعات الغذائية والغزل والنسيج وغيرها ,علاوة علي رفدها بمراكز التدريب والتأهيل الضرورية لتوفير الايدي العاملة الفنية الماهرة
لكن المسيرة هذه تعرضت الي انتكاسه شديده جراء اندلاع الحرب العراقية الإيرانية, او ربما توقفت عن استكمال مستلزمات نجاحها او تعطيل اداءها, بل تحولت لاحقا علي عبء كبير علي الاقتصاد الوطني والموازنة العامة .
ضمن الحلقة الاولي من هذه القراءة الشاملة لكتب الاستاذ صباح كجي جي سوف استعرض هنا كتابه الاول الموسوم ( الصناعة في تاريخ بلاد الرافدين )
ضم الكتاب خمس فصول تناول الاول الخلفية التاريخية عن وادي الرافدين ففي اطار ذلك عرج الي نبذه مختصره لتاريخ العراق في الفترات المختلفة التالية :
1.العصور القديمة لبلاد وادي الرافدين ( حوالي 3500سنه ) وهي فتره امتدت من 3500 ق.م اي منذ الكتابة الصورية ثم المسمارية وحتي سقوط بابل في عام 539 ق.م وتشمل العصر السومري والأكدى والبابلي والاشوري.قد تم دمجها مع بعض في فتره واحده بسبب تداخلها في فترات تاريخيه عديده واثرها الكبير بعضها علي البعض الاخر في مختلف الجوانب الحياتية
2. عهد الاحتلال الفارسي الخميني والاغريقي (413 سنه)
ابتداء من عام 539 ق.م وسقوط بابل بيد الملك الفارسي كورش مرورا باحتلال الاسكندر الكبير لبابل عام 331 ق.م ثم العهد السلوقي 311 ق.م وحتي سقوط بابل بيد الفرس ثانيه عام 126 ٌق.م
3.عهد الاحتلال الفارسي (762 سنه)
ابتداءا من 126 ق.م الي 636 ميلاديه وتشمل الاحتلال الفارسي من 126 ق.م الي 226 ميلاديه وفتره الاحتلال الساساني من 226 ميلاديه لغايه 636 ميلاديه
4.عصور الخلافة العربية الإسلامية (662سنه)
ابتداء من 636 م. والفتح الاسلامي للعراق وقوط بغداد علي يد هولاكو عام 1258 م. وتشمل عصور الخلافات الراشدية والأموية والعباسية وعصور البويهيون والسلاجقة
5.عهود الفترة المظلمة (382سنه)
ابتداء من 1258 م. حتي فتره الاحتلال العثماني في عام 1640 م. وتشمل الحكم المغولي والتتري والتركماني والصفوي الفارسي
6.عصور الدولة العثمانية (277 سنه)
ابتداء من 1640 م. وحتي سقوط الدولة العثمانية عام 1917م. وتأسيس الحكم الوطني عام 1921
قبل اكثر من 5000 سنه قبل الميلاد وبعد بدأ انحسار مياه الخليج بدأت بواكير التقدم الحضاري تدخل علي سكان وادي الرافدين : زراعه منظمه ,حرف صناعيه , العمارة , الكتابة ,الفنون ,الآداب والعلوم
استعرض الفصل الثاني الصناعة( ليس بالمفهوم الحديث بل يقصد بها الحرف والمهن القائمة علي الابداع من اجل سد حاجات الفرد من ما كل وملبس وماوي وفن ) وشملت صناعه الفخاريات والاختام واللبن والطين ,القار والاسفلت ,القصب والبردي والاخشاب , الحلي صناعه المعادن والمنتجات المعدنية ,النحاس والبرونز ,الذهب والفضة .
