حميد الحريزي بين قصيدتين , يلبسُ البياضَ بجيوبٍ فارغة.....


هاتف بشبوش
2013 / 12 / 14 - 00:53     

حميد الحريزي بين قصيدتين , يلبسُ البياضَ بجيوبٍ فارغة.....

الشاعروالكاتب والناقد حميد الحريزي, رئيس تحرير مجلة الحرية , وعضو هيئة تحرير مجلة رؤيا ,شاعرمبدع في قصيدة النثر , شاعر تهكمي ساخر , كثيرا ما يتناول القضايا الحساسة , التي تهم المرحلة الراهنة , أنه يفضح المفسدين على الدوام بأسلوبه الفني مع الحفاظ على تقنية القصيدة , وبنيتها . يكتب بالاسلوب المباشر الذي لايحمل في طياته أي نوع من الغموض , قصيدته واضحة وضوح النجوم في لجة الليل الحالك . أنه يكتب وكأنما يريد أن يقول لنا أنّ القصيدة اليوم وفي ظل المرحلة الراهنة والعصيبة والتي إختلطت فيها الكثير من الأمور , تتطلب نص واضح يعالج مايريده الناس في ذات الاوان . القارئ اليوم لابد أن يقرأ من الشاعر نصوص بلا رموز أو شفرات وتعابير مجازية تأخذ الوقت منه كي يستطيع إدراكها ثم تحويلها الى أفعال على الساحة السياسية والاجتماعية , أو فيما يريده من خدمات معيشية وترفيهية تخصهُ بالصميم . ولذلك نرى الشاعر حميد الحريزي إستفهم واستدرك الشارع العراقي الذي في الأساس مغلوب على أمره , فراح يكتب نصوص تهكمية واضحة , علاجية , فضّاحة لهؤلاء السياسيين المفضوحين في سرقاتهم ونهبهم لأموال وقوت شعبنا .
القصيدة المباشرة يستخدمها اليوم الكثير من الشعراء العراقيين وعلى رأسهم الشاعر الكبير سعدي يوسف , ولذلك نرى القراء ينتظرون بفارغ الصبر مايكتبه سعدي يوسف , على وجه الاخص ما يخرج منه من إبداعٍ نقدي لاذع , على غرار الكثير من قصائده الاخيرة , الاسلوب الذي يحمل الكثير من المعاني الجدية , وكأنها سيف قاطع لرقاب الكلمات التي تنطلق من الذين ظلمونا اليوم وراحوا يتمادون في ظلمهم للشعب العراقي , سعدي يوسف كتب الكثير من الدواوين التي حملت أشعاراً غامضة , ولكن على مايبدو أنه يفكر أنّ لكل مرحلة نهجها وطبيعتها وما تتطلبه المرحلة من صرخة عالية , نافذة , لايوقفها أي حاجز مهما كان , ولذلك جاءت قصيدته الأخيرة والتي أدت الى سحب الجائزة التي منحته إياها منظمة شعراء بلاحدود , جاءت تختلف إختلافا كليا عن جميع قصائده التي كتبها منذ نشوء أظفار الشعر لديه وما مر به من السجون والاضطهاد السياسي , حتى اليوم , أنها قصيدة جاءت نتيجة مايراه الشاعر من التغيير المتردي جدا والذي حل بشعوب بأكملها, شعوب تدعي الحضارة والاخلاق والشيم الأنسانية . ولذلك اليوم الشارع العراقي يحتاج الى شاعر يطلق سهامه التي لابد لها أن تصيب الهدف , لابد لها أن تصل الى عيون القارئ أو آذان السامع بأسرع مايمكن , والشاعر العراقي حميد الحريزي قد جسد بشكل جلي وشجاع مايريده القارئ العراقي بالذات , كأنه يستخدم إسلوب التكتيك المرحلي في الأدب لما تطلبه المرحله الراهنة مثلما يفعل اصحاب المبادئ النزيهة لتمشية مرحلة عصيبة قد تختلط فيها الكثير من الامور . هذا التكتيك يحتاجه الأديب في صنع كلماته وصب إبداعه , لعلاج أمراض التخلف والجهل الذي أصاب شرائحنا الاجتماعية نتيجة أفعال وجرائم من يحكموننا اليوم بالمسبحة والخرافات والأرهاب .
حميد الحريزي ينطلق من السوداوية التي عمت ولاتزال تعم شعبنا الخاسر والمضحي في هذا الدوران المدمر , السوداوية التي أوصلت حالنا الى هذا المآل المتردي . حميد يدخل في لجة الظلام الدامس الذي يشكل الدائرة المغلقة التي اغلقت ثقافاتنا عن طريق السرّاق والافاقين الذين جاءوا بعد سقوط الصنم , والذين هم على غرار مانشاهده في أفلام الممثل المصري عادل إمام , وهو يفضح الذين يدعون الورع والتقية , لكنهم في حقيقة أمرهم يخفون الكثير من الدهاء والشيطنة والاجرامية في داخل سراويلهم .
لذلك نرى شاعرنا الجميل كيف ينفض الغبار المغطي لوجوه الجهلة أوبعض الشياطين في نصهِ الموسوم............( لايعني) ....

أنْ
تلبسَ السواد
لا يعني
أنكَ حسينيًا
أنْ
تكون حسينياً
يعني
أنْ يلبسَ قلبكَ
البياض
****
أنْ
تشج رأسك
لا يعني
أنكَ تحب حسيناً
أنْ
تكون حسينينا
يعني
أنْ
تفرغَ رأسكَ من
الخرافات
*****

نجد هذه الكلمات في غاية الوضوح , مثل اللؤلؤ والمرجان الذي نراه بحوزة الاثرياء , لثمنه الباهض , لكنه في نفس الوقت يسر الناظر اليه , أي ناظر يكون , من كافة المستويات , وذلك لأصالته ونقاءه وبهاءه . ولذلك نرى الشاعر حميد وكأنه يكتب لنا بأسلوب السهل الممتنع , والذي يسر الناظر الى كلماته , مثلما كان الشعراء يكتبون لغرض تحفيز الهمم في الملاحم والبطولات , فما نقرأه في الالياذه والاوديسة ومؤلفات العديد من الكتاب الكبار في العصور السحيقة , كان واضحا لكنه لايخرج من كونه أدبا ملحميا وشعرا خالصا . لذلك شاعرنا حميد كتب فيما تتطلبه المرحلة الراهنة لفضح المدلّسين والمزيفين , فليس كل من لبس السواد هو إستطاع أن يرينا حزنه أو أحاسيسه الحقيقية على الحسين , كمثل الاحاسيس الصادقة للخنساء على أخيها صخر . كما وأن الشاعر يتطرق الى الممارسات التي تثير السخرية , ومنها شج الرأس بالسيف( التطبير) , لغرض الاعلان والاشهار بحب الحسين , هذه الممارسات جعلت منا شعوبا في منظور الفرجة أمام العالم المتحضر , العالم الذي إنطلق ليكتشف مافي بواطن السماوات الاخرى , العالم الذي أصبح اليوم تحت طائلة العلم والعلوم , لقد خرج العالم المتحضر من عباءة الخرافات والطوطمية التي كانت سائدة لدى الكثير من الامم , والتي كانت تحكمها ثقافة القطيع , التي أطلقها الكاتب الالماني ( نيتشة) على الفرد الذي لايجهد عقله في المواقف المستجدة , مثلما نقول نحن في المثل الشائع( حشرُّ مع الناس عيد). عليه يتوجب على مجتمعنا أن يستند الى التفسير العلمي للواقع , مع القليل من المعرفة والفكر الصافي ومع التجارب الحسية , سنفضح الدين كهراء خرافي , مع الاعتماد على العقل , لأن العقل هو بمثابة نبي الانسان , يعني هو النبي الذي يعلمني حين تتعطل ساعتنا نموت وتكون النهاية , فاذا لم تعمل الساعة ينبغي علينا إصلاحها .هذا يعني أننا نستطيع السيطرة على وسائل الانتاج , وعلاقات الانتاج , وبهذه الطريقة نستطيع أن نتخلّص من الظلم , الذي يُراد له أن يُرتكب , ذلك الظلم الذي هو نفسه وقع على الحسين وأصحابه . وبهذا نستطيع تحقيق العدالة في الارض بلا بكاء وعويل أو لطم على الصدور أو ضرب الزناجير على الظهور .
ثم يتطرق الشاعر الى تقليدٍ هو الآخر يثير الريبة والاستغراب كما نرى في نهاية النص....
أنْ
تقيم الولائم
لا يعني
أنكَ
انتصرت للحسين
أنْ
تنتصر للحسين
يعني
أنْ تنتمي لثورة
الجياع

في هذه الثيمة يتطرق الشاعر الى مايقيمه العراقي في الطقوس المعروفة لدى القاصي والداني , العراقيون ميّالون الى حب التسلط والسلطة ( الكاتب العراقي باقر ياسين) , أي عمل أو خدمة تبيح له أن يمارس السلطة تراه يذهب اليها في سبيل حب الجاه والتباهي , فالكثير من هذه الولائم التي تقام في عاشوراء ليس حباً بالحسين ومقامه , وإنما في سبيل إظهار هذا اللون من التسلط , فنجد الكثير من الاثرياء والذين ليس لديهم أية روحية إيمانية يقومون بهذه الطقوس في سبيل التغرر بالآخرين وحرفهم عن معرفة ماهيته الحقيقية , فيغطي عن جميع عيوبه واستغلاله للناس وسرقتهم ببمارسة هذه الطقوس التي تجعل منه وجها إجتماعيا معروفا في الورع والنبل , لكنه في الحقيقة غير ذلك . ولذلك نرى صاحب الوليمة يقف دائما مشمرا ساعديه أمام الجميع ويأمر أبنه على سبيل المثال أو يوجه أوامره الى ألآخرين الذين جاءوا لغرض المساعدة , على أن يوزعوا الطعام هنا وهناك, أو يأمرهم بزيادة شرائح اللحم على الصحون الى فلان وفلان , كأن يكونوا أصدقاء مثلا أو من طبقة الاثرياء على غراره , كي يبرز أمام الآخرين مدى قدرته على إصدار الاوامر وليس حبا بالحسين ,كما وأنه عادة يقف دون أن يأكل مع الآخرين لا لغرض التعفف وإنما لأظهار التباهي في هذا اليوم النادر. كما وأن هذا الشخص نفسه الذي يقيم الولائم للحسين , لايمكن أن يلطم على الحسين مع عامة الناس الفقراء والبسطاء , بل أنه يقف دائما خلف الطابور الذي يقوم باللطم , وبملابسه الانيقة وبحركة بسيطة جدا يقوم بضرب كفه على صدره دون أية تكلفة , بينما البسيط الفقير تراه يفقد صوته ويبح في ذلك اليوم من كثرة الصياح والبكاء على الحسين واللطم على الصدور .لذلك نرى الشاعر حميد في نهاية النص يعلن صرخته الى الفقراء والجياع بأن يرفعوا شعارهم الدائمي بوجه الطاغية ..... ( إعطنا خبزنا كفاف يومنا) .
الشاعر حميد يصرخ مثلما علي الوردي حينما صرخ واتهم بالزندقة للاسف لكونه إنتقد الطقوس الدينية , إنتقد الفقهاء الذين صعّبوا الدين وجعلوه أصعب دين في العالم , إنتقد الخرافة التي أدت الى تجهيل الامة بكاملها , كما نقرأ ماقاله في هذه الابيات أدناه من نص ( نبيُّ من ورق) .......
كفاكم اجترارَ ألخرافةِ
لا أرى
في الجيوبِ سِوى
أنانّيةِ
متلونةٍ بلونِ عُملةِ العصرِ
لا معنى لما تَهرِفونَ
الحبُ
الأخوّةُ
الصَّداقةُ
الوفاءُ والرياءُ
بلا قيمةٍ أن لم تكنْ سلعاً

الشاعرحميد يصرخ لكي يضع حدا لتكرار الخرافة التي لاتهدي البشر والانسانية الى المآل المرتجى , أنه لايهادن , حتى وإن كان كلامه موجها الى من هم في الخطوط الحمراء إذا ما أردنا ذكرهم في الامور المعيبة , أو الاغراض التي لاترتقي لجعل الانسان في المقام الاعلى , بل أنها تجعل من الاخوّة والحب , والصداقة والوفاء , وكل القيم الانسانية التي يمتثل اليها الشرفاء , التي يضحي في سبيلها أصحاب المبادئ أمثال الشاعر حميد , تجعل منها سلعاَ يتداولها المتمرسون في الدهاء والنصب على الآخرين , تلك الصفات التي وصلت الينا على أنها من صفات الأنبياء والرسل , لكننا االيوم نراها على صورة مغايرة , بل أنها باتت تستخدم كسلاح يفتك بالبشرية , في عالمنا الذي بات عالما مظلما لكثرة مانراه من التدليس والرياء والتمثيل والضحك على الذقون , من قبل أولئك القبيحون الذين نقرأ عنهم في كل عصر , فلكل عصر مجرميه وشياطينه , وبوجوه يتراءى للناظر بأنها وجوه أنبياء لكنها تخفي الكثير من العفن في دواخلها الشريرة , أنها وجوه ثعالب , وعلى المجتمعات أن لاتثق بمكر الثعالب كما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي (برز الثعلبُ يوماً بثياب الواعظين ....يمشي في الارض يهدي ويسب الماكرين ...أنهم قالوا وخيرُ القولِ قولُ العارفين ...مخطئُّ من ظنّ يوما أنّ للثعلبِ دين ) .
ثم يعرج الشاعر الى قضية في غاية الاهمية , وهي النفخ في الكلمات النظرية , دون أنْ نعرف ماهي الجدوى من التبجح هذا , دون معرفة الواقع الفعلي , فالنظرية رمادية , لكن شجرة الحياة خضراء على الدوام . لنقرأ ماقالهُ الشاعر من نفس النص.....
الفصاحةُ
البلاغة ُ، بياناتُ الرفضِ
نصوصُ الأدبِ براغيثُ قمامة
((شيكاتُ بنكٍ)) أعلن إفلاسهْ
أو
قُرط ما سٍ
في إذنِ حمار

مهما جعلتم فارقا بين اللغة الدارجة والفصحى , ومهما تكلمتم بلغة فصيحة على طريقة سيبويه والمهمداني ,والحريري ونفطويه , فأنكم تتكلمون بلغوٍ باطل وقيود لافائدة منها . مهما تكون التعابير الرنانة والفصيحة والفاخرة التي يتلفظ بها المنتفعون في كل زمان وعصر , تبقى تعابير جوفاء , لاقيمة لها , لدى المتلقي , إذا لم تداوي أمراضه ومايعانيه من ظلم ٍوألم , أنها كمن يضع الاكسسوارات والحلى في آذان قرد أو حمار .
هناك من يريد ان يعلن أنّ المال هو القوة العظمى المسيطرة , ونحن نقول , لامناص من ذلك , لأن هذه المسألة هي المثيرة للجدل على مر العصور , كما وأنها هي التي رسّخت الصراع بين الطبقات المختلفة , لنرَ بوحَ الشاعر في هذه الثيمة أدناه ..........

تَحَّسسْ جيبَكَ
إذا أهديّ إليكَ سلامُ
تَحسَّسْ رأَسكَ
لو قَبلَّك أحدَهُمْ
خارجَ دار المجانينِ
*
وفِّرْ سلامَك
فَجيوبي فارغة
وفر قبلاتِكَ ، رقبتي لازالتْ مستعبدةَ
لم يعتقها سلطان المالِ

الناس تختلف في كافة المستويات , وتتحسس من أمور كثيرة وخصوصا في أمور المال ومدى الاحترام الذي يلقاه المرء في الشعوب التي ينخر بها الجهل والتخلف , ولذلك قالوا ,,رأيتُ الناس قد ذهبُ الى من له ذهبُ ,,,لكن هذه المهاترات لم نجد لها صدى يذكر لدى أصحاب الادب الرفيع , والقيم الانسانية , أو أولئك الذين شابوا على أن يعيشوا حياة الجيوب الفارغة , أو الذين يكفيهم قوتهم اليومي , أشبعني اليوم , وأجعني غدا , أنهم أولئك الذين يكفيهم السلام والامان , لايشترون أبدا المديح والثناء كما يفعل رجال الساسة اليوم ,الذين نراهم تحت سيف سلطان المال .
ثم يطلق الشاعر صيحته الاخرى عن الخرافة والجهل كما في الآتي من القصيدة ......
كفاكمُ
خرافةً
لا محلَّ من الإعجابِ
لغيرِ
المضافِ والمضافِ اليه.

الشاعر هنا أعطانا صورة واضحة ونداء الى كل من يريد أن يكون في دائرة العقل والامان بعيدا عن الجنون الثقافي , بعيدا عن كل ماهو طوباوي لايغني ولايسمن , بل نداءا لغرض جعل الامور في نصابها الصحيح القريب من العقلانية , البعيدة عن التلون والخبل المعرفي , فالعالم اليوم لايمكن أن يركن الى عجائب الخرافة التي لاتفيد في بناء حضارة بالمستوى المطلوب, لنرَ ماذا جاء في الابيات التالية ......
كفاكمُ
خرافةً
لا محلَّ من الإعجابِ
لغيرِ
المضافِ والمضافِ اليه.

يتطرق الشاعر الى أنّ المرء يحكمه ضميره الانساني , لا الفكر الذي ينتمي اليه , ولا الطائفة ومعتقداتها , ولا الدين الذي يعتنقه , حتى الملاحدة اليوم قال عنهم بابا الفاتيكان ( لستم مضطرين للايمان حتى تدخلوا الجنة , ضمائركم الانسانية كفيلة بادخالكم الجنة ) فهذا أعتراف ضمني أن الذي يردع الانسان عن فعل الشر هو ضميره لادينه . وهذه مانجدها في هذه الأسطر أدناه من نفس النص....

من أَمسكَ منكمُ
بالضمير؟؟
هل
يأكلُ؟؟
هل يزحفُ؟؟
هل يسبحُ
أو يطير؟ُ؟
بديناَ أو نحيفاً
غنيُّ أو فقيرُ
هل يسكنُ
الأُذينَ أو البطينَ؟؟
هل يَزُورُ الأَذانَ والعيونَ؟؟؟
من علمَّهُ السباحةَ في
الدموعِ؟؟
من أسكَنهُ في فتائلِ الشموعِ
يغادِرُ مساكنهُ بِلا أثرِ
يتبخرُّ تارةً
وتارةً
( يموعُ)
نرتجف ُخوفاً حينَ يغادرُ
فرداً
فما حالُنا وقد غادرَ الضميرُ
الجموعَ؟؟؟

لكنّ الشاعر يرجع مرة أخرى , ويشير إشارة واضحة , الى الضمير وغيابه عن القلوب في هذا الزمن الردئ , الزمن الذي لم نجد ولم نقرأ عنه في العصور السحيقة ولا الحديثة , ومما وصل اليه الضمير من تردي وقسوة . الشاعر يتسائل , ومن حقه , فمن لايسأل هم الاغبياء , هم ذوي العقول الجامدة , ولذلك يظل الشاعر هنا يستفسر عن أقوال الانبياء , وما أرادوه من البشر , لكنه لم يسمع سوى الصمت , لم يعثر على شئ سوى ما قرأه في الكتب , عن تلك المبادئ والاخلاق , التي هي اليوم مغايرة تماما , ولكن من يجرؤ ويقول , نريد صحوة الانبياء , نريد يقظتهم لما وصلت اليها الشعوب من قتل ودمار , ومن لم يستطع , على أقل تقدير , ليحرق ما قرأه نتيجة الحنق , نتيجة نفاذ الصبر , نتيجة الوصول الى الطريق االمؤدي الى العدمية في كل شئ , وبذلك تؤدي به الامور , أن يرتمي في ثنايا القول ( أنها حبراً على ورق ) .... لنقرأ هذه التوضيحات في الدرّة الأخيرة من النص .....
نبيُّ العصرِ
صَمتَ ولم يُجِبْ
لم يعثرْ على الضميرِ في القلوبِ
فنامَ بينَ
أَحضان الكُتبِ
من يوقظهُ يموتُ
ومَنْ يحرقُ الحروفَ يصيرُ
((نبياً من ورق)) .......

في النهاية لايسعني سوى القول أنّ الشاعر حميد الحريزي هو موسيقى ماء دجلة العذب , وسمفونية ماءالفرات الغِريَني , هو كاتب الابيات الأشد صرخةً , شاعر يسجلَ بوحهِ الشعري مثلما قال الكبير نزار قباني , بأن الشعر حالة, يضعنا فيها الشاعر بعيدا عن إطار اللغة والبلاغة المعروفة , والقواعد المدوّنة .....شاعر يستطيع أن يأخذ المساحة الكبيرة من الحرية عندما يكتب النص . شاعر وكاتب قرر انْ يقوم برحلةٍ , والتي من المحتمل أن يرى فيها الكثير من الاهوال أثناء الطريق , لكنه قرر أنْ يكتب حتى يصل النهاية . أنه شاعرُّ ومحرضُّ سياسي , وفنانُّ قادرُّ على أنْ يعمل أفضلُ الآشياء .




هاتف بشبـــوش/عراق/دانمارك