تاريخ مانديلا من زواية أخرى!


رعد سليم
2013 / 12 / 14 - 11:19     

صرخ مارتن لوثر کينغ بصوت عالي امام آلاف من المتظاهرين (لدي حلم )..
وکان حلم مارتن لوثر الغاء قوانين الفصل العنصري والغاء كافة اشكال التمييز بوجه الموطنين "السود" في امريكا. لكن حلم مارتن بقي حلما حتي ايام قتله في سنة 1968 علي ايدي عصابات من "البيض" في امريكا. وفي نفس الفترة ناضل نلسون مانديلا سويا مع مناضلين اخرين لكن في مكان اخر اي في جنوب افريقيا، من اجل الغاء نظام التمييز العنصري في جنوب افريقيا، ومن اجل تحقيق الحلم الانساني لمارتن لوثر. وکان مانديلا ضحي بربع من حياته في السجن من اجل تحقيق هذا الحلم. وکان مانديلا رمزا للنضال من اجل الغاء التمييز العنصري ليس في افريقيا وحسب وانما في العالم باسره. لذلك هذا الانسان لديه مكانة خاصة في تاريخ البشرية.
بعد رحيل هذه الانسان بدا رؤساء الدول والاعلام البرجوازي بمدح ووصف شخصية هذا الانسان، وخبر رحيله غطي جزءا کبيرا من الاعلام العالمي. لكن هذا الانسان کان هو نفس الشخص الذي وصفه بوش وتاتشر ورؤساء العالم الغربي بالارهابي. وان نظام الاپارتايد في جنوب افريقا کان محميا بقوة من قبل تاتشر وبوش وخلال عشرات السنين. وان دفاع الغرب وامريكا عن مانديلا في ايامه الاخيرة في سجنه، کان بعد انتقاد مانديلا لسياسة النضال المسلح داخل المؤتمر الوطني الافريقي، ودفاعه عن النضال السلمي المدني بوجه العنصرية ونظامها.
ان نلسون مانديلا وبرغم انتمائه للمؤتمر الوطني الافريقي، الذي کان الحزب الشيوعي رکنا أساسيا وقويا فيه، قصر نضاله فقط من اجل الغاء قوانين التمييز العنصري. وکان نضاله ليس من اجل العدالة الاجتماعية والمساواة والغاء عبودية الطبقة العاملة وانهاء أستغلال الرسمالية للملايين من الطبقة العاملة. ان نضال مانديلا ليس ضد النظام البرجوازي، وانما کان من اجل تعايش سلمي بين برجوازيين "بيض" وبرجوازيين "سود"، والآبقاء على النظام الطبقي من اجل استغلال الطبقة العاملة. وان مانديلا اعطي الحق للبرجوازية ان تستمر بظلمها بحق الملايين من الطبقة العاملة.
ان نضال مانديلا ليس من اجل تحسين الظروف المعيشية للملايين من "العمال السود" او الحد من استغلالهم، وانما بالعكس نضاله من اجل ترتيب البيت البرجوازي او تنظيم الطبقة البرجوازية باکملها بمقابل الطبقة العاملة في جنوب افريقيا. ان مانديلا انتصر في الغاء نظام التمييز العنصري، لكن بقيت حياة الملايين من البشر في مكانها ودون أي تغيير.
وبعد توليه السلطة والحكم في جنوب افريقيا، حاول مانديلا ان ينظم صفوف الطبقة البرجوازية ونبذ الصراعات الداخلية، وتهيئة الظروف والارضية المناسبة لاستثمار اکثر مقابل أستغلال أكثر للطبقة العاملة في جنوب افريقيا. وفي ايام حكمه کان بامكانه ان يغير الكثير من القوانين لصالح الطبقة المحرومة من المجتمع، مثل تثبيت قوانين العمل لصالح العمال، او حتي تثبيت قوانين حرية الاضراب والتظاهرات وحق العمال في تشكيل نقاباتهم وتجمعاتهم. كان بامكان مانديلا ان يغير القوانين المدنية الاخري مثل المساواة التامة بين الرجل والمراة والغاء قوانين عمل الاطفال وتثبيت نظام التامين الاجتماعي والصحي لصالح الملايين من فقراء البلد الذي عانوا لعشرات السنين تحت ظلم الحكم البرجوازي العنصري في جنوب افريقيا. ولو غير مانديلا تلك القوانين في ايام حكمه، لم يكن بامكان السلطة الحالية وجهاز البوليس حامي النظام الحالي من ان يقتل العشرات من العمال المضربين بالرصاص الحي وامام کاميرات الصحفيين. اذا كان نيلسون مانديلا قام بتغيير القوانين الاجتماعية وقوانين الرعاية الصحية، لن نجد اليوم النساء "السود" تعمل 12 ساعة في مزارع للملاك "البيض". اذا کان مانديلا شخصا مؤمنا بالحقوق الكاملة للانسان، لن نري اليوم الاطفال تحت السن الـ 16 يعملون في شوارع مدن کيب تاون وجوهانسبيرغ والمدن الاخري. اذا كان مانديلا غير قوانين الرعاية الصحية، كنا لن نري اليوم أي من الفقراء الذين يعانون من مرض الايدز.
اود ان اقول بان رسالة مانديلا ونضاله من اجل الغاء قوانين التمييز العنصري کانت نضالا مشرفا، لكن کان نضاله وثورته ليس کافيا. ان تاريخ مانديلا ينبغي ان نقراه من جميع الزوايا، ونحن کشيوعين يجب أن تكون لدينا نظرة اکثر عمقا في تحليل الثورات والحرکات الاجتماعية. ان تجربة ودرس مانديلا ودروس ما سميبا"الربيع العربي" والثورات الاخري تفيدنا كثيرا، وتضيف للطبقة العاملة في العالم تجربة مفيدة، ان ليس کل الثورات والحرکات بامكانها ان تغير حياتنا بشكل جذري. وان الطبقة العاملة ليس لها اهداف مشترکة مع البرجوازية في الثورة الواحدة.