تضمن الفصل الثالث الصناعة في عصر الخلافة العربية والإسلامية وشمل تناول اوضاع الصناعة في فتره ما قبل الفتح الاسلامي مركزا اهتمامه عل المركز الصناعة التي شيدت في هذا العهد العامر واعتماد اسس التخصص الصناعي واهم الصناعات ومنتجاتها المتطورة
(الفخار والخزف والصناعات النسيجية والملابس, الخشب والقصب والنخيل والصناعات الزجاجية والمعدنية) علاوة علي ذلك تم تناول التنظيمات المهنية والاصناف الحرفية والتجمعات التي ارست روح التعاون والتجمع للتعبير عن اهميه المهن وتوصيل رائ مشترك لمصالح الفئه العاملة اي بكلمات اخري نشوء فكره الاتحادات المهنية.
تعرض الفصل الرابع والخامس الي الصناعة في العهد العثماني وفي بداية الحكم الوطني .عموما تم التوكيد في مقدمه الكتاب انه ليس كتابا تخصيصا في تاريخ العراق القديم وان مفهوم الصناعة الواردة تخرج عن مدلولها الالي الحديث بل تظل عمليات خلق من سلع لا جل اشباع حاجات بشريه .
انه ايضا ليس بحثا اكاديميا عن الصناعة العراقية عموما ,بل اعتبره بتواضع جهدا يحتوي علي ملامح الصناعة والحرف في تاريخ العراق القديم منذ بداية حضارته في بلاد سومر وما اعقبها من اوج وصلت اليه بلاد الرافدين من عظمه وازدهار خلال العهود البابلية والأشورية والكلدانية ومن بعدها ما وصلت اليه الصناعات خلال فترات الازدهار للدولة العباسية , ومن ثم ما الت اليه من تدهور خلال فترات الاحتلال الاجنبي الفارسي والعثماني .
اتسم الكتاب علي التبسيط في العرض والتبويب حسب الفترات التاريخية المختلفة معتمدا علي مصادر مشتقاه من منابع تاريخيه واثاريه مباشره كما تم التركيز في البيانات علي ما يخص الصناعة ومحاوله ربطها مع الممارسات الحرفية والاساليب المستخدمة في وقتنا الحاضر
ان الجولة الطويلة استهدفت اضافه مصدر هام للتثقيف الصناعي ليس فقط للعاملين في هذا المجال, بل ربما يمكنه ان يشكل مرشد تعليمي في المدراس, لصناعيه والمعاهد الهندسية وغيرها من مؤسسات التأهيل لما يوفره من معلومات عن جذور تراثهم الصناعي في اعماق التاريخ , وربما الاستفادة منها في تعزيز محاولاتهم ومشاهتهم في بناء النهضة الصناعية الحديثة .
لاشك سيكون الكتاب مفيدا ايضا لكافه المثقفين من الناس للاطلاع ما وصلت اليه قبل بروز العراق المعاصر .
فهذه الرحلة الشيقة الطويلة عبر تاريخ المهن والحرف والصناعات في تاريخ العراء ق البعيد , تؤكد مره اخري علي ضرورة العناية والاهتمام في التراكم المعلوماتي من قبل الاجيال الجديدة للتمكن في السيطرة علي فنون المعرفة التكنلوجية الحديثة و تسخيرها في عمليه نقل وتوطين التكنلوجيا الحديثة لخدمه الصناعة الوطنية الوليدة .
في هذا المجال يمكن ايضا لا جهزه وزراه الصناعة ان تقوم في اخذ عينات من الصناعات والحرف العراقية العريقة وتوثيق المعلومات الهامه بها, بكل ما يتعلق بمواصفات منتجاتها الفنية وطرق وعمليات الانتاج المستخدمة والآلات والمكائن الازمه ,علاوة علي مدخلاتها الهامه وكذلك احتياجاتها من الايدي العامة مع يمكن وضع دراسات الجدوى والاقتصادية لها وعرضها كفرص استثماريه , يمكن توفيرها للقطاع الخاص لا قامتها , بالتالي يمكن خلق مجالات عمل منتجه جديده للمساهمة في حل مشكلات البطالة المستعصية في البلاد , وتخفيف الضغوط علي التعيين في اجهزه الحكومة التي لا تزال تعمق ظاهره البطالة المقنعة المزمنة والسائدة في الاقتصاد العراقي